الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التجاهل الأميركي لخطر التغير المناخي

نعوم تشومسكي

2011 / 12 / 14
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


تكمن إحدى مهمات "اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ"، التي جرت في مدينة "دوربان" الجنوب أفريقية، في تمديد قرارات متَّخذة سابقاً، كان مداها محدوداً ولم تُطبَّق سوى بشكل جزئي.

وتعود هذه القرارات إلى عام 1992 الذي شهد اعتماد اتفاقية الأمم المتحدة هذه، وإلى "بروتوكول كيوتو" في 1997 الذي رفضت الولايات المتحدة الانضمام إليه، علماً أن فترة الالتزامات الأولى من "بروتوكول كيوتو" تنتهي في 2012. وقد لخَّص عنوان رئيسي ورد في صحيفة "نيويورك تايمز" مزاجاً سائداً شبه عام سبق انعقاد المؤتمر: "القضايا المطروحة ملحّة إنما التوقعات متدنية".

وبالتوازي مع التقاء الوفود في "دوربان"، يكشف تقرير عن ملخَّصات تحتوي أحدث المستجدات لاستطلاعات أجراها "مجلس العلاقات الخارجية"(CFR) وبرنامج المواقف حيال السياسة الدولية "بيبا" (PIPA)، أن "الشعوب حول العالم وفي الولايات المتحدة ترى أنه ينبغي على حكوماتها وضع مسألة الاحترار العالمي على رأس أولوياتها، وأن تقدِّم دعماً شديداً للإجراءات المتعددة الأطراف من أجل معالجتها". وعلى الرغم من أن معظم المواطنين الأميركيين يوافقون الرأي، يوضح برنامج "بيبا" أن النسبة "كانت تشهد تراجعاً طوال السنوات القليلة الماضية، إلى درجة أن المخاوف الأميركية تراجعت بصورة ملموسة إلى ما دون المتوسط العالمي، أي 70 في المئة بالمقارنة مع 84 في المئة".

ويفيد التقرير أن "الأميركيين لا يشعرون بأنه ثمة توافق علمي حول الحاجة الماسّة إلى اتخاذ إجراءات طارئة إزاء التغيُّر المناخي. تعتقد أكثرية كبيرة أنها ستتأثر شخصياً بتبدُّل المناخ في نهاية المطاف، إنما وحدها أقلية تعتقد أنها تتأثر به سلباً في الوقت الحاضر، وذلك على نقيض وجهات النظر السائدة في معظم الدول الأخرى. والأميركيون يميلون إلى التقليل من شأن مستوى القلق الذي ينتاب غيرهم من الأميركيين".

إلا أن هذه المواقف ليست محْض مصادفة. ففي عام 2009، أطلقت قطاعات الطاقة في البلاد، مدعومةً بمجموعات ضغوط من عالم الأعمال، حملات واسعة أثارت الشكوك حول توافق العلماء الذي يحظى بشبه إجماع، بشأن خطورة التهديد الذي تشكله ظاهرة الاحترار العالمي الناجمة عن سلوكيات الإنسان. ويحظى هذا التوافق "بشبه إجماع" فقط، لأنه لا يشمل الخبراء العديدين الذين يشعرون أن إنذارات تغيُّر المناخ ليست كافية من ناحية، والمجموعة الهامشية التي تنكر تماماً صحة هذه التهديدات من ناحية أخرى.

أما التغطية القياسية "لما يقال ويعلن" حول المسألة فتقيم ما يسمى "توازناً": الأكثرية الساحقة من العلماء من جهة، والمنكرون من جهة أخرى. كذلك، يُستبعد إلى حدٍ كبير العلماء الذين يصدرون أكثر الإنذارات الكارثية. والنتيجة تكون أن ثلث الشعب الأميركي على أبعد تقدير يعتقد أنه ثمة توافق علمي حول التهديدات الناجمة عن الاحترار العالمي، أي أقل بكثير من المتوسط العالمي، وبتعارض جذري مع الوقائع.لا يخفى على أحد أن الحكومة الأميركية متقاعسة جداً في المسائل المناخية. ويفيد برنامج "بيبا" أن "الشعوب العالمية استنكرت إلى حد كبير في السنوات الأخيرة طريقة تعاطي الولايات المتحدة مع مشكلة تغيُّر المناخ. وعموماً، اعتُبرت أميركا على أوسع نطاق أنها البلد الذي يترك الأثر السلبي الأكبر على البيئة العالمية، تليها الصين. أما ألمانيا، فقد نالت من جهتها أفضل التصنيفات".

ومن أجل تقييم ما يحصل في العالم من منظور آخر، من المجدي أحياناً اعتماد موقف المراقبين الأذكياء من خارج كوكبنا الذين يشاهدون الأفعال الغريبة التي تُقترف على الكرة الأرضية. سيتأملون بدهشة كبيرة كيف أن الدول الأغنى والأقوى في تاريخ العالم تقود القطعان بفرح عارم للقفز عن حافة الهاوية.

وخلال الشهر الفائت، أصدرت "وكالة الطاقة الدولية" التي تأسست بمبادرة من وزير الخارجية الأميركية هنري كسنجر في العام 1974، أحدث تقرير لها حول الازدياد السريع لانبعاثات الكربون بفعل استعمال الوقود الأحفوري. وقد قدَّرت الوكالة أنه في حال استمرار العالم في مساره الحالي، ستُستنفد "ميزانية الكربون" بحلول عام 2017. أما الميزانية فهي كمية الانبعاثات التي يمكن أن تبقي الاحترار العالمي عند مستوى درجتين مئويتين الذي يُعتبر الحدّ الأدنى للسلامة.

وخلال الشهر الفائت نشرت وزارة الطاقة الأميركية أرقام الانبعاثات لعام 2010. وقد أوردت وكالة أنباء "أسوشيتد برس" أن الانبعاثات "ارتفعت بأكبر قدر على الإطلاق"، ما يعني أن "مستويات غازات الدفيئة أعلى من سيناريو أسوأ الافتراضات" الذي توقَّعته "اللجنة الدولية لتغيُّر المناخ" خلال عام 2007. وكان "جون رايلي" المدير المشارك في برنامج تغيُّر المناخ في "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا"، أشار لوكالة "أسوشيتد برس" إلى أن العلماء وجدوا على وجه العموم توقعات "اللجنة الدولية لتغيُّر المناخ" محافظة جداً، بخلاف مجموعة المنكرين الهامشية التي تلقى اهتماماً متزايداً من الرأي العام. وأفاد رايلي أن سيناريو أسوأ الافتراضات الذي تطرحه هذه اللجنة لا يتجاوز منتصف تقديرات العلماء في "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" لجهة النتائج المحتملة.

ووسط صدور هذه التقارير التي تنذر بالأسوأ، خصَّصت "فاينانشال تايمز" صفحة كاملة لتوقعات متفائلة مفادها أن الولايات المتحدة قد تتحوَّل إلى دولة مستقلة على صعيد موارد الطاقة طوال قرن من الزمن في ظل بروز تكنولوجيا جديدة لاستخراج الوقود الأحفوري في أميركا الشمالية. وعلى الرغم من أن التقديرات لا تزال غير مؤكدة، تورد الصحيفة أن الولايات المتحدة قد "تتخطى سريعاً السعودية وروسيا لتصبح أكبر منتجة في العالم للهيدروكربونات السائلة، التي تشمل النفط الخام وسوائل الغاز الطبيعي الخفيفة على حدٍ سواء". وجراء هذا الحدث السعيد، قد تتوقع الولايات المتحدة الاحتفاظ بهيمنتها العالمية. وإلى جانب بعض الملاحظات بشأن الأثر الإيكولوجي المحلي، لم تذكر "فاينانشال تايمز" شيئاً عن شكل العالم، الذي قد يبرز في أعقاب هذه الاكتشافات الملفتة. الطاقة ستُحرق، والبيئة العالمية ستزداد تدهوراً.

حكومات العالم أجمع تقريباً تتخذ أقلّه إجراءات عرجاء في مساعيها للتصدي لكارثة تكاد تكون وشيكة، فيما تسير الولايات المتحدة عكس الاتجاه السائد. وبدأ مجلس النواب الأميركي الذي يسيطر عليه" الجمهوريون"، إزالة التدابير البيئية التي كان أطلقها "ريتشارد نيكسون"، آخر الرؤساء الليبراليين من نواحٍ عديدة. أما هذا السلوك الرجعي فليس سوى أحد بوادر أزمة الديمقراطية الأميركية في الجيل الماضي. لقد اتّسعت الفجوة بين الرأي العام والسياسة العامة لتصبح هوّة عميقة تفصل الجانبين في مسائل مركزية من الجدل الدائر حالياً، على غرار العجز والوظائف. ولكن بفضل الهجمة الدعائية، باتت الفجوة أقل عمقاً مما كان يُفترض على صعيد المسألة الأخطر في جدول الأعمال الدولي اليوم، لا بل خلال التاريخ.

وبالتالي، يمكن أن نعذر المراقبين الافتراضيين من خارج كوكب الأرض إن استنتجوا أننا مصابون على ما يبدو بنوع من أنواع الجنون القاتل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - دق ناقوس الخطر للبشرية
د. خالد الحيدر ( 2011 / 12 / 14 - 07:08 )
إن كل هذه التحذيرات بتفاقم تدهور البيئة والجفاف بسبب ظاهرة الأحتباس الحراري وغيرها، بمثابة دق ناقوس الخطر للبشرية والطبيعة وحان الأوان بضرورة جدية تطبيق الأستغلال النظيف الأمثل لمصادر الطاقة بالتكنولوجيا المغلقة وإعادة إستخدام الغازات والمخلفات الصناعية وبالأخص النفطية منها بدلاً من لفضها بالفضاء حيث تدمر بيئتنا الجميلة، مع أهمية الإيقاف الفوري لعملية القضاء على الغابات الواسعة الخضراء بالأمتداد العمراني الحضري والصناعي، بل ضرورة زيادة عملية التشجير وبكثافة للحفاظ على التوازن الطبيعي للغازات، بعد أن كانت طبيعتنا نقية بعناصرها متآلفة بظواهرها الطبيعية متناغمة كالفرقة السمفونية بإداء معزوفتها الأزلية الرائعة والتي أصبحت تلك المعزوفة فيما بعد نشازاً يهددنا وأجيالنا بكوارث لا تُحمد عقباها
د.خالد الحيدر
أكاديمي وباحث بيئي بصناعات المشتقات النفطية


2 - الصحراء
هادي حسن ( 2011 / 12 / 14 - 10:44 )
يبدو واضحاً أنه ليس من السهل إقناع الحكومة الأمريكية بتغيير مواقفها على الأقل خلال الأفق المنظور، للأسباب التي ذكرتها أنت وربما أخرى أيضاً لامجال لذكرها لكن بالمقابل وفي باقي أنحاء العالم يبقى المجال مفتوح نسبياً ، لو توفرت الأرادة الصادقة، لتبني سياسات وخطوات عملية تحد من الخلل البيئ المتصاعد والذي أحد عناوينه ظاهرة الأحتباس الحراري ، وأحد هذه الخطوات المهمة إقرار وإتباع سياسة التشجير ومكافحة التصحر وإستغلال الطاقة الشمسية المتوفرة في الفضاءآت الصحراوية الواسعة لإعادة تأهيلها من جديد ; طريقة مبتكرة لرزاعة الصحراء
http://ahramag.com/modules/publisher/item.php?itemid=760


3 - Responsibility
هادي حسن ( 2011 / 12 / 15 - 11:12 )
بالرغم من أن المسؤولية تقع بالدرجة الرئيسية على الدول الصناعية والتي يتوجب عليها تحمل القدر الأكبر من الجهود لخفض قيم التلوث بأشكاله المختلفة إلا أن هناك ولحسن الحظ أناساً في هذا العالم يحاولون بما هو متاح إصلاح أو تدارك ما أفسده الآخرون
http://www.dahsha.com/old/viewarticle.php?id=34023

اخر الافلام

.. مراسم تشييع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي تبدأ من مدينة تبري


.. مقاطعة حفل ممثل هوليودي لدعمه للاحتلال الإسرائيلي




.. حزب الله: استهدفنا مواقع إسرائيلية في الجليل الأعلى ومزارع ش


.. الاتحاد الأوروبي يفعّل نظام كوبرنيكوس لمساعدة إيران.. ماذا ي




.. استشهاد رئيس قسم الجراحة بمستشفى جنين