الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القانون الدولي و لعبة التوازن:الصراع أم السلم؟

عمر بن بوجليدة

2011 / 12 / 5
السياسة والعلاقات الدولية


تقديم:
ولأن السلم مشروع لسيادة القانون على الصعيد الدولي، ووضع حد للحالة الطبيعية اعتبر كانط الحرب، خارج القانون وأكد على ضرورة الانتقال من مبدأ الطبيعة إلى مبدأ السلم العالمي (=وما إنشاء "الأمم المتحدة" إلا صدى لما اقترحه كانط في مشروع سلم دائمة) غير أن التجربة الكليانية جعلت كثيرين يشككون بتفاؤل كانط.
فالفلسفات السياسية (بوفندروف، غروشيوس، إلى هوبز وهيقل) كانوا متشائمين على الصعيد الدولي، إذ لا يمكن انجاز "لوفياطان" Leviathan عالمي (=دولة عالمية) والحرب لا مفر منها.
فكيف تتقلص الاعتداءات والانتهاكات إذن؟ وكيف يتحقق السلم العالمي؟ هل بالتأكيد على السلم كتوازن للقوة (=هوبز، آرون) أم سيادة الحق، وتحريم الحرب كوسيلة لانجاز الأهداف؟ وأيضا بتطور الإمارات إلى جمهوريات؟ (=كانط).
1 – لعبة التوازن في ظل الحرب الباردة:
إن مبدأ التوازن هو السياسة التي لا يجوز بحسبها أن تمتلك دولة ما، قوى، تجعل جيرانها في عجز عن الدفاع عن مصالحهم بوجهها وهذا هو التكتيك الذي يمنع على دولة ما تجميع قوى تلك المجمعة من تحالف دول منافسة: ان مبدأ التوازن يشكل أداة تجريبية لتثبيت العلاقات الدولية. في كتابه= paix et guerre entre les nations يقول "ريمون آرون" أردنا إنشاء قواعد لسياسة التوازن متعددة الأقطاب، بديلا عن سياسة التوازن ثنائية القطب .
-ذلك أن النظام الدولي المتعدد الأقطاب: تقوم في مستواه المنافسة الدولية بين عدة وحدات دولية أو بالتحديد أكثر من طرفين دوليين. ومع أن قوة هذه الدول غير متساوية فان عدم المساواة في الوسائل هذه لا تؤدي إلى اختلاف في طبيعتها. وهذه هي الحال مثلا التي سبقت الحربين العالميتين: ففي 1910 كان تعداد أطراف ستة كبرى (=ألمانيا، انقلترا، النمسا هنغاريا، فرنسا، ايطاليا، روسيا) وفي 1936 كان ثمة 07 (=ألمانيا، انجلترا، فرنسا، ايطاليا، اليابان، روسيا، الولايات المتحدة الأمريكية) ها هنا ينبع نظام توازن القوى من تعددية أقطاب القوة.
إن مبدأ التوازن قد يؤدي إلى ولادة عدّة نماذج، فاللعبة المثلثة بين (= واشنطن، بيكين، موسكو) سنوات 71-1976 تتلاقى مع نظام ثلاثي الأقطاب وقد تكهن كسنجر بقدوم توازن عالمي خماسي يضم فضلا عن القوى الثلاث السابقة، كلا من أوروبا واليابان
-أما النظام الدولي الثنائي القطب: فهو تمثيل موازين القوى، يقول آرون، بحيث أن معظم الوحدات السياسية تتجمع حول اثنين بينها، تسمح لها قواها بالتقدم= هنا تقوم قوتان كبيرتان بقيادة اللعبة. ويجعل كل واحد منها مركز تحالف، ويجبر الأطراف الثانوية على تحديد مواقعها بالنسبة للكتلتين. وبسبب غياب الحكم فأنهم يتصادمون دائما مباشرة أو بالوكالة، ويتسم النظام بعدم الاستقرار.
إن نموذج النظام الثنائي القطب حديث: إذ ولد بعد 1945 في إطار ما سمي بنزاع بين الشرق / الغرب أو الحرب الباردة وشمل المرحلة ما بين 1947 (= مبدأ ترومان، مخطط مارشال) و1962 (أزمة الصواريخ في كوبا) والسيمات التي تميز الحرب الباردة هي الوضع المختلط (فلا هي حرب حقيقية ولا هي سلام حقيقي) وانتصار سياسة الكتل وكذلك توازن الرعب.
وحسب الدراسات القانونية، لا يمكن تحديد يوم معين تبدأ وتنتهي فيه الحرب الباردة. غير أن الخبراء بالشؤون الإستراتيجية يجمعون على أن الحرب الباردة قد بدأت فعلا بالضبط اثر خطاب تشرشل في مدينة فيولتن الأمريكية يوم 05 مارس 1946 وقد قال "انه أصبح مقتنعا بأن الروس لا يحترمون إلا القوة..." ولا شك أن لخطاب فيولتن أهمية بالغة في التاريخ للحرب الباردة: لأنه شكل نقطة تحول ختمت مرحلة سابقة وفتحت آفاقا جديدة من العلاقات الدولية.
2 – الصراع أم السلم؟
رسمت اتفاقية Westphalie (1648) للسلم -وضعت حدا للحرب بين البروتستانت والكاثوليك- ملامح العالم:
-نظام عالمي قائم على فكرة توازن القوى.
-التمييز الحاد بين القانون الداخلي (= داخل مجال الدولة الأمة) والقانون الدولي
-الفصل الحاد بين الأخلاق والسياسة.
ذلك أن نظرية توازن القوى تصور الساحة الدولية على أنها مجال نزاع وصراع بين وحدات (=الدول، الأمم) بغاية الاستئثار أكثر ما هو ممكن بوسائل القوة والنفوذ، لذلك فان هذه الساحة هي ممثلة إلى حد كبير للحالة الطبيعية كما صورها هوبز.
لأن معاهدة Westphalie أكدت مبدأ السياسة المطلقة للدولة داخل حدودها وجعلتها تقف عند هذه الحدود. فالدولة لها ما تريد شريطة عدم الاعتداء على جيرانها وإذا كان الهدف الأقصى من وجود الدولة هو البحث عن السلم وإزالة الإمكانية الطبيعية للعنف فان الاقتران بين الحق والقانون صعب. ولكن حلول السلم محل علاقات القوة والارتياب إنما هو مجاوزة للحالة الطبيعية فالسلم كما يوضح كانط مشروع لسيادة القانون على الصعيد العالمي، فسيادة الحق على الصعيد الدولي وتطور العلاقات الدولية عبر الاتفاقات والمعاهدات والقرارات ينجز الأهداف.
فمشروع السلم الدائمة يقتضي اعتبار الحرب خارج القانون على عكس ما كان يتصور هوبز وهيقل اللذان يؤكدان انه لا مفر من الحرب والأهم هو تقييد مبدأ اللجوء إلى الحرب ذلك أن سيادة مبدأ القانون على الصعيد الدولي والانتقال إلى مبدأ السلم العالمي يكون مرهون بتطور مختلف الإمارات إلى جمهوريات (=تقارب الديمقراطية الدستورية) وبالتالي سيادة الدستور والقانون.
فالجمهورية حسب كانط مبدأ الحق والقانون في مستوى تسيير شؤون الناس واتخاذ القرارات الكبرى، التي تهمهم ومن ثمة سيفكر الناس جيدا قبل اتخاذ قرارات الحرب مثلا أما الملوك فيتخذون بسرعة قرارات الحرب لأنهم يستندون إلى جيوس مرتزقة: ها هنا يكون تضاءل اللجوء إلى الحرب داخل الجمهوريات، ومن ثمة تسود السلم في العالم بقدر اتجاه البلدان نحو الحكم الجمهوري وكلما كانت الأنظمة استبدادية كان هناك جنوح إلى الحرب والعدوان والاعتداء الخارجي،، فالاستبداد يحاول تصدير الأزمات، وكلما كثر الاستبداد تراجعت العدالة الاجتماعية، يقول كانط "إن الأمر لا يعدو مجرد إن نعرف كيف يمكن استخدام آلية الطبيعة بالنسبة للبشر حتى نوجه الصراع بين الاستعدادات العدائية في شعب من الشعوب على نحو يجبر الناس أنفسهم ويجبرون بعضهم بعضا على الخضوع لقوانين ملزمة. فتنشأ حتما حالة السلم التي تتوفر فيها القوة للقوانين"
إن كانط على اقتناع تام بأن صيغة حكومة ديمقراطية تحمي حقوق الإنسان وتضمن شروط مشاركة ومشاورة
أعضاء المجموعة. تؤكد سياسة سلمية تنتهج خارج حدودها ومع شعوب أخرى.
وكانط كما يقول هابرماس هاهنا لا يمكن أن يتجاوز أفق تجربة عصره = أي مبدأ السيادة المطلقة للدولة. Pour Habermas Kant n’a pas été en mesure de dépasser l’horizon d’expérience de son époque .
إن التجربة الكليانية ورؤية البشرية بأنها تسير نحو تهديم ذاتها جعل الكثيرين يشككون بمصداقية الأخلاقية الكانطية وتفاؤل القرن الثامن عشر (=قمة هذا التفاؤل مع كانط) حول السلام بواسطة الحكومة الجمهورية، وإحلال التجارة محل الحرب ذلك أن الدول الليبرالية كانت أوصلت علاقاتها مع الدول الغير ليبرالية إلى حدود الكارثة.
ها هنا لا نندهش أن يكون ريمون أرون في كتابه paix et guerre حساسا تجاه الآمال التي أطلقها التقدم: الذي يعد بحل المشكلة الاقتصادية ويجعل الحرب باطلة ويقر بأصناف من السلم: la paix par la peur, la paix par la loi, la paix par l’empir وينوه ريمون آرون بنص لـ"دافيد هيوم" يؤكد توازن القوة، ذلك أن الدولة عدوة لكل دولة، ومن ثمة الصراع والتنافس من اجل القوة. ويصبح تطوير إمكانات التصدي ضرورة، إذا ما تفطنت دولة أن جارتها حازت وسائل للهجوم عليها.
إذن هناك عاملان أسهما حتى الآن بالسلام: الردع النووي (= وان كان يتضمن بدوره خطرين على السلام الذي أسهم بإقامته = خطر الحرب اللامعقولة التي تدمر التاريخ والحساسية المتزايدة تجاه الأسلحة النووية) والعامل الآخر هو الذي تنبأ به المدافعون عن المساواة والديمقراطية عن القدرة السلمية للمجتمع الصناعي في استبدال الحرب بالعمل.
ـــــــــــــ


الهوامش:
- Raymon Aron : Paix et guerre p.111
2- Kant : Projet de paix perpétuelle p.44
3- Kant : Projet de paix perpétuelle pp.44-45
4-M. Kchaou : droit cosmopolitique p.194
5- Aron : paix et guerre








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بشير شوشة: -من الضروري نشر المحتوى التاريخي على جميع المنصات


.. حماس تعلن وفاة أحد المحتجزين.. وإسرائيل توسع عملياتها باتجاه




.. في ظل الرفض العربي لسياسات رئيس الحكومة الإسرائيلية في غزة..


.. روسيا تكتسح الغرب في -معركة القذائف-.. المئات يفرّون من القت




.. جبهة لبنان على صفيح ساخن .. تدريبات عسكرية إسرائيلية وحزب ال