الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
قراءة في مفهوم الديمقراطية الشرق أوسطية
أشواق عباس
2004 / 12 / 24مواضيع وابحاث سياسية
![](https://www.ahewar.org/search/pic/591.jpg)
تبدو الدولة الأميركية من خلال ما تقرضه في مشروعها ( الشرق الأوسط ) و كأنها حاملة القيم الديمقراطية و بأنها ستستخدم كل قوتها المرتكزة على جيوشها و ضغوطها المستندة إلى جبروتها من أجل تحقيق هذا الهدف الإنساني النبيل لاسيما بعد أن توضح أنه في المنطقة العربية تعيش شعوب بربرية أو هي قريبة ، تعاني من أنظمة مستبدة
فبحسب الاستنتاج الأميركي المرتكز على أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 وجد أن التكوين الإسلامي في هذه المنطقة يؤسس لنشوء الإرهاب ، وأن مجمل القيم المستندة للدين الإسلامي تنتج الإرهاب والذي أصبح على ما يبدو ( بحسب التعبير الأميركي بعد الخطر الشيوعي ) الخطر الوحيد الذي يهدد المدنية الحديثة و القيم التي تقوم عليها الحضارة ، ( الديمقراطية و الحرية ) ، نعم لقد اكتشفت أمريكا المنبع الذي يولد الأصولية (التي كانت تدعمها و تدربها ) في هذا العالم و هو الأمر الذي يفرض عليها أخلاقيا أن تخلص العالم من شرورها .
و في الجهة المقابلة من هذا تضع الدولة الأميركية كل جهودها القائمة و المرتكزة أساسا على قوتها من أجل فرض اقتصاد السوق في البلدان التي تحتلها أو في البلدان الأخرى التي يجب عليها التكيف مع اقتصاد السوق و بالتالي فإنها تكرس السيطرة الخارجية على الاقتصاد المحلي و تكرس عمليا النهب للفائض المحلي الأمر الذي يقود إلى تعميق حالة الإفقار التي تعيشها الشعوب لا إلى رفع مستوى معيشتها كما تتدعي أميركا .
ان مشروع الشرق الأوسط الكبير بصيغته الأميركية يركز على ما سبق كمرادف للديمقراطية و الحرية و تمكين المرأة و تحديث نظام التعليم ، بما يقتضيه ذلك من التكيف مع شروط منظمة التجارة العالمية و على إطلاق حرية الخدمات المالية و كف يد الدولة في المجال الاقتصادي ، و التعامل مع الرأسمال الأجنبي على قدم المساواة مع الرأسمال المحلي بل و حمايته و تمييزه الأمر الذي سيؤدي حتما إلى توسيع حالة الإفقار و التهميش و البطالة و من ثم الرفض و النقمة و التوتر الاجتماعي و الصراع الطبقي .
في هذا الوضع يصبح من الطبيعي جدا أن لا تكون الديمقراطية التي ترفعها أميركيا كشعار سامي تريد أن تفرضه و تعممه على الشعوب التي لم يسمح لها ( بحسب التعبير الأميركي أن تمارس يوما الديمقراطية ) هي شكل السلطة التي تعمل على فرضها بل تميل إلى تأسيس أنظمة استبدادية جديدة ضمن صيغة جديدة مرتبطة بالمافيات المحلية المتشابكة مع الشركات الاحتكارية الامبريالية ، فاحتكار الاقتصاد و نهب الفائض لا تتوافق مع الديمقراطية لأنها تؤسس لتفاقم الصراع و حدته ، و هكذا ستبدو الديمقراطية و إزالة الطغاة ( حسب تعبير جورج بوش ) مدخلان للنهب الاقتصادي و غطاء للسيطرة و الاحتلال و لتأسيس دكتاتورية جديدة ، الأمر الذي يفرض تحديد الهدف الإيديولوجي من الخطاب الديمقراطي و المغزى الذي يسكنه حيث سيبدو انه ليس للتحقيق أو أن جدية ما تحكم تحققه .
انه خطاب له أهدافه الخاصة البعيدة عن مضمونه و المناقضة لها و في هذا الإطار يمكن لنا تلمس مستويين :
الأول : رغم أن تاريخ الدولة الأميركية حافل بدعم الدكتاتورية و رغم أن الدولة الأميركية لازالت تغض النظر عن انظم استبدادية بل و تدعمها في كثير من الأحيان فسنلحظ أن الخطاب الديمقراطي قد استخدم في مواجهة المنظومة الاشتراكية طيلة القرن العشرين ، و سيبدو الجانب الإيديولوجي واضح في هذا المجال حيث سيكون الهدف هو الإفادة من حركة واقعية تسعى للقرمطة من اجل تفكيك الدولة الاستبدادية و ذلك لدفعها للتكيف ضمن شروط إلغاء دور الدولة الاقتصادي و الانفتاح المطلق على السوق و القبول بكل الآليات التي تفرضها الشركات الاحتكارية الامبريالية ، وهنا يكون الخطاب الديمقراطي هو خطاب تفكيك و تدمير لا يترافق و آليات بناء فالديمقراطية هنا ليست مقصودة بذاتها ، بل هي لا تعدو أن تكون أكثر من خطاب إيديولوجي يخدم أغراض السيطرة الاقتصادية و النهب الاقتصادي ما دام يستخدم ككاشف لنقاط ضعف .
الثاني : إن الهدف الأخر هو تشويه الديمقراطية ذاتها و افتعال كل مكنونات الشك في الخطاب الديمقراطي كونه خطاب امبريالي تطرحه جهات امبريالية و يعبر عن أهدفها ، و السبب الذي يفترض اللجوء إلى التشويه هو أن النضال الديمقراطي يكشف زيف ذالك الخطاب ، و لأن الديمقراطية الواقعية تتناقض مع المصلحة الامبريالية لأنها تسمح بكشف كل السياسات الامبريالية و آليات النهب الامبريالي و هذا الوضع من شأنه أن يقود إلى تفكك الحركة المناهضة للسيطرة و الاحتلال و إلى هيمنة قوى سلفية من السهولة مواجهة خطابها كونها استبدادية و رجعية ...الخ ، و في الوقت ذاته تسهيل تأسيس سلطة استبدادية تابعة حيث تكون الديمقراطية قد أصبحت مجال رفض و خارج النشاط الواقعي .
هنا يصبح الخطاب الديمقراطي ملتبسا و مجلب شك ، و تصبح القوى الديمقراطية مجال تشكيك كما يصبح النضال من اجل الاستقلال مرتبط بالاستبداد و النضال من أجل الديمقراطية مرتبط بقبول السيطرة الخارجية الأمر الذي يعزز الخطاب الامبريالي ذاته و يؤسس لممارسات و تصورات تعيق صيرورة التطور حيث الديمقراطية مسألة أساسية فيه و الوعي الديمقراطي جزء مهم في العقلانية الضرورية لتحقيقها .
إذن المشروع الديمقراطي الأميركي ليس لتطبيق و هو غطاء لسياسات السيطرة و النهب و تعمية على الحرب التي تشنها الدولة الأميركية على العرب و العالم و هو المموه لتلك السياسة و هذه الحرب ، الديمقراطية ليست الهدف الامبريالي كما أنها ليست السبب في الحروب التي تخوضها الدولة الأميركية و لن تكون نتيجة من احد نتائجها إنها ضحية تلك الحروب
من كل ما سبق نستطيع القول
إن أميركيا تهدف من خلال ما تسميه بالاصطلاح الشرق الأوسط و ما تتدعيه من تشجيع الممارسة الديمقراطية في هذه المنطقة و تغيير النظم الحاكمة من نظم شمولية إلى نظم دستورية كل ذلك يهدف إلى أمرين أوضحت الفكرة الأميركية أحدهما و هو حماية الولايات المتحدة من خطر الإرهاب و التطرف ، أما الأمر الثاني الذي لم توضحه الفكرة فهو تامين مصادر النفط و ما يتعلق بتدفقه الطبيعي و كذلك سلام إسرائيل و أمنها ، و مهما كان الأمر و على الرغم من أن العرب لم يرفضوا أي تحولات ديمقراطية من حيث مبدأ الفكرة بحسب ما قاله أستاذ علم الاجتماع في جامعة السوربون برهان غليون ( بل نحن الذين كنا و ما نزال نتهم الدول الغربية بخيانة مبادئها باستمرار بدعم الاستبداد و النظم اللاشعبية في المنطقة و لا يمكن أن نطالبهم اليوم بالعودة عن خطابهم في تعميم الديمقراطية بالمنطقة )
إلا أن الحقيقة التي لا يمكن العبور من فوقها هي كيف تريد الولايات المتحدة من شركائها أصحاب الأنظمة الشمولية الذين دعمت بعضهم بل و في مرات عديدة خلقتهم أن يتخلوا عن أملاكهم الوهمية ( العباد و البلاد ) لينخرطوا في التصحيح الديمقراطي
يبقى أن نقول لأنفسنا الشرق أوسطية بالمفهوم الغربي لا ترى في هذه المنطقة من العالم و لا تريد أن ترى ديمقراطيات على صورتها و إنما ديمقراطيات كيانية ضعيفة و أنظمة ملكية دستورية توارثية يمكن التحكم بها من خلال آلة الدولة .
إن الادعاء الأميركي بالالتزام بنشر الديمقراطية بما ينطوي هذا الكلام على الاعتراف بالتعددية السياسية و نشر الحريات السياسية و عودة الأحزاب السياسية بما فيها أحزاب المعارضة يفضح ما تتدعيه أميركا بالديمقراطية و يثبت صحة ما أوردناه مسبقا بناء على :
1 – إن المبادرة الأميركية لنشر الديمقراطية هي مبادرة انتقائية سبق للحكومات العربية أن جربتها في المنطقة ، فهذه المبادرة لا تنفتح على المعارضة الإسلامية خوفا من وصول الإسلاميين إلى الحكم .
2 – إن التجربة الديمقراطية الأميركية في العراق متعثرة و هو ما صرح به الرئيس الأميركي نفسه و ذلك على الرغم من التبشير الكبير بأن يصبح العراق نموذجا يجب أن تحتذي به بقية الدول العربية .
3 – إن المساعي الأميركية لنشر الديمقراطية تصطدم مع نزعة الرئيس إلى تغيير العالم الإسلامي عنوة إلى جنة الديمقراطية مع أن العالم الإسلامي لا يريد أن يدخل هذه الجنة بضربات الهراوة.
4 – برأينا يبقى السؤال الأهم في إطار هذه المبادرة و هو كيف يمكن للمحتل أن يصبح شريكا في إطار التحول الديمقراطي المنشود ؟ .
إن شعوب المنطقة العربية و مهما تكن معاناتها من غياب الديمقراطية و الشفافية يصعب عليها أن تصدق أيديولوجيا الديمقراطية و الحداثة الموعودة تحت وطأة حروب الغزو و التدمير و سياسات القهر و الترويع من نوع ما تجري الآن في فلسطين و العراق .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. السنوار ونتنياهو يعيقان سياسات بايدن الخارجية قبيل مناظرة ان
![](https://i4.ytimg.com/vi/J5G8jMCgc2E/default.jpg)
.. خامنئي يضع قيودا على تصريحات مرشحي الرئاسة
![](https://i4.ytimg.com/vi/WjgZXd2xO6I/default.jpg)
.. يقودها سموتريتش.. خطط إسرائيلية للسيطرة الدائمة على الضفة ال
![](https://i4.ytimg.com/vi/vTX1sJXHsEA/default.jpg)
.. قوات الاحتلال تنسحب من حي الجابريات في جنين بعد مواجهات مسلح
![](https://i4.ytimg.com/vi/PLKRIyH33qo/default.jpg)
.. المدير العام للصحة في محافظة غزة يعلن توقف محطة الأوكسجين ال
![](https://i4.ytimg.com/vi/-3Dg08FYbiw/default.jpg)