الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفارقات تقرير التنمية البشرية !!!ّ

ثائر دوري

2004 / 12 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


شعرت بالريبة الشديدة منذ صدر أول تقرير للتنمية البشرية عام 2002 ، فقد رأيت و سمعت كيف تستغل المعلومات التي احتواها أسوأ استغلال فكل المثقفين الكارهين لأمتهم الباحثين عن ثغرة للنيل منها صاروا يشتمون أمتهم مستشهدون بتقرير التنمية البشرية . كنت أكتفي بهز رأسي و الإجابة بطريقة بسيطة :
- نحن نعرف أن هناك مشاكل كثيرة بأمتنا و نعترف أننا امة محتلة مجزأة متخلفة . لكن هل الذنب ذنبنا ؟ أم أن هناك عدوان خارجي دائم منذ مائة عام على الأقل و كلما جربنا النهوض انهالت علينا القنابل ........
لم يفعل التقرير سوى اتباع سياسة معروفة هي سياسة إلقاء اللوم على الضحية . ثم طفح الكيل عندما استشهد به الرئيس بوش في إحدى خطبه ليقول إننا أمة متخلفة جاهلة نضطهد المرأة و لا نعرف كيف ندير شؤوننا و بالتالي علينا أن نرضخ للإحتلال و للوصاية الغربية ، الأمريكية تحديداً ، فهي التي ستحرر نساءنا و ستقضي على تخلفنا .........الخ
لقد تحول التقرير المذكور إلى وسيلة لشتم العرب فصار كل من هب و دب يصفنا بالمتخلفين و الهمج و .......و .....الخ ما هنالك من نعوت سيئة ثم يختم بالقول :
- هذا ما ورد في تقرير التنمية البشرية .
و لو أن أي غربي قال ربع هذا الكلام دون أن يستشهد بتقرير التنمية البشرية لاتهم داخل مجتمعه بالذات بالتطرف و العنصرية . لكن الجميع الآن يحتمون بتقرير التنمية البشرية ........!!
لقد قدم هذا التقرير على أنه من هيئة محايدة ، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي التابع للأمم المتحدة ، و بالتالي لا يجوز الشك بنزاهته . كما قدم على أنه تقرير علمي و بالتالي فهو محايد تماماً . لكن الأستاذ جلال امين التقط بطريقته الساخرة مفارقات كثيرة في هذا التقرير و نشرها بدراسة طويلة سماها (( فنون التضليل بالأرقام )) . . يقول :
((يسد تقرير التنمية الإنسانية العربية على العرب أي منفذ للهروب، حتى لو كانت نفوسهم مكدودة جدّا، لكي ينهال عليهم التقرير برقم بعد آخر مما يزيد شعورهم بالكدّ والنكد ))
و يشرح أن كل المعلومات التي بداخله صممت بطريقة تضطهد العرب كما عندما يقارن التقرير الدخل القومي لإسبانيا مع الدخل القومي لدول العربية :
((لقد اختار كاتبو التقرير أسبانيا بالذات؛ لأنها دولة لا تقترن في الذهن بالتقدم الاقتصادي الباهر، ومن ثم فتفوقها على 22 دولة عربية مجتمعة لا بد أن ينطوي على إذلال أكبر للعرب. ولكن هذا الانطباع المهين ينطوي أيضا على قدر كبير من التضليل.
فكثرة عدد الدول العربية يستخدم هنا للإيحاء بالعجز رغم الكثرة، مع أن سبعا من هذه الدول العربية يقل عدد سكانها مجتمعة عن نصف عدد سكان أسبانيا. وزيادة الناتج القومي الأسباني على الناتج القومي للعرب يستخدم للإيحاء بالقوة والبأس من ناحية أسبانيا، والفشل والضعف من ناحية العرب، مع أن زيادة طفيفة في سعر النفط يمكن أن تجعل هذه المقارنة لصالح العرب(والعبارة توحي على أي حال بأن هناك شيئا شاذّا في العرب جعل دولة واحدة كأسبانيا تتفوق عليهم جميعا، مع أن نفس المقولة تنطبق أيضا -وبدرجة أشد درامية- على دولة كالهند، إذ إن الناتج القومي لأسبانيا -التي لا يزيد عدد سكانها على 40 مليونا- يزيد على الناتج القومي للهند -التي يبلغ عدد سكانها 25 مرة قدر سكان أسبانيا- ولكن من حسن حظ الهند أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ليس مشغولا في هذه الأيام بالتشهير بالهند، بل يفضل التركيز على العرب.))
و يتابع الأستاذ جلال أمين بلغته الساخرة شرح مفارقات التقرير بالنسبة لاعتماده على عدد الصحف كمقياس للتقدم مع أن هذه الصحف قد تكون صحفاً صفراء أو رخيصة
((هذه العملية من التضليل باستخدام الأرقام استمرت بالطبع في التقرير الثاني في 2003، فيعبر كاتبو التقرير عن حزنهم؛ لأن عدد الصحف في البلاد العربية "أقل من 53 لكل ألف شخص مقارنة بـ285 صحيفة لكل 1000 شخص في الدول المتقدمة"، وكذلك عن حزنهم لانخفاض عدد خطوط الهاتف إلى خُمس نظيره في الدول المتقدمة، ووجود أقل من 18 حاسوبا لكل 1000 شخص في المنطقة العربية مع المتوسط العالمي وهو 378 حاسوب لكل 1000 شخص، واقتصار عدد مستخدمي الإنترنت على 6.1% فقط من سكان الوطن العربي، وأن متوسط عدد الكتب المترجمة لكل مليون من السكان في الوطن العربي في السنوات الخمس الأولى من الثمانينيات 4.4 كتب (أي أقل من كتاب واحد في السنة لكل مليون من السكان)، بينما يبلغ 519 كتابا في المجر و920 كتابا في أسبانيا لكل مليون من السكان))
و يشرح الأستاذ جلال أمين القيمة الحقيقية للأرقام السابقة :
(( والمقارنات واستطلاعات الرأي؟.. إنه من الممكن أولا توجيه انتقادات كثيرة إليها من الناحية الإحصائية البحتة. فعندما نقارن بين بلدين في استهلاك الصحف فلا تجوز نسبة عدد الصحف إلى السكان جميعا، بما في ذلك الأطفال وصغار السن الذين لا يتوقع منهم أحد قراءة الصحف، ويشكلون نسبة أكبر بكثير في بلادنا منها في "الدول المتقدمة".
وقل مثل ذلك عن استهلاك خطوط الهاتف أو الكتب المترجمة... إلخ. كما أن عدد النسخ المطبوعة أو الأجهزة المنتجة من كل هذه الأشياء لا يكفي للدلالة على عدد مستخدميها، إذ قد يقرأ النسخة أكثر من شخص، ويستخدم الهاتف في مكان بكثافة أكثر من استخدامه في غيره. ولكن كل هذا أقل أهمية من افتراض أن "التقدم" في هذه الأمور يعكس تقدما من الناحية الإنسانية. فما هو الشيء الرائع بالضبط في زيادة عدد قراء الصحف أو عدد المتحدثين من خلال الهاتف أو تضاعف عدد الكتب المترجمة؟.
إن كل هذه الأشياء لا تكاد تقيس إلا نفسها، أو بأقصى تقدير تقيس حجم القوة الشرائية، أما التقدم والتأخر الإنساني فالأفضل أن نقيسه بأشياء أخرى إذا كان من الممكن قياسه على الإطلاق
أي فضل يجده كتّاب التقرير لشخص يقرأ في كل يوم صحيفة أو صحيفتين بالمقارنة بشخص آخر يفضل قضاء نفس المدة في الحديث مع جاره أو زميله أو فرد من أفراد أسرته؟ وكيف نقيس "التقدم" في استهلاك الصحف بعدد النسخ الصادرة منها بصرف النظر عما إذا كانت من نوع جريدة «الديلي ميرور» الإنجليزية، أو من نوع جريدة «الإندبندنت»، أو «الجارديان» الإنجليزيتين أيضا؟ فلنفرض إذن أن ضاعفت «الديلي ميرور» من عدد النسخ المطبوعة منها وانخفض توزيع الأخريين، بينما بقي توزيع الصحف كلها في البلاد العربية ثابتا على ما هو عليه.
إن هذا سوف يعني في نظر أصحاب تقرير التنمية الإنسانية العربية «تدهورا» في الوضع النسبي لحالة «المعرفة» في البلاد العربية يستدعي الحزن الشديد (بل وربما وجدت الإدارة الأمريكية في هذا سببا يستدعي تدخلا عسكريا من الرئيس بوش!). نعم، هذه بلاد متقدمة عنا في كثير من الأمور المهمة، ولكن هذا التقدم لا يشمل زيادة عدد النسخ المطبوعة من الصحف أو ساعات الإرسال التليفزيوني... إلخ.))
في العام التالي 2003 صدر تقرير التنمية البشرية لكن بضجيج أقل و إن ظل الاستشهاد به قائما من قبل كل من يريد أن يسب العرب دون أن يتهم بالعنصرية .
و في هذا العام يعود التقرير إلى بقعة الضوء لكن لسبب مدهش لا علاقة له بشتم العرب . لقد منعت الولايات المتحدة صدور هذا التقرير للعام 2004 . أعدت قراءة الخبر عدة مرات لأني لم أفهمه و تبادر إلى ذهني السؤال التالي:
- ما هي علاقة الولايات المتحدة بمنع أو السماح بصدور تقرير قالوا لنا انه نزيه و محايد و يصدر عن هيئات دولية محايدة ، ( هكذا ادعوا ) ............!!
تابعوا معي ما يقوله توماس فريدمان الكاتب الأمريكي الليكودي عن الموضوع
((. ولذلك كان غير مفهوم بالنسبة لي أن تحول إدارة بوش دون نشر التقرير الثالث حول التنمية البشرية في العالم العربي، من قبل الأمم المتحدة. ودعوني أوضح لكم الصورة. ففي عام 2002، دعم برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة، مجموعة شجاعة من الاقتصاديين، علماء الاجتماع، وغيرهم من الباحثين العرب، ليعدوا أربعة تقارير حول التنمية البشرية في العالم العربي. وقد أثار التقرير الأول عام 2002، جدلا واسعا، عندما كشف ضمن أشياء أخرى، أن العرب متخلفون عن مسيرة العالم بحيث أن الدخل القومي الإجمالي لإسبانيا يفوق الدخل القومي الإجمالي لكل الدول العربية. وقد تم الحصول على هذا التقرير المكتوب باللغتين العربية والإنجليزية مليون مرة من الإنترنت، لاحتوائه على تشريح للنقص في الحرية والتعليم وتمكين النساء، وهي الأشياء التي حكمت على العالم العربي بالتخلف.
وفي عام 2003 قامت نفس المجموعة بإصدار تقرير آخر حول نقص المعرفة في العالم العربي. ولم يتردد التقرير حتى في مناقشة الموضوع الأكثر حساسية في العالم العربي، وهو العلاقة بين الدين والتعليم الحديث. وهذا نوع من القول لا يمكن أن يأتيه أي دبلوماسي أميركي، ولكن هؤلاء الباحثين العرب يستطيعون أن يقولوه وقد قالوه بالفعل.
ولذلك انتظرت التقرير الثالث للتنمية البشرية في العالم العربي الذي كان مقدرا له أن يصدر في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بفارغ الصبر. وكان ذلك التقرير نوعا من المتفجرات لأنه كان سيناقش نظم الحكم، وأشكال استغلال السلطة، فضلا عن الأبعاد القانونية والمؤسسية والدينية للإصلاح السياسي. وهذا هو جوهر المسألة في هذه المنطقة. وقد انتظرت وانتظرت ولكن من دون جدوى. ثم بدأت أسمع أشياء مزعجة، ومنها أن إدارة بوش اطلعت على مسودة الدستور واعترضت على توطئته التي احتوت على انتقادات قاسية للغزو الأميركي للعراق والاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة. هذه التوطئة تمثل حوالي 10% من التقرير. ومع أن هذا الجزء من التقرير مكتوب بإخلاص شديد، إلا أن غرضه توفير تغطية من قبل مؤلفيه العرب للنقد الواضح الذي وجهوه للحكومات العربية، وهو النقد الذي يمثل 90% من التقرير.
ولكن فريق بوش يصر على تغيير اللغة التي تنتقد أميركا وإسرائيل، وكأنما العالم العربي لا يتداول في القنوات التلفزيونية، وعلى أساس يومي، لغة أسوأ بعشر مرات من تلك التي حواها التقرير. ويبدو أن فريق بوش يشترط إما تغيير لغة التقرير أو قتله كلية. ولهم في ذلك حلفاء. هذه هي القصة إذن: مجموعة من المفكرين الجادين العرب، ليسوا عملاء ولا قاذفي قنابل، أصدرت تحليلا قويا، باللغة العربية، ولكن مسؤولي إدارة بوش، يساندهم بعض المتسلطين العرب، يعرقلون صدور هذا التقرير حتى يصادف هواهم، ويصرون على موقفهم حتى لو أدى ذلك إلى حجب التقرير نهائيا((
و لتكتمل الصورة سأنقل لكم بالحرف ما ذكره السيد مارك مالوك براون لـصحيفة الحياة بتاريخ 24/12/2004 :
((نفى رئيس برنامج الأمم المتحدة الانمائي، مارك مالوك براون، لـ «الحياة» امس ان يكون تعرض لتهديدات اميركية بقطع الأموال أو طُلب منه الإحجام عن نشر تقرير التنمية البشرية العربية. لكنه أقرّ بتعرضه لـ «ضغوط» بسبب ما يحتويه التقرير من لغة تتعلق باسرائيل أولاً وكذلك بالغزو الاميركي للعراق.
وكشف براون ان وزير الخارجية كولن باول كتب اليه السنة الماضية شارحاً ان خفض المساهمات الاميركية بقيمة 12 مليون دولار، عائد الى فقرة عبرت عن قلق الإدارة الاميركية مما يحتويه تقرير التنمية البشرية، الذي حمّل الاحتلال الاسرائيلي مسؤولية في اعاقة التنمية البشرية العربية ))
هل اكتملت الصورة الآن ؟
التقرير النزيه ، المحايد ، العلمي جداً ......الخ ممول بالكامل من قبل الولايات المتحدة و بسبب فقرة واحدة في التقرير تم تخفيض ميزانيته العام الماضي 12 مليون دولار . أما هذا العام و بسبب احتواء التقرير على توطئة " احتوت على انتقادات قاسية للغزو الأميركي للعراق والاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة. هذه التوطئة تمثل حوالي 10% من التقرير " فقد منعت الولايات المتحدة صدوره ............
إذاً كان بإمكان الولايات المتحدة من صدور التقرير عام 2002 لو لم يكن يلائم مصالحها و غاياتها . هل هناك من يشك أن التقرير هو صناعة أمريكية ؟ و أن الكلام عن نزاهته و حياديته و علميته أمر سخيف لا معنى له .
لقد استخدمت المعلومات الواردة في التقرير الأول و الثاني ، و طريقة عرض هذه المعلومات و ترتيبها ، بحيث تخدم هدفاً واحدا هو شتم العرب بكل راحة و دون أن يتهم الشخص الشاتم بالعنصرية فهو يستند إلى تقرير (( محايد )) (( علمي )) .
أقترح على معدي التقرير العرب أن يعتذروا إلى أمتهم على الشتائم التي انهالت عليها بسبب تقريرهم ، والذي وظفته الإدارة الأمريكية في سياق حربها على أمتنا بحيث بدا جيش الولايات المتحدة و كأنه قادم لتحضير هذه الأمة و بدا كما لو أن جورج بوش ينفذ توصيات هذا التقرير ليخلص العرب من تخلفهم و من اضطهادهم للمرأة ...........الخ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض ضغوط عضو مجلس الحرب بيني غانتس لتقديم خطة واضحة


.. ولي العهد السعودي يستقبل مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سو




.. جامعة أمريكية تفرض رسائل اعتذار على الطلاب الحراك المؤيد لفل


.. سعيد زياد: الخلافات الداخلية في إسرائيل تعمقها ضربات المقاوم




.. مخيم تضامني مع غزة في حرم جامعة بون الألمانية