الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبد المحسن عقراوي.. في مقهى الزهاوي

وديع العبيدي

2011 / 12 / 7
سيرة ذاتية


لم تكن مقهى الزهاوي مجرد ملتقى ثقافي، انما أكثر منه كانت مدرسة أدبية لها ملامح وخصائص فنية وفكرية، يتفق فيها وحولها رواد المقهى بدرجة أو أخرى. على شاكلة التصنيف الثقافي في مصر بين جماعة الديوان وجماعة أبولو، كانت الزهاوي أقرب إلى روح مدرسة الديوان من سواها، وكان أبرز ملامح ذلك، انحيازها للقريض –أي التزام العروض في نظم الشعر- ، وهو النمط الشائع والمشترك لأعضاء الزهاوي، رغم اختلاف الأفكار والموضوعات المتداولة شعريا. ومن الناحية الفكرية، كانت الجماعة أكثر انفتاحا في مجال التعبير والتعامل مع العصر، والتحرر من انماط الفكر التقليدية. على أنه من الضرورة التمييز بين الانفتاح الفكري والموقف السياسي مع مسافة واضحة لمفهوم حرية التعبير.
ولم يختلف اثنان حول شاعرية الاستاذ عبد المحسن عقراوي ومكانته الأدبية، لكن مسافة من التحفظ كانت واضحة في علاقة رواد المقهى ونظرتهم إليه. ليس بسبب كونه من سكان المحافظات (الموصل) أو ندرة حضوره للمقهى، وانما بسبب الموقف السياسي الذي سخر لأجله قصائده. وعلى قدر حريته في هذا الاتجاه، فلم يكن له فرض رأيه أو اتجاهه هذا على سواه، سيما في مقهى الزهاوي. فالمعتاد أن يعرض أحدهم قصيدة أو مجموعة شعرية جديدة أو منشورة، والتداول بشأنها. أما الشعر المؤيد للحكومة والمروج لسياساتها فلم يكن مسموحا به، ولا مكان له في فضاء المقهى، سوى اذان صماء، عيون شاردة، وخطى متسارعة نحو الرصيف.
شهدت مرحلة الثمانينيات رواجا شعريا وأدبيا، واستعادت قصيدة العروض – الشعر المنظوم- مكانة الصدارة الشعرية، وتنافست وسائل الاعلام في نشرها وتقديمها، وبرز بين ذلك شعراء نالوا ما تصبو إليه نزعاتهم النرجسية وهم يسخرون مناسبة الحرب للتحليق الشعري والذاتي، وكان على رأس أولئك عبد الرزاق عبد الواحد الموصوف (بشاعر القادسية/ شاعر الرئيس)، وجمهرة من شعراء الدال (الأكادميين) مثل الدكتور علي الزبيدي، ومن الجيل الشاب كان لؤي حقي قبل اختفائه، والضابط المجند هزاع درع الطائي من جيل السبعينيات، على سبيل المثال.
شعار (أدب المعركة/ شعر القادسية) وهو الاسم المطلق على حرب الثمانينيات (1980- 1988) بين كل من العراق وايران، والحفاوة التي أحيط بها الشعر الدعائي وشعراؤه، فتح الباب لجمهرة من شعراء القريض للتقدم للأمام، ومنهم فريق من أبناء الأجيال السابقة التي وجدت نفسها على شفا التهميش مع سيادة البروقراطيا الثقافية من الجيل الستيني على مؤسسات النشر والاعلام، مع اجتياح الشعر الحرّ للساحة الأدبية العراقية.
هنا عادت بعض الأسماء التقليدية للبروز في مشهد شعر الحرب مختفية وراء قصائد تروج لعدالة الحرب أو المنازلة القومية أو زعامة القائد. وكانت مناسبة نشر قصيدة لأحدهم أو دعوته لتقديمها في الاعلام المرئي أو المسموع، ناهيك عن المهرجانات الدعائية المتكررة في بغداد، مدعاة لظهور عديد المشاركين في الحياة الثقافية اليومية للعاصمة. ومن بين أولئك المترددين على العاصمة وعلى مقهى الزهاوي، الاستاذ عبد المحسن عقراوي (1939- 1995) من محافظة الموصل، والاستاذ محمد راضي جعفر (1941-) من محافظة البصرة.
وجه مثلث دقيق يختفي معظمه خلف نظارة سوداء واسعة، محصورة بين شارب يعلو شفته العليا ويتصل بمقدمة منخري الأنف، وشعر رأسه الأسود المفروق على الجانب. ضعيف البنية، صغير الجسم، لا يتعدي طوله (1.65م). هذا هو الأستاذ عبد المحسن عقراوي، الشاعر الذي اعتبره البعض من الشعراء الأغزر انتاجا، تنوعت موضوعاته بين السياسة والقومية والمرأة، ولكن انحيازه العروبي والحزبي هو الغالب بين ذلك. وهذا السبب هو ما جعله أقل حفاوة في مشهد الزهاوي.
لم أعرف الاستاذ الشاعر عبد المحسن عقراوي عن قرب، ولم أدرس شعره وسيرته الأدبية، ولكن ملاحظتي العامة تكشف عن قدر من التناقض الداخلي في رسم شخصيته. لا جرم أن ثمة حسا عروبيا واضحا في الثقافة الموصلية، ولكن هذا الحسّ يستند إلى أحد فرعين: أولهما العشائر العربية في بادية الموصل، والثاني هو نقطة التدين الاسلامي باعتباره نقطة جذب عروبية. ومن هذا الباب كان الشعر الاسلامي العروبي هو أكثر وضوحا في ثقافة الموصل، ومن رموزه الشاعر محمد حبيب العبيدي. ولكن هاتين الاشارتين، لا تساعدان في حلّ صورة التناقض هذه، فليس هو من العشائر العروبية، ولا هو من المفتونين بالشعر الديني. قد يتعلق الأمر بموضوع بيئة الشاعر الموصليّة. وهو أمر جدير بالدراسة والتوقف، ويصعب الاختلاف فيه، لكن مصدر المفارقة يبقى في قدرته التوفيقية بين شخصيته الكردية الواضحة في (لقبه، لكنته اللغوية) وصورته الثقافية كأديب وشاعر عروبي.
فالقول باثر البيئة يحظى هنا بالأولوية من جانب. يقابله ميل إلى فكرة التحرر من الشعور الأقلوي (من الأقلية الديموغرافية والثقافية) للاندماج في نسيج الأغلبية، أمران جديران بالاهتمام. أما إذا اعتبرنا بعامل الزمن، فأن منظور الراهن السياسي والثقافي، لم يكن بهذه القوة في المشهد الاجتماعي والثقافي العراقي قبل الستينيات، وربما كانت ثمة نقاط أو عوامل أخرى أوسع من مجال هذه المداخلة السريعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ا?غرب وا?طرف الخناقات بين ا?شهر الكوبلز على السوشيال ميديا


.. عاجل | غارات إسرائيلية جديدة بالقرب من مطار رفيق الحريري الد




.. نقل جريحتين من موقع الهجوم على المحطة المركزية في بئر السبع


.. سياق | الانقسام السياسي الإسرائيلي بعد حرب 7 أكتوبر




.. تونس.. بدء التصويت لاختيار رئيس الدولة