الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قوى اليسار والانتفاضات العربية : الادوار والمهام

حسن طويل

2011 / 12 / 12
ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011



"الشعب المتخلف يفهم حتى يساريته بتخلف "
إن ماعرفته بعض البلدان العربية هو أقرب للإنتفاضات منه للثورات ، لان الثورات هي عمليات تغيير هيكلية على مستوى البنيات الإجتماعية في جميع تمظهراتها :السياسية والإجتماعية و الثقافية ،تقوم بها فئات إجتماعية لها تعبيرات سياسية واضحة وتقودها نخب لتلبية هذه المطالب .هذا مالم يقع في هذه البلدان ؛ ويمكن القول أن ماعرفته هذه البلدان هو أكثر بكثير من الإنتفاضات لكن أقل من الثورات . سنتعرض في مايلي إلى دور قوى اليسار في هذا الحراك و المهام الملقاة عليها بعد ما افرزته هذه الإنتفاضات من تغيرات على مستوى النظام السياسي .
1-دور اليسار في الإنتفاضات العربية :
-يمكن القول أن بنية الدولة في المجتمعات العربية تتميز بشكلها العصاباتي ؛و الذي يثمتل في أدونة( جعله أداة ) جهاز الدولة للإسترزاق و تكوين الثروات ، عبر سيطرة أقلية على خيرات البلاد عبر شبكات الفساد المهيمنة على أجهزة الحكم و دوائر القرار.الفئات المهيمنة تشتغل بمنطق المافيات عبر توزيع الريع السياسي و الاقتصادي. وإنتشار الفساد كميكانيزم إقتصادي باعتباره امتدادا للنموذج الإتاوي في الإنتاج (حيث أصبح من العوامل الرئيسية للإنتاج : الرأسمال – العمل –الأرض –الفساد).وهذا مايفسر عدم تحول النمو المسجل في بعض البلدان إلى تنمية وهشاشة اقتصادياتها واغتناء أقلية مرتبطة بأجهزة القرار و تفقير سريع للطبقات الكادحة والوسطى و عدم إستفادة المواطنين من خيرات بلدانهم. هذا الشكل يجد تفسيره في عدم تكون الدولة عبر صيرورة تنضج فيها علاقات الإنتاج الرأسمالية بكل ماتحمله من ليبرالية و حداثة كما عرفته المجتمعات الغربية مما أدى إلى ظهور شكلها المشوه و حداثة رثة وزيف قيمي وسلوكي وهيمنة ثقافة ماضوية تؤطر العقليات و الذهنيات بشكل وواجهة حديثة.الانتفاضات التي حدتث في بعض البلدان هي نتيجة لصعود طبقة وسطى متعلمة ( خاصة فئة الشباب ) والتي استفادت من الثورة المعلوماتية وتقنيات التواصل في مقابل علاقات سلطوية سائدة مغلقة لم تعد ممارساتها ملائمة لهذا العصر ، فسادت شعارات في هذه الإنتفاضات تركز على معاداة القهر بكل مايحمله المفهوم عبر ثلاثي الحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية . هذه القيم التي رفعت تشكل النواة التي ينبني عليها سلم قيم اليسار . هذا ما يمكننا أن نقول أن اليسار كان حاضرا بقوة قيميا و موضوعيا لكن يسجل ضعفه على مستوى التأطير السياسي نتيجة عدم قدرة تعبيراته السياسية على التكيف مع الوضعيات الجديدة التي عرفها الحراك الشعبي ؛ حيث أبانت الإنتفاضات عن تأخر في إستعاب المرحلة من طرف يسار لم يخرج من دوخة خمرة سقوط الإتحاد السوفياتي و التشوه الذي عرفه على مستوى جهازه المفاهيمي وممارسته السياسية و لاوعيه المعرفي المبني على أليات أصولية تمجد المطلقات و النصوص و الشعارات و تحتقر الإبداع و التغيير و تكوين الفكر الملائم لكل مرحلة . فالإنتفاضات كانت تحمل قيم اليسار بدون حضوره القوي وهنا أنا أتكلم الحضور الكيفي كإستثمار سياسي أكثر من حضوره الكمي ( نقص البرغماتية السياسية لليسار ظهر خلال الإنتفاضات و بشكل قوي بعدها حيث إستفادت الأصولية بشكل كبير من نتائجها ),
إن القمع و الإستبداد الذي عرفته البلدان العربية خاصة ضد كل من يحمل مشروعا تنويريا ديمقراطيا كان شديدا . فالحركات اليسارية كانت في نضالها على النقيض من هذه الأنظمة على جميع المستويات ثقافيا وسياسيا و إقتصاديا . مما أدى بهذه الأنظمة إلى ممارسة مختلف التضييقات و العنف على هذه التنظيمات عبر أجهزة الدولة ومن خلال تشجيع الحركات الأصولية التي نمت و ترعرعت بمساعدة هذه الدول ، لمصارعة القوى الديمقراطية و تشويهها بإستغلال هيمنة ثقافة متخلفة و تشجيع التفكير الماضوي الأصولي عبر المدرسة و الإعلام . فكان مايمكن أن نسميه تقاسم الأدوار بين أنظمة مستبدة فاسدة تسيطر على خيرات البلاد و حركات أصولية تسيطر على عقول العباد و تحمي الاسياد . هذا التضعيف للحركات الديمقراطية ساهم بشكل كبير في إضعاف الحضور السياسي البرغماتي لليسار لكن لم يمنعه من الحضور على المستوى القيمي الموضوعي
2- مهام اليسار بعد الإنتفاضات العربية
إن الإنتفاضات التي عرفتها بعض البلدان العربية أعلنت عن دخول هذه الدول مرحلة جديدة من تطورها السياسي عنوانه الأبرز هو كسر الخوف و جعل محاسبة الحكام تتحول من مجرد حلم في القاعات المغلقة إلى إمكان وجود . هزم الرعب الذي بنته الأنظمة الإستبدادية في نفسانية الجماهير هو أكبر غنيمة يجب أن يستغلها اليسار في الإرتباط أكثر بالجماهير و توسيع دائرة الحريات بالتواصل مع الشعب أكثر و فتح الملفات المهمة التي يعاني منها الناس في جميع المجالات الثقافية والسياسية والإقتصادية عبر كسر الطابوهات و إستغلال هذا الزخم لفضح القوى التي إستحودت على الإنتفاضات وفضح برامجها و مشاريعها التي لاتختلف عن الأنظمة الإستبدادية سوى أنها لن تكون بعيدة عن الحراك الجماهيري متى حاولت إعادة الأمور إلى سابق عهدها حتى وإن غلفت إستبداداها وتخلفها بشعارات أخرى ، وهنا لليسار دور مهم في الدفع بطاقة الجماهير التي تحررت من الخوف إلى كسر كل من يكبل تحررها عبر جرأة الطرح و الإبداع في الأشكال النضالية . إن الدور الذي لعبته وسائل الإعلام والتواصلفرضت مجموعة من التحولات غيرت في حياة الشباب و طريقة تفكيرهم تخالف ما يميز البنية الفكرية العامة السائدة في المجتمع ؛فعصر المعلومات و الإهتمام بالتفاصيل أصبح لا يناسب الشعارات الكبرى , و برغما تية و سرعة الحياة تجاوزت إستبداد الإيديولوجيا و إستلابها ,و حرية إنتقال المعلومات و الأخبار أرجع من أليات المراقبة و القمع أدوات قديمة تصلح للرمي في مزبلة التاريخ .ونتيجة لما تسهله التكنولوجيا الحديتة من فرص للإضطلاع على حيوات الشعوب المتقدمة , أصبحت ثقافة الحياة و التمتع بها تعوض لغة القناعة المزيفة و سيطرة تتانوس ,وسمح فتح الحدود الإفتراضية بالتمرد على شيطنة الآخر و التقليل من البارونيا الجماعية و نظرية المؤامرة .كما ساهمت وسائل الإتصال المتطورة في المساعدة على التفريق بين المجال الخاص للفرد و المجال العام مما ساعد في إنتشار ثقافة الحريات الفردية و التقليل من إبتلاع الجماعة للفرد سواء كان دولة أو حزبا أو جماعة أو أسرة . وفتحت المواقع في الأنترنيت الفرص للتعبير و الحركة قضت على نخبوية الرأي و إنتظار الزعيم و البطل (ثورتي تونس و مصر هما ثورتين بدون زعماء فكل المشاركين زعماء بطريقة أو أخرى) , و فضحت و سائل الإعلام و الإتصال البروبغندا و الزيف و قلصت من الفصام الوجودي الدي يعيشوه الشباب. هذه المتغيرات مست في الشرعية المبنية على الأصنام التقليدية( المساهمة في الإستقلال -الدينية-البيعة) و أعلت من الفعالية و الخدمة العمومية. هذه المتغيرات يجب أن يستعبها اليسار في حركيته عبر قراءة نقدية تمس طرق تفكيره و أليات ممارساته و هيكلة تنظيماتها حيث يبدع أشكالا نضالية تلائم المرحلة ويجدد أليا ت وميكانيزمات إشتغاله. إنها إنتفاضة داخلية ضد العقليات الجامدة وطرق التسيير العتيقة و أشكال التنظيمات المغلقة ؛عبر التشجيع على برغماتية سياسية بعيدة عن الشعارات ، و الخروج من إستبداد الإيديولوجيا ( خاصة ثأتيرات القومجية ) و التسيير الديمقراطي الحديث للتنظيمات عبر أليات الحكامة الجيدة و سيادة ثقافة الإختلاف والتناوب والرمي بالشخصنة و تقديس الأفراد و النصوص إلى مزبلة التاريخ .فلم تعد الشرو ط التاريخية تسمح بالإطلاقية في الأفكار و سيادة منهج الإجتهاد بدل منهج الإبداع و ما يسمى المركزية الديمقراطية و تقديس الزعيم و تغطية الظعف التواصلي مع الجماهير بالشعارات الثورية ( هي في الرؤوس بدل الواقع) . كما أن الإجتماعات الطويلة المنهكة والخطابات الرنانة أصبحت عبء نضاليا لايقدم شيء عمليا للجماهير . كما أن الحريات الفردية والجماعية والعدالة الإجتماعية و الديمقراطية فرضت مركزيتها في الخطاب السياسي الحديث ، مما يفرض على اليسار تبنيها . والنضال الحديث يجب أن يستغل وسائل التواصل الحديثة والإعلام و أن يشتغل على ملفات مفصلة و دقيقة بدل الشعارات الكبيرة ؛ فالملفات التي تمس اليومي للجماهير ، ملفات الفساد مثلا و نهب المال العام ، عبر تتبعها ورصدها وجمع الدلائل عليها أفضل من أضخم شعار مزوق بكلمات مثل الطبقة العاملة والصراع الطبقي . كخلاصة يجب على اليسار أن يستغل المرحلة وماتتيحة من أجل تغيير ذاتي يسمح له أن يبرز كبديل طبيعي من أجل مجتمع متقدم و متحرر و أن لايخسر الرهان ؛ بفتح صراع مع القوى الأصولية عبر نقاش الإشكاليات الكبرى كالعلمانية و إصلاح نمادج التعليم و هيكلة الإقتصاد و القضاء على الأمية و التغلغل في المجتمع المدني للتواصل مع الجماهير بالتوعية المدنية و الحقوقية لهدم ثقافة التخلف والجهل الذي تنتعش به الحركات الأصولية . الجراة كأهم قيمة جاءت بها هذه الإنتفاضات يجب أن تمتد لخطاب اليسار و أن يستغل دخول حركات الإ سلام السياسي للحكم لفضح شعاراتها و مشروعها المتخلف وإستغلال عجزها عن إعطاء حلول لمشاكل المواطن الذي صدق شعاراتها الفضفاضة و إستغلالها لوازعها الديني . وذلك بالوقوف أمام كل قمع للحريات الفردية او مس للحقوق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا أصدر الرئيس الأمريكي جو بايدن عفوًا عن نجله هانتر الآن


.. قوات من الحشد الشعبي العراقي تدخل سوريا للمشاركة في المعارك.




.. هيئة البث الإسرائيلية: النقطة المتعلقة بإنهاء الحرب لا تزال


.. وسائل الإعلام الإسرائيلية تتناول فرص عقد صفقة لتبادل المحتجز




.. مسلحون يسقطون تمثال باسل الأسد في حلب