الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فجيعة لغياب آخر

رحمن خضير عباس

2011 / 12 / 12
الادب والفن


ليس ثمة اكثر ايلاما من رثاء الأصدقاء . هؤلاء الذين اختطفهم الموت . بعد ان طوتهم محن الغربة وأوجاعها سنين طويلة , فما أن تحلم بلقاء بعضهم حتى يأتيك نبأ غيابه ألأبدي وكأنهم زهدوا بالحياة واستسلموا لرحيل ابدي , ناكثين عهودهم في لقاء قريب يضمنا في وطن غادرناه مكرهين , وأقسمنا بأننا سنعود يوما اليه وسننشب أظافرنا في ترابه خشية الضياع . وهاهو مهدي محمد علي يرحل في رقدة ابدية لم يسع اليها, تاركا اوراقا مبعثرة , ومسودات لقصائد لم تٌنجز ومقالات لم تكتمل .هل استسلم لراحة ابدية وهو الذي يضج بالفرح والحياة؟ هل أن جسده النحيل لم يصمد امام اعصار روحه المتوثبة والمشاكسة ؟ والتي تحاول أن تتأنق بالصبر الجميل لتحدي اوجاع الأغتراب القسري الذي قذفه بعيدا عن مهد طفولته . كانت البصرة " جنة بستانه " . احبها بجنون وكأنه يهجس أن طوفانا سيعصف به ويقذفه بعيدا عنها . وهذا ماحصل له ولغيره في اواخر سبعينات القرن الماضي . حيث اجتاحت جحافل التخلف والأقصاء الوطن ومدنه مسلطة شعاراتها الشوفينية المقيتة . وكان اليساريون والمثقفون والشيوعيون اهداف هذه الحملة غير المشرّفة .فتوجهت لهم معاول الهدم والتنكيل والأعتقال والقتل . وكان مهدي واحدا من هؤلاء . قاذفا بنفسه في متاهة صحراء لانهائية . وكأنه يحتمي برمضاء الربع الخالي من قسوة ذالك التسلط المقيت الذي قاد البلد الى هذا الخراب . لقد كانت هذه الرحلة عبر الصحراء قد وُثقت فنيا وشعريا من قبل الشاعرمهدي محمد علي , وكانت مجموعته (رحيل 78 ) حافلة بشجن الرحلة ومخاطرها ومخاوف الضياع . حيث كانت القصائد تلتقط فحوى العنف والقسوة والأقصاء , كما تحمل روح التحدي وانتصار الأنسان على جلآديه . كذالك جاءت قصائد الشاعر عبد الكريم كًاصد الذي شاطر الفقيد مرارة التجربة . وكانت محطات المنفى , والرحيل من بلد الى آخر . وفي كل ذالك كانت الحقائب جاهزة للعودة , التي طالت , واخذت تأكل من العمر أجمل ايامه . وحينما استقر في حلب سمّاها البصرة , وكأنه يريد ان يقنع نفسه أنه مازال في العشار وشط العرب وسوق الهنود .
شكلت الطفولة لدى الشاعر الراحل مهدي محمد علي ابعادا كبيرة , فهي لاتعني البراءة فحسب وانما تعني الحياة بكل معانيها . كما انها تعكس جزءا من زمن جميل مر كالأحلام , وذاب في وقائع مثيرة وعاصفة قتلت بهجته . لقد بقي مهدي طفلا في مشاعره وبرائته واحاسيسه ومشاعره رغم خيوط الشيب التي توجت شعره الجميل . بقي طفلا رغم الغضون التي ترسبت على جبهته .
في عام 1995 وصلتني رسالة منه يذكر فيها " لقد عكفت ثماني سنوات على كتابة مدينتي البصرة .. حولتها الى سطورمكتوبة , اعود اليها عند حاجة الروح وهي عطشى ..فكانت 435 صفحة دفتر . ستظهر قريبا في كتاب يحمل عنوان ( البصرة ..جنة البستان ) ارسم فيها بصرتي خلال 1950 -1960 بالذاكرة الطفولية تحديدا .. "
لقد اعتقدنا أنّ مهدي سينسى البصرة في خضم حياة متسارعة , وفي ظل زمن تراكمت سنواته . غير ان لهاث قصائده يعكس عطَبا لايمكن اصلاحه . يقول في احدى قصائده
" غيرأنك لم تسمعي عند بابي ضجة الروح
والخريف الذي ظل في غرفتي
ساكنا كالغبار
الخريف الذي ظل يتبعني في المنافي "
حينما حدث التغيير , وسقط النظام . اعتقد مهدي بان البصرة ستعود جنة لبستانه . لكنه لم يجد البستان بل وجد خرابا هائلا . فعاد الى منفاه , ليس من خلال الصحراء – كالمرة السابقة - . بل من خلال الروح التي تصحرت , ومن خلال خيبة تراكمت . فعاد الى حلب من جديد وهويجر أذيال الخيبة .
ستبقى يامهدي – يا طفلنا البهي – حيّا في الذاكرة
أوتاوة - كندا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - انا لله وانا اليه راجعون
امجد نجم الزيدي ( 2011 / 12 / 12 - 19:59 )
دائما الفقد استاذ رحمن خاتمة لرسالة بقيت مفتوحة لتساؤلاتنا عن وطن واصدقاء واحلام
جنبك الله مرارة الفقد

اخر الافلام

.. إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا


.. شكلت لوحات فنية.. عرض مُبهر بالطائرات من دون طيار في كوريا ا




.. إعلان نشره رئيس شركة أبل يثير غضب فنانين وكتاب والشركة: آسفو


.. متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا




.. أون سيت - هل يوجد جزء ثالث لـ مسلسل وبينا ميعاد؟..الفنان صبر