الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خالد.. بشارة الفجر

إكرام يوسف

2011 / 12 / 11
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


كنت عالقة في منتصف شارع البطل أحمد عبد العزيز وسط شلل مروري أشبه بالكابوس.. وبعد ساعة من الفشل في الهروب من أي من شوارع المنطقة.. قررت الاعتراف باليأس والعودة إلى البيت، من دون قضاء أي من المصالح التي خرجت لإنجازها.
فجأة، مثلما يلمع شعاع البشارة في أحلك لحظات الظلام، جاءتني رسالة على الموبايل من الصديقة البطلة، أم البطل، الدكتورة ليلى سويف "أنا بقيت جدة خالد.. ليلى" . وأنا ابحث عن منديل أمسح به دموعا غزيرة لا أعرف كيف انهمرت فجأة، جاءتني رسالة أخرى :"أنا بقيت جد.. خالد شرَّف الآن وأضاف بسمة وفرحة للعائلة تساعدها على مواجهة الطغيان.. سيف".. اتصلت بالجدة والجد لأعرف عنوان المستشفى، وفي الطريق لمعت في ذهني لقطة تتكرر في كثير من الأفلام العربية: يعاني أبطال الفيلم من نوائب الدهر وتنويعات الظلم والقهر ، حتى يصبحوا قاب قوسين أو أدنى من اليأس، وإذا بصرخة طفل وليد، يليها غالبا لقطة لقرص الشمس تعلن بزوغ فجر النصر!
تذكرت علاء عبد الفتاح الطفل، يأتي إلى بيتنا مصطحبًا شقيقته الرقيقة منى للعب مع ولديَّ، فلا يتوقف عن مشاغبتي.. ويتهمني بالاستبداد لأنني اخترت لنفسي أكبر حجرة في المنزل تاركة للولدين حجرة أصغر، محرضا أكبرهما على التمرد. فأقول له أن الحجرة الكبيرة من نصيبي لسبب منطقي، وهو أن صديقك لم يكن قد ولد بعد عندما سكنت الشقة أنا ووالده.. ولم يكن بوسعنا انتظار مولد سيادته حتى نأخذ رأيه!.. وأتذكر عندما نقل لي ابني اعتراض علاء على انحيازي للبنات، زاعمًا أنني أستقبله وأخته بحفاوة أكبر عندما أفتح الباب فأجد منى هي الواقفة أمامي، لكنني لا أتعامل بنفس الحماس عندما يكون هو في المقدمة! ويوصيني زياد أن أراعي مشاعر صديقه؛ فأقول له إنه نصاب هو وصاحبه، وأنني لن أرضخ للابتزاز!

ثم يمر الشريط سريعا فأرى الشاب علاء، يوم جاء مع منى ـ أيضا ـ ضمن شباب الثورة المجتمعين في شقتنا. وتذكرت كيف كان هؤلاء الأبطال يشحنون بطارية التفاؤل في وجداني، عندما أستمع إلى صياحهم ونقاشاتهم تحتد أحيانا، وترتفع الأصوات، ثم تهدأ فجأة، فأعلم أنهم اتخذوا قرارًا بالتصويت، سوف يلتزمون به جميعا رغم اختلاف انتماءاتهم الفكرية!
حرصت على عدم التطفل على اجتماعاتهم.. لم أسمح لنفسي بالتدخل في المناقشات.. أدركت من اللحظة الأولى أن هؤلاء قادة المرحلة.. وآن الأوان كي يكتفي جيلنا بالدعم والتشجيع، وإبداء المشورة عندما تطلب منه.. بعدما أدى دوره في نقل الوعي والخبرات النضالية؛ ولا أدل من أن معظم هتافات الثورة هي نفسها التي رددناها طول أكثر من ثلاثة عقود! لكن الزعامة والقيادة صارت من حق جيل، ورث تراكما نضاليا، أزعم أنه بدأ منذ وقف عرابي أمام الخديو توفيق يقول له "لن نورث بعد الآن"! فكانت بذرة، غرست في رحم الحركة الوطنية المصرية، فروتها أجيال المصريين جهدا وتضحيات حتى اشتد ساعد النبتة في هذا الجيل، لكن الثمرة لم تنضج بعد، فلم يحن أوان الحصاد.
وعلى الرغم من اختلافي مع من يزعمون أن هذا الجيل أفضل من جيلنا.. وأنه نجح فيما فشلنا فيه.. وإيماني أن الثورة لم تكن لتندلع إلا بعد نضج الظرف الموضوعي المناسب لاندلاعها.. أؤمن ـ أيضا ـ أن الظرف الذاتي لهذا الجيل تضامن مع نضج الظرف الموضوعي لإنجاح الثورة: ففي جيلنا، شكل الكتاب مصدر الثقافة الرئيسي المتاح. ولم تكن فرص السفر إلى الخارج، وغيرها من مصادر التعرف على ثقافات أخرى، متاحة لأغلبية الشباب. لكن تنوع ينابيع المعرفة في جيل الأبناء شكل طريقتهم المغايرة في التفكير. ومع سهولة السفر، وانتشار الفضائيات، ومواقع التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية، توافرت فرص أكثر للتعرف على ثقافات وأفكار متباينة، فاكتسبوا عادات الحوار، وألفوا فكرة التعايش بين الآراء. وصاروا أكثر مرونة، وأكثر قدرة على تقبل الاختلاف وتنسيق عمل جبهوي بين تيارات مختلفة؛ وهو ما لم تفلح فيه أجيال نهلت ثقافتها من الكتب في الأساس.. ويبدو أن ثقافة الكتب تورث درجة من الأحادية في التفكير؛ حيث يبني الشخص آراءه ـ غالبا ـ بينه وبين مكتبته، بمعزل عن الحوار الواسع مع آخرين. فليس في الأمر تقصيرا من أجيال سبقت أو فضلا لجيل حالي، وإنما هي معطيات مادية تتعلق بالتطور التاريخي.
تجاذبتني هذه الأفكار قرابة ساعتين استغرقهما الطريق المزدحم من الدقي حتى المستشفى في المنيل. وكنت قد أطمأننت تليفونيا على صحة المولود والوالدة، وصار كل همي الاطمئنان على صحة "ليلى" نفسها، بعدما أنهت ـ لتوها ـ إضرابًا عن الطعام دام ثلاثة أسابيع احتجاجا على تحويل إبنها للنيابة العسكرية. وإزاء رفض علاء الخضوع لتحقيقات العسكريين، وإضراب والدته، وضغوط الرافضين لمحاكمة المدنيين عسكريا؛ تحقق انتصار جزئي، بتحويل الشاب إلى محاكمة مدنية ـ وإن كانت استثنائية ـ وصدور قرار عدم محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري.
في شرفة الصالون الملحق بغرفة الوالدة في المستشفى، لم تحل المناسبة السعيدة دون مناقشة التطورات السياسية وماحدث في الانتخابات. اتفقنا واختلفنا، وتبقى الصداقة التاريخية والاحترام أبقى من أي خلاف في رأي.. قلت لها ولضيوفها ما أؤمن به، وهو أن زعامات جيلنا، أخذت فرصتها في القيادة على مدار ثلاثة عقود مضت.. وحان الوقت كي تكتفي بتقديم الدعم والمشورة.. أما اتخاذ القرار فيجب أن يكون لقيادات المرحلة. وأرجعت قصور التنسيق بين الأحزاب المدنية في الانتخابات، إلى أن القائمين على التنسيق من أبناء جيلنا، الذي لا يجيد التنسيق.. ويتصرف بعضهم بنفس منطق المتشددين دينيًا: كل منهم يعتقد أن حزبه هو "الجماعة الناجية"، التي تزود عن الفكر الحنيف، وتحتكر الثورية.. ويكفي أن تختلف معه في موقف واحد، ليخرجك من ملة الثوريين، كما يخرج المتنطعون مخالفيهم من ملة الإسلام. ولا يستوعب أن الطريق مازال طويلا، وأننا بحاجة إلى بعضنا البعض، ومن تختلف معه اليوم، ربما تتفق معه غدا (قلت هذه العبارة مؤخرًا لزميلة ـ تتحدث كما لو أنها وحدها صاحبة الحق في دم الشهداء وتتهم المشاركين في الانتخابات ببيع الدماء الزكية ـ فقالت لي: طريقي غير طريقك!).
عدت من المستشفى أحمل داخلي أملا كبيرا، أن يكون ميلاد خالد علاء عبد الفتاح، ونديم زياد العليمي، وجيلهما، بشارة فجر جديد، تنتصر فيه إرادة الشعب، بأيدي شباب يمتلك فضيلة التنسيق، وآلية الائتلاف، ويحترم الاختلاف.. أعني شبابا يدرك ـ بحق ـ معنى الديمقراطية!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - استاذة اكرام
مرثا فرنسيس ( 2011 / 12 / 12 - 12:09 )
سلام ونعمة
مشاعر مصرية وطنية
قلب أم يجيش بمشاعر حب فياضة ليس لأولادها فقط بل لكل شباب وشابات مصر الجميلة
جرأة وصدق الصحفية المصرية المدافعة عن الحق مهما كان الثمن
أحييكِ سيدتي للقليل جدا الذي ذكرته عنك
اثق واؤمن ان الفجر قريب
محبتي وتقديري

اخر الافلام

.. السنوار ونتنياهو يعيقان سياسات بايدن الخارجية قبيل مناظرة ان


.. خامنئي يضع قيودا على تصريحات مرشحي الرئاسة




.. يقودها سموتريتش.. خطط إسرائيلية للسيطرة الدائمة على الضفة ال


.. قوات الاحتلال تنسحب من حي الجابريات في جنين بعد مواجهات مسلح




.. المدير العام للصحة في محافظة غزة يعلن توقف محطة الأوكسجين ال