الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإخوان المسلمون..الصعود المأزوم

علاء النادي

2011 / 12 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


لم يدر بخلد الإخوان المسلمين أن تغيير المشهد السياسي المصري واقترابهم من سدة السلطة سيكون سريعاً ومباغتاً على النحو الذي أنبأت به تداعيات ثورة 25 يناير في مصر.فالجماعة التي يربو عمرها على الثمانية عقود لم تكن وهي تقلب خياراتها تضع الفعل الثوري بفجائيته وعنفوانه أداة تغييرية ،وظلت تراهن على أن الإصلاح المرجو إنما سيأتي عبر تراكم يوفر فرص التغيير المتدرج داخل بنية النظام بالشكل والمستوى الذي يتوفر معه فسحة زمنية مع كل تطور نوعي في المجرى التغييري يسمح للجماعة بتملك خبرات وأدوات إدارة دولاب العمل داخل أجهزة الدولة ووزراتها ومؤسساتها والتدرب الكافي في ميدان التلامس المباشر مع شؤون الحكم مع ما يترافق مع ذلك من بناء لعالم الرؤى والتصورات وصياغة الاستراتيجية .
لم تكن الجماعة الأقدم والأبرز على الساحة يدخل في حسبانها أن انقلاباً درامتيكياً سيحدث على هذا النحو الذي تختلط معه الأوراق وتتشابك الخيوط وتتعقد إلى الحد الذي تبدو معه الجماعة في حيرة من أمرها تتنازعها نوازع شتى ، وهي تتجه صوب استحقاقات متوالية ومتتالية لا توفر لها فرصة التقاط الأنفاس،ولا تمكنها من الاسترخاء لمحاولة الاستدراك وإنجاز ما يبدو مفتقداً من رؤى وتصورات وبناء استراتيجي لمواجهة هذا الكامل الهائل من التحديات التي تتوازى مع ما يلوح في الأفق من فرص سياسية

معالم وملامح التأزم متناثرة حول مشهد الصعود الإخواني وهي تبدأ من الجماعة ذاتها حيث عاجلتها حركية التغيير الثورية وهي تغالب منذ فترة ليست بالقصيرة محاولات تشبيبها جيليا وفكريا وتنظيميا بما يتواءم وطبيعة المتغيرات التي تحيط بها، وبما يؤهلها لأن تكون على مسافة قريبة من مقتضيات الحداثة بمعناها العام .

لعل أكثر ما يعانيه الإخوان الأن تلك الكيانية التنظيمية الكبيرة التي شكلت رافعة الصعود السياسي فيما تبدو بشكل مفارق عائقاً ممانعاً أمام قدرة الجماعة على التكيف والمرونة والعبور الآمن إلى ثنائيات الواقعية السياسية وإطلاق العنان أمام الخيال السياسي في آن معاً ،والقدرة على المساهمة الفاعلة في بناء مشروع وطني حضاري يستند إلى رؤية مقاصدية في استلهام روحية الفكرة الإسلامية أكثر من انشداده إلى تصورات متيبسة محكومة بضغط التنظيم وإرثه التاريخي، وغلبة النزعة الأيديولوجية والتي يجري تخفيف وطأتها على مضامين القرار والخطاب السياسي بجرعات برجماتية .
من البديهي أن التجلي السياسي للجماعة ممثلاً في حزب الحرية والعدالة لا يمكن أن يُحكم على تجربته في الاستقلال والتمايز الأن ،فهذه التجارب تحتاج إلى وقت في ميدان الممارسة حتى يمكن قراءة مفاعيلها والحكم عليها بشكل موضوعي، وإن كانت الملاحظات الأولية حول آلية التأسيس والانبثاق للحزب من الجماعة تشي بأن الانحياز كان لأكثر النسخ والصور ضعفاً في خبرات الإسلاميين في محاولتهم لهندسة العلاقة بين الجماعة والحزب، وصياغة التمايز بين الدعوي والسياسي بمعناه العام والحزبي بتخصصيته ومهنيته .
لن يدخل الإخوان إلى التجربة السياسية الجديدة والطارئة عليهم إذاً من خلال الخبرة الحزبية،ولن يقاربوا المجال السياسي بمستجداته إلا من خلال خبرة الجماعة ورغبة التركيبة القيادية بها في وضع بصمتها على كل قرار وتصور يخص المدخلات السياسية وخاصة الكبرى منها .ومكمن الصعوبة أن لا دليل على أن هذه التركيبة تقف على مستوى اللحظة التاريخية لهذا الاستحقاق، أو أنها تمتلك من المؤهلات ما يمكنها من تقديم الاستجابة الفاعلة على أسئلة مجتمعية كبرى ولحظة مخاض تاريخي يتعلق بما يشبه إعادة التأسيس لدولة مركزية بالغة التأثير في الفضاءات المختلفة والممتدة.
في صعود الإخوان وكيانيتهم التنظيمية وما هي عليه من تكلس وبين ما هو مستهدف في المحيط الجمعي تبرز المفارقة ،فالجماعة العتيقة النمطية الممسوكة بالروتين التنظيمي تتداخل مع دولة منهكة بأجهزة مؤسساتية هرمة وبالية ومتشبعة بالموروث الروتيني والأداء البيروقراطي من أجل تحقيق طموح إنتاج دولة عصرية وشابة ذات روح وثابة.

من تفاصيل ملامح مشهد التأزم في الصعود الإخواني أن تأزم الظرف الذاتي للجماعة يصاحبه تأزم على الصعيد الموضوعي المحيط بها،فعلى مستوى الشراكات والتحالفات السياسية تعاني الساحة السياسية المصرية من الاستقطاب الحاد في أبعاده الطائفية والأيديولوجية ومناخات التأزيم تلك تضع قيوداً على مرونة الحركة وخاصة عندما تبلغ مستويات المأزومية الاستقطابية حداً يمكن القول معه أن بعضاً من الأحزاب والكتل السياسية قد أعلنت القطيعة التامة مع الإخوان، ويبدو أن ادخالها في نسيج تحالفي أو تشاركي صعب المنال،وأن احتماليته الضعيفة سترتبط بمناكفات سياسية والدخول في أتون لعبة سياسية تقوم على محاولة استجلاب تنازلات ربما يعدها الإخوان ماسة بجوهر خصوصيتهم الفكرية.
ومما يزيد الملمح السابق تعقيداً أن الشقيق الأيديولوجي للإخوان ممثلاً في الدعوة السلفية وذراعها السياسي حزب النور دخل الساحة السياسية من غير سابق تجهيز مما يحملهم أعباء إضافية. فإن جنح الإخوان للتحالف معه دفعهم جراء مدونته الفقهية ماضوية النزعة وخطابه العام وسلوكه السياسي المندفع في كثير من الأحيان نحو التبرير والتغطية وهو ما يعني بالأخير مشاركته في تحمل الأخطاء،وإن قرروا غض الطرف عنه فلا يأمنوا أن يشدد عليهم الخناق بفعل المزايدة الأيديولوجية وهي مسألة ليس واضحاً بالقدر الكافي أن الإخوان مستعدون لمجابهتها سيما وأنها تتعلق بالصورة الذهنية أمام جمهور لم تقم الجامعة ذاتها بما يكفي لتطوير نظرته الاختزالية .
ثالثة الأثافي بالنسبة للإخوان ترتبط بالعلاقة بالمجلس العسكري وطبيعة الدوره الذي سيلعبه في رسم ملامح المشهد الختامي وما يترتب على ذلك من تحديد الموقف السياسي للإخوان بشكل حاسم من المجلس.يراهن الإخوان على ممكنات الضغط الشعبي إذا ما قرر المجلس منابذتهم سياسيا بسحب صلاحيات البرلمان القادم أو تقنينها بشكل محدود . رهان الإخوان سيتقاطع معه عدد من المتغيرات من بينها طبيعة علاقتهم بباقي الطيف السياسي والكتلة الثورية الشبابية ومدى إمكانية استعادة اللحمة التي كانت قبل الاستفتاء وبناء التحالفات الانتخابية ،إذ لا يمكن تصور أن يدخل الإخوان في مواجهة سياسية مع المجلس العسكري بشكل منفرد أو حتى شكل كتلوي في مقابل اصطفاف حزبي معاكس له.

أما عن آلية الضغط الشعبي فيمكن القول أن الأحداث الأخيرة بشكل خاص أثبتت أن قدرات الحشد والتجييش لم تعد مقصورة على الجماعة ،كما أن المجلس العسكري إذا ما ذهبنا مع افتراض وقوفه في الاتجاه المعاكس للإخوان سيلعب في هذا الإطار على نقاط أصبحت تلامس العصب العاري في المجتمع في مقدمتها الاستقرار ومحاصرة الانفلات الأمني ،كما أن احتمال بروز اللون الأيديولوجي الصارخ للإخوان ومصفوفة القوى التي تتموقع معهم في هذا المربع ساعتئذ سيسهل نسبيا على المجلس العسكري التفكير في انتهاج سياسة التدجين والترويض خاصة إذا ما تموضعت معه بصورة أو أخرى قوى سياسية واجتماعية .

إذا تجاوز الإخوان كل هذه العراقيل والتحديات التي تعترض طريقهم ووصلوا إلى قيادة التركيبة الحكومية بأي صيغ كانت سيصبحون أمام التحدي الأكبر ،وهو ما يرتبط بتقديم تجربة للحكم سوف يتم حسابها في السجل التاريخي على الإسلاميين .وسيتعين على الإخوان إذا ما أرادوا أن يقدموا تجربة تحمل من الجدة والجدارة أن يتعاطوا بجرأة وروحية غير تقليدية وعقلية منفتحة مع عديد القضايا والملفات التي ظلت مثيلاتها في السابق يتم تناولها من خلال إطار الشعارات العامة والمقاربات الأيديولوجية.
إذا ما قدر للإخوان أن يحكموا فسيتم النظر إلى تجربتهم والحكم عليها من خلال معايير الوفاء بمتطلبات الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ،ودولة الحريات العامة وتمكين المجتمع الأهلي،وصياغة علاقات على مستوى الداخل قائمة على الانفتاح والاستيعاب ،كما سيكون أمامهم استحقاق تقديم نموذج للعالم الخارجي مؤداه عدم الانغلاق والتشرنق مع الحفاظ على المصالح الوطنية على قاعدة فك العلاقة التي كانت تقوم على الاستلحاق والتبعية ونقلها إلى مربع التناظر والندية .
إزاء كل هذه التحديات وهي ليست سهلة بحال بل وعسيرة في تلك اللحظة التاريخية المشحونة بالتحديات على أي فصيل سياسي مهما بلغت طاقته وقدرته تصبح مقولة الصعود المأزوم قياساً إلى تلك المعطيات حقيقة موضوعية وليست موقفاً هجائياً أو نزعة تربصية قائمة على الخصومة الأيديولوجية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف


.. ناشطون يستبدلون أسماء شوارع فرنسية بأخرى تخص مقاومين فلسطيني




.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل