الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسؤولية احداث العنف الاخيرة في فيدرالية كردستان العراق

صباح قدوري

2011 / 12 / 14
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


شهد اقليم كردستان العراق في بداية الشهر الحالي- كانون الاول/ ديسمبر2011 ، موجة من الاضطرابات والعنف والشغب. وكانت موجهة بالتحديد الى الاحزبين الحاكمين في الاقليم، والى ابناء من طوائف دينية اخرى غير مسلمة ، كالمسيحيين والايزديين. ولكون ابناء هاتين الطائفتين من مكون اصلي في المنطقة ، فالواجب يفرض على السلطات في الادارة الفيدرالية حماية ارواحهم واموالهم وممتلكاتهم، وهذه من ابسط حقوق المواطنة. ان التنوع الديني والمذهبي والعرقي والطائفي الموجود فعليا في اقليم كردستان العراق،لا يجوز ان يكون سببا للتفرقة بين المواطنين. بل يجب التوجه اليه بروح التسامح والمحبة والتواصل مع البعض ،على اسس الحوار الحضاري، ومبداء الديمقراطية الحقيقية، وتساوي الجميع امام الحقوق والواجبات والمسؤولية، وفق مبداء المواطنة والعدالة والقانون. وتجلى هذا العنف بالهجوم على محلات بيع المشروبات الكحولية، والمطاعم والفنادق والاندية التي تمتلكها اوتديرها ابناء من هاتين الطائفتي في عددة محافظات ومناطق من الاقليم ، وكذلك مراكز التدليك والمساج العائدة لاصحاب الاعمال. وتم انشاء كل هذه الاعمال التجارية بشكل قانوني ومرخص من قبل الجهات الرسمية. ومن المفترض ان يتم مراقبتها من الجهات المسؤولة في الادارة الفيدرالية، وفق القانون والتعليمات الخاصة بذلك، وذلك للحفاظ والتامين على سلامة استخدامها وتقديم الخدمات لجمهورها.

ان مثل هذه الممارسات تجري بين حين واخر وبشكل منظم ومخطط، وذلك من اجل خلق البلبلة والفوضى في الاقليم، الذي يشهد نوع من الاستقرار النسبي والامني اكثر من اجزاء اخرى من العراق ، وناهيك حتى عن المنطقة العربية التي لاتزال غير مستقرة على اثر " الربيع العربي" وعدم تحقيق اهداف الانتفاضات الشعبية التى تشهدها المنطقة بشكل تحقق طموحات شعوبها.
ان سبب هذه الاضطربات وافتعال اعمال الشغب ومحاولة زعزعة الامن والاستقرار في الاقليم، يعود الى عوامل الذاتية/ الداخلية , والموضوعية / الخارجية.
وبالنسبة للعامل الذاتي، ارى مايلي:-
1- ضعف العامل الذاتي لدى الحزبين الحاكمين الديمقراطي الكردستان والاتحاد الوطني الكردستاني في عملية اتخاذ القرارات الحاسمة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية، منذو الانتفاضة المجيدة في 1991 ولحد اليوم، والاعتماد على العامل الموضوعي والنصائح الخارجية، وخاصة الامريكية.
2- هيمنة الحزبية الضيقة على كافة المرافق الحياتية، وتجلى ذلك بوضوح وبقوة في ادارة مؤسسات الحكم الفيدرالي والبرلمان الكردستاني والمؤسسات الاخرى ، وتفريغها من محتوها الحقيقي في عملية اتخاذ القرارات المستقلة في ادارة الفيدرالية.
3- الانشغال في مسالة الهيمنة والسلطة والمال، واهمال مطاليب الجماهير العادلة في المساواة وضمان الحريات العامة والخاصة، وحماية حقوق الانسان، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
4- تفاقم نظام الفساد المالي والاداري على كافة المستويات الحزبية والادارية، وعدم اتخاذ اية اجراءات قانونية ومؤسساتية حاسمة للحد من ذلك، والقضاء عليه الى الابد.
5- الخلافات التي تطفوعلى السطح بين الحزبين الحاكمين في توزيع المناصب الادارية في الاقليم والمركز. وعدم توحيد مركز اتخاذ القرارات التي تتعلق بالشؤون المالية والامنية والبشمركة بالشكل الفعلي والتطبيقي ، رغم توحيد الوزارات الخاصة بهذه الوظائف شكليا ، مما تعرقل هذه الحالة عملية ادارة الاقليم بشكل صحيح ، وذلك لاهمية هذه الوظائف وعلاقتها المباشرة بالجماهير، من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والامنية والعسكرية في الاقليم.
5- تعميق الازمة بين الشعب والادارة الفيدرالية، نتيجة سيطرة القياديين والافراد من الحزبين المذكورين في مراكز اتخاذ القرارات المهمة والمصيرية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية . وتهميش دور الجماهير لتفاعله مع هذه الادارة في عملية صنع هذه القرارات.
6- تكريس الاعلام بشكل عام في خدمة اهداف الحزبين الحاكمين. وعدم سماع الى الانتقادات والمقترحات التي يقترحها الشارع الكردي، بهدف اجراء التغيرات والاصلاحات الضرورية والايجابية على المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية في الاقليم.
7- ان العلاقة الحزبين الحاكمين بالاحزاب الاخرى من الشيوعيين والاشتراكيين واللبراليين والعناصر المستقلة، لا تزال هامشية. ولم تكرس من اجل ايجاد جبهة داخلية صلدة بامكانها ان تؤثر بصورة افضل على العامل الخارجي، وبوسعها وحدها ادارة الكيان الفيدرالي على خير وجه.
8- عدم اصدار قانون الاحزاب لحد الان، والذي يجب ان ينظم الامور القانونية والتنظيمية والادارية والمالية للاحزاب والحركات المتواجدة في الاقليم ، على اساس حضاري مدني ينسجم مع روح العصر. والتاكيد على مبداء فصل السياسة عن الدين في برامج هذه الاحزاب، وعدم تبعيتها الى الجهات الخارجية.
9- عدم توظيف العامل الداخلي من قبل الحزبين المهيمنين بشكل عقلاني في خدمة تطوير القضية الكردية. لانهما لم يعملا عل رفع وعي الشعب الكردي ويقظته ازاء المناورات الداخلية والاقليمية والدولية، بل انشغالهما في الهيمنة على السلطة والنفوذ والمال.
10- ضعف في تبني فكرة لم شمل البيت الكردي وتوحيد خطابه السياسي، وخاص في عملية اتخاذ القرارات المصيرية التي تخص القضية الكردية عامة ، وترسيخ الفيدرالية وافاق تطورها المستقبلي في العراق.
11- يواجه الاقتصاد في الادارة الفيدرالية الى تحدي الاكبر،هو كيفية الخروج من حالة الفوضى في القوانين الاقتصادية التي تسود مجمل نشاطاته. وانعدام الرؤية والتصور ايضا في وضع الاستراتيجية الواضحة والشفافة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية المستدامة.

اما بالنسبة الى العامل الموضوعي، ارى مايلي:-
1- ان دول الجوار التي تتواجد فيها الاكراد ، تركيا وايران وسوريا، وحتى بعض الدول العربية ليست من مصلحتها ان تنجح وتتقدم وتتطورالصيغة الفيدرالية في كردستان العراق. لذا لا نستغرب من استخدامها كل الوسائل الممكنة، بما فيها شن الحرب على الاكراد.واليوم تشن كل من تركيا وايران هجمات عسكرية بقصف مناطق داخل اراضي كردستان العراق ، بدلا من اتباع مبداء الحوار الحضاري لحل المشكلات . ومحاولة اجهاض المكتسبات المتحققة للشعب الكردي في العراق وعلى افاق مستقبل الفيدرالية. ويتخد موقف العامل الدولي ايضا بمدى المصالح الاقتصادية والجيو سياسية في منطقة الشرق الاوسط. ولا تزال نظرتها الى القضية الكردية انسانية وليست سياسية .
2- لا تزال المشاكل بين الادارة الفيدرالية والحكومة المركزية ، بخصوص تطبيق البنود الخاصة بالمطاليب الكردية( المناطق المتنازع عليها، تقاسم الموارد المالية والسلطة ، مسالة البيشمركة، واتفاقيات عقود النفط) معلقة. ولم تجد لها حلول مناسبة ترضى الطرفين، مما تسبب هذه الحالة على استمرار التوترات السياسية والادارية والاقتصادية والامنية بين الطرفين، وانسحاب ذلك على الوضع الداخلي في الاقليم.
2- علاقة الاحزاب السياسية الاسلامية في الاقليم منها، الاتحاد الاسلامي الكوردستاني، والجماعة الاسلامية الكوردستانية مع الجهات الخارجية ايدولوجيا وتنظيميا وماليا. ان الحزب الاسلامي والسلفيين هما وجهين لعملة واحدة. لا فرق بينهما الا بالشكل، مثل اللبس واللحية واستخدام العنف في تحقيق الاهداف، وليس في المحتوى والفكر. وهذه الاحزاب هي جزء من احزاب جماعة الاخوان المسلمين ، الذي تاسست في حينه سنة 1928 في مصر على يد حسن البنا. وكما هو معروف ان جزء من نشاطات الاخوان المسلمين والسلفيين المنتشرين في مناطق مختلفة من العلم الاسلامي والعربي، يتم تمويلها ماديا ومعنويا من قبل المملكة العربية السعودية. وقد انشأت لهم بنك اسلامي، ووضعت تحت تصرف قيادتها المال وتقديم المعونات اليهم، تحت واجهة المشاريع الخيرية والانسانية. وتقوم هذه الاحزاب وبدعم السياسي من السعودية، وبعض الاحيان حتى من الولايات المتحدة الامريكية وبعض البلدان في الدول الاوربية، كما حدث ذلك بعد انتفاضات
" الربيع العربي" وقبلها، في تحقيق اجندتهم السياسية والايدولوجية، ووصولهم الى سدت الحكم، من خلال شراء ذمم الناس وتحفيزهم للانخراط في تنقيذ برامجها وسياستها الاستراتيجية، بهدف انشاء حكومات على اسس "الخلافة" الاسلامية عند وصولها الى الحكم، مستخدمة في ذلك وسائل مختلفة للوصل الى هذه الغاية، بما فيها الانتخابات التشريعية والمحلية والعنف، كما نرى اليوم ما يحدث في بلدان" الربيع العربي" في تونس، حزب النهضة، و مصرالحرية والعدالة، والمغرب حزب العدالة والتنمية، والاحزاب الاسلامية والسلفيين في طريقها ايضا الى كل من ليبيا وسوريا. وان اختلفت هذه الاحزاب في تسمياتها، الا انها في الواقع هي حزب ومصدر واحد ، وهو ،الاخوان المسلمين.

نلاحظ منذو فترة بان كثير من منابر جوامع اقليم كردستان، بالاضافة الى القنوات الاعلامية الاخرى
التي تمتلكها الاحزاب الاسلام السياسي، اصبحت منابرا تنطلق منها فعليا للتعبير عن الهوية الايدولوجية الحقيقية لهذه الاحزاب. واستخدامها للتهجم على كل ماله صلة بالافكار والتقافة التنويرية والعصرية. وضد كل الاديان والطوائف الغير اسلامية. وضد المدافعين عن الحرية والرائ، وممارسات الديمقراطية الحقيقية ، ومساواة المراة بالرجل، والمواطنة والعدالة الاجتماعية . واصدار القرارات والاحكام القرقوشية ، وبانزال اقصى عقوبات بحقهم، بما في ذلك القتل ونهب ثرواتهم وممتلكاتهم وطردهم من اماكن سكناهم الاصلية. ولم نلمس مع شديد الاسف اية اجراءات قانونية واخلاقية ضد اصحاب هذه المنابر، بل ان الحزبين الحاكمين في ممارساتهم وسكوتهم على هذه التصرفات والنشاطات الواسعة والامكانية المالية الكبيرة لدى هذه الاحزاب الاسلامية، وعدم مسائلتهم ومتابعتهم عن ذلك، مما ساهم في تعزيز موقعهم ونفوذهم وسلطتهم الدينية والمالية، وتوسيع قاعدتكم الجماهرية على حساب الاحزاب العلمانية في الاقليم، الى ان اصبحوا اليوم في موقع القوة، وبالتعاون مع عناصرمن بقاية ازلام النظام الديكتاتوري المقبور ورؤساء الجحوش الذين لايزالون يحتلون مواقع مهمة في الادارة الفيدرالية والبرلمان، وذلك لزرع الفتنة والبلبلة والشغب والرعب والتفرقة بين ابناء الشعب الكردستاني، بهدف قضاء على الحقوق والمكتسبات المتحققة للشعب الكردي ، ومحلولة ارجاع عجلة التاريخ الى الوراء. ان الاحداث الاخيرة هي اشارة واضحة، لعرض العضلات من قبل احزاب الاسلام السياسي في الاقليم . والاعلان الصارخ من قبلهم، بان موجة ظهور ونمو هذه الاحزاب في بلدان العربية ، في طريقها ايضا الى اقليم كردستان العراق. فعلينا الانتباه الى خطورتها وتداعياتها، وتاثيرها السلبي على مجمل مكتسبات الشعب الكردي، التي تحققت لحد الان بفضل الفيدرالية وافاق تطورمسيرتها، والحد من توسعها وعدم اعطاء مجال لتكرارها مستقبلا .

