الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مساهمة اليسار ونهوضه في صيرورة الحراك العربي, المغرب كنموذج

عبدالله بنان

2011 / 12 / 5
ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011


مساهمة اليسار ونهوضه في صيرورة الحراك العربي, المغرب كنموذج
عبد الله بنان

1. ان بلداننا العربية تمر من منعطف كبير وخطير. منعطف كبير لحجم التحولات التي تعرفها المنطقة العربية من احتجاجات و مظاهرات وثورات منذ أواخر 2010 وتستمر الى الآن غيرت من صورة المنطقة العربية لدى العالم وشبابها التواق إلى الحرية والديمقراطية ولم يكن المغرب استثناء عن باقي الدولة العربية. وهكذا تفاعلت القوى الحية والشباب المغربي بإيجاب مع الحراك العربي.
بادر الشباب المغربي في إحداث حركة نضالية انطلاقا من مواقع الشبكات الاجتماعية وتنسيقا بين المجموعات لتعطي الشرارة الأولى والنزول إلى الشارع في 20 فبراير 2011. إنها حركة 20 فبراير المجيدة التي ستؤرخ لميلاد جديد للحركة الاجتماعية الحديثة لتساهم في تغيير نظام الدولة والمجتمع. إن الحركة اليسارية المغربية غير منسجمة, هناك يسار "حكومي" بمعنى مشارك في الحكومة الحالية, وآخر غير "حكومي", كما لهذا الصنف من اليسار أو ذاك نقابة عمالية تابعة له أو مؤثر في قراراتها. وبالتالي جزء مهم من الحركة اليسارية ومنخرطين في النقابات العمالية وجمعيات من المجتمع المدني شاركوا بفعالية ونكران للذات في الحركة النضالية الجماهيرية ضد الاستبداد والفساد في جميع جهات المغرب. لم تكن الحركة اليسارية المغربية لوحدها من يؤطر المظاهرات بل يوجد طرف ثاني ينتمي إلى الإسلام السياسي وله وزن مؤثر في كثير من المناطق. وهما معا, اليساريون والإسلاميون من يقود المظاهرات الجماهيرية في شوارع المغرب رغم ضعف التنسيق السياسي بين المكونين المذكورين.
2. إن الممارسة الاستبدادية للسلطة همشت أدوار الدولة ومؤسساتها وخنق الحريات العامة وقمع حرية التعبير وتضييقها على الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين ومؤسسات المجتمع المدني. إن ظاهرة الاعتقال السياسي الذي عرفه المغرب في تاريخه المعاصر والتي صارت تعرف بزمن الرصاص خير دليل على ما تمت الإشارة إليه من تضييق على الحريات وخنق للمعارضة الديمقراطية. وللإشارة فسياسة الحلول الأمنية والقمعية لا زلت حاضرة إلى يومنا بشهادة منظمة العفو الدولية و هيومن رايتس ووتش والجمعية المغربية لحقوق الإنسان. إن تخلف بلدنا كان في جزء كبير مرده الاستبداد الذي عمق الظلم والإقصاء الاجتماعيين وعزز التأخر العام للمغرب في مجال الاستحقاق الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والديمقراطي بمقارنة مع الدول النامية والصاعدة.
3. إن شعار التوافق الوطني الذي رفعه اليسار التقليدي في بداية تسعينيات القرن الماضي كان الضربة القاسمة بين صفوفه حيث صار للدولة دور أساسي في تعميق خلافاته وتشتيت صفوفه وتجتيت كياناته كما حصل بداية في انشقاق منظمة العمل الديمقراطي الشعبي إلى فريقين, فريق الموالاة لشعار تلك المرحلة وفريق الرفض لأسس هذا الشعار بما يحتويه من تصالح مع قيم الفساد السياسي والانتخابي والإداري. لتتوالى بعد ذلك انشقاق التقدم والاشتراكية, وبعده أتى دور الطرف الرئيسي في اليسار التقليدي الاتحاد الاشتراكي لتقسيمه إلى أطراف لتكون الضربة القاصمة والقاضية على آمال اليسار المغربي والفئات الاجتماعية المرتبطة به. لم يقتصر الأمر على أحزاب اليسار التقليدي بل وصلت عدوى الانشقاق إلى النقابة الرئيسية لليسار التقليدي الكنفدرالية الديمقراطية للشغل. وهكذا أنهى النظام الاستبدادي مهمته بادلال جزء مهم من اليسار المغربي. لقد انتقل جزء من نخب اليسار التقليدي من الطبقة المتوسطة إلى الطبقة البرجوازية مستفيدة من كرم الريع الدولتي والارتشاء السياسي. وجبت الإشارة إلى وجود أصوات وطاقات مناضلة لا زالت أحزاب اليسار التقليدي تختزنها رغم الحصار المضروب عليها من طرف ما يسمى مجازا باليسار الممخزن أو الحكومي. أما ما تبقى من اليسار فهو هامشي القوة و دفاعي المطالب ولا يعطي قيمة لتجديد رؤيته منغمسا في ماضويته اليسارية رغم التضحيات التي يقدمها بسخاء. إن غياب مشروع موحد للتنظيمات اليسارية الديمقراطية بتنوع رؤاها وعلى برنامج حد أدنى ساهم بشكل واضح في تعثر اليسار. إننا لا ندعو لوحدة اندماجية لتنظيمات اليسار لان هذا الشعار في الوضع الراهن مغربيا مضيعة للوقت والطاقة نظرا للتجارب الاندماجية التي عرفت صعوبات جمة لغياب تصور اندماجي وحدوي وثقافة سياسية رفيعة المستوى تنتصر لقيم الحرية والاختلاف والتسامح مما جعل العملية الاندماجية تنهار تدريجيا. كما حصل للوحدة الاندماجية للمنظمة في إطار حزب اليسار الاشتراكي الموحد التي باءت بالفشل وذلك لغلبة التيار اللاوحدي حيث صار حزب الاندماج ساحة لتصفية الحسابات القديمة ليغادره جل أعضاء المنظمة ومناضلين من مكونات أخرى. إن المطلوب من خلال آليات اجتماعية ونضالية الإجابة عن أوضاع البلد دولة وشعبا والعمل على إقرار دولة ديمقراطية برلمانية والحد من كل أشكال الإقصاء الاجتماعي في أفق إنضاج شروط وحدة متينة سياسية وتنظيمية لليساريين.
4. كان فضل حركة 20 فبراير في المغرب على العديد من القوى المجتمعية بعدما أدخلت في متاهة ولم تحسن معرفة مخرج منها وفق إستراتيجية مهدت لها الدولة وقادتها.
أ- كان فضل حركة 20 فبراير على العمل السياسي الذي لم يعد يجدب أحدا من الشعب إلا من رحم ربك كما يقال وذلك بعد ما صار مجالا ينخره الفساد الانتخابي وسلما للترقي الاجتماعي والاغتناء بدون حسيب ولا رقيب. كان القول المكرر أن الشباب لا يهتم بالسياسة ولا بالشأن العام. وبينت الأحداث عدم صحة هذه الأطروحة. بل عزوف الشباب عن العمل السياسي والجماهير عامة مرده الاستهتار بذكاء المغاربة من طرف النخب السياسية المرتبطة والمستفيدة من الوضع القائم.
ب- كان فضل حركة 20 فبراير المغربية على الأحزاب السياسية التي لم يعد لها دور يذكر رغم تزايد عددها وصارت حوانيت لانتظار التعليمات وتسجيل المواقف بعدما كان البعض منها على الأقل قاطرة للمعارضة الديمقراطية قبل أن ينغمس في العمل الحكومي وفق إستراتيجية للتغيير من داخل النسق القائم, هذه الإستراتيجية التي أتت على الأخضر واليابس, من تفتيت للأحزاب والنقابات وتمريغها في وحل الخلافات الداخلية والتصدعات لتلهيها على ماهية وجوها أصلا. وكما لاحظ الجميع, بعد 20 فبراير, فك لسان العديد من قادة الأحزاب الديمقراطية وكأنهم استفاقوا من تنويم عميق بطول تعاسة الجماهير الشعبية. وقد سجلنا الثناء على حركة 20. وقد اعتبروا ما جرى من تعديل للدستور والدينامية التي واكبته من صنع الحركة. وكأن الحركة أرسلتها السماء لتخليص الأحزاب السياسية من موت بطيء ومحقق. إن العمل السياسي والحزبي الكلاسيكي قد ولى وهي خلاصة رئيسة.
ج- كان فضل حركة 20 فبراير على النقابات التي أضعفت بعدما تضخم عددها ظلما وعدوانا من أجل إغراقها في الفئوية الاجتماعية والتبعية السياسية وفق إستراتيجية واضحة مهدت لها الدولة من أجل التأثير السلبي بل التدخل في سير الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني وإضعافها وتجتيت أوصالها إن اقتضى الحال. حان الوقت لإعادة الاعتبار للعمل النقابي الملتزم بقضايا المأجورين والمهمشين والعمل على وحدة أدواته على الأرض خطابا وممارسة.
ح- كان فضل حركة 20 فبراير على المجتمع المغربي برمته بعدما تنفس الصعداء وانكسر الخوف الجاثم على الصدور وانقشع بريق من الحرية وشيء من الكرامة في انتظار المزيد. في السنين الأخيرة كانت المظاهرات الاحتجاجية ذات البعد الوطني لا تتعدى المآت وصارت قبيل 20 فبراير لا تتعدى العشرات من جراء الركود واللامبالاة وفقدان الثقة من خيبات التغيير الذي طال انتظاره.
خ‌- إن الظروف التي مر منها العالم العربي والتي تميزت بالاستبداد والفساد وانهيار أنساق قيمية وظهور أخرى جديدة على أنقاضها أعطت ما نراه اليوم من مد جماهيري من المحيط إلى الخليج, ووجدنا اليساري إلى جانب الإسلامي. إنهما معا ضحايا الاستبداد, استبداد الدولة وأدواتها, واستبداد مجتمعي ساهما بقسط في ديمومته.
الهدف واضح ولا غبار عليه ويتمثل في محاربة الاستبداد والفساد والحد من الإقصاء بشتى أشكاله الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. اليساريون ليسوا وحدة متجانسة والإسلاميون بدورهم ليسوا وحدة متجانسة. فمن بين الصنفين من اختار الاصطفاف إلى جانب الطبقات السائدة.
إذا كان الفرز المطلوب قد حصل ومن داخل معمعان الصراع ضد النظام ألمخزني وأذنابه, وإذا كانت حركة 20 فبراير وعاء للقوى المناهضة للاستبداد والفساد, وإذا كانت هذه الحركة الوعاء منظمة ومنتظمة في عملها وخروجها النضالي, فما هي الموانع إذن من قيام جبهة وطنية ديمقراطية عريضة لها أرضية سياسية وتوجيهية واضحة وآليات للعمل والتنسيق لقيادة العمل الجماهيري؟
هل يكفي أن تقاطع الحركات الداعمة لحركة 20 فبراير المسلسل الانتخابي؟ وهل شعار المقاطعة للانتخابات بالمفرد (كل فصيل على حدة) صحيح؟ وهل شعار المقاطعة بالجمع أيضا صحيح؟ كيف اذن ستتم المواجهة وادارة الصراع والمستقبل يصنع اليوم؟
إن قيام الجبهة الوطنية الديمقراطية التي تضم كل المساندين لحركة 20 فبراير, شخصيات مستقلة وفصائل سيعتبر مؤشر قوي في إدارة الصراع والاقتراب من تحقيق أهداف حركة 20 فبراير.
د- إن الحفاظ على حركة 20 فبراير واجب وطني نضالي وأخلاقي. وأي سلوك يضر بهذه الحركة في استمراريتها أو الهيمنة عليها من أي جهة كانت مرفوض ومدان. إن البحث عن القواسم المشتركة بين مكونات هذه الحركة مطلوب وبإصرار. في هذه العملية النضالية المجتمعية يتعلم الجميع حب الوطن والتسامح والاختلاف ووضع المصلحة العامة فوق أي اعتبار شخصي أو حزبي أو اديلوجي أو عرقي أو اثني أو لغوي. إن الأهداف واضحة وضوح الشمس في سماء شهر غشت وذلك بإرساء دولة ديمقراطية برلمانية ومحاربة الفساد السياسي والانتخابي والإداري والمالي والحد من الإقصاء الاجتماعي.
انه برنامج القوى الشعبية الداعمة لحركة 20 فبراير. لن يتحقق هذا البرنامج إلا بتضافر الجهود ونكران الذات. إن الطريق ليس معبدا ومفروشا بالورود, أو نهايته تبدو على مرمى حجر, لكن ليس عقبة مستحيلة الصعود. لذا وجب التحلي بالصبر وسعة الأفق وزاد من الطاقة وطول النفس واحتضان الرأي والرأي الآخر بسماحة كبيرة لا تنظر للآني فقط بل تتعداه إلى الآتي وهو الأعظم.
5. لم يستطع اليسار العربي من تجاوز انكساراته بعدما عرف المشروع الاشتراكي من تراجع وانكماش منذ ثمانينيات القرن الماضي وكان انهيار جدار برلين علامة بارزة. إن عدم القيام بمراجعة نقدية جريئة لمعرفة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى الانهيار ستجعله يحافظ على وضع سياسي وتنظيمي وإشعاعي غير ذو أهمية - مهما عظمت تضحيات اليساريين- رغم المد الثوري الذي يخترق المنطقة العربية. إن التجربتين التونسية والمصرية خير دليل على ما نقول. إن المطلوب هو تقديم أجوبة حقيقية نظرية وبرنامجية لتمكين اليسار من الخروج من موقع دفاعي إلى موقع طبيعي متمثلا القيم العظمى لليسار أخذا بعين الاعتبار التراث العربي والإسلامي في تأطير المجتمع والمساهمة في تنميته في أفق نهضة جديدة لشعب اليسار وقيمه في زمن انتشار تيارات الاسلام السياسي بكل تلاوينه. إن الحلقة المركزية التي يجب الإمساك بها هي الديمقراطية حالا واستقبالا في إعادة بناء دولة ديمقراطية للجميع التي تحرم الإقصاء السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي من جهة وفي بناء الأحزاب اليسارية الجديدة على نفس المنوال بما يضمن حقوق وواجبات الأعضاء من جهة ثانية.

عبدالله بنان, 4 دجنبر 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر