الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القوى العربية الجديدة وصياغة مستقبل المنطقة العربية عبر البوابة السورية

أكرم أبو عمرو

2011 / 12 / 14
مواضيع وابحاث سياسية



ربما تبدو لنا ملامح التغيير المرتقب في عالمنا العربي بعد أن رأينا ما آلت إليه الأوضاع في العراق الذي ظل فترة طويلة من الزمن حامي البوابة الشرقية للوطن العربي ، وما نراه في ليبيا وتونس ومصر وسوريا واليمن والسودان ، كما أن ما جري ويجري ليس بعيدا عن مخططات خارجية هدفت إلى نشر الفوضى بين شعوبنا العربية ، مستخدمين بعضا مما راقت لهم حياة الغرب واستمرئوها ، فبعضهم لم يغبر قدماه بتراب وطنه فترات طويلة ، والبعض الآخر قدر له أن يكون على سدة الحكم حيث الجاه والمال ، وليجعلوا من هؤلاء رأس حربة لتنفيذ تلك المخططات بدعوى محاربة الفساد والإفساد ، ونشر الديمقراطية وحقوق الإنسان المنهكة ، وهكذا تظهر قوى جديدة ترفع شعارات التغيير ، بهدف صياغة مستقبل المنطقة بما يخدم أعداء الأمة ، مستخدمة بوصلة مخالفة لكل العوامل التاريخية والجغرافية والحضارية ، تاريخيا عملت قوى مختلفة على تشكيل الخريطة السياسية للمنطقة العربية ، فقد تداولت كلا من دولتي الروم والفرس عمليات التشكيل هذه ولفترات طويلة قبل الإسلام ، وبعد بزوغ فجر الإسلام أتيحت للعرب المسلمين فرصة تشكيل خريطتهم بأنفسهم بل عملوا على تشكيل خرائط الأمم المجاورة لتنصهر في الدولة الإسلامية ، حيث تنقل الثقل السياسي من المدينة المنورة إلى دمشق ومن ثم بغداد، ما لبث أن انتقل بعد ذلك إلى قاهرة المعز حاضرة مصر ، واستمرت مصر منذ ذلك الوقت بتعاونها وتنسيقها الدائم مع بلاد الشام وحاضرتها دمشق للتصدي لكل طامع ومعتد على الأمة، فكان النصر حليفهم دائما كما ظهر في مواقع حربية عديدة كان لها الأثر الأكبر على مستقبل المنطقة مثل موقعتي حطين وعين جالوت ، وما كان لهاتين الموقعتين إلا بعد تحقيق الوحدة بين مصر والشام ، وفي العصر الحديث حاول حكام مصر تجديد الوحدة سواء أكان في عهد محمد على أو في عهد الرئيس جمال عبد الناصر ، ولكن ما آلت إليه الأمة من ضعف وتفرق جعلها لقمة صائغة في فم الطامعين من دول الاستعمار الجديد في ذلك الوقت .
ظلت مصر طوال حقبة طويلة من الزمن استمرت مئات السنين قائدة ورائدة للمنطقة العربية تؤثر بها وتتأثر ، بفعل أحكام الجغرافيا والتاريخ ، فمصر بموقعها الجغرافي ومواردها وارثها التاريخي كانت مؤهلة لان تقوم بهذا الدور ، لذلك ظلت منارة للعلم ومنبع رئيسيا للثقافة العربية محافظة على شخصيتها العربية والإسلامية، كيف لا وقد تاسس فيها الأزهر الشريف حيث كان من أقدم واكبر الجامعات الإسلامية ولا يزال .
ما دفعنا إلى هذا التنويه التاريخي هو ما نراه اليوم من حراك سياسي تشهده العديد من الدول العربية الخليجية وعلى رأسه دولة قطر ، حراك يمتد من مشرق الوطن العربي إلى مغربه ، في العراق واليمن وليبيا والسودان والصومال ومناطق كثيرة في عالمنا العربي ، وأخيرا بدأت في تجنيد الجامعة العربية حيث عملوا على إيقاظها من سباتها وكأن الجامعة العربية لها اليد الطولي في علاج المشاكل العربية وكما أسلفت في احد المقالات السابقة ، حيث الاجتماعات والقرارات والإنذارات والتهديدات خاصة فيما يتعلق بسوريا، ويأتي هذا الحراك في غياب شبه قسري للقوى العربية التاريخية في هذا المجال وعلى رأسها مصر وسوريا ، فمصر الدولة العربية الكبيرة أصبحت منشغلة كثيرا في أوضاعها الداخلية بعد أن شهدت ثورة شعبية نراها ما زالت مستمرة، ونتمنى أن تضع هذه الثورة مصر على سلم أولوياتها لتخرج مصر سليمة معافاة ، ولتواصل دورها الطليعي والريادي في المنطقة العربية ، لكن ما نراه ونعتقده أن أمام مصر ردها من الزمن قبل عودتها كما كانت ، أما سوريا فالجميع يتابع ما يجري على الأرض السورية ولطالما أن الشعب السوري هو صاحب هذه الثورة فلا خوف على سوريا، ولكن الخوف كل الخوف هو اللهاث واستجداء التدخل الأجنبي، محصلة القول هناك غياب للدور المصري والسوري الفاعل بسبب الأوضاع الداخلية في كلا البلدين ، لهذا نجد الدول العربية الخليجية تحاول التقاط الدور المصري والسوري للعمل على تشكيل وصياغة مستقبل المنطقة العربية ، ولينتقل معه الثقل السياسي العربي ليكمل الثقل الاقتصادي هناك .
السؤال الآن هل ستنجح دول الخليج في لعب هذا الدور وهل هي مؤهلة لذلك على الرغم من حجم أموالها الضخم ، وللإجابة على هذا السؤال لا بد من الإشارة إلى إننا لسنا ضد العمل العربي المشترك النابع من الإخوة والتاريخ المشترك والمصالح المشتركة والمصير الواحد ، لا فرق أن تكون مصر هي القائد أم قطر ولكن المهم هو النتائج التي يشعر فيها العربي بقيمته كانسان أولا وعربي ثانيا يعتز بتاريخه وحضارته ، لكن الملفت للنظر أن هذا الحراك قائم أساسا على شيء واحد ألا وهو الأمم المتحدة ومنظماتها وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي ، وكلنا يعرف ما هو الهدف دائما من وراء اللجوء إلى مجلس الأمن لعلاج القضايا العربية العربية سواء أكان على الصعيد الداخلي أو الإقليمي العربي ، النتائج نراها دوما تصب في مصلحة التدخل العسكري التي تقوده الدول الكبرى الدائمة العضوية في مجلس الأمن، مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا ومن يدور في فلكهم من أحلاف أو تحالفات ، والنتيجة وقوع الدول العربية في براثن هيمنة وسيطرة جديدة ، وعلاقات جديدة مفصلة على مقاس الدول التي ساهمت بالسلاح أولا وحررت الناس والعباد من سطوة الأنظمة ، وهو ما رأيناه في العراق وفي السودان ، ولا نستبعد أن نراه في ليبيا ، أما سوريا فهي الآن القبلة والهدف ، وربما تكون سوريا هي الأخطر في هذه المرحلة فبعد الركون النسبي لمصر تبقى سوريا فيجب إزالتها من الطريق حتى يخلو الطريق أمام القيادات العربية الراغبة في احتلال مكان الصدارة العربية التي احتلته مصر وسورية عبر قرون .
هنا نستطيع القول أن عوامل الزمان والمكان وحتى السكان سوف لن تمكن دول الخليج من انتزاع مكانة الصدارة والقيادة للأمة العربية على الرغم من امتلاكهم الثروات الضخمة لأسباب كثيرة