وبهذه المناسبة لابد من جلب انتباه الاحزاب القومية الكردستانية، بضرورة مراجعة موقفها من التحالفات السياسية على صعيد الوطن ، وخاصة في كردستان. التوجه الى القوى الديمقراطية من الشيوعيين والاشتراكيين واللبراليين والمستقلين العلمانيين والمتنورين، فهي ذات المصلحة الحقيقية في الدفاع عن الفيدرالية ، وحماية وتطوير مكتسباتها . والمساهمة الفعالة في عملية البناء والتطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وتامين السلم الاجتماعي في الاقليم. والنضال المشترك في سبيل تحقيق الحقوق القومية العادلة للشعب الكردي ، بمافيه حق تقرير المصير على صعيد كردستان الكبرى.

نستنكر بشدة هذه الحوادث المؤسفة، واستخدام العنف والقمع ، بدلا من اتباع لغة الحوار الحضاري في العلافات والعمل المشترك... نعلن تضامننا مع كل المتضررين من هذه الحوادث المؤسفة والاليمة والفجعة. ونطلب من الحزبين الحاكمين والاحزاب الاخرى المتواجدة في الاقليم، والادارة الفيدرالية المتمثلة بوزارات العدل والداخلية والامن والبشمركة، وشخصيات دينية من الاديان المختلفة والمستقلين، وممثلين من منظمات المجتمع المدني، لتشيكل لجنة لتقصي المعلومات والحقائق وخلفيتها، وايداعها لدى الجهات القانوية لاجراء تحقيق عادل عن هذه الحوادث، وانزال اقصى عقوبات بحق مرتكبها، واتخاذ اجراءات حاسمة لارجاع الامن والاستقرار الى الاقليم، وتعويض عادل للمتضررين من الخسائر المادية والمعنوية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مبرر موجود
جميل مزوري المانيا ( 2011 / 12 / 14 - 10:04 )
شكرا على المقاله الحلوه وكل ماذكرت صحيح واضاف الى ماذكطرت ان الاحداث ذات طابع سياسية و ليست طائفية دينية بحته و الجانب الديني فيها هو فقط كون الطرفين لجؤوا الى الدين و المعايير الدينية لخلق نزاع و صراع خطير يمهد الطريق لتدخل دولي أو حتى يبرر التدخل الدولي و تدخل الدول المجاورة. 
وقبل أن ندخل في باب أسباب الاحداث نود أن نقول معلومة لربما أهملها الاعلام الكوردستاني و الحزبي في أقليم كوردستان و هو أن هذه الاحداث أنطلقت في محافظة دهوك التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي الكوردستاني و لكنها حصلت في الوقت نفسه و بشكل أقل في محافظة السليمانية  و كرميان أيضا.
فشل جميع التعهدات بأخضاع المرتشين و الفاسدين للمسائلة و تنفيذ (من أين لك هذا) و فشل البارزاني بأنشاء هيئة نزاهة نزيهة فعلا في اقليم كوردستان، أدخلت اليأس في قلوب الشباب الكورد.
هذة التصرفات من قبل مسؤولي الحزب الديمقراطي الكوردستاني وفرت ارضية ملائمة للقوى الاسلامية  المتطرفة و الدول المعادية للتاثير على الشباب المعدوم و المحروم من الحرية و العمل و المال و الثروات.

اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة