الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
القوى اليسارية والنقابات العمالية في الربيع العربي
فريد العليبي
2011 / 12 / 5ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011
1ــ هل كانت مشاركة القوى اليسارية والنقابات العمالية والاتحادات الجماهيرية مؤثرة في هذهِ الثورات؟ و إلى أي مدى؟
سأتحدث هنا عن تونس بصورة رئيسية ، لا استغراقا في الخصوصية التونسية و إنما لأني أرى أنها يمكن أن تكون نموذجا لدراسة الحالة العربية بأسرها ، في تونس اليسار يساران ، أحدهما انتهازي و الآخر ثوري، فبينما لعب اليسار الثوري دورا ايجابيا من حيث التأثير في مجرى الانتفاضة و تجذير شعاراتها و السير بها نحو التحول إلى ثورة حقيقية ، فإن اليسار الانتهازي لعب دورا سلبيا فقد انخرط مع الرجعية في الترويج لفكرة الثورة التي حققت أهدافها و شارك في مؤسسات تدعي زيفا التعبير عن الشعب ، و أضفى الشرعية عليها و شارك في انتخابات صورية تحكمت فيها الامبريالية و المال و الإعلام الخليجيين بشكل خاص ، بل إنه شارك في حكومة رجعية غداة فرار بن على . و اللافت أن اليسار الانتهازي قد انقسم إلى قسمين ، قسم تحالف مع اليمين الديني و قسم آخر تحالف مع اليمين الدستوري .
لقد كان للنقابات العمالية و الطلابية و غيرها من المنظمات الجماهيرية دور مهم في الانتفاضة، و قد حدث هذا غالبا ضد إرادة البيروقراطية النقابية التي كانت حتى وقت متأخر قوة احتياطية لدعم بن على .
و إذا أخضعنا مساهمة اليسار الثوري في الانتفاضة إلى التقييم ، أمكننا ملاحظة انه انخرط في النضال منذ الأيام الأولى ، فهو من أطر الاحتجاجات الجماهيرية في جهة سيدي بوزيد و من قاد و أنجح أول إضراب عام في مدينة الرقاب ، و من كان وراء الانعطاف الحاسم الذي عرفته الانتفاضة في مدينتي منزل بوزيان و المكناسي يوم 24 ديسمبر2010 ، عندما استعمل لأول مرة الرصاص الحي من قبل نظام بن على ، مما أدى إلى سقوط أول شهداء الانتفاضة ، و قد نجح اليسار الثوري في الربط بين مشاكل التشغيل و نهب الثروات و بين المسألة الفلاحية ، غير ان الخطة الثورية كانت تعوزه و فضلا عن هذا فإن قدراته اللوجستية كانت محدودة جدا .
2- هل كان للاستبداد والقمع في الدول العربية الموجه بشكل خاص ضد القوى الديمقراطية واليسارية دوره السلبي المؤثر في إضعاف حركة القوى الديمقراطية واليسارية؟
بالتأكيد كان للقمع دوره في التأثير على اليسار من جهة إضعافه، فعلى مدى عشرات السنين لم تتوقف حملات مطاردة اليساريين و الزج بهم في السجون، و التضييق عليهم بأشكال مختلفة ، غير أن هذا لا يمثل السبب الرئيسي في ضعف اليسار الذي يعود برأينا إلى ما هو أعمق من ذلك ، و نعني تأثير الانتهازية من داخل اليسار نفسه ، مما أدى إلى تمزيق صفوفه و تشتيتها بمعني أن السبب الرئيسي داخلي قبل أن يكون خارجيا .
3- هل أعطت هذه الانتفاضات والثورات دروساً جديدة وثمينة للقوى اليسارية والديمقراطية لتجديد نفسها وتعزيز نشاطها و ابتكار سبل أنجع لنضالها على مختلف الأصعدة؟
لا أرى أن هناك دروسا جديدة ، بل هناك دروس قديمة كررتها الانتفاضات الحالية على مسامعنا ، و منها بالأخص أنه دون تنظيم لن يتحقق النصر للكادحين مطلقا ، و أعني هنا التنظيم بأشكاله المختلفة الحزبية و الجبهوية و غيرها ، كما أن الشعب إذا لم يُجد الدفاع عن نفسه بل و المرور من وضع الدفاع إلى وضع الهجوم المنظم فإنه مهزوم لا محالة ، فالثورة كما يقول ماوتسي تونغ ليست مأدبة عشاء أو تطريز ثوب و إنما هي عمل عنيف تطيح من خلاله طبقة بطبقة أخرى ، لقد تبلورت هذه الدروس منذ وقت طويل في كومونة باريس وخلال الثورتان الروسية و الصينية و غيرهما .
و في تاريخ تونس المعاصر هُزمت انتفاضات متتالية لهذه الأسباب بالذات و ضيع الشعب فرصا مهمة لتحقيق انتصارات تاريخية ، و اليوم أيضا فإن الانتفاضة الحالية مهددة بمعرفة المصير نفسه ، خاصة أن أعداءها تتشابك مصالحهم داخليا و عربيا و دوليا ، و هم يطبقون حاليا خطة مدروسة لتخريبها من خلال تحويل التناقض الرئيسي من تناقض بين الشعب و الامبريالية إلى تناقض في صفوف الشعب ذاته ، و قد حققوا نجاحات لا يمكن إنكارها ، و أما ما يروجه الانتهازيون و اليمينيون الدينيون و الامبرياليون الغربيون عن الربيع العربي و الثورات التي حققت أهدافها فمجرد أكذوبة لقطع الطريق أمام تواصل المسار الثوري .
4ــ كيف يمكن للأحزاب اليسارية المشاركة بشكل فاعل في العملية السياسية التي تلي سقوط الأنظمة الاستبدادية ؟ وما هو شكل هذهِ المشاركة ؟
في الوطن العربي إن كان هناك من مكسب كبير حققته الانتفاضات الحالية فهو إجبار الرجعية على التنازل للشعب عن الحريات الأساسية و خاصة حرية التنظيم و التعبير و التظاهر ، و يمكن لليسار الثوري توظيف ذلك لنشر رؤاه و برامجه و التعريف بها لدى جموع الكادحين ، فالفكرة قبل أن تتحول إلى قوة مادية كما يقول كارل ماركس يجب أن تشق طريقها إلى أذهان المضطهدين ، و هنا بالذات ينتظر الثوريين عمل كبير، فالرجعية تمتلك أجهزة متطورة لتخريب وعي الجماهير و الزج بالمعدمين في أتون محرقة الحروب الطائفية و العرقية و العشائرية ، مما يستلزم عملا مضادا يستند إلى فلسفة ثورية تُجيد فن الارتباط بالمسحوقين ، الذين يفتحون اليوم أعينهم في الظلام الدامس و هم يبحثون عن نقطة ضوء .
5- القوى اليسارية في معظم الدول العربية تعاني بشكل عام من التشتت. هل تعتقدون أن تشكيل جبهة يسارية ديمقراطية واسعة تضم كل القوى اليسارية والديمقراطية العلمانية ببرنامج مشترك في كل بلد عربي, مع الإبقاء على تعددية المنابر, يمكن أن يعزز من قوتها التنظيمية والسياسية وحركتها وتأثيرها الجماهيري؟
يواجه الشعب العربي أعداء أقوياء ، يمتلكون أموالا طائلة و ترسانة من الأسلحة المتطورة و إعلاما مؤثرا و هم منظمين جيدا في شكل أحلاف و منظمات عربية و دولية و دولية مثل الجامعة العربية و منظمة المؤتمر الإسلامي و الهيئة العامة للأمم المتحدة و مجلس الأمن و غير ذلك ، و لكن هؤلاء الذين يبدون أقوياء أشداء يمكن إلحاق الهزيمة بهم ، إنهم بالمعنى الاستراتيجي للكلمة ضعفاء أمام قوة الشعب فهم على هذا الصعيد نمور من ورق كما يبينه ماوتسي تونغ ، و قد حدث هذا مرارا و تكرارا في بلدان مختلفة مثل الصين و فيتنام و الجزائر ، و ما حققته الانتفاضات العربية يندرج ضمن هذا المجال بالذات ، فقد هرب بن على الذي كان يبدو قويا بصورة خارقة ، مثلما تنحى مبارك رغم تصميمه على البقاء حتى آخر لحظة ، و لم يكن ذلك ممكن التحقيق دون وحدة الشعب .
إننا نفهم وحدة اليسار ضمن هذا الإطار بالذات أي على قاعدة الالتزام بمقاومة الامبريالية و الصهيونية و الرجعية العربية ، فالأمر يتعلق في نهاية المطاف بوحدة الثوريين ضمن الجبهة الوطنية الديمقراطية المعادية للامبريالية ، أي وحدة على قاعدة الثورة . و كل حديث عن وحدة "اليسار " و " العلمانيين " و " الديمقراطين " خارج هذا الإطار حديث مفرغ من معانيه الحقيقية ، و يتحول أحيانا إلى مجرد لطم للخدود عن وحدة ملغومة يُنظر إليها على أنها العصا السحرية للخروج من المأزق الحالي ، بينما هي وجه من وجوه تكريسه ، و في تونس على سبيل المثال جُربت مثل هذه الجبهات ، و لكنها لم تعمر سوى أيام معدودة قبل أن تنفجر ، و من هنا فإن الوحدة كما يبين لينين تتطلب قبل كل شئ رسما دقيقا للحدود بين مختلف القوى و ضبطا محكما للمهام المشتركة ، علما أن هناك يساريين و ديمقراطين و علمانيين لا يمثلون غير اليمين و قد ارتدى حلة أخرى .
6ــ هل تستطيع الأحزاب اليسارية قبول قيادات شابة ونسائية تقود حملاتها الانتخابية وتتصدر واجهة هذهِ الأحزاب بما يتيح تحركا أوسع بين الجماهير و أفاقا أوسع لاتخاذ المواقف المطلوبة بسرعة كافية ؟
مشاركة الشبيبة و النسوة في مختلف أوجه النضال ليست مطلوبة فقط و إنما هي قضية حياة أو موت بالنسبة إلى الثورة ، و قد ساهمت هذه القطاعات الشعبية بكثافة في الانتفاضة التونسية و قدمت شهداءها و جرحاها في مناطق مختلفة ، حيث يتساوى في ذلك الريف و المدينة ، و يمتلك اليسار الثوري تجربة محترمة في تنظيم الشبيبة و النسوة ، و هي في حاجة إلى التطوير وصولا إلى فسح المجال أمام بروز كوادر ثورية تمنح للكفاح الثوري زخما أقوى فأقوى .
7- قوي اليسار معروفة بكونها مدافعة عن حقوق المرأة ومساواتها ودورها الفعال، كيف يمكن تنشيط وتعزيز ذلك داخل أحزابها وعلى صعيد المجتمع؟
النساء نصف السماء ، و قد بين الفيلسوف العربي ابن رشد قبل قرون أن بإمكانهن أن يكن حاكمات و حكيمات و محاربات ، على قدم المساواة مع الرجال مشبها من أستبعد منهن من المشاركة في الحياة العامة بالأعشاب الطفيلية التي تلحق الضرر بالزرع .
ان دورهن في الثورة مهم جدا ، و تعزيز هذا الدور يقتضي ذهاب الثوريين إلى المعامل و الحقول و المعاهد و الجامعات لتنظيم جمهور النساء ، و في خضم الكفاح ستفرض المرأة المناضلة حضورها ، و لن تحتاج لمراسيم حزبية رجالية لكي تتصدر القيادة هنا أو هناك .
ان ما يحتاجه الثوريون هنا هو القطع مع الانحراف الذي ساد خلال فترة حكم بورقيبة و بن على ، حيث نظر إلى قضية المرأة في انفصال عن المسألة الوطنية الديمقراطية ، بالتركيز على الجانب الحقوقي ، و التغافل عن بقية الجوانب مما جعل المسألة منحصرة في بعض المطالب الديمقراطية دون سواها ، مثل المساواة في الميراث و محاربة العنف المسلط على النساء ، أي إن المطلوب هنا هو الاهتمام رئيسيا بنضال المرأة في المعامل و الحقول ، و عندها سيتحقق الارتباط الضروري بين كفاح النساء و الرجال من أجل التحرر الوطني الديمقراطي و التقدم على طريق الكفاح من أجل الاشتراكية فتحرر النساء جزء من تحرر الشعب نفسه و لا يمكن أن يكون بديلا عنه .
8ــ هل تتمكن الأحزاب اليسارية والقوى العلمانية في المجتمعات العربية من الحدّ من تأثير الإسلام السياسي السلبي على الحرّيات العامة وحقوق الإنسان وقضايا المرأة والتحرر ؟
الإسلام السياسي مرتبط في أغلبه الآن بالامبريالية ، دون أن يُلغي ذلك إمكانية وجود قوى سياسية إسلامية وطنية ، فالمحدد هنا ليس الدين و الطائفة و المذهب و إنما البرامج السياسية و الطبقة التي يُعبر عنها هذا الطرف السياسي أو ذاك . و هذا الأمر ينطبق أيضا على القوى السياسية العلمانية فمنها من يرتبط بالشعب و منها من يرتبط بالامبريالية ، لأجل هذا فإن الصراع المزعوم بين الإسلاميين و العلمانيين هو صراع زائف ، روجت له الرجعية لحجب الصراع الحقيقي بين الوطنيين من جهة و الامبريالية و عملائها من جهة ثانية .
و من ثمة فإن الحريات العامة و الفردية تمثل جزءا من مسألة أعم هي المسألة الوطنية لديمقراطية ، التي بحلها يمكن انجاز المطالب الديمقراطية الكبرى ، مثل الإصلاح الزراعي لفائدة الفلاحين الفقراء ، و المساواة الحقوقية بين النساء و الرجال الخ ....
و كلما تم تركيز النضال على أهداف وطنية و اجتماعية مثل غلق سفارة صهيونية أو قاعدة عسكرية امبريالية و رفع أجور العمال و تشغيل العاطلين عن العمل و توزيع أراض على الفلاحين الفقراء ، إلا و اختفت الأهداف الزائفة مثل غلق كنيسة و تحريم فرقة دينية مخالفة و تكفير مجموعة سياسية معادية و تجريم المُفطرين في رمضان الخ.... و عندها سوف تصاب بضاعة اليمين الديني بالكساد .
9- ثورات العالم أثبتت دور وأهمية تقنية المعلومات والانترنت وبشكل خاص الفيس بوك والتويتر..... الخ، ألا يتطلب ذلك نوعاً جديدا وآليات جديدة لقيادة الأحزاب اليسارية وفق التطور العملي والمعرفي الكبير؟
خضعت وسائط الاتصال إلى التطور عبر التاريخ مثلها في ذلك مثل بقية الأدوات التقنية التي يستعملها البشر ، و قد استفاد الثوريون من ذلك مثلما استفاد منه الرجعيون ، و هذا ما يحدث الآن باستعمال الانترنت و ما يرتبط بها من تقنيات في خضم الصراع بين الطبقات ، و قد راجت أسطورة على هامش الانتفاضات العربية تقول إن الأمر يتعلق بثورة كائنات افتراضية فايسبوكية ، و هذا مناف للحقيقة فالكثير من المنتفضين المعدمين لا علاقة لهم بالفايس بوك و ما شابهه ، دون أن يعني ذلك أن هذه الوسائط لم تستعمل من قبل البعض الآخر و لكنه استعمال محدود ، و برأينا فإن المحدد في الثورات ليس الوسائل المستعملة و إنما البشر أنفسهم . و غني عن البيان أن الثوريين معنيون بملاءمة أساليب نضالهم مع التطور التقني في كل زمان .
10- بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن، كيف تقيمون مكانته الإعلامية والسياسية وتوجهه اليساري المتفتح ومتعدد المنابر؟
الحوار المتمدن موقع مفيد على أكثر من صعيد ، فقد أرسي تجربة أتاحت التفاعل بين عدد من المثقفين العرب من ناحية ، كما مكن من الاطلاع على تجارب حزبية من أقطار عربية مختلفة من ناحية أخرى ، إضافة إلى انفتاحه على تجارب ثورية على مستوى العالم ، و نحن نتمنى له المزيد من التألق بهذه المناسبة .
و إذا كان لابد من عناصر تقييميه لعمله فإننا نلاحظ أنه ربما يحتاج إلى ضبط أكثر لإيقاع عمله، عبر التركيز على النوع أكثر من الكم، فالقارئ يكاد يضيع في ردهات الأقسام المختلفة و النصوص المزدحمة.
فريد العليبي
أستاذ الفلسفة بالجامعة التونسية
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. لماذا أصدر الرئيس الأمريكي جو بايدن عفوًا عن نجله هانتر الآن
.. قوات من الحشد الشعبي العراقي تدخل سوريا للمشاركة في المعارك.
.. هيئة البث الإسرائيلية: النقطة المتعلقة بإنهاء الحرب لا تزال
.. وسائل الإعلام الإسرائيلية تتناول فرص عقد صفقة لتبادل المحتجز
.. مسلحون يسقطون تمثال باسل الأسد في حلب