الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألق المحبة القديمة..

عذري مازغ

2011 / 12 / 13
كتابات ساخرة


بعض الأمنيات قاصمة في بلاغاتها، هي أكبر من كل التداعيات، وفي لحظة الضعف تبدو غزيرة في أشواقها، كل هذه الكائنات الواهنة حتى النخاع والتي هي مملوكة لغريزة القوة فينا، تبدوا مرة كلمة "لو اني مثلا كنت..” هي مفتاح الضعف في توق إلى الإنعتاق، هذه ال"لو أني.. “ هي مفتاح القوة لضعف بدا كنها جميلا، قوة نمطية متخيلة، والحقيقة الموضوعية، أن الناس يمتلكون بشكل مطلق هذا التمني الغريزي، الشيء الذي يفتح شهية الإنوجاد على مسراعيها، هذه الكينونة السارية في العمق، هذه النزعة من الوجود تضخم الأنا بشكل تشعر بضيق كبير من الأنا الجماعية التي هي في الصراع الإجتماعي تنزع نحو القوة الجماعية، تصبح الجماعة حيوان ضخم ذو رأس يوزع الوظائف: عادة ينزع الناس إلى اختيار كبير الحظوة لانهم يفتقدون إلى محتوى هذه ال"لو كنت..”، فالكينونة المتخيلة لها وجود موضوعي، وهي قياسا على التمني تتحدد في جغرافية حقيقية مرهونة بمعطيات حقيقية تتشكل على سبيل المثل في صاحب الحظوة، في العادة السياسية عندنا، وبشكل متجاوز قياسا على رغبة جامحة لدى الشباب فيما يسمى بالربيع عندنا، يبدوا صاحب الحظوة بدون حظوة، والحقيقة المرة التي تغيب عن جميع السياسيين المعاصرين، هي ان الحظوة ليست أبدية، بل هي مقرونة بنتائجها على الأرض، في الإنتخابات البلدية والجماعية مثلا، وبتصديق منا لأرقامها الخرافية، في نمط نظام الإستبداد عندنا، لا أحد من المستشارين الكرام يتربع في السياسة إلى الأبد، وطبعا تبدوا حظوة الرؤساء مخالفة للحقيقة بتميزهم الخارق: عندنا ومن وجهة نظر الإعلام الرسمي هم أحكم الحاكمين، في اتجاه الغرب، هم أحسن المدبرين لكي يكون الغرب الرأسمالي على أحسن مايرام، عند الشباب هم عثرة التقدم.
تبدو هذه ال" لو كنت..” مجردة إلى أقصى الحدود، في صفائها الجميل، في العجز الموضوعي عن بلوغها، يبدو الآخر صاحب الحظوة من حيث لم يكن في مقام الرئيس أو مقام رأس الوحش الجماعي الذي ميزناه على أنه موزع الوظائف، الوحش صاحب القانون العام، تبدوا حكمة التداول السياسي مقنعة تماما في انتفائها أن تكون مطلقا كما هي لدى صاحب الحظوة المطلقة، فأصحاب الحظوات كثيرون في هذا العصر، ومن ثم فتداول الحكم هو الوسيلة الوحيدة لتجريب كل الفئران السياسة، في تونس ومصر تبدو الأمور قيمة، لقد تخلصوا من أحكم الحاكمين واختاروا لقيادة الأمور ملائكة الرحمان بتعبير أحد الحماسيين الفلسطينيين، وهم علاوة على حماسة الفلسطيني المتحمس هذا، هم من المقربين لصاحب الحظوة المطلقة حسب اختيار الجماهير الثائرة في فرجة الإقتراع الجديدة.
في المغرب، حيث الحراك السياسي بطيء، ولحكمة ما، بدت خصوصية المغرب رائدة بشكل ملفت، لدينا من الملائكة أصناف مصنفة: الملائكة المقربون، الملائكة المعتدلون، ثم والعياد بالله، وسيرا على "زلة" كاتب لبناني عزيز هو صاحب "نقد الفكر الديني"، الشياطين أصحاب شعار المغرب الإسلامي العربي، لقد صنع الساسة عندنا بكل الجلال الحذر خصوصية المغرب العجيب، وتضخم عندنا الرهان حول أي صنف من الملائكة نريد، إذا فشل التجديد والإصلاح طلعت لنا العدل والإحسان وإذا فشل هؤلاء طلعت لنا فيول الشياطين أصحاب الحظوة الدموية. اما اليسار ممن تغذى على حظوة موازين القوى فالله وحده الذي يعلم متى تتزن القوة في صالحهم. والخاصر في كل هذا، هي هذه الأنا المثقلة بحسن النية " لو كنت..” الطامحة لأن تكون إلها في عصر الفرجة الديموقراطية الجديدة.
إن الخلاصة الوحيدة التي نستخلصها جميعا من كتاب التاريخ الناظر في حكمة شعوب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من زاوية معينة مثلا كالتي لصاحب كتاب "العبر" هو بالتأكيد تاريخ إسلامي دموي لم يبرقع في مساره الحضاري سوى بناء القليل من القناطر العجيبة على شبه أنهار، وهي عموما قناطر نفتخر بها أكثر مما يجب رغم أنها لم تكن سوى ممرات لتعبيد نشوة الغزو: نزوة دراغولا البدوي. وقد يبدوا ظريفا أننا نحن ابناء هذه الممالك الواثقة تماما من أصولها الدراغولية البدوية أن نفتخر بكثير من الحبور، بهذا التاريخ الحافل بنشوة البطش بشكل صار ايضا مستقبل شعوبنا مستقبلا لتعبيد طريق الغزوات. لقد تكرس الوضع بشكل خارق: ان نأتي بصاحب حظوة جديد ونوقمه على شؤننا بكل النية الحسنة التي فطننا بها ولا يمضي وقت على تسوية وضعه حتى يقيم علينا هو ايضا بباهظ وطأته، أثقل مما يعتاد، لقد أشعل الشباب عندنا ثورة طموحة على الرغم من أنها تفتقد إلى أفق سياسي ما، وخالف هذا الجيل الجديد كل الأعراف الدموية التي يحفل بها تاريخ أصحاب الحظوات المجيد: تاريخ العبر عند ابن خلدون، إلا أنه رغم نزعته السلمية لم يتلبس بعد الطريق السليم في اتجاه التغيير، إن الثورة في اختلال موازين القوة لا تكون إلا بالدم الفواح، فأمور الثورة السلمية لم تنضج بعد مع قناعتي الراسخة بأنه لا وجود لثورة سلمية لأن الثوة قفزة نوعية بمعنى الكلمة وهي قطع مع سيرورة تاريخية معينة، وليست انتقال وهمي رخو على مقاس رخاوة التبدل الدوري في نظام الدولة، كأن يعيش نظام الدولة بتبدل معبرين محنكين من امثال النوري المالكي بالعراق مثلا، أو بن كيران في المغرب، ومع ان الجماهير تشكل في تكتلها القوة الوازنة في تحريك التاريخ، إلا أنه وبقدر كبير من سوء الحظ، بلينا بتخمة احزاب معارضة تتناسل أو تتفسخ كالدجاج، احزاب لم تصدق فعلا أن الحكام عندنا ليسوا سوى مجرد حشرات. كم هو مضحك استبسال المعارضة على اختلاف مشاربها عندنا، لقد اقتنعت فعلا أن دفئها الناعم يكمن تحت ابط الإستبداد، ومع الحراك الجماهيري المزلزل أبت هي الأخرى أن تمتطي سحر التغيير: ان تغير من دفئها المألوف، أن تنتقل من دفء حشرات صغيرة إلى دفء الصقور، ومع دفء الصقور القوي يتفسخ بيض المعارضة عندنا: ربيع خصب لظهور أحزاب جديدة أو احزاب حداثية، وهذه حقا هي الحظوة الرائعة والكبيرة: أجنحة الصقور أكبر بكثير من أجنحة الحشرات: يا لسعدنا بالبشائر المجيدة..
يا لسعدنا بألق المحبة القديمة
لكاتب رائع من المغرب مقولة حول القلب حملتها في صدري منذ المراهقة، كنت حينها قد حسبتها لغة عجيبة في الغرام، فإذا هي لغة الحصرة، وتنطبق تماما على قلب المعارضة، في المشهد السياسي، ولمدة طويلة بدت ألقا يحتذى به في تبرير كل شيء، وهي تعبر صراحة على فطنة القلب عند العشاق، بها كان يبرر مثلا انتقال صاحب الحظوة عندنا من اليسار إلى يسار الوسط إلى اليمين حتى اليمين الفاشي دون حرج، فالمبررات كثيرة والواقعية السياسية تفترض تصريف المباديء حسب أحد رفاقي ممن ذاقوا محنة السجون وانقلبت ثورتهم نقدا مؤلما للذات، وهو على ما يبدوا انتقال من الدفء إلى الدفء حسب المعطيات المحلية، بعض اليساريين المحرجين جدا بتبدل أحواله، استند إلى منطق أمريكي جليل هو: الواقعية البراغماتية وهذه الواقعية تستخلصها هذه المقولة للكاتب المغربي سعيدي المولودي، مع أن سياقها في مقامته الأدبية الرائعة يختلف عن سياقها هنا: “ إنما سمي القلب بالقلب لسعة القلب فيه فانقلب" اليست هذه المقولة منسجمة تماما مع اليسار عندنا، فاليسار هذا مع الجماهير المنتفضة بالقلب والقلب هذا مرهون لسعة القلب أو التقلاب والتقلاب هذا فطنة القلب. هل من حرج في الأمر مادام القلب وأحواله في تكامل براغماتي عجيب؟ ونحن طبعا نتفهم طبيعة الأمور السياسية، فنحن لسنا في زمن سبارتكوس الذي أبدا نبوغا سياسيا في زمنه هو أقوى من نبوغ جحافل المعارضة عندنا، تجلى في أن يبتعد ماأمكن من عهر روما وفيالقها العسكرية كي يستقر بإحدى الجزر البعيدة. جحافل المعارضة عندنا، بغريزة الحنين إلى دفء الإستبداد، صنعت من الإمبراطورية الرأسمالية ملاذا خصبا، حظوة رائعة في الإستبداد، اما شعوبنا المبهورة بسحر صندوق الإقتراع العجيب فاختارت هي الاخرى دفء الملائكة التي تحوم بدورها في مملكة الله الأوحد: الرأسمالية المهذبة: اسطورة الدفاع عن حقوق الإنسان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليه أم كلثوم ماعملتش أغنية بعد نصر أكتوبر؟..المؤرخ الفني/ مح


.. اتكلم عربي.. إزاي أحفز ابنى لتعلم اللغة العربية لو في مدرسة




.. الفنان أحمد شاكر: كنت مديرا للمسرح القومى فكانت النتيجة .. إ


.. حب الفنان الفلسطيني كامل الباشا للسينما المصرية.. ورأيه في أ




.. فنان بولندي يتضامن مع فلسطين من أمام أحد معسكرات الاعتقال ال