الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خديعة صناديق الاقتراع

مهند عبد الحميد

2011 / 12 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


تقول نتائج الانتخابات في تونس والجولة الانتخابية الأولى في مصر إن الثورة هُزِمَتْ أو سرقت. فالشباب والشابات الذين كسروا جدار الخوف وتحدّوا أجهزة القمع بشجاعة منقطعة النظير، ونجحوا في إشعال الحريق الثوري الذي أتى على شكل الحكم الديكتاتوري المستبد وألحقوا به هزيمة منكرة، هؤلاء الذين تصدروا الثورات العظيمة وانتزعوا الحرية لشعوبهم وقاموا بحراسة هذا الإنجاز التاريخي حتى اللحظة الأخيرة، حتى اليوم الذي توجهت فيه الشعوب إلى صناديق الاقتراع.
صناديق الاقتراع قَذَفَت بالأشاوس الشجعان إلى هامش المشهد، وقذفت معهم الحرية والقانون والمساواة والعدالة والديمقراطية، وأتت بالذين لم يشاركوا وساوموا على الثورة وأهدافها مقابل مصالح فئوية سلطوية وأبرموا الصفقات في الداخل والخارج على حد سواء، فجسدوا بأفعالهم الثورة المضادة أو كانوا جزءاً أساسياً منها. هل هو مكر التاريخ أم فعل مدبر أم نتيجة منطقية؟
نتيجة غاصة لكل ديمقراطي ينشد الحرية، نتيجة دفعت البعض إلى الاعتقاد بأن الثورة كانت خطأً فادحاً منذ البداية، لأن تركيبة المجتمع وخريطة القوى السياسية لا تحتمل إلا خياراً بديلاً واحداً هو الإسلام السياسي بفروعه المختلفة، وهو بديل أسوأ من النظام المستبد. وكان المفكر جورج طرابيشي قد قال في كتاباته ما قبل الثورات: طالما أن النظام البرجوازي لم يتول مهمة تحديث المجتمع مادياً وثقافياً، فإن الاستقطاب سيكون بين النظام المستبد وقوى الإسلام السياسي.
الثورة جاءت لتنسف ثنائية: نظام مستبد أو إسلام سياسي مستبد، وذلك بفتح مجرى ديمقراطي جديد لاستقطاب القوى الحية التي شاركت بالثورة أو أيدتها وتعاطفت معها. وكان اندلاع الثورة لحظة احتدام التناقض بين شعب ونظام ابتلع الدولة وغيب السلطة الافتراضية للقانون وصادر كل إمكانية لتطور المجتمع بل وأحاله إلى عجز مطلق. عند هذه اللحظة من الاحتدام والانفجار يكون المرء أمام مفاضلة تأييد النظام المستبد التابع والفاسد أو تأييد الثورة التي طرحت التغيير على بساط البحث، بصرف النظر عن نجاح أو فشل الثورة لاحقاً. لا يمكن تأجيل الانفجار أو وقفه عند حدود معينة لأن النظام استنفد كل طاقة له لتطوير المجتمع والدولة وبدأ يفعل العكس، واستنفد كل فرصة للإصلاح من داخله، فلم يعد يملك أي مبرر للبقاء. بعد أن تحول هدفه إلى تأبيد نفسه بالتوريث وبقوة الحديد والنار، ولأن بقاءه سيؤدي إلى مزيد من التشوهات في بنية المجتمع والدولة. وأكبر دليل على ذلك هو انكشاف هذا الكم الهائل من الأمراض والعفن والفساد والاختلالات والتشظيات والتعصب والتخلف وتغلغل الإسلام السياسي والسلفية، وكل ذلك صناعة النظام، هذه الصناعة التي صبت في صناديق الاقتراع وجاءت بنتيجة معاكسة لأهداف الثورة. ولا يمكن تأجيل الانفجار وهو السبب الأهم؛ لأن الشعب استنفد طاقته على احتمال القهر والإهانة والجوع ولم يعد يملك شيئاً يخاف على خسارته.
إن سقوط هذا الشكل من الحكم وزعزعة أركانه هو بكل المقاييس إنجاز نوعي ضروري ومهم ولا غنى عنه حتى لو كانت النتيجة صعود الإسلام السياسي بكل ألوانه السلفية والوسطية إلى دفة الحكم، والذي سيقدم شكلاً جديداً من الاستبداد. وهذا يطرح سؤال لماذا؟ الإجابة: لأن هذا النظام هو المنتج الأساسي للإسلام السياسي بمختلف فروعه سواء عبر الحرب التي شنها ضده، وحوّله بالتالي إلى ضحية أولى للنظام، وأدى ذلك إلى تعاطف الجماهير معه وصولاً إلى منحه الثقة عبر صناديق الاقتراع. أو عبر إبرام الصفقات بين النظام والإسلام السياسي في مؤسسات التعليم والمؤسسات الدينية وفي الاقتصاد. إضافة إلى كون النظام منتجاً أساسياً للتشوهات السابقة. وعندما يتغير النظام المنتج للتشوهات والمحفز الدائم لتطور الإسلام السياسي. تبدأ معركة جديدة مع نظام الاستبداد الإسلامي الجديد الذي اختارته صناديق الاقتراع. النظام الذي انتقل من موقع معارضة ذات شعارات رنانة مريحة لا تستوجب أياً من الاستحقاقات لأنها منفصلة عن الواقع، إلى موقع المسؤولية التي تتطلب التعامل مع واقع ومعطيات. إن كل الشعارات والأهداف التي طرحت في السابق من موقع المعارضة كالموقف من اتفاقية كامب ديفيد وسفارة إسرائيل في القاهرة، ودعم المقاومة ضد إسرائيل، والموقف من السياحة الإباحية أحد أهم مصادر الدخل، والموقف من البنوك الربوية، والموقف من أميركا والغرب، والموقف من المواطنين الأقباط وحرية المرأة ومساواتها والموقف من الفن إلى آخر القائمة التي كان الموقف التعسفي منها لا يكلف الإخوان المسلمين شيئاً لكنه يكسبهم الشيء الكثير وبخاصة في مجال تعزيز نفوذهم الجماهيري. مطلوب الآن ترجمة هذه المواقف والشعارات من موقع الحكم على أرض الواقع.
وإذا كان الإسلام السياسي أميناً على مواقفه السابقة، فسيجلب لنفسه ورطة لا حدود لها لأنه سيفتح معارك كبيرة تعزله داخلياً وخارجياً وتعزل معه مصر أيضاً. وإذا غير الإسلام السياسي مواقفه فإنه سيخسر مصداقيته.
أغلب الاعتقاد أن الإسلام السياسي سيغير وبدأ يغير فعلاً مواقفه من الولايات المتحدة والغرب، وتتحدث وسائل الإعلام عن تقديمه تعهدات بالحفاظ على اتفاقية كامب ديفيد. وداخلياً يتحالف مع المجلس العسكري ويعارض استمرار الثورة ضد بنية النظام القديم وضد الاحتكارات وفلول الحزب الحاكم، وضد تعميق الديمقراطية. يلاحظ هنا أن الإسلام السياسي هرول في تغيير الخطاب السياسي لكنه لم يغير خطابه الثقافي والاجتماعي، وهذا يضعه في تحد مع القوى الديمقراطية والعلمانية والمتنورة ومع شباب الثورة أساساً.
القوى الحية التي فجرت الثورة وفتحت الأبواب أمام تغيير الواقع البائس، لن تلقي راية الثورة بمجرد إخفاقها في الانتخابات. بل ستتوقف عند دروس الانتخابات وستواصل النضال، هذا ما أكده شباب التحرير. لقد خسروا جولة لكنهم لم يخسروا المعركة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بوتين يتعهد بمواصلة العمل على عالم متعدد الأقطاب.. فما واقعي


.. ترامب قد يواجه عقوبة السجن بسبب انتهاكات قضائية | #أميركا_ال




.. استطلاع للرأي يكشف أن معظم الطلاب لا يكترثون للاحتجاجات على 


.. قبول حماس بصفقة التبادل يحرج نتنياهو أمام الإسرائيليين والمج




.. البيت الأبيض يبدي تفاؤلا بشأن إمكانية تضييق الفجوات بين حماس