الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تكريس الفقر وتداعي قضية الانسان والحرية -1-

احمد ناصر الفيلي

2011 / 12 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


واحدة من الآفات المهددة لاي مجتمع في تراتيبته وبنيته وشكل نسيجه الاجتماعي هي الفقر ، الذي يعطل حيوية المنابع المتدفقة لاي لون من الالوان العطاء الفكري والاجتماعي والاقتصادي والثقافي ، وكل ما يرتبط بحركة المجتمع .
يخلف الفقر الفاقة المولدة للخواء ، فضلاً عن تداعياته من خلال معاناة طويلة مسهده ومجهدة ، حتى ان مؤشراته تدلل على مدى تقدم ورقي اي مجتمع حضارياً وانسانياً ، او ارتداده الى مستنقع المشكلات المأزومة .
في الموروث الانساني ثمة شارات وافكار ومقولات حول هذه المعضله، التي تفسد اكثر الثمار نضوجاً، ولعل في مقولة الامام علي (لو كان الفقر رجلا لقتلته)اختزالاً مكثفا لما تسببه هذه الافه من الآلآم ، وما تكتنفه من اوجاع تطال كل المفاصل الحيوية في المجتمع فيشيع في ربوعها الخراب.
في العراق الحديث الذي يعد واحد ضمن قائمة الدول الاكثر غنى، بجانب ما تحويه البلاد من خيرات كثيرة ونهران تجددان على الدوام ارضه الخصبة المعطاة ، فان العراقيين لم تكن مستوى معيشتهم متناسبة مع خيرات بلادهم بأي درجة وشكل، فقد طالهم الفقر وساء بهم الحال وسط انظار السلطات المتعاقبة التي لجأ البعض منها الى تكريسه ضمن نهج اختطه من اجل ديمومة فضاءه الرامي الى الحفاظ على كرسي السلطة بأي ثمن، وقد بلغت الذروة في آبان عهده البائد ، اذ تراجعت وتائر المستوى المعاشي لكثير من فئات المجتمع، وتدنت الى ماتحت الفقر، بحسب احصاءات المنظمة الدولية، كما شهد الوضع الاجتماعي تكسرات طبقية حادة نجم عنها اختفاء الطبقة الوسطى ، التي لاقت بعض الازدهار والنمو في مراحل سابقة، فقد شهد المسرح الاجتماعي صعود عديمي الجذور اقتصادياً الى مصاف الطبقة الاكثر غنى في المجتمع وفقا لنظرة السلطة وتطلعاتها ، والتي حرصت ان يكون اولئك ضمن دائرة القريبة ومصالحها ، فضلا عن كون الدولة هي الطبقة الرأسمالية المالكة لكل شيء والمسيطرة على حركة النقل والتجارة والعمل.
لم تحظى الطبقات الفقيرة التي تفاوتت حالاتها المعيشية ، بأي اهتمام ، اذا غابت عنها البرامج الحكومية الرامية الى تحسين المستوى المعاشي من خلال توفير فرص العمل ، وتقديم المعونات الاجتماعية ، واعداد اولويات سباقه تشتمل على توفير السكن ووسائل العيش وبشكل دوري محسوب من اجل القضاء التدريجي عن هذا البلاء الذي اطاح بآمال عراقية عديدة ومديدة.
في مراجعة تاريخية منصفه ، يعد عهد الزعيم عبد الكريم قاسم من افضل عهود الدولة العراقية وارقاها، وهذا يرجع بطبيعة الحال الى احتلال الطبقات الفقيرة مكاناً في ضميره ووجدانه، فقد عمل بوصفه حاكماً للعراق وبمنهجية لرفع مستوى هذه الطبقات معاشياً ، وبالقاء نظره على خارطة البلد وتحديداً العاصمة ، نجد ان اغلب المناطق والاحياء جرى توزيعها من قبله الى جانب عشرات الشواهد الحضارية من ملاعب ومستشفيات وشوارع تعد في طليعة التطلعات الحضارية في وقتها لاي بلد شرق أوسطي .
في الفترات اللاحقة وحيث الانفصام الواضح لخط السلطة عن خط الشعب وتطلعاته ، عمدت السطات الى استخدام فن التجويع المنظم من اجل القضاء على المقاومة الشعبية ، التي تتصدى لمنهجية السلطة الرامية الى قمعها واستبداداها وفرض طقوس الطاعة والولاء بالاكراه والتجويع ، وقد اعد النظام البائد خططاً لهذا المجال وصرف اموال طائلة في مجراها ومرساها، فضلاً عن صرف مبالغ فلكية من ميزانية المال العام لامور تافهة رخيصة متماشية مع ذهنيته ، كجزء من تكريس وجوده السياسي ، لو صرفت تلك المبالغ لخدمة الناس ، لكانت كفيلة بتحسن مجمل اوضاعهم ، ولانتفت الحاجة الى التخوف منهم للدرجة ، التي رام بها استعبادهم واستجهالهم التعتمية على مختلف المستويات .
وهي بمجملها تعكس نظرة تلك السلطات الغاشمة الى الانسان المواطن الذي استهدفته محلياً ودولياً من خلال تشويهه لاعاقة حركته الاجتماعية واحتمالات نهضته الاحتجاجية .
بعد سقوط الدكتاتورية وافولها ، وبرغم مرور السنوات الثمان ، والتي افتقرت فيها البلاد الى برامج تنموية حقيقية ، ان على مستوى اعادة البنى الاقتصادية المحطمة ، او اعداد برامج كفيلة بمعالجة الفقر واعتلالاته ، باعتباره ، احدى المظاهر الاساسية المرافقة للدولة العراقية منذ بزوغها في آب عام 1921 .
ان معالجة الفقر يعد من انبل الاهداف وأسماها ، خاصة وانها هماً عراقياً مزمناً القي بضلالة على شؤون الحركة الاجتماعية للمجتمع وحراكه العام والخاص وقيدته بفضاءها ، الى جانب مؤشراته الخطيرة الاخرى واحتلاله ، رقماً في سجلات المنظمة الدولية ، والتي لو عولجت باية نسبة لعدت نصراً للتجربة الجديدة وافاقها ، ومؤشراً لتوجهات حلها بما يتناسب مع تاريخ البلاد الحضاري وغناه الاقتصادي ولاعطى درساً في التفوق الذاتي والموضوعي .
في مراجعة لشجون الدولة العراقية لمرحلة ما بعد الدكتاتورية والتي تستجلي لقراءات مختلفة لتراجعات عديدة على مختلف الصعد ، بما يعكس ضياع المنهجية المطلوبة في التعامل ما تعانيه البلاد من تبعاث كوارث ماحقة نتيجة الممارسات والسلوكيات السياسية الرعناء للنظام البائد ، فضلاً عن المشكلات المستحدثة ، والتي تتصدرها ملفات الفساد بجدارة ، لتقف كعقبة في اي طريق تنموي ونهضوي ولتضيف علة اخرى الى علل البلاد المنكوبة بالوان المحن.
ان مراجعة جدية للمواقف والاجراءات واعادة حسابات تشكل مدخلاً صحيحاً لتدارك الحال قبل تفاقمها لتشكل تهديداً لمشروعنا الديمقراطي الوليد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفح: هل تنجح مفاوضات الهدنة تحت القصف؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. مراسل شبكتنا يفصّل ما نعرفه للآن عن موافقة حماس على اقتراح م




.. واشنطن تدرس رد حماس.. وتؤكد أن وقف إطلاق النار يمكن تحقيقه


.. كيربي: واشنطن لا تدعم أي عملية عسكرية في رفح|#عاجل




.. دون تدخل بشري.. الذكاء الاصطناعي يقود بنجاح مقاتلة F-16 | #م