الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نضج الموت أو في الحداثة المغدورة و مصارعة الاستبداد

عمر بن بوجليدة

2011 / 12 / 11
العولمة وتطورات العالم المعاصر


...تقصّيا في طلب المعنى ،نحاول التفكير في التحولات و الاختلالات و الانكسارات ...التي أحدثت شروخا في التصور التقليدي للإنسان و في علاقته بالأغيار ولأن العقلانية إنما هي محاولة للكشف عن الطرق التي بها يتم تعقل العالم و فتح أفاق أمام الفكر والممارسة... نوّد أن نشير إلى أن "فرويد" كان قد تحدث في الفصل الثامن عشر من كتابه مدخل إلى التحليل النفسي ،عن الإذلالات التي تعرض لها الإنسان والتي خدشت نرجسيته وجرحت كرامته ونفت مركزيته ،لقد أحدثت هذه الثورات ،جملة انزياحات ،لكن كل هذه الانزياحات إنما حدثت ضمن انزياح أكبر وأوسع وهو المركزية القيمية والمعرفية التي نصبت الإنسان مرجعا أساسا وجعلته بعبارة لامعة ل"حنا أرندت"نقطة أرشيمدس الكونية ولهذه اللحظة معنى واحد وهو أن الإنسان بتعبير " هايدجير" قد أصبح مركزا ومرجعا للموجود بما هو كذلك وليس أبلغ من " ديكارت " في التعبير عن هذا التحوّل ، إنّه استبدال كامل لعقلانيّة بأخرى ذلك أنّ موضوع العلم لم يعد هذه الطبيعة الكسلى التّائقة إلى السكون ، و إنّما هذه الطبيعة التي لا ميولات لها و بما أنّها آلة ليس لها إلاّ أن تخضع لإرادة الفكر الغازيّ أو "الكوجيتو" من جهة ما هو كينونة عارفة و ذات مريدة تطمح إلى أن تجعل من الإنسان سيّد الطبيعة و مالكها .
و انسجاما مع هذه الطروحات كان انبجاس السؤال النقديّ من جهة ما هو انفتاح يفصح عن فراغ و نقص و عوز مقابل الوحدة و التطابق و الهويّة في انغلاقها، ذلك أنّ الإنسان إنّما أصبح استجابة نحو ما ليس هو. إنّه التوتّر بين التراث و الحداثة ... في هذا الأفق بعينه إنّما بات ينبغي أن نضع الإمكانيّة الفلسفيّة التي تشير إليها القضيّة ، إنّه من أجل ذلك نحن نفترض أنّه هنالك جدل فعليّ بين ذينك القطبين .غير أنّ هذا لا يكاد يستبين تمزقا فعليا على مستوى الوعي و توترا حقيقيّا ، إلاّ عندما استطاع أن يتبيّن بتفتّحه على الحداثة أنّ التقليد تقليد: هل نحن مضطرّون إذن إلى التفتّح على فكر الآخر و أنّنا مطالبون بالمساهمة في الكونيّة ؟ نحن نروم التنبيه إلى أنه وبفضل سيادة التقنية أصبح الفكر فكرا كونيا وقد ذهب "هايدجير" إلى أن التقنية إنما تسعى نحو التطابق وتهاب الاختلاف وإنها وبهذا المعنى شكل من أشكال الحقيقة وكيفية من كيفيات الوجود.مما قدمنا يصبح من الموقن به أن الأمر لا يتعلق بفكر يخص "أمة" دون "أمة" ذلك أن "الغرب" إنما هم أولائك الذين صاروا قدرا فلسفيا لغيرهم .وإنه لحقيق بنا – استبعادا للتظنن والغفول- أن نوضح أيضا أن الكوني المقصود إنما هو شكل من أشكال الحقيقة وهو لا يحيل إلى أي نزعة انتمائية دوغمائية بل إنما هو في ارتباط حميم بنزعة إنسانية انفتاحية لذلك فإن كل سؤال فلسفي لا مفر له لحظتئذ من أن يجد نفسه متورطا في هذه الكونية .لقد أعلن" فوكو" في درسه الافتتاحي "أن عصرنا برمته إنما هو محاولة للانفلات من قبضة هيغل "ذلك أن" هيغل" المقصود هنا هو الفيلسوف الذي "اكتملت "عنده الميتافيزيقا وما يميز الميتافيزيقا هو اعتبارها الذات أساس كل حقيقة.و من المناسب أن نذكّر أنّ تاريخ الفلسفة في تصوّره الهيقلي ،إنّما مراده بلوغ حدّ من الاكتمال المطلق ما يغنيه عن الحركة و الاستزادة .
و إنّه لمن اللافت للنظر أنّ "فوكوياما" سينفذ من هذا المنفذ مدافعا عن الأطروحة الهيقليّة ، مجسّدا طروحات الدولة الليبراليّة الحديثة :إنه انغلاق التشكّل إذ حُكم على السرد الفلسفيّ أن يكون ادّعاء مستمرّا بامتلاك الحقيقة .لقد انبجس الإنسان جوهرا مطلقا و نُقلت سلطة اللامتناهي من حامل إلهي مفارق إلى حامل إنسانيّ محايث و إنّه لمشهد عجيب تتراءى فيه ليبراليّة "فوكوياما" تفرض الخاتمة و تقحمها في مشهد السقوط الشيوعي . ضمن هذا التوجّه يتبيّن أنّ العودة إلى" هيقل" إنّما كانت من أجل إضفاء صيغا من المفهمة على التحوّلات الدوليّة الكبرى على نحو يضيء الواقع الرّاهن.
يتعيّن علينا إذن أن نتساءل اليوم إن كانت" نهاية التاريخ "تعني شيئا أكثر من كمال المفهوم .إلاّ أنّه ، ضمن هذا التوجّه يتجدّد توريط "هيقل" و الفلسفة بتمامها بحيث تتراءى نزعة قصديّة واعيّة ثاوية خلف نزعة "غربنة العالم".ولا ريب إن أقرّ الآن أنّ الواقع يعيد استثمار المعقول و توظيفه كلّيا من أجل تثبيت مكتسباته.إن أمركة العالم هي الترجمة المحتومة لعصر نهاية التشكل الغربي ،إنها لحظة بلوغ الكمال كما لو أن التطابق المطلق بين الفكر والواقع ،بين المفهوم والصيرورة ...قد تحقق ليتأبد ، ليدوم ويستمر ، ذلك هو انقفال النسق ، إنه أمارة على هجرة الساحات (=وطن النقاش العمومي والمواطنة)العامة والتخلي عن البراكسيس وقطع كل ارتباط مع "الدوكسا" و الاشتغال بمعرفة اللوغوس وتنقيته من شوائب الحس والنقد والاختلاف .و بهكذا استبدال ، ستنتهي تعددية الحقائق، إنه ما يدرك جليا من خلال تمرين "فوكوياما" التنظيري :نهاية التاريخ .
لقد أشار "بودريار" في كتاب له موسوم ب"وهم النهاية" إلى المأزق المسدود الذي أفضت إليه النزعة التبسيطية المنقادة كليا إلى سلطان البداهة والخالية من كل وعي نقدي و انتباه إلى الإشكالات و الإعضالات المستعصية ودون اعتبار للتصدعات التي تخترق الواقع الغربي .لقد أندست هذه الرؤى الكائدة في ثنايا "خطابات...هم " إلا أن السؤال الذي ينطرح إنما يتساءل عن المنزلة التي يتعين علينا أن نسم بها النظام المبشر بالدولة العالمية المنسجمة .إن الإجابة عن هكذا سؤال تستوجب منا تحديد المناطق المهجورة ، وهي تأكيد الاقتصاد والتقنية ، معيارا . إلا أن هذا الموقف أضيق من أن يدرك المقومات والمستندات السرية التي تؤسس لهذا النظام والتي هي نتاج طبيعي لمسار فكري تاريخي :اكتشاف قارة الذاتية ، حرية الإرادة ، الاستعاضة عن المرجعية اللاهوتية بالتعاقد الاجتماعي . ذلك أن المفيد في القصد الذي يعنينا ، إنما هو قراءة كيفيات مساءلة هذا الوعي ، تمهيدا لتمثل آليات اشتغاله و منطلقاته النظرية المسكوت عنها .
وحين ننعم النظر تستوقفنا علامات دالة بأن خلف هذا الانحسار إنما تثوي أزمة حادة تنخر الحداثة .ولقد نعلم أن الحداثة فقدت غطاءها الميتافيزيقي على حد تعبير "هايدجير" ، كما أن "بورديو" كشف ما أفضت إليه التجربة السياسية من مفارقات ، ذلك أن مجال الحوار السياسي الحر ، إنما كان مأثرة إغريقية ، ولم تفعل الحداثة الغربية سوى مأسسته وإحكام المراقبة عليه باحتكار العنف و امتصاصه مثلما أفاض في بيانه "فوكو" . ولقد حاول "دريدا" في كتابه الموسوم ب"أشباح ماركس" تشخيص الخطاب السائد ، مستنتجا أنه متعنت جموح وقلق بشكل سري ، يشكو ركاكة وفجاجة و جروحية ويضرب على ذلك مثلا ، كتاب "فوكوياما" : "نهاية التاريخ" .فــ"فوكوياما " يتناسى أنه لا ديمقراطية في ظل التجانس ولا حرية أو اختلاف في إطار الهيمنة ...والاعتراضات على منطق الليبرالية الجديدة أكثر من أن تحصى ...
ولمواجهتها لا مفر من التسلح بروح اليسارية ، التي هي ضد المؤسسة ،فدور اليسار إنما هو فكفكة الدكتاتوريات ومصارعة إمبراطورية العولمة الرأسمالية وإسقاطها ...فاليسار هو أساسا مسألة إدراك وقضية منظار .بهذا المعنى لا تكون من اليسار حتّى تعتبر أنّ قضايا المنجرحين و المنقهرين و المناضلين الثوريين الصامدين أقرب إليك من حبل الوريد ، فاليسار ليس جهة نركن إليها إنّه منظور و حركة و صيرورة وهنا تصبح اليساريّة شبحا مخيفا يفضح خوفهم في زمن عولمة الكون و ما يتخفى وراء العقلانيّة و النزوعات الاستعماريّة و التوسعيّة و العدوانيّة على ثقافات متعددة... .
وقصد الإمعان في البيان ، نشير إلى نموّ التدهور المتمثّل في البطالة و الطرد المكثف للمواطنين و ترحيل كثير من المهاجرين و تجويع جزءا كبيرا من الإنسانيّة مع تضاعف الحروب الإثنيّة إلاّ أنّ هذه اللوحة القاتمة لا ينبغي لها أن تعمينا على أنّه توجد قوى ثوريّة تقاوم أجهزة الدكتاتوريّات البوليسيّة و العسكريّة الليبراليّة و تقاوم الاستبداد ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قمر الطائي من انطوائية وخجولة إلى واثقة بنفسها ??????


.. قصص مؤلمة في كل ركن.. شاهد ما رصدته CNN داخل مستشفى في قطر ي




.. بين طلبات -حماس- ورفض نتنياهو.. كيف يبدو مشهد مفاوضات وقف إط


.. ماذا يحدث على حدود مصر فى رفح..




.. اشتباكات في الفاشر تنذر بانطلاق المعركة الفاصلة بدارفور