الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من ثنائية: يمين أم يسار...الى خيار: رأسمالية أم اشتراكية

محمد المثلوثي

2011 / 12 / 12
ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011


إذا انطلقنا من الحياة الواقعية، وبعيدا عن التسويق الإعلامي، فمن الجلي أن الموجة الثورية الحالية لا هي يسارية ولا يمينية. ولا يمكن لأي حزب أن يدعي، مجرد ادعاء، أنه يقف وراءها، أو أنه يقف في قيادتها. فهذه الموجة لا تعبر إلا عن ردة فعل الشغيلة وعموم الفقراء والمهمشين في العالم ضد النتائج الكارثية للأزمة العامة وغير المسبوقة للنظام الرأسمالي العالمي. غير أنه من الطبيعي أن تسارع الأحزاب السياسية إلى الالتحاق بحركة الجماهير المنتفضة، خاصة بعد أن تبين أنها لم تعد مجرد انتفاضات محلية عابرة، وتحولها الفعلي إلى موجة ثورية عارمة يمتد حريقها إلى أكثر من جهة وأكثر من بلد. ولكن السؤال يتعلق بأي اتجاه كانت مساهمة الأحزاب في هذه الحركة؟ وهل كانت الأحزاب تهدف لنفس الأهداف التي قامت من أجلها الحركة الجماهيرية؟
لنجيب عن هذه الأسئلة يجب أن نعود لهذه الأحزاب وللبرامج التي تقترحها ولنظرتها لهذه الموجة الانتفاضية من حيث الأهداف التاريخية ومن حيث المضمون الاجتماعي. وبما أن موضوع الملف الذي يقترحه الحوار المتمدن يتعلق بالأحزاب اليسارية ودورها في الحركة الجماهيرية الحالية، فإننا سنترك جانبا الأحزاب المسماة يمينية وسنوجه نظرنا للحركات المسماة يسارية. فهذه الأخيرة تنطلق جميعها من كون عدم تكامل العناصر التاريخية المميزة للرأسمالية في بلدان "الشرق" يجعل من كل حركة الشغيلة في هذه البلدان حركات من أجل استكمال ما يسمونه "مهام بورجوازية"، من التطوير الصناعي (التنمية)، إلى مقاومة التخلف والتبعية، إلى تحقيق الديمقراطية البرلمانية (الجمهورية الديمقراطية) والحريات السياسية....الخ. ولو ترجمنا هذه الشعارات إلى لغة الحياة الواقعية، فان اليسار "العربي" يضع الرأسمالية في نموذجها الغربي كهدف وأفق أقصى للحركة الجماهيرية. ومن الطبيعي أن هذا اليسار، بشعاراته تلك، لا يرى في هذه الموجة الثورية إلا كعملية تحول ديمقراطي، أي تغيير شكل الدولة من ديكتاتوري، استبدادي إلى ديمقراطي ليبرالي يضمن التداول السلمي للأحزاب على السلطة السياسية. أما إذا وجهنا نظرنا للحركة الانتفاضية نفسها، فإننا نجدها تقف في التعارض مع هذه الأهداف المعلنة لأحزاب اليسار. فالجماهير المنتفضة لم تنهض إلا في مواجهة شروط البؤس التي تعيشها والتي هي نتيجة طبيعية للاندماج المطرد لبلدان "الشرق" في السوق العالمية الرأسمالية. ولعل التعارض بين أهداف اليسار المعلنة وأهداف الحركة الفعلية يظهر بجلاء في المفارقة التاريخية بين ما يبثه اليسار من أوهام في صفوف الجماهير بكون النظام الديمقراطي البرلماني هو الكفيل بتحقيق مطالبهم، وبين الانتفاضات الجماهيرية ضد هذا النظام الديمقراطي بالذات في معاقله التاريخية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. حيث أثبتت الأنظمة الديمقراطية هناك أنها عاجزة تماما على تجنب الأزمات والمآسي الاجتماعية من فقر وبطالة وتهميش، وبالتالي عاجزة عن تلبية مطالب جمهور الشغيلة وعموم الفقراء. فكيف يمكن لهذا اليسار "العربي" أن يكون مساهما في هذه الموجة الثورية ومعبرا عن أهدافها التاريخية وهو يقترح عليها نموذج الديمقراطية البورجوازية كحل لمشاكلها، في وقت ترى فيه الجماهير بأم عينيها إفلاس هذا النموذج ومجابهة الكادحين له، أي أنه يضع أمام الشغيلة النظام الرأسمالي الديمقراطي كهدف لحركتها، في وقت يمثل فيه هذا النظام الرأسمالي الديمقراطي بالذات المتسبب الفعلي في الأزمة الاجتماعية التي كانت القادح لشرارة الموجة الثورية برمتها.
