الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الليبرالية الجديدة في سوريا والحَوَل السياسي

قاسيون

2004 / 12 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


من عجائب الليبرالية الجديدة الكثيرة في سوريا، إصابتها بالحَوَل السياسي، وما يبدو عجيباً للوهلة الأولى لا يلبث طويلاً حتى يفقد سمته الإيجابية الوحيدة في خلق الدهشة عند المتلقي، إذ ما أن ينتهي المتلقي من حالة الضحك من أطروحاتهم حتى تتلبسه حالة أخرى قد تكون مزيجاً من الاشمئزاز والرثاء، تُذكر بالمسرح المضحك المبكي.
من أوضح أمثلة هذا الحَوَل ما كتبه السيد فراس سعد في موقع «الحوار المتمدن» بتاريخ 20/12/2004 تحت عنوان «عن أية صفقة سياسية تتحدث قاسيون . . . »، فقد استجمع الكاتب كل قواه الشتائمية، وقاموسه السُبابي، وذعره الرهابي، وجهله المطبق؛ ليخرج من ذلك كله بخلطة عجيبة غريبة أسماها «مقال»، فيقذفها دفعة واحدة، ليس ضد المقال موضوع الرد، بل ضد شخص كاتبه «الدكتور قدري جميل».
إلا أن خللاً بسيطاً قد أحدثه هذا الحَوَل، هو بكل بساطة: أن كاتب مقال «ليبرالية جديدة وستالينية جديدة؟ أم صفقة سياسية جديدة ؟!!» ليس الشيوعي الشامي قدري جميل بل الشيوعي الحلبي ماهر حجار.
وما ذكرتُ ما ذكرتُ، إلا لأدلل بمثال ملموس على الدرك الأسفل من البؤس الذي وصلت إليه الليبرالية الجديدة في سوريا حتى تنتج مثل هؤلاء الحملة الأغبياء لمشروعها الخائب، ولأدلل أني لم أكن متجنياً عليها حين ذكرت في مقالي المذكور أعلاه، أنها لم تنتج إلا مسوخاً غبية.
وأربأ بنفسي عن النزول إلى سويتها في الحوار؛ فأغضي الطرف عن هذه المهاترات الصبيانية؛ لأتناول القضية من جديد على قاعدة الهم الوطني؛ فأقول:
إن الأحداث المتسارعة في المنطقة العربية تضع سوريا مباشرة في مرمى الهدف الأمريكي، ولئن استطاعت النيوليبرالية أن تسيطر على مصر عبر حل داخلي أخضعت بموجبه مقدرات أكبر قطر عربي للإرادة الأمريكية والإسرائيلية، ولئن استطاعت النيوليبرالية أن تقدم مشروعها في العراق على ظهر الدبابات وجثث الشعب العراقي والأسلحة الذكية والغبية؛ فإن الحل المقترح للحالة السورية يغدو حلاً مركباً من الحلين المصري والعراقي يعتمد أساساً من الضغوط الداخلية والخارجية للمشروع النيوليبرالي العالمي.
وعليه، فإن المشروع النيوليبرالي العالمي لمستقبل سوريا سيجد نفسه أمام صعوبات كبرى إذا ما لم يجد مستلزماته في الداخل، ولعل قوى الفساد الكبير تشكل القوى الأهم على الإطلاق القادرة على تأمين تلك المستلزمات كونها تشكل مواقع اختراق كبرى ومفترضة لهذا المشروع. فلما كانت -من الناحية النظرية على الأقل- هذه القوى ترى أوطانها حيث تجثم حساباتها البنكية؛ لزم من هذا أن تلعب دور الضاغط الداخلي الأكبر من أجل تأمين المستلزمات الداخلية لهذا المشروع ، فيتجلى حَوَلها السياسي في محاولة لعب دور الذكي الذي يضرب عدة عصافير بحجر واحد؛ لتضعه محصلة عدم صيده لأي من العصافير في موضع الأحمق الذي لم يستطع صيد سوى نفسه.
فمن جهة يحاول أن يقدم الفساد الكبير عبر تأمين الشروط المثلى للنيوليبرالية العالمية في سوريا شهادة حسن سيرة وسلوك للأسياد في الخارج، علهم يرحموه من هول ما تخبئه الأيام. ومن جهة أخرى يرى أن الإجراءات التي يقوم بها سوف تساعده لاحقاً على التحول من وضع الناهب الغير قانوني إلى وضع الناهب القانوني عندما سيسمح له الأمريكان باستثمار أمواله في سوريا الليبرالية، فيستبدل دوره من ناهب للقطاع العام إلى مستثمر له بعد خصخصته على طريقته، وكم بين الناهب والمستثمر من بعد في الدال واتفاق في المدلول. ومن جهة ثالثة يكون قد أمن مستقبل أبنائه عندما سيغدون في سوريا الليبرالية كما يتصورونها رجال أعمال محترمين محفوفين بمثقفين وسياسيين يذودون عنهم حسد الأشرار، ومهالك الأقدار.
بهذه السطحية، وبهذا التهافت، يفكر ليبراليونا الجدد في سوريا.
ولئن أضحكنا حَوَل مثقفيهم فلم يستطيعوا أن يميزوا بين قدري جميل وماهر حجار، فإن حَوَلهم السياسي باعتبارهم أصحاب قرار لم يثر في نفوسنا إلا الشفقة والألم الإنساني على سوء تدبيرهم »وهم يحسبون أنهم يحسنون صُنعا(1)«، ألا ساء ما يفعلون.
فالخازوق المنجَّر بعناية النظام العالمي الجديد، والذي تحدثنا عنه في مقالنا المذكور أعلاه لا يصنِّعه الأمريكان فحسب، بل ويتسابق ليبراليونا الأذكياء على تصنيعه لأنفسهم، واهمون أنه لغيرهم، وقد فاز ونجا من أسهم في تصنيعه.
ولا يحضرنا في هذا المقام مثالاً أفضل من صدام حسين الذي حاول لعشرات السنوات أن يستمسك بعروته الوثقى/الأمريكان، فكان خير مثال على من ينجِّر الخوازيق لنفسه وهو يظن أنه ينجِّرها لغيره. وعندما اقتربت ساعة الصفر لم ترحمه توسلاته وإراقة ماء وجهه بتفتيش غرف نومه، ولا رسالته الأخيرة في طلب العفو والمغفرة التي رفض سيده قراءتها لِتُلقى في مزابل البيت الأبيض، ولا الأيمان المغلظة التي أقسمها بأنه سيجعل العراق مباحاً للأمريكان، والأهم الأهم من هذا وذاك فإن كل الأموال المنهوبة من الشعب العراقي لم تشفع له ولا لأبنائه، ولم تتحول على كبر حجمها إلى جواز سفر إلى عالم المال والأعمال الدولي فيدخل ببركاتها المحفل النيوليبرالي من بابه العريض، لينتهي الأمر بجثث ولديه عارية على شاشات الفضائيات، ولتغدو صورته بلحيته الكثة دعاية لماكينات الحلاقة »جيليت«.
وما يثير الاستغراب حقاً، هو هذا الصمت المدوي من المجتمع السياسي السوري على إجراءات قوى الليبرالية الجديدة في جهاز الدولة التي أعلنت الملامح الأولى لمشروعها في خطوات مدروسة لخصخصة القطاع العام على طريقتها، وتخفيض الموازنة الاستثمارية إلى 20% مما كانت عليه في العام الماضي، وموجة الغلاء المصطنعة الساعية إلى زيادة توتير الاحتقان الاجتماعي زيادة على بؤر التوتر الموجودة أصلاً، كل ذلك يجري بغياب شبه تام لقوى المجتمع السوري عن الساحة، فلا يشذ عن سمفونية الصمت هذه إلا صوت »صحيفة قاسيون« التي أعلنت جهاراً نهاراً معركة مفتوحة ضد الليبرالية الجديدة، وخاصة تلك المتواجدة في جهاز الدولة.
فلا غرابة إذن،والحال كذلك، أن نرى بعض أقزام الحَوَل السياسي يدعون قدري جميل و»عبد الحليم الأحمر(2)« لقضاء شتاءات لندنية تيمناً بصدر الدين البيانوني، فلربما يضفي شتاء لندن على أفكارهم مسحة من العقلانية!!!؟.

ماهر حجار – حلب
22/12/2004
[email protected]

(1) سورة الكهف، الآية 103.
(2) هكذا ورد الاسم في مقال السيد فراس سعد في » الحوار المتمدن« بتاريخ 13/12/2004. ولا ندري إن كان ورود الاسم بهذه الصياغة يندرج تحت باب من أبواب فقه اللغة العربية، أم ناتج عن جهله الدائم بأسماء الأعلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كير ستارمر -الرجل الممل- الذي سيقود بريطانيا


.. تحليق صيادي الأعاصير داخل عين إعصار بيريل الخطير




.. ما أهمية الانتخابات الرئاسية في إيران لخلافة رئيسي؟


.. قصف إسرائيلي يستهدف مواقع لحزب الله جنوبي لبنان | #رادار




.. سلاح -التبرعات- يهدد مسيرة بايدن في السباق الرئاسي! #منصات