الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مبدأ تغليب الهوية الأم .. ( تغليب الهوية العراقية ) .. 1

دينا الطائي

2011 / 12 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


مبدأ تغليب الهوية الأم .. ( تغليب الهوية العراقية ) .. 1

منذ أن أطلقنا مشروع ( إريدو لإحياء الأمة العراقية ) .. ونحن نتبنى مبدأ تغليب الهوية الأم .. أي تغليب الهوية العراقية على الهويات الثانوية مع الاعتزاز بكافة تلك الهويات .. وعبرنا عن ذلك المبدأ من خلال شعارنا ( لنعتز بهويتنا العراقية أولا ) .. وهي دعوة صريحة لتغليب الهوية العراقية على الهويات الثانوية .. وهذه الدعوة ليست بعيدة عن الصحة ولا مجافية الصواب .. لكنها فضلاً عما تحمله من تبسيط .. إلا إنها حقيقة تثير مشكلتين:-

أولهما :- تحويل المبدأ الى شعار سيمتلئ كغيره من الشعارات بمضامين أيديولوجية .. وبشحنة من الاستفزاز والتحدي سيعرضه للخروج من ميدان الممارسة الفكرية والسلوكية من أجل الممارسة العملية وبدلالتها .. إلى ميدان المماحكات اللفظية.

والثانية :- صرف النظر عن حقيقة أن تغليب الهوية العراقية هي عملية تاريخية .. و صيرورة تقدم في التاريخ وفي المعرفة .. تنطلق نحو نقطة استهداف مركزية هي فصل الهويات الثانوية عن المؤسسات السياسية والاجتماعية والثفافية بوجه عام .. وعن الدولة والمؤسسة التعليمية بوجه خاص.. أي تحرير الدولة .. والسياسة .. والعلاقات الاجتماعية وغيرها .. من الدين والمذهب والقومية والمناطقية والعشائرية .. وإقامة العالم الواقعي للإنسان بنزع القناع عن الأشكال "المقدسة" والأشكال غير المقدسة لاستلابه الذاتي.

وحقيقة إزاء موقف التدخل الديني المذهبي القومي المناطقي العشائري في السياسة ومؤسسات الدولة والمؤسسات الاجتماعية و غيرها وتغليبها على الهوية العراقية والسيادة الداخلية .. لابد من تحديد موقف إجتماعي سياسي من تلك الهويات .

فالموقف الذي ندعو له من تلك الهويات يتطلب إخراج الدين والمذهب والقومية والعشائرية والمناطقية من إطار الممارسة الاجتماعية - السياسية إلى اطار الممارسة الشخصية .. وضمان حرية الفكر والاعتقاد .. وحرية ممارسة الشعائر والعبادات .. ولما كانت الممارسة الفردية غير ممكنة إلا في إطار جماعة أو مجتمع .. فإن المؤسسة الدينية أو المذهبية او العشائرية او المناطقية هي الشكل الجماعي لهذه الممارسة الفردية.

وفي جميع الأحوال إن تغليب الهوية العراقية وفرض سيادة الدولة والمؤسسة التعليمية والمجتمع لا يعني طرد الدين أو المذهب أو القومية أوالمناطقية أو العشائرية من مملكة العقل والمعرفة .. أو إخراجهم من التاريخ .. بل على العكس .. بسط سلطان العقل على كل ميادين ومجالات العمل والمعرفة .. وإظهار التوتر والتنابذ بين العقلاني وغير العقلاني .. بين الأيديولوجي والواقعي في الفكر والثقافة والسلوك الانساني .. وآليات انبثاقهم وتداخلهم وتخارجهم في نطاق الصيرورة الاجتماعية .. و ذروتها هي في تغليب الهوية العراقية - التي تمثل الذات العراقية المنتجة للصيرورة التاريخية ونواة التاريخ الإنساني – على تلك الهويات الثانوية وفصلها عن الدولة وعن المؤسسة التعليمية .. وبتحققها يعني تتويج لحركة تقدم .. من خلالها يتم تحديث الفكر العراقي عموماً والفكر الخاص بتلك الهويات الثانوية خصوصاً .. و دحض وتفنيد الأيديولوجيات التقليدية و تصفية البنى والعلاقات ما قبل الأمة العراقية العصرية المنشودة واستئصال عوامل التنابذ والشقاق والصراعات العمودية والأفقية .. و بإختصار توفير الشروط الضرورية لبناء الدولة العراقية الحديثة .. الدولة الديمقراطية .. وبناء المواطنة الحديثة .. والتي تمثل بمجملها فعل من أفعال الأمة العراقية .

وفي مقدمة هذه الشروط تحقيق الاندماج العراقي عبر الحل التثقيفي التنويري ومن ثم الحل التشريعي القانوني الديمقراطي .

إذن مشروع إريدو لإحياء الأمة العراقية يتطلب إطلاق مشروع معرفي ملازم .. يؤكد على مبدأ تغليب الهوية العراقية على الهويات الثانوية كونه عنصر بناء أساسي في أي مشروع سياسي أو معرفي على السواء.

ذلك لأنه مدخل ضروري إلى العقلانية وجذر للديمقراطية .. وأساس في بناء الدولة العراقية الحديثة التي ننشدها .. وتشكل مع الديمقراطية مضمون الأمة العراقية العصرية الحديثة .

في أمتنا العراقية بوضعها الحالي .. يواجه مبدأنا بمواقف مختلفة ومتباينة .. يجمعها قاسم مشترك هو رفض هذا المبدأ ، ومجابهته .. لأنه حسب تفكير هؤلاء إنه الغاء لتلك الهويات .

فمثلا الفكر المذهبي يرمي مبدأنا في خانة الطائفية واضع إعتقاد إننا نسعى الى الغاء مذاهب دون غيرها .

والفكر القومي بشقيه التقليدي .. والتقليدي الجديد .. يحوله بسبب ازدواجيته .. إلى ثورية سياسية .. و شعار فارغ من أي مضمون .. ويعزله عن إطار الممارسة النظرية والعملية .. وعن إطار المشروع المجتمعي السياسي النهضوي .. لأن تقليديته حولت القومية إلى دين وجعلت من الدين مضموناً للقومية يتظاهر في اللغة والتاريخ والثقافة والعادات والأخلاق ووحدة الشعور والمصير.. و وحدة الأرض.

كما أن عملية الانتقال .. الجارية الآن في الأمة العراقية من الولاء للهويات الثانوية الى الهوية العراقية وبروز المشاعر الاحتجاجية - بسبب الهزائم المذلة والتمزق التي منيت بها الأمة العراقية .. وتنامي الاستبداد وتشرذم المجتمع العراقي، واشتداد وطأة التبعية والنهب والاستغلال .. وازدياد حدة التناقضات الاجتماعية السياسية مع غياب الوعي المجتمعي بهذه التناقضات وبحاجات التغيير- ستحاصر هذه التخندقات وتقلص أكثر فأكثر حظوظها وتحول حركة الاحتجاج السلبي على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلى حركة ايجابية نحو التقدم وحرية الفكر والإبداع.

والمقصود بالحركة الاحتجاجية السلبية هي حركة ارتداد المجتمع على الواقع المتدهور دون منهج معين .. والتي هي حقيقة الوجه الآخر لعملة النظم المستبدة لخدمة مصالح وأهداف الفئات والقوى الاجتماعية التي تسعى لأن تسود .. والتي تخدم في نهاية المطاف في الحفاظ على البنى والعلاقات والأوضاع القائمة وخصوصاً الدولة بشكلها الحالي .

نقد هذه المواقف .. ونقد الاقتتال الطائفي والمذهبي والعشائري والقومي والمناطقي و الكشف عن عواملها وأسبابها الموجودة في بنى وعلاقات المجتمع التقليدي التابع والمستباح .. ونقد واقعة نقص الاندماج العراقي ، وتشظي الوعي الجمعي وتأخره ..

يستحضر مبدأنا ويجعله ضروري وراهن ، وهو ضرورة وراهنية المشروع النهضوي الحضاري الشامل – الذي ننادي به - نفسه ( مشروع إحياء الأمة العراقية ) .

إن التناقض الاجتماعي - السياسي بين قوى المحافظة و الرجعية من جهة .. والقوى الثورية المجتمعية من جهة أخرى .. والذي ينعكس .. على الصعيد الثقافي .. يمثل حقيقة تناقضاً بين الهوية العراقية التقليدية ذات المضمون الديني والمذهبي و القومي و بين الهوية العراقية الحديثة ذات المضمون الديمقراطي .. يؤكد أن ضرورة تبني تغليب الهوية الأم وأهميتها وراهنيتها تتناسب طرداً مع عداء القوى التقليدية المحافظة لها .. وذعرها منها.

ان الصد عن هذا المبدأ الذي تبديه الأيديولوجيات التقليدية .. والذي يعكس موقفاً محافظاً واستثنائياً .. يحرم تلك الافكار من أمكانية استثمار الغنى والتنوع الذي تنطوي عليه التعددية .. و يسد قنوات التواصل والحوار والتفاعل الخلاق بين القوى والاتجاهات والتيارات والمذاهب السياسية والثقافية والاجتماعية المختلفة والمتباينة ويحول بالتالي دون توحيد الوعي الجمعي العراقي وتحقيق الهوية التي تعني وعي الذات بدلالة الآخر على إعتبار أن الإنسان هو مرآة الإنسان.

لذلك لابد لنا من الإصرار على مبدأ تغليب الهوية الأم أو الهوية العراقية الحديثة ذات المضمون الديمقراطي .. والكشف عن منطوياتها الاجتماعية السياسية والمعرفية والثقافية .. والكشف كذلك عن علاقاتها الجدلية بالعقلانية والديمقراطية ..وموقعها في مشروعنا النهضوي الحضاري الشامل .

فمن خلال مبدأنا هذا نحن نسعى الى بناء بيئة بشرية عصرية يصنع ابناءها تاريخهم بأنفسهم و يعرف عنهم بالعمل، والإنتاج والصناعة وبالتالي بالعقل والمعرفة والحرية.

من خلالهم و أثناء إنتاجهم الاجتماعي لحياتهم سندخل في علاقات محددة وضرورية ومستقلة عن إرادتهم .. وهي علاقات إنتاج تطابق درجة معينة من تطور قواهم الإنتاجية المادية.

ويشكل مجموع علاقات الانتاج هذه البنيان الاقتصادي للمجتمع .. أي يشكل الأساس الحقيقي الذي يقوم فوقه صرح علوي قانوني وسياسي وأشكال إجتماعية.

فوعي المجتمع العراقي في انتاج الوجود الاجتماعي العراقي والعكس صحيح - لوجود علاقة جدلية تصاعدية بينهما – يمثل شرط و أسلوب لإنتاج الحياة المادية للأمة العراقية التي بدورها هي شرط العملية الاجتماعية والسياسية والعقلية للحياة بوجه عام .

هذا التحديد اللغوي يلقي ضوءا كنمط من الحياة .. حيث الهويات الثانوية مقابل الهوية العراقية .. وحيث استقلال العقل عن الهويات الثانوية .. وحرية الفكر ضد احتكار التقليد للمعرفة .. كل ذلك في إطار النظرة إلى الإنسان العراقي على أنه مقياس القيم وهدف كل تقدم .. ومحور الأمة العراقية .

إن المحتوى الشعبي لهذا المبدأ .. ورهانه التاريخي .. سيكونان الى جنب "التضامن الوظيفي" بين الدولة العراقية الحديثة المنشودة – أي السلطة – وبين الوعاء الجمعي للثقافة العراقية أي الأمة العراقية .. هذا التضامن الذي يحاول ضبط وتنظيم حياة الشعب (العامة .. الرعاع .. الدهماء .. سواد الناس... ) .

و يجدر بنا الإشارة إلى إن حصر مبدأنا في المجال الثقافي .. سيحوله إلى الحد فارغ .. وبدون أن ننفي أو نتجاهل تنامي مؤيدي هذا المبدأ نؤكد إنه ليس بالضد من الهويات الثانوية للدين .. ولا حتى نقيض التعصب الديني أو المذهبي او القومي او امناطقي طالما لا يتدخل في حياة الإنسان الشخصية .

و مبدأنا كونه انسانيا وعقلانيا ومستقبليا .. فهو ضد الولاءات الضيقة .. كالمذهبية والشوفينية والعنصرية بوصفها حركة نقض ودينامكية تدمير ذاتي للمجتمع والأمة .. وللثقافة والأخلاق.

فمثلا ان تغليب العراقية على المذهبية .. لا يعني الغاء المذاهب .. بل على العكس .. يعني إلغاء الحواجز التي تحول دون تواصلها وتفاعلها واندماجها - لأنها إحدى مكونات الامة العراقية و جزء من ثقافتها بمزيجها المرن والمتحرك -.. ويعني توحيد وعي الأمة بذاتها واعادة بناء هويتها على أسس ديمقراطية من خلال الحل التثقيفي التنويري ومن ثم التشريعي القانوني .. وذلك من خلال كشف العلاقات والروابط بين مكونات المجتمع من جهة .. وبين المجتمع و السلطات التشريعية و التنفيذية والسياسية و الاجتماعية من جهة اخرى .

فتغليب الهوية الأم .. على الصعيد المعرفي .. تعني تحرير العقل العراقي من المسبقات والمطلقات .. و تحرير الفكر من الأوهام والخرافات وتحرير الإنسان من العبودية التي تمتد جذورها إلى تقسيم العمل وظهور تركز الثروة وظهور الطبقات .. وظهور سلطة الدين ودين السلطة التي تؤديان الى الاستبداد السياسي أو لولاءات الضيقة .. و "بين الاستبدادين السياسي والولاءات الضيقة مقارنة لا تنفك .. فمتى وجد أحدهما .. جر الآخر .. أو متى زال زال رفيقه .. وإن صلح - أي ضعف - أحدهما صلح الثاني.

وفي الاخير .. إن مبدأ تغليب الهوية الأم .. لا ينبغي أن يصبح مذهباً أو عقيدة أيدولوجية يمارس سلطة الضبط والتدخل والحجر، ومصادرة حرية العقل.

بل هو حرية العقل وحقه في ارتياد الفضاءات الفكرية المباحة والمحظورة أو المحرمة واقتحام سائر ميادين العمل والمعرفة .. ويرى أن مناقب الرفعة والشرف والأخلاق والكرامة .. مرتبطة بما يقدمه الفرد لمجتمعه ولأمته .. و حبلها السري موصول بالعقل والعقلانية .


يتبع ...

بموضوع سيدور حول .. تغليب الهوية الام ( الهوية العراقية ) والاندماج العراقي .



1 أيلول 2011

دينا الطائي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد فلسطينيين اثنين برصاص الاحتلال غرب جنين بالضفة الغرب


.. إدارة جامعة جورج واشنطن الأمريكية تهدد بفض الاعتصام المؤيد ل




.. صحيفة تلغراف: الهجوم على رفح سيضغط على حماس لكنه لن يقضي علي


.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية




.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس