الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدم المصري

نادية الشربيني

2011 / 12 / 10
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



بعيدا عن عرس الديمقراطية المزهزه والذي أصبح كالداوء المر المضاف اليه طعما حلوا مصطنعا، وعليك أن تشربه وتقول "الله" غصبا عنك، أود أن أتحدث عن الدم المصري الغالي منه والرخيص.
لقد عبرنا بسهولة المسافة الفاصلة ما بين دموع ذرفناها على شهداء محمد محمود الذين سقطوا بالأمس القريب، بل وحولناهم بقوة الفضائيات إلى أطفال شوارع وبلطجية، وما بين مشاهد طوابير الانتخابات التي اثنت عليها الصحافة الأمريكية والسيدة كلينتون، وحسدتنا عليها الأمم الأوروبية كما ذكرّنا بذلك روبرت فيسك. ولم نكتف بذلك بل وعدنا أنفسنا بديمقراطية نبنيها بعون الله ثم عون الجنرالات، الذين لم يعودوا فقط حكامنا "المؤقتين" ولا محافظينا ومديري دور الأوبرا لدينا، بل أصبحوا كذلك بناة مجدنا البرلماني وحماة لجاننا الانتخابية. وصارت العلاقة اليوم مع العسكر الذين يحكموننا، ووسط فرحة المولد الانتخابي، ما بين ليلة وضحاها، علاقة رضا وقبول، تأكيدا لقول الجنرال شاهين من أنه "زواج شرعي"، أي أن المجلس متزوج بالسلطة في الحلال، ولا ندري ما دلالات استخدام هذه المصطلحات الحميمة. هل المقصود هو الطبيعة الحلال للعلاقة أم ديمومتها أم أمر آخر قصرت عنه أفهامنا؟ وكأن الجنرال قد مست كلماته، التي أثارت تعجب البعض واستياء البعض الآخر، قلوب المصريين واقتنعوا أنها علاقة زواج تستوجب المباركة من الشعب، سواء أمرت تلك المباركة من طريق الاستفتاء الذي اقترحه سيادة المشير في كلمته التلفزيونية، التي وضحت فيها مواضع القص واللصق وعدم الحرفية، ككل شيء آخر مر بين يدي العسكر، أو مرت من بوابة العباسية حيث يلهج بحمد المجلس وشكره ثلة من المواطنين الشرفاء، وهو مصطلح منحوت من قلب الثورة المصرية، وبقيادة شخصيتين هما نتاج ظاهرة الثورة المضادة ودليلا دامغا على مستوى وعيها.
ونعود إلى الدم المصري الذي لم يعد بنفس قيمة الدم الذي أريق طوال الثمانية عشر يوما الأولى، على الأقل بالنسبة إلى كل المشتاقين إلى الاستقرار من أصحاب النوايا الطيبة والمخلصين لأنفسهم ولذويهم وحتى فلول النظام المتظاهرين بالولاء لثورة من صنع خيالهم والمتحولين سرا وجهرا مرورا بمن يريدون أن يعودوا إلى المشي جنب الحيط. أما الجانب الأهم فهو ولاة الأمر، الذين بدا بوضوح ما يعدونه لمصر، خاصة بعد أن أعلنت واشنطن (الباب العالي) مباركتها هي الأخرى لزواج العسكر بالسلطة، بل وذهبت إلى حد تقديم الدعم غير المشروط (حتى النهاية وتحت أي ظرف) للإسلام السياسي المستعد هو الآخر لحفل زفاف يخصه مع سلطة موازية أو ربما اقتسام السلطة. ومع علمنا التام أن الحب غير المشروط مثل الدعم غير المشروط لا وجود لهما في علاقات الدول، فإن تلك العبارات المستعارة من العلاقات الحميمة تثير ريبة أكثر مما تبعث برسائل اطمئنان.

لكن فلنترك المحتفلين في مرحهم واحتفالاتهم ودعونا نعود إلى مصر الباكية حيث معتصمي التحرير الذين بدوا علي هامش صورة الطوابير الانتخابية والسيدات اللاتي طردن المرشح الإخواني المبتسم من اللجنة وصورة الجندي يحمل ناخبا عجوزا حتى لجنة الانتخاب. هؤلاء المعتصمين الذين نالوا نصيبا من اليوم الأول لانتخابات المرحلة الأولى حيث تم اختراق ميدانهم بما يمثله من عالم للحلم والابداع والتغيير والايجابية بثلة من الباعة الجائلين كي يتحول إلى سوق أو أقل قليلا. دافع المعتصمون عن مكانهم وحلمهم في أن يبسطوا أجنحتهم على ما اعتبروه قطعة محررة في وطن محتل بالكذب والنفاق والمراوغة، وطن ما زال يرزح تحت وطاة المرض والفقر والجهل. وكان أن هاجمتهم جيوش الجهل والظلام، ولا أريد سوى أن أعيد كلمات الطبيبة الشجاعة غادة المرشدي، إحدى الطبيبات المتطوعات في المستشفى الميداني بالتحرير، التي اعلنت أن لا أحد يعبأ بأرواح المصريين أو كما قالت ياسمين الجيوشي مراسلة "أون تي في" إن المصريين ما هم إلا أرقام يمكن هدرها.
دوت صرخات الطبيبة التي لم يثنها قصف المستشفى الميداني بالغازات المحرمة دوليا - ولو كره المشككون وأصحاب النوايا الحسنة - عن الاستمرار في عملها الفدائي وتعريض حياتها وسلامتها للخطر من أجل انقاذ الارواح التي قررت الآلة الهمجية الشرطبة والعسكرية اللتين تتخفيان أحيانا مثل "الشبح الأسود" فتصبحان عنصرا مندسا يترك توقيع "اللهو الخفي" في مسرح جريمته. الطبيبة الشجاعة اعلنت صراحة أن وزارة الصحة تضطهد أطباء المستشفيات الميدانية وتساءلت في استنكار عن كيف يكون لدينا مستشفى ميداني بعد الثورة. وأضيف إلى استنكارها استنكارا أكبر كيف يكون لدينا مستشفى ميداني في حالة السلم؟ وكيف نظل نعترف بسلطة متزوجة من حكامنا القابعين في قصور مشيدة لا نراها رأي العين؟ وكيف نستطيع الاحتفال بممارسة ديمقراطية في ظل هذا التزاوج؟ من حق الشعب أن يعبر عن نفسه دون أن تزور إرادته، وهنا لا يجب ان نترك حذرنا فالتزوير لا يكون فقط بتسويد البطاقات ولا أن تكون من الغباء بحيث تترك الكاميرا الخفية تصورك، العسكر أذكى مننا جميعا وقد احاطونا بغلاف كالشرنقة من الأكاذيب المجملة والمفاهيم المزيفة. محمد فتحي الصحفي بالتحرير أقر أن زميلا له هدد بالاختفاء القصري إن استمر في التصوير. يخافون الصورة ويكرهون مواقع التواصل الاجتماعي لأنها جميعا جعلت الثورة ممكنة وهم يحاولون استخدام الصورة لقلب الحقيقة حيث تدهس مدرعتهم الطائشة التي فلت عيارها عشرات البشر المسالمين بينما ينعق بوق إعلامهم أن هبوا لنجدة حكامكم، أتريدون عبودية بلا ثمن؟ ويقولون في محفلهم الكبير حيث كاميرات العالم وميكروفوناته: أترون كيف ظلمونا هؤلاء المسالمين العزل؟ نحن جنود بلا سلاح، والمدهوسين لم يمنعوا أنفسهم من الموت، والمدرعة التي تتحرك بشفرة ويتحكم بها برنامج معقد يجب التدرب عليه قد استولى عليها المواطن الجهنمي ولطشها في غفلة من الجنود سليمي الطوية؛ أو أن الأشرار قد خرجوا من بين دفات كتب الأساطير وأخذوا يطلقون رصاصهم على الجانبين كي يوقعوا بين اليد الواحدة ويجلعونها يدين والعياذ بالله. وأخيرا يصل الجنرال إلى الكرشندو حين يقول "وانظروا كيف يلقون علينا الطوب والزلط؟" وتتكرر قصة أبناء الحجارة التي طالما غنينا لهم، الآن يجيء من يقول نحن لا نوافق ولا نقر ولا نحب ولا نشجع على إلقاء الحجارة على قوات الاحتلال.
أولئك المثاليون الذين يضعون مثاليتهم في غير موضعها فتنقلب ضدهم. أولئك الذين لا يرون في الدم المراق ظلما وغدرا سوى رقم يمكن التلاعب به أو التطنيش عليه. أولئك الذين لا يعبأون لألم فراق الأحبة الذي يعيشه كل أهالي الشهداء وأصدقائهم، لا يعبأون لأنه ألم للفقير، وألم الفقير اعتدنا أن نغلفه بالصمت واللامبالاة. أولئك الذين لا يدركون أن الاعتراف بسلطة أراقت الدم المصري أمام الكاميرات وسجنت كل الحالمين بالحرية، هو تكريس لسلطة لن تقود الوطن إلى سبيل الحرية والكرامة والعدل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الرعاع يحكموا مصر
كامل حرب ( 2011 / 12 / 11 - 01:54 )
بالطبع انا متفق معك فى هذه الكارثه ,المشكله ان الذى يحكم مصر الان هم رعاع مصر وسفلتها وانا اقصد هنا المجلس العسكرى المجرم الذى اختطف الثوره ,هذا المشير الغبى وعصابته من اللواءات اللصوص والحراميه والافاقين مرضى نفسيين وجهله وايضا اغبياء وفاسدين وعديمى التربيه ,انهم من الرعاع والسوقه والبلطجيه ويحموا زعيم عصابتهم القبيح مبارك والذى لايزال يحكم مصر ,كانت بينهم عشره طويله وسرقات وعمولات وتهليب ,هذه العصابه المتوحشه هم اكبر عدو للشعب المصرى ولابديل من التخلص منهم الا بانقلاب من الضباط الشرفاء والقبض عليهم جميعا وعلى عصابه سجن مزرعه طره والخنزير الكبير وتقديمهم لمحاكمه استثنائيه رادعه ويكون الحكم عليهم جميعا بالاعدام واذا كان هذا غير مستطاع فان الحل الوحيد هو عصيان مدنى كامل ,يجب التخلص من هذه الجراثيم والميكروبات العفنه ,اللعنه على هذه الوجوه العفنه

اخر الافلام

.. اعتصام لطلاب جامعة غنت غربي بلجيكا لمطالبة إدارة الجامعة بقط


.. كسيوس عن مصدرين: الجيش الإسرائيلي يعتزم السيطرة على معبر رفح




.. أهالي غزة ومسلسل النزوح المستمر


.. كاملا هاريس تتجاهل أسئلة الصحفيين حول قبول حماس لاتفاق وقف إ




.. قاض في نيويورك يحذر ترمب بحبسه إذا كرر انتقاداته العلنية للش