الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معالجة الفساد في إقليم كوردستان بقانون «من اين لك هذا»

عبدالباقي عبدالجبار الحيدري

2011 / 12 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


هل يصلح العطّار ما أفسدته عقود طويلة من التسيب والعبث بالمال العام وثروات هذا الإقليم؟ وهل تستطيع التصريحات و المبادرات الحد من ظاهرة نهب المال العام؟
لا شك أن الشرائع السماوية دعت إلى احترام المال العام وحمايته، وحرمت الإعتداءعليه.بجميع الأشكال والصور حيث تعتبر جريمة سرقة المال العام هي الجريمة الأكثر أهمية من بين الجرائم الواقعة على الأموال، إلا أن بعض المسؤولين في الإقليم من استحلوا نهب المال العام ،و من ينهب المال العام قدوة في زمننا والبعض يتمنى أن يصبح مثله لأننا في زمن نتباهى فيه بالمعصية.
بيد أن نهب المال العام جريمة إقتصادية وأخلاقية وسياسية، وأن المال المنهوب ما هو الاّ عملية قهرية إستهدفت فئات عريضة من الشعب وبددت ثرواته فكانت النتيجة إغتناء أقلية على حساب تفقير المجتمع وتعطيل مسيرته الديمقراطية.
ولم يطرح أحد قانون (الذمة المالية) في البرلمان، ، رغم أنه أصبح يمثل ضرورة ملحة وحان الوقت لاقراره، لأن ذلك يحقق نقلة نوعية في الممارسة الديمقراطية، ويرسخ مبدأ الشفافية، ويقضي على الكثير من السلبيات والأقاويل والتكسب غير المشروع.
فلضمان نظافة ونزاهة آداء المسؤولين لعملهم. انطلقت المطالب الجماهيرية بتبني قانون (الذمة المالية) لكبار مسؤولي الإقليم، لكن لم تجد هذه المطالب، آذاناً تصغي إليها لأسباب عديدة، لعل أحدها الفهم الخاطئ لطبيعة هذا القانون، فالبعض قد يتصور أنه للتشهير والتنكيل وليس للمساءلة والشفافية والمراقبة، فيما يقول النزهاء، وحتى لو كان للتشهير بالفاسدين فما الذي يخيف هؤلاء.. إلا أنهم من زمرة الفساد؟.
وُيطبق هذا القانون (من أين لك هذا) أو (الذمة المالية) أو (الكسب غير المشروع) في أغلب دول العالم على المسؤولين كبيرهم وصغيرهم، ويجب على المسؤول تسجيل ما يملك قبل توليه منصبه من ثروة أيا كان نوعها يحاسب بعد تركه المنصب، أو أثناء توليه له على أى زيادة عادية في هذه الثروة واحياناً ثروة أقاربه، زوجته وأولاده وإخوة وأخوات.
وعدم تطبيق هذا القانون في الإقليم يعد عيباً خطيراً في الديمقراطية والشفافية، خاصة وأن قرية صغيرة في شمال انكلترا تطبقه بشكل طريف. حيث يقام فيها مهرجان سنوي لمحاسبة رئيس واعضاء المجلس البلدي للقرية، وهذه المحاسبة عن طريق الميزان.. حيث يقام المهرجان حول ميزان كبير، ويصعد رئيس المجلس ليتم وزنه بالرطل، فاذا اتضح ان وزن رئيس المجلس قد زاد عن يوم توليه المنصب زيادة غير طبيعية، فإن ذلك يثبت أن رجل غير مخلص في عمله، لأنه كان يستخدم بطنه أكثر من عقله. ويتم التجاوز عن خمسة أرطال فقط. أما أكثر من هذا فيتم عزل رئيس المجلس فوراً، ثم يتم وزن باقي الأعضاء فرادى.
يقول الله عز وجل «وتحبون المال حباً جما» ( سورة الفجر: 20)، ويقول كذلك «إن الإنسان ليطغى ان رآه استغنى» ( سورة العلق: 6ـ7 ).
ومن خلال هاتين الآيتين الكريمتين يمكننا القول أن الإنسان يحب المال، فقد أثبت علم الاجتماع أن الإنسان له نزعة وحب كبير في الأموال والثروات، ونزعة في التسلط والاستيلاء إذا ما وجد الطريق إلى ذلك. وقد تتهذب الجوانب السلبية الموجودة في الإنسان، لكنها لا تمحى منه بالمرة، وبخاصة إذا ما وصل إلى درجة الإستغناء ولم تكن في المجتمع مؤسسات قانونية توقفه عند حده، وفي هذه الحال فان الإنسان يستبد بالأمور فيطغى، والطغيان هو أعلى درجات الإستبداد والديكتاتورية والعكس اذا كان في المجتمع مؤسسة قادرة على المساءلة، فإنه لا يتجرأ على الاختلاس.
