الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصندوق.. دموع النخبة والتماسيح

نوال السعداوى

2011 / 12 / 6
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


الدموع فى عيونهم اليسرى حزناً على دماء الشهداء والعيون المفقوءة، تختلط بالدموع فى عيونهم اليمنى فرحاً بعرس الديمقراطية أمام الصناديق، لم يفقد واحد منهم عيناً فى الثورة أو نصف عين، ولا سالت منه قطرة دم.

أغلقوا عقولهم وآذانهم عن نداءات ميدان التحرير، داسوا بأحذيتهم الجلدية الثمينة، المدببة البوز، على الدم المراق وأصوات الجماهير، هرولوا إلى الحوار والتفاوض مع المجلس العسكرى كما هرولوا إلى الحوار من رؤوس النظام السابق، يتشممون رائحة مقاعد البرلمان ومناصب الوزراء قبل الهنا بسنة.

دخلوا الانتخابات فى الدوائر المخصصة لهم على مقاسهم، كسبوا مقعداً فى البرلمان أو ثلاثة أو خمسة، وسط الهرجلة، واختلاط الصناديق وبعثرة الأوراق ودفع الإتاوات والرشاوى والغرامات، أصبحوا هم الثوار.

هم القيادة المعارضة تحت القبة، هم الحكومة الديمقراطية بإرادة الشعب، وانتخابات مرسومة محسومة بقوة سماوية روحانية، مع قوة مسلحة مادية.

دموع الحزن للثوار وإرادة الشعب فى ميدان التحرير، ودموع الفرح للقرار العسكرى بإجراء الانتخابات وتعيين الجنزورى، ضد الإرادة الشعبية.

البطل التراجيدى للنخبة المراوغة ودموع التماسيح، منذ عصر الخديو والاحتلال البريطانى إلى عصر توجيهات السيد الرئيس، والرئيس الأمريكى.

يتمزق البطل المغوار بين الحزن والفرح، بين اليسار واليمين، بين العلم والدين، بين الحكومة والمعارضة، بين ميدان التحرير وميدان العباسية، بين الترحيب بنجاح الإسلاميين والسلفيين والتحذير من الدولة الدينية، يصبح البطل التراجيدى كاتباً مبدعاً فى الصحيفة القومية الحكومية، التى أصبحت تضم أقلام النخبة الجديدة القديمة.

مقالاتهم الثورية الجديدة تشتم الرئيس السابق (أعطوه لقب المخلوع)، الذى أنعم عليهم بالجائزة الكبرى والوسام، لا يعرفون النقد المؤدب الرصين بل الشتيمة والهجاء والسوقية فى اللغة والتعبير، واتهام الآخرين بالعمالة وتلقى أموال من الخارج، وينسون أنهم سعوا للقاء الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى الخارج، وصفقوا له طويلا حين ألقى خطبته فى جامعة القاهرة، مؤكدا لهم أن أمريكا وإسرائيل دولة واحدة يجمعهما تاريخ طويل وثقافة رفيعة.

إنهم يحترفون الكتابة والأدب، يستثمرون أموالهم فى شركات الخصخصة، يكتبون المقالات النارية عن الاشتراكية والعدالة الاجتماعية، هم بوجوهم الجديدة القديمة، شبابا وكهولا وشيوخا، يتواجدون فيما يسمى اللقاء العسكرى مع القوى السياسية، كلمة مبهمة أصبحت سائدة فى اللغة الثورية، تشمل القوى المتصارعة لاقتسام الحكم.

هل هناك علاقة بين المعارك الثلاث؟ الجمال والخيول، الصناديق، الباعة الجائلين.

من البديهى أن لكل ثورة مصالح وحقوقاً تنتزعها من أنياب النخبة أو الطبقة الحاكمة، الحرية تؤخذ بالقوة ولا تعطى، مثل الكرامة والعدالة، من البديهى أن الطبقة الحاكمة تدافع عن مصالحها بالحديد والنار، لا توجد ثورة تحريرية دون إراقة الدم، كلما سالت الدماء زادت الثورة قوة واشتعالاً، تخرج الأمهات تتقدم الصفوف حاملات صور الأبناء الشهداء فاتحات صدورهن للحديد والنار، لا تنجح ثورة دون هؤلاء الأمهات المقاتلات المقتولات، بعد نجاح الثورة وتشكيل حكومة جديدة تضرب الأمهات بالهراوات والقنابل المسيلة للدموع والدم، تعود الأمهات مهزومات إلى البيوت، إلى الفقر والقهر والخزى وقانون الطاعة، الدماء شربتها الأرض والعيون فقأها القناصون، وميدان التحرير تم غزوه بالباعة الجائلين على عربات تجرها الحمير، وأصبح موزعا بين صناديق العباسية والجمالية والمباركية والزمالك وتحت الربع، يخدعون الأمهات بمحاكمة قناص واحد، مجند من فقراء الشعب، تلقى الأمر بالضرب فى العين، واجبه الطاعة أو الموت، أولى الأمر الكبار الذين أمروه وقهروه، يعيشون فى رفاهية وأمان، محاكماتهم مدنية صورية يطويها الزمن والنسيان، تحاكم الأم وابنها المقتول أمام محكمة عسكرية، ويقدم القناص المقهور عبد المأمور، لتنهشه الضباع، إنه كبش الفداء، ذرا للرماد فى العيون، وحجبا لوجوه الجناة القتلة وناهبى الملايين والبلايين، الأمهات المقتولات المكلومات، فى ميدان التحرير، فى يناير وفبراير ونوفمبر حتى اليوم، فى البرد القارس تحت المطر، تحت الخيام فى الليل، فوق الأسفلت، راقدات صاحيات متحفزات ينتظرن طلوع النهار، فشل الحديد والنار فى إخماد ثورة يناير وفبراير ونوفمبر، فشل الجمال والخيول وقناصو العيون، من البديهى أن تلجأ الطبقة الحاكمة إلى طرق متنوعة لسحق الثورة.

أعطت ثورة يناير المجيدة الفرصة للشرفاء المناضلين من طليعة الشعب المصرى العظيم أن يصعدوا إلى الصفوف الأولى، بفضل هذه الدماء المراقة والعيون المفقوءة أخذت الطليعة الفرصة لتحكم من خلال انتخابات حرة نزيهة لأول مرة فى تاريخ مصر، إن نجحت التيارات الإسلامية أهلاً بها، إن نجح الليبرليون أهلا بهم، أهلا بأى فصيل تأتى به هذه الانتخابات العظيمة، ويحيا الشعب العظيم وثورته العظيمة وجيشه العظيم.

فى ميدان التحرير بصق الثوار على صورة المناضل الطليعى المنشورة على رأس مقاله الثورى، لم يروه يوما واحدا يمشى فى الميدان، وإن جاء فهو يأتى بضع دقائق محمولاً على الأعناق، من حوله كاميرات وزير الإعلام فى الحكومتين السابقة واللاحقة، تتخاطفه الكاميرات والفضائيات من خليج النفط إلى المحيط الأطلنطى، يصبح المتحدث باسم الثورة المصرية فى البيت الأبيض والدوحة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اغلب من قاموا بالثورة من المتدينين
عبد الله اغونان ( 2011 / 12 / 6 - 09:25 )
راجعي الوثائق بالصوت والصورة اتتاكي ان من قاموا بالثورة من شباب وشيوخ الاخوان.الجزيرة واليوتوب وتويتر والفيسبوك حجج دامغة كل المظاهرات تخرج
من المساجد وتتخذ يوم الجمعة موعدا
اخجلوا من الكذب.المواطن ادلى بصوته.اكبر معارضة كانت في البرلمانات السابقة من الاخوان رغم التضييق والحظر.
ا


2 - حول التعليق الأول
محمد بن عبد الله ( 2011 / 12 / 6 - 12:22 )
نعم يا سيد اغونان...كانت القوة الضاربة الحقيقية فيما أسماه البعض ثورة للمتدينين الظلاميين ولم يفطن معظم كتابنا و(مثقفينا) ولم يفهموا كنه الهوجة التي وقفوا ورائها بالتهليل والتشجيع

أبى المتثاقفون إلا أن يروا ما يريدون رؤيته رغم أن الواقع كان جليا

تسابقوا على كيل المديح للشباب وللشعب متناسين أن الاسلام قد نخر في غالبية الناس نخر السوس في أعواد القصب الجافة بفعل أجيال من فساد التعليم وانحطاط الاعلاميين وسيطرة التيار القروسطي منذ ثورة عبد الناصر الذي قطع رأس مصر وخصاها

لك كل الحق فيما كتبت يا سيد اغونان وهذه هي المأساة الحقيقية...جحافل أعماها شادور التدين وطبقة قليلة من مدعي الثقافة مفلسين منفصلين كلية عن الواقع

ابشرك يا سيد اغانون سيكون المستقبل مظلم كما تتمناه تماما

اخر الافلام

.. كلمة ايريك سيوتي عضو اليمين الفائز بمقعد البرلمان عن نيس|#عا


.. قراءة عسكرية.. محور نتساريم بين دعم عمليات الاحتلال و تحوله




.. تفعيل المادة 25 قد يعزل بايدن.. وترمب لا يفضل استخدامها ضد خ


.. حملة بايدن تتعرض لضغوطات بعد استقالة مذيعة لاعتمادها أسئلة م




.. البيت الأبيض: المستوطنات الإسرائيلية تقوض عملية السلام والاس