"اليسار في أزمة"، هذا ما يعترف به اليساريون أنفسهم. غير أنهم لا يرون الأزمة أزمة في شعاراتهم وبرامجهم الغريبة عن أهداف حركة الشغيلة، بل ينظرون للأزمة من موقع عجزهم عن استثمار هذه الموجة الثورية لصالح رغبتهم السلطوية المحضة. فهم يتباكون من صعود الحركات الدينية، التي طالما كانوا يمجدونها وينظرون لتقدميتها ويتحالفون معها في كثير من الأحيان بحجة التصدي للديكتاتورية، ليس بصفته تعبير عن نشاط الثورة المضادة ونجاحها النسبي في تحويل وجهة الحركة الثورية نحو الإصلاحات السياسية وجر الجمهور المنتفض إلى السيرك الانتخابي لوقف جموحه الثوري وإعادة ترتيب البيت البورجوازي وأخذ زمام المبادرة لفرض النظام وعودة السلم الاجتماعية، بل من منظور هزائمهم الانتخابية وخسارتهم لمواقع مريحة في البرلمان. ومن هذه الزاوية فاليسار في أزمة بالفعل. لكنها ليست نفس الأزمة التي تعانيها الحركة الثورية. واليسار يعاني من مشاكل. لكنها ليست نفس المشاكل التي تعترض سبيل الحركة الثورية. فإذا كانت مشاكل اليسار يمكن تلخيصها في كيفية تجميع صفوفه في إطار جبهة سياسية للتحضير للانتخابات القادمة والفوز بحصة أكبر في كعكة السلطة، فان مشاكل الحركة الثورية تقع في ميدان آخر غير ميدان التنافس الانتخابي بين اليمين واليسار. فالعائق الأكبر أمام تطور هذه الموجة الانتفاضية يكمن في عدم قدرتها على الوصول إلى تمثل واقعي لأهدافها التاريخية بما يدفع الاستقطاب الطبقي إلى حالة من الوضوح بين معسكر البورجوازية الذي يطمح لوقف المسار الثوري في حدود الإصلاحات الديمقراطية وبين معسكر الكادحين الذي يطور نضالاته الاجتماعية ضد النظام الرأسمالي سواء منه الديمقراطي الليبرالي أو الديكتاتوري الاستبدادي، النظام الرأسمالي "الغربي" أو النظام الرأسمالي "الشرقي" واللذان يمثلان في الواقع نظاما موحدا، هو نظام رأس المال الذي لا جنسية له ولا دين.
لاشك وأن هناك الكثير من المناضلين الذين ينسبون أنفسهم لليسار يساهمون مساهمات فعالة في هذه الموجة الثورية ويعملون على إبراز المطالب الاجتماعية للجماهير ويضعونها في صدارة دعايتهم ونشاطهم، ولعلهم يقومون بذلك في أغلب الأحيان في انفلات عن الأطر الحزبية والنقابية التي ينتمون إليها، بل إنهم كثيرا ما يجدون أنفسهم في التعارض مع قياداتهم. غير أنهم للأسف لم يقدروا على التخلص من الإطار السكتاري والحزبي، الفئوي الضيق الذي يسجنهم في ثنائيات وهمية بين اليمين واليسار، بين العلمانية والدين، بين الحداثة و"الظلامية"، بين الدولة المدنية والدولة الدينية، بين الليبرالية والاستبداد الديني، بين الديكتاتورية والديمقراطية...الخ، وهو ما يجعلهم سريعا ما يغادروا الميدان الطبقي للثورة وينجرون وراء الأهداف الخاصة لهذا الحزب أو تلك المجموعة ليجعلوا من أنفسهم وقودا لمعارك الزعماء والقادة، المليئين بالإعجاب النرجسي بذواتهم المتضخمة، ويجعلهم، بوعي أو بغير وعي، يساهمون في بث الأوهام الليبرالية في صفوف الجمهور المنتفض. ولعل الدور السلبي الكبير الذي تلعبه تلك الأحزاب يتمثل خاصة في تمزيق الوحدة الطبقية للكادحين وجر العناصر النشطة والمناضلة في معاركها السياسية الخاصة، بل ووضعهم، في كثير من الأحيان، في مواجهة بعضهم البعض. واستنزاف طاقاتهم في معارك وهمية.
لكن شرط تخلص تلك العناصر المناضلة من التدجين الحزبي والنقابي الضيق الأفق يكمن في تخلصهم هم أنفسهم من الدعاية الإيديولوجية لهذه الأحزاب اليسارية بالذات. فبدون الوعي بكون الصراع الدائر رحاه اليوم في كل أرجاء العالم إنما هو الصراع الطبقي والأممي بين طبقة الشغيلة (عمال، عاطلين، مهمشين، فلاحين فقراء..الخ) وبين طبقة مالكي وسائل إنتاج الثروة بكل فئاتهم وجنسياتهم، وبدون الوعي بطبيعة هذه الموجة الثورية بصفتها التعبير التاريخي عن نضال الكادحين ضد النظام الرأسمالي بكل أشكال إدارته السياسية (ديمقراطية، ديكتاتورية، دينية، مدنية..الخ)، كما بدون الوعي بأن ثورة الشغيلة لا تستهدف، في حد ذاتها، هذا الإصلاح السياسي للدولة أو ذاك، بل تستهدف الإطاحة بالنظام الاقتصادي والاجتماعي الذي يستعبدها، وبدون الوعي بأن الاشتراكية ليست يوطوبيا خيالية، أو حلما مؤجلا إلى ما لا نهاية، بل هي الحل الوحيد للتناقضات والاختلالات والأزمات التي تصنعها الرأسمالية وسعيها المحموم لتكديس الأرباح، بدون هذا الوعي الجذري فلا يمكن لهؤلاء المناضلين تكسير الحواجز الحزبية والعقائدية والسكتارية وتوحيد وصهر جهودهم ضمن الحركة الجماهيرية، ليس من أجل بناء الجبهات الانتخابية، بل من أجل المساهمة في تطوير الوحدة الطبقية الأممية لكل الشغيلة في العالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صعود تاريخي للبتكوين... هل ينعش ترامب العملات المرقمة؟ | الم


.. #رابعة_الزيات تكشف عن عمرها الحقيقي بكل صراحة #ترند #مشاهير




.. تونس والمغرب: ماذا وراء طلب الحصول على صواريخ جافلين الأمريك


.. الجزائر: إدراج -القندورة- و-الملحفة- على قائمة التراث الثقاف




.. الجزائر: مجلس الأمة يدين -تدخل- البرلمان الأوروبي في الشؤون