و في هذا الزمان كثر الذين يستفيدون من مناصبهم سواء وزراء أو نواب أو مسؤولين أو مجالس المحافظات أو مجالس البلديات هنا وهناك مستغلين «كراسيهم» لتحصيل الرشاوى وإرساء المناقصات على أنفسهم أو على أقاربهم أو حتى المحسوبين عليهم. مشيراً إلى أن هذا الأمر يتضح جلياً فيمن لا يملكون سوى رواتبهم الوظيفية، وتجدهم بعد فترة قضوها في أماكنهم أصبحوا مليونيرات، وذوي أبراج ومجمعات وسيارات فارهة ومصانع واراضي ورأس مال وغيرها لذا فإن إصدار قرار أو قانون يتعلق بمساءلة المشتبه فيه أو المدان في الكسب غير المشروع يعد مطلباً جماهيرياً.
أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) كان حين يعين ولاته يحصي أموالهم ويحقق فيها قبل ذهابهم إلى امكنة ولاياتهم، وكذلك كان يشترط عليهم شروطاً بشهود جماعة من الناس، ومن هذه الشروط عدم الإعتداء والظلم على أفراد المجمتع من الناحية الجسدية والمالية وغيرها، وعدم إستغلال منصبه لجمع الثروات له ولأقربائه وحاشيته!، إن علم بأن أحداً من المسؤولين خرق العدل، ونكث بالشروط والعهود، واستغل منصبه لمآرب ذاتية، فإنه كان لا يساوم قط على العدالة وحقوق الناس، ومثال ذلك، أن عمر بن خطاب(رض) صادر أموال أبي هريرة (رض) الذي كان والي على البحرين، حينما علم وتوثق لديه انه بعد فترة من ولايته على البحرين، قد بلغ حداً كبيراً من الثراء، لذلك استدعاه فقال عمر لأبي هريرة: «ألا تعلم اني استعملتك على البحرين وأنت حاف لا نعل في رجليك!» فصادر عمر أموال أبي هريرة وعزله من جميع المسؤوليات.
وكذلك صادر عمر بن خطاب(رض) ثروات العديد من ولاته التي كسبوها وجمعوها خلال تصديهم لمسؤوليات إدارية وحكومية. ومن المسؤولين الذين صادر عمر أموالهم( أبي موسى الأشعري، وعمرو بن العاص والحارث بن وهب) لنفس الأسباب وكان عمر يحقق معهم ويسألهم: «من أين لك هذا؟» وكيف جمعت كل هذه الأموال والثروات، وانت قبل المسؤولية لم تكن تملكها؟ فكان الوالي المسؤول يجيب بأنه قد جمعها عن طريق التجارة، لكن عمر كان يرفض هذا التعليل بشدة ويرد عليه «والله ما بعثناك للتجارة!» وبعدها كان يصادر أموالهم.
ونجد اليوم كثير من الوزراء ونواب البرلمان وبعض المسؤولين و رؤساء الجامعات وعمداء الكليات و مدراء العامين، يعملون في التجارة باسماء وهمية ويتركون مسؤوليتهم الوطنية والقومية وراء ظهورهم.
أن التصدي للفساد والمفسدين في إقليم كوردستان، هو ضرورة وطنية وقومية، من اجل الحفاظ على هذا الإقليم خالياً من تلوث الفساد، التي ضحى من أجله العظماء والشرفاء الأوائل. لا ننكر الجهود التي بذلتها وتبذلها المعارضة، لاستئصال هذا الوباء، الذي أصبح يؤثر على مشاعر الجماهير، وتحويل ملفات كبيرة ومهمة إلى القضاء، ولا ننكر ايضا، أن الحرب ضد الفساد ومنذ أن أطلقها رئيس الإقليم، أدت إلى تكوين مناخ عام ضد هذه الشريحة، وفتحت العيون على كثير من شرورها، وسلبياتها، وأخطرها الاساءة لمنجزات الإقليم، والمساهمة في هروب الاستثمار.
وفي هذا الصدد، لا بد من التأكيد على حقيقة أجمع عليها كثيرون، وهي أن التصدي الناجع لهذا الوباء، لاستئصاله من جذوره، وتطهير ارض الإقليم من آثامه، يستدعي إقرار قانون من أين لك هذا ؟ فمن دون إقرار هذا التشريع تبقى المعالجات قاصرة، وتبقى الأدوات ناقصة.
أن من أسباب قصور معالجة ملف الفساد في الإقليم، هو عدم وجود قانون من أين لك هذا؟ فهذا القانون، هو وحده الكفيل بفتح كافة الملفات، والتحقيق مع كل المشتبهين، خاصة من تضخمت ثرواتهم، بشكل غير مسبوق، في ظل الظروف الراهنة.
ومن ناحية أخرى، واستكمالاً لهذا القانون، لا بد من تطوير (اشهار الذمة) التي يجب ان يقدمها الوزراء والنواب وأعضاء مجالس المحافظات و البلديات وكبار المسؤولين والحزبيين، بحيث يتم الاعلان عن ثرواتهم وكافة ممتلكاتهم في الصحف وسائر وسائل الاعلام، وبمنتهى الشفافية، ليطلع عليها المواطنون، حيث حرصت التشريعات في كثير من الدول المتقدمة على محاربة الفساد المالي، خصوصا الذي مصدره الكسب غير المشروع بواسطة استغلال المنصب أو الوظيفة.... الخ، وذلك بإلزام الأشخاص المعنيين ببيان ذمتهم المالية قبل وأثناء تقلدهم مناصبهم، للوقوف على ما لو أثروا بسبب استغلالهم لوظائفهم... وجعل لذلك آلية وإجراءات دقيقة تكفل في حال الالتزام بها؛ الوصول إلى حقيقة حال من تدور حوله الشبه، ومن ثم ما إذا كان يستحق أن يخضع للجزاء العقابي أم لا؟
قديمًا سُئل الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية جون كنيدي من أحد الصحفيين: هل رحلة زوجتك إلى أوروبا على نفقتك الخاصة أم من مال الدولة؟لو أن هذا السؤال وُجِّه إلى أحد رؤساء الدول النامية لقامت الدنيا ولم تقعد، ولوُصف هذا الصحفي بالحماقة ، ولربما اعتبروا سؤاله نوعًا من التطاول أو التجاوز، أو أنه يمس هيبة الدولة!!ولكن كل هذه الاتهامات لم تخطر ببال كنيدي، الذي أجاب الصحفي بكل بساطة عن سؤاله، ولم تخطر كذلك ببال المستمعين عبر شاشات التلفاز؛ لأنهم يعلمون أن من حق أي مواطن أن يسأل رئيس دولته مثل هذا السؤال.
تمامًا مثلما حدث مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو يخطب الجمعة بالناس -وكان قد أتته ثياب من اليمن فوزّعها على المسلمين كل مسلمٍ ثوبًا - فبدأ الخطبة وعليه ثوبان، وقال: أيها الناس! اسمعوا وعوا، فقام سلمان الفارسي من وسط المسجد، وقال: والله لا نسمع ولا نطيع!! فتوقف، واضطرب المسجد، وقال: ما لك يا سلمان؟ قال: تلبس ثوبين وتلبسنا ثوبًا ثوبًا ونسمع ونطيع؟! قال عمر:لابنه يا عبد الله! قمْ أجب سلمان، فقام عبد الله يبرر لسلمان، وقال:هذا ثوبي الذي هو قسمي مع المسلمين أعطيته أبي، فبكى سلمان، وقال: الآن قلْ نسمعْ، وأمرْ نطعْ، فاندفع عمر يتكلم.
إن الاسلوب الحالي المحاط بالسرية التامة على ممتلكات كبار المسؤولين، يتنافى في تقديرنا، وشفافية من اين لك هذا.باختصار.. تشريع قانون من أين لك هذا؟؟ وتطوير اشهار الذمة المالية، وبمنتهى الشفافية، ليطلع عليها المواطنون، أصبح ضرورة وطنية وقومية لازمة، لاستئصال الفساد، وهو ما نأمل ان يجد طريقه إلى التشريع، لاحكام القبضة على الفاسدين والمفسدين.علينا جميعا ان نؤمن , بمقولة عملية (من انتقدنا ... هو صديقنا ) كما (الذي يفحصنا .. يداوينا).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مرسيليا على أتم الاستعداد لاستقبال سفينة -بيليم- التي تحمل ش


.. قمع الاحتجاجات المتضامنة مع غزة.. رهان محفوف بالمخاطر قبيل ا




.. غزة: ما هي المطبات التي تعطل الهدنة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. البنتاغون: الانتهاء من بناء الميناء العائم الذي سيتم نقله قر




.. مصدر مصري: استكمال المفاوضات بين كافة الأطراف في القاهرة الي