الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في مواجهة الثورة المضادة

عمار شريف

2011 / 12 / 5
ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011


في مواجهة الثورة المضادة
( ح. م ): هل كانت مشاركة القوى اليسارية والنقابات العمالية والاتحادات الجماهيرية مؤثرة في هذهِ الثورات؟ و إلى أي مدى؟
عمار شريف: بالدرجة التي أخصّ بها تونس ومصر، نعم، كانت النقابات العمالية وجماهير العمال وجمهور الطلبة والشباب الواعي والتقدمي هي التي صاغت مسار الاحتجاجات الواسعة والمذهلة التي اندلعت بشكل متتالي في هذين البلدين وأدت الى الاطاحة بكل من الرئيسين زين العابدين بن علي وحسني مبارك.
حضور هذا الجزء الفعال والحيوي وصاحب المصالح التقدمية وتقاليد نضال العمال المعاصرة والمتحضرة هي التي ساهمت في قلب موازين القوى سريعاً لصالح الجماهير المنتفضة. مما أدى الى إنزال ضربات موجعة خاطفة بالنظامين في كلّ من البلدين لدرجة إحساس الخطر الفعلي على مجمل هيكل النظام من قبل الطبقة الحاكمة ومؤسساتها المختلفة بحيث تضحي بشخص الدكتاتور على مضض لحفظ أركان النظام ومؤسساته ومصالح الطبقات التي يمثلها وسلطتها في مكانها.
دور الاتحاد التونسي للشغل والقادة العماليين هناك وحضورهم التاريخي طوال عقود في مقدمة النضال الاجتماعي والسياسي في مقارعة الدكتاتورية والاستغلال ودور الطبقة العاملة المصرية ونقاباتها وقادتها الميدانيين والسلسلة الطويلة من الاضرابات والاعتصامات والنضال المرير الذي خاضته لسنوات مضت مع الطبقة الحاكمة ونظامها وحضور التنظيمات التقدمية في أتون التحرك الجماهيري، هي العوامل التي رسخت تقاليد النضال المديني المعاصر وطبيعته الجماهيرية والراقية. وهي التي أعطت ذلك البعد الجماهيري للانتفاضتين التونسية والمصرية ورقي أساليب نضالهما. ولنفس الأسباب تجنبت الجماهير مآسي الخوض في مواجهات ومغامرات مسلحة مع أنظمة مدججة بالسلاح ومستبدة وما تعنيه من ويلات وسهولة ركوبها من قبل جماعات وأفراد حتى يصعب السيطرة على تحركاتهم وتحالفاتهم ومدى سلطاتهم وصلاحياتهم كما حدث في ليبيا وكما يحدث في أماكن أخرى كاليمن وسوريا.
وبالقدر الذي كانت فيه الطبقة العاملة والفئات ذات المنافع التقدمية وتنظيماتها حاضرة وبدرجة انتظامها الخاص واستقلاليتها عن الحركات وآفاق الطبقة البرجوازية وسياساتها واحزابها سواء الحاكمة أو المعارضة، بنفس الدرجة حققت عدداً من المكاسب وأحرزت بعض التقدم لصالح المجتمع. وبما إنّ درجة تنظيم العمال والكادحين والنساء والشباب في هذين البلدين وتسلحهم بالأفق السياسي الواضح لم يكن بالدرجة الكافية لايصال انتفاضتهم الى مرحلة الثورة الاجتماعية التي تجهز على النظام وسلطة الطبقة الحاكمة، فاننا رأينا الحجم الهائل من التوهمات بالمؤسسة العسكرية في مصر والتراجعات الي فُرضت على انتفاضتي تونس ومصر منذ الأسابيع الأولى. الأمر الذي مكن تحالفات أجنحة الطبقة الحاكمة في معسكر الثورة المضادة متمثلة ببقايا النظامين القديمين والحركات الاسلامية الرجعية من إحراز مواقع متقدمة في الصراع الدائر والاندفاع للسيطرة على السلطة بهدف إخضاع الجماهير مجدداً وإدامة سلطة الرأسمال.
(ح. م ): هل كان للاستبداد والقمع في الدول العربية الموجه بشكل خاص ضد القوى الديمقراطية واليسارية دوره السلبي المؤثر في إضعاف حركة القوى الديمقراطية واليسارية؟
عمار شريف: بالطبع، كان للقمع المنظم للحركات اليسارية والتقدمية والضربات المتلاحقة طوال عقود من قبل الأنظمة القومية الفاسدة في هذه البلدان أكبر الأثر ليس في إضعاف تلك الحركات وحسب، بل في إتاحة الأجواء أمام الحركات الاسلامية الظلامية للتحول الى قوى فعلية تمكنت من حشد وتعبئة قواها دون منافسة تذكر.
وعلى صعيد أجتماعي وفكري وثقافي أوسع رفدت مؤسساتُ تلك الأنظمة القوى الاسلامية بكل مقومات وأرضية التوسع والانتشار عبر نشر الثقافة الرجعية والغيبية وثقافة الاستبداد المتوائمة مع المنظومة الايديولوجية للحركات الاسلامية. شكلت مناهج التعليم ووسائل الإعلام ومؤسسات النشر الرسمية في تلك البلدان ظهيراً للحركات الدينية السياسية والتوجهات السلفية لتهيئة الأجواء لها لتحصد ثمارها. بات المتعلمون والحائزون على الشهادات يشكلون العمود الفقري للحركات الاسلامية في بلدان الشرق الأوسط وبلدان العالم العربي. وبدلاً من أن تكون مصدراً للتنوير ولنشر ثقافة العدل ومباديء الحرية والمساواة وتعزيز الرؤية العلمية والعقلانية أصبحت مناهج التعليم المحشوة بالخرافة والنزعات الشوفينية ومازالت وبالاً على المجمتع وأغرقته في وحول التعصب وثقافة نفي الآخر.
ففي معرض التحالف البغيض بين الأنظمة القومية الحاكمة والحركات الاسلامية الرجعية لمناهضة الحركات الاشتراكية والتقدمية اختمر البرنامج المشار اليه أعلاه بشكل منظم وواعٍ في مسعى لالحاق الهزيمة بالنزعة المتأصلة لنيل الحرية والعدالة الاجتماعية وقواها في المجتمع.
لقد كان الثمن باهظاً. تراجعت مكانة المرأة وباتت الملايين من جيل النساء الشابات في القرن الواحد والعشرين في المنطقة أقل حقوقاً وأعتباراً إنسانياً من جيل أمهاتهن، بل وجداتهن حتى، في المجتمعات المدينية على الأقل. حرية العقيدة وحرية التعبير عن الرأي أضحت بدعةً وصار المثقفون والكتاب يواجهون تهم الكفر والارتداد والتجديف في المحاكم ويواجهون عقوبات التفريق عن أزواجهم إضافة الى سيل الفتاوى المحرضة على القتل بصراحة ودون رادع قانوني. هذا ناهيك عن حريات التنظيم والتظاهر والاضراب التي هي من الكبائر في عرف أنظمة ( أبطال ) الأمة من أمثال مبارك وصدام وبشار وعليّ تونس وعقيدي اليمن وليبيا الى آخر القائمة من الملوك والشيوخ والأمراء!
إن التباين الواضح بين تقدمية القوى الثورية في كلَ من مصر وتونس من جهة مع الغموض وطابع المغامرة وتبعية الجماهير شبه المطلق لقيادة الحركات الرجعية في بقية البلدان، إنما يمكن تفسيره بالتفاوت في مستوى إنتظام الطبقة العاملة وعراقة نقاباتها واتحاداتها العمالية والمهنية العاملة ودورها في الصراع الراهن والنضالات التي سبقته.
( ح. م ): هل أعطت هذه الانتفاضات والثورات دروساً جديدة وثمينة للقوى اليسارية والديمقراطية لتجديد نفسها وتعزيز نشاطها وابتكار سبل أنجع لنضالها على مختلف الأصعدة؟
عمار شريف: دروس التاريخ باهظة التكاليف في الغالب بيد انّه ولسوء الحظ لايمكن تجنبها في بعض الأحوال. ما تكسبه الجماهير الثورية ومنظماتها من خبرة ودروس وعبر في مسار الثورات لايسهم في تعليمها وحسب إنما يدفعها نحو شقّ طريقها برؤية أوضح ويبين لها صفوف أعدائها وأصدقائها المتداخلة. كثيراً ما تلمست الثورات أهدافها الحقيقية أثناء عثراتها الناتجة عن توهماتها.
نرى أمام أعيننا خلال ما يقرب من عام ذلك الصراع المرير والمتواصل الذي تخوضه قوى الثورة ضد قوى الثورة المضادة. ونرى المكاسب والخسارات أيضاً وخلال كلّ هذا تكتسب قوى الثورة الدروس والعبر وتكتشف مواطن ضعفها وتوهماتها بالقوى المناهضة للثورة. وتكتشف مدى انتهازية البرجوازية الصغيرة وأحزابها وتذبذبها. فمالم تتوصل طليعة الثورة الى التصميم على السير بأفقها المسقل عن الطبقات الحاكمة لن يمكنها تحقيق مكاسب من أي تحالف مع القوى الأخرى. على العكس سوف تقع تحت تأثير تلك القوى وتفقد بوصلتها الثورية لتنتهي على مذبح مصالح الطبقات الحاكمة.
برأيي أهم الدروس هو فيما يتعلق بالخطو سريعاً نحو امتلاك العمال والكادحين لمنظمتهم السياسية الثورية كأداة لخوض الصراع. إنّ أيّ توهم حول الابتعاد عن السياسة يعني كالخروج الى ميدان حرب دون سلاح ووسائل حربية.
( ح. م ): كيف يمكن للأحزاب اليسارية المشاركة بشكل فاعل في العملية السياسية التي تلي سقوط الأنظمة الاستبدادية ؟ وما هو شكل هذهِ المشاركة ؟
عمار شريف: إذا كان المقصود بالأحزاب اليسارية كلّ الأحزاب التي يحلو لها أن تُلصق بها هذه الصفة بما فيها أحزاب اليسار البرجوازي القومي من بقايا الأحزاب الموالية للاتحاد السوفييتي السابق، فربما يجدّ بعضها التحالف مع الأحزاب الاسلامية والقومية وسيلة للحصول على سهم من السلطة. أما إذا كان المقصود هو الأحزاب والتنظيمات الاشتراكية العمالية التي تستند الى رؤية وشيوعية ماركس، في حال وجودها الفعال طبعاً، فالسبيل هو بالدخول الى ميدان الصراع السياسي كقوة تغيير أساسية. بالنزوع نحو أخذ زمام السلطة السياسية وتطبيق البرنامج الاشتراكي. وعن طريق جذب كافة الفئات ذات المصالح القريبة من مصالح العمال لتشكيل جبهة اجتماعية تقارع الرأسمال وسلطته بالتأكيد على المطالب الأكثر محورية في أي مرحلة. إن الاكتفاء بممارسة الضغط على الطبقة الحاكمة وأحزابها والاقتصار على تعديل وتخفيف سياساتها لن يجعل منها أحزاباً مؤثرة وحاسمة في معادلات وتوازن القوى.
حتى إذا كانت هناك فرصة خوض انتخابات نزيهة والتنافس مع الاحزاب البرجوازية ممكنة، فنفس توفر مثل هكذا فرصة لا يمكن تخيل ضمانها دون حضور حزب العمال الثوري ذاك كقوة مؤثرة مسبقاً وبنفوذ إجتماعي واسع على قاعدة طبقية وإمتدادات أجتماعية في أوساط الفئات التقدمية من المجتمع صاحبة المصلحة المشتركة مع العمال من الفئات الشبابية والطلابية والنسوية.
يمكن لأحزاب البرجوازية أن تخوض انتخابات وتحقق نتائج كبيرة دون الاستناد الى قاعدة تنظيمية حزبية. هذه الآلية غير ممكنة النجاح بالنسبة لحزب شيوعي عمالي. السبب هو إن الطبقة البرجوازية، باعتبارها طبقة حاكمة، هي منظمة مسبقاً بمئات الأطر والتنظيمات الجاهزة والقديمة والثابتة نسبياً في المؤسسات الدينية وبعض قطاعات الخدمة العامة ومؤسسات القمع الطبقية واتحادات أصحاب العمل والتجار والصناعيين ...إلخ وقنوات الاتصال بين هذه الأحزاب وتلك التجمعات مفتوحة وتستند الى المصالح المباشرة والصفقات السياسية دون أدنى توهمات. وتمكن التعبئة بكلّ سهولة عبر وسائل الاعلام والاتصال العديدة والهائلة القدرة التي تملكها كطبقة. في حين تفتقد الطبقة العاملة كطبقة مسودة في ظل النظام الرأسمالي الى هذه الامتيازات لذا يبقى وجود حزب ثوري طليعي يستند الى تقاليد التحزب والانضباط الواعي الى جانب المنظمات الجماهيرية للطبقة العاملة كالنقابات والمجالس شرطاً حياتياً للتأثير على الأوضاع السياسية. وهذا صحيح سواء في أوقات الصراع البرلماني أو لخوض الصراع الثوري من أجل كسب السلطة السياسية للطبقة العاملة.
( ح. م ): القوى اليسارية في معظم الدول العربية تعاني بشكل عام من التشتت. هل تعتقدون أن تشكيل جبهة يسارية ديمقراطية واسعة تضم كل القوى اليسارية والديمقراطية العلمانية ببرنامج مشترك في كل بلد عربي, مع الإبقاء على تعددية المنابر, يمكن أن يعزز من قوتها التنظيمية والسياسية وحركتها وتأثيرها الجماهيري؟
عمار شريف: من دون أدنى شكّ أية خطوة لتشكيل جبهة يسارية وكما ذكرتم حول برنامج عمل مشترك أو لائحة مشتركة سيقوي القطب اليساري والتقدمي في المعادلات السياسية وسيكسبه نفوذاً إجتماعياً.
المهم في مثل هذه التجمعات أو التحالفات أن تلتف حول برنامج يهدف الى الارتقاء بالنضال الاجتماعي للعمال والكادحين والنساء والشباب والفئات المحرومة في المجتمع. وبدوره ينعكس إيجابياً على المستوى المعيشي لهذه الفئات ويرفع من مستوى حقوقها وحرياتها وقدراتها النضالية.
أية لائحة من هذا النوع يجب أن تجعل من مبدأ الدفاع عن الحرية السياسية غير المقيدة والمشروطة في رأس بنودها وتشتمل على مجموعة من المبادي كالمساواة التامة بين المرأة والرجل وحرية العقيدة والتعبير عن الرأي وحرية التنظيم والتظاهر والاضراب والتأكيد على سنّ قانون عمل تقدمي يساهم ممثلو العمال في صياغته الى جانب المطالب الفورية والآنية الملحة في أيّ بلد وأيّة مرحلة. هذه المباديء أساسية ولا يختلف عليها ايّ يساري أو تقدمي وهي تصب في مصلحة أفراد المجتمع وتجمعاته وترتقي بمستوى وأساليب إدارة الصراع والاختلاف السياسي نفسه وتضمن تجنب الكثير من الويلات. ومن باب أولى هي في مصلحة اليسار المضطهد دوماً وتضع حدّاً نسبياً للبلطجة السياسية وتضمن الحد الأدنى من شروط النشاط السياسي والجماهيري لكافة أفراد المجتمع.
تعدد المنابر والرغبة بالاستقلالية حقّ مشروع ويجب أن يكون مصاناً. إذا كانت هناك درجة أعلى من الانسجام السياسي بين الأطراف سيكون مستوى التوافقات أوسع وحسب الخيار الطوعي للاطراف المعنية. حتى انني أبارك أيّ إتحاد مبني على أسس مبدأية وأنسجام كافٍ.
( ح . م ): هل تستطيع الأحزاب اليسارية قبول قيادات شابة ونسائية تقود حملاتها الانتخابية وتتصدر واجهة هذهِ الأحزاب بما يتيح تحركا أوسع بين الجماهير و أفاقا أوسع لاتخاذ المواقف المطلوبة بسرعة كافية ؟
عمار شريف: نعم بامكانها وينبغي أن تسعى لهذا الهدف. وعملياً فان الاحزاب اليسارية التي تنتمي فعلياً الى تراث ماركس وترتكز الى أفق طبقي عمالي وشيوعي وبرؤية ماركسية يمكنك أن ترى فيها عناصر نسوية وعناصر شابة في قمة قياداتها. إذا لم يكن كذلك فإنّ هناك خللاً ما.
من الناحية العددية، مازالت مسألة التغلب على الدور الضعيف للمرأة نسبياً معضلة تواجه حتى أكثر المؤسسات والتنظيمات تبنياً لمعايير المساواة. وهذا ظاهر حتى في المجتمعات التي قطعت شوطاً مهماً في مساواة الجنسين. الحقيقة هي إنّ الانتكاس التاريخي لدور المرأة ومكانتها حدث كناتج لهزيمة مبدأ المساوة في المجتمع الانساني مع ظهور المجتمع الطبقي العبودي الذكوري وانحلال النظام المشاعي الأولي الأمومي. هذا هو التحول التاريخي الذي ترتب عليه تفاوت شاسع في الفرص والحقوق بين الجنسين. التفاوت الطبقي هو الجذر المغذي لإنعدام المساواة في المجتمع حتى الآن والمساواة التامة الحقيقية مرهونة بزوال نظام الطبقات نظام التفاوت واللاعدالة.
هذا لايعفي الأحزاب اليسارية والشيوعية من ضرورة السعي الدائم والعملي لزج الناشطات النسويات والشباب في أعلى المستويات القيادية والتحول الى الإداة النضالية بيد الطبقات والفئات المحرومة صاحبة المصلحة في التغيير الثوري. هذا المسعى هو أحد المهام التي يجب العمل على تحقيقها. يجب أن نعمل ضد أحكام الماضي الهمجي لكي يسود حكم الحاضر المتمدن.
( ح .م ): قوي اليسار معروفة بكونها مدافعة عن حقوق المرأة ومساواتها ودورها الفعال، كيف يمكن تنشيط وتعزيز ذلك داخل أحزابها وعلى صعيد المجتمع؟
عمار شريف: أصل المسألة هو مدى الدفاع الحقيقي والنضال اليومي من أجل الارتقاء بحقوق ومكانة المرأة كانسان حرّ. مسألة الدفاع عن إنسانية المرأة وحقوقها ومساواتها التامة مع الرجل وحريتها في القرار حول حياتها الخاصة دون تحديدات أخلاقية وحقها في المشاركة الفعالة في الانشطة الاجتماعية والسياسية كمواطن كامل الحقوق، هي مسألة يجب ألّا تخضع للمساومات أو الظروف بالنسبة لأية حركة تدعي الشيوعية والاشتراكية أو حتى اليسارية. في هذه النقطة بالذات يمكن أن تكتشف مدى أصالة أية حركة سياسية ومبدأيتها وصدقها وحقيقة إدعائها. إن التحجج بالتقاليد والأعراف وديانة المجتمع ومراعاة مشاعرة ليست سوى إعلان صريح عن الهوية الطبقية الحقيقية والانتهازية السياسية وغياب المبدأية.
بالنسبة لي هذه مسائل أساسية لتثبيت النظرة العامة حول الموقف الايجابي لليسار تجاه المرأة وحقوقها. بالنسبة للشيوعية هذه مسائل تتعلق بالهوية السياسية والطبقية وليست خاضعة للتدوال. هذه المبادئ والثبات في الدفاع عنها كفيلة بأن تعطي أكبر وأقوى شحنة لتعزيز مكانة المرأة على صعيد المجتمع أولاً، وداخل أيّ حزب يتبناها ثانياً.
( ح . م ): هل تتمكن الأحزاب اليسارية والقوى العلمانية في المجتمعات العربية من الحدّ من تأثير الإسلام السياسي السلبي على الحرّيات العامة وحقوق الإنسان وقضايا المرأة والتحرر ؟
عمار شريف: الحدّ من تاثير الاسلام السياسي السلبي على الحريات العامة وحقوق الانسان وقضايا المرأة يمكن أن يكون واقعياً عبر العمل على هزيمته سياسياً. الاسلام السياسي اليوم هو البديل السياسي شبه الوحيد من قبل الطبقة الحاكمة المأزومة في الشرق الأوسط. وهو أيضاً البديل الذي باتت حكومات الغرب عموماً وأمريكا بشكل خاص تتوسله ليحلّ محلّ الأنظمة المستبدة التي كانت الحاوي الماهر الذي يسهر على مصاللحها ويلقى دعمها. فالغرب دائما يريد أنظمة مستبدة ومتوحشة يسهل تمرير سياساته عبرها في الشرق الأوسط ولتلجم تطلعات الجماهير وإرادتها المستقلة التي لا يمكنه التعامل معها. كذلك الاسلام السياسي بات طوق النجاة لمشايخ وممالك الخليج التي تنفق أموالاً طائلة وتوظف آلة اعلامية ضخمة لدعمه.
والحال هذه الطريق الأمثل للحدّ من تأثيرة يبدأ من الدخول الى ميدان الصراع السياسي كندٍ وبديل موازٍ. هناك إنقسام وحالة قلقة من عدم التوازن السياسي في المجتمع وهذه لن تدوم الى الأبد. فعاجلاً سوف تؤول الى الحسم بتثبيت أحد البدائل وانتصاره على الأقل لفترة ما ربما تدوم طويلاً. وفي حال انتصار البديل الاسلامي المضاد للثورة تكون الخسارة فادحة. المسؤولية الحالية على عاتق قادة العمال واليسار ومنظماته هو ولوج الصراع باقصى درجات الانسجام والوضوح السياسي لتعبئة الجماهير المحتجة والغاضبة من استمرار الأوضاع السابقة وآليات ورموز النظام السابق وتحالف الاسلاميين مع بقايا النظام في خندق الثورة المضادة.
( ح . م ): ثورات العالم أثبتت دور وأهمية تقنية المعلومات والانترنت وبشكل خاص الفيس بوك والتويتر..... الخ، ألا يتطلب ذلك نوعاً جديدا وآليات جديدة لقيادة الأحزاب اليسارية وفق التطور العملي والمعرفي الكبير؟
عمار شريف: أثبتت الانتفاضات والتحركات الثورية الأخيرة الدور المهم لوسائل الاتصال والانترنيت بما لايقبل مجالاً للشك. وأكدت على حقيقة كلاسيكية في الثورات وهي ضرورة الاستخدام الأفضل لأحدث وأسرع وسائل النشر والاتصال. في القرن التاسع عشر أحرزت الصحافة الورقية والمطبوعات ثورة في سرعة ومدى نشر الخبر والمعلومة والدعاية. وكانت وسيلة مبتكرة ورائعة في نشر الافكار الثورية والدعاية والتحريض. ومع مطلع القرن العشرين أصبحت وعلى يد الحزب البلشفي وسيلة فعالة بيد الطبقة العاملة وحزبها الثوري ولطالما أكد لينين على دورها وخصّ الجريدة بأهمية جعلته يحث الحزب في الكثير من المناسبات على تبني هذه الوسيلة في الدعاية والتنظيم المتواصل. إضافة الى الاستخدام الواسع للمنشورات المطبوعة السرية والعلنية في المراحل المختلفة.
جوهرياً لم يتغير الهدف والمغزى ولكن وسائل النشر ومواقع التواصل الاجتماعي والاتصال وتقنية المعلومات بلغت درجة مذهلة من التطور في سرعة نقل المعلومة ونوعية الوسائل وتعددها. بات بالامكان تعميم أهم القرارات والدعوات السياسية لتصل كافة بقاع العالم في لحظة واحدة مع إدامة الاتصال والمتابعة. وبقدر أكبر أيضاً تستفيد مؤسسات القمع من التطور التكنلوجي الحاصل لمحاولة فرض سيطرة ورقابة أكبر على حياة الناس ونشاطاتهم.
برأيي ما يتطلبه التطور الحاصل في هذا الميدان من الأحزاب اليسارية هو الانتباه الى أهمية هذه الوسائل وتوظيفها الأمثل في الدعاية والتنظيم والاتصال. بهذا الخصوص لا أرى قصوراً في قدرة هذه الأحزاب على توظيف هذه الوسائل بشكل مناسب، إنما المشكلة تكمن في قلة أعداد المستفيدين من هذه الخدمات والوسائل بين قسم واسع من العمال وأبناء الأرياف والفئات الفقيرة بسبب من الفقر والأمية الرقمية وضعف البنية التحتية.
( ح . م ): بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن، كيف تقيمون مكانته الإعلامية والسياسية وتوجهه اليساري المتفتح ومتعدد المنابر؟
عمار شريف: المكانة المرموقة التي بلغها موقع " الحوار المتمدن " اليوم تتناسب مع أداءه المتميز. خلال عقد من الزمان ومنذ انطلاقه حافظ الحوار المتمدن على الوقوف في جانب القضايا التي أعلن التزامه بها كموقع يساري وتقدمي يدعم الحرية الفكرية وحرية التعبير عن الرأي ومباديء المساواة.
أعتقد انّ شهرة وقوة جذب الحوار المتمدن تتأتى من هويته ودرجة التزامه بالخطوط التي أعلنها منذ بدايته. فقد استطاع أن يتحول الى منبر رصين لثقافة ذات وجه انساني في وقت تطغى على الصحافة في المنطقة نزعات رجعية من عنصرية وشوفينية وعداء للحرية وللمرأة وللأقليات. وليس صعباً أن تلحظ درجة الانحدار التي تخوض فيه وسائل الاعلام المتنوعة تلك وبعضها يملك أمكانات هائلة وتقف خلفة حكومات وقوى متنفذة.
الحوار الآن هو منبر لعدد كبير من الكتاب والكاتبات الجيدين من مختلف الأقطار وهناك عدد لابأس به من أشهر وألمع الشخصيات التي كان لها دور ومساهمة بارزة في الفكر والثقافة التقدمية في المنطقة من مفكرين وقادة ونشطاء. وهو مصدر لعدد هائل من القراء. برأيي أحد جوانب قوة الحوار المتمدن هو استناده الى العمل التطوعي في أدارته وتحريره وتسيير أعماله. ليس هدف الحوار ربحياً ولو كان كذلك لما إستطاع الثبات على اتجاهه بسهولة. في الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن نتمنى له مزيداً من التطور والنجاح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الوساطة القطرية في ملف غزة.. هل أصبحت غير مرحب بها؟ | المسائ


.. إسرائيل تستعد لإرسال قوات إلى مدينة رفح لاجتياحها




.. مصر.. شهادات جامعية للبيع عبر منصات التواصل • فرانس 24


.. بعد 200 يوم من الحرب.. إسرائيل تكثف ضرباتها على غزة وتستعد ل




.. المفوض العام للأونروا: أكثر من 160 من مقار الوكالة بقطاع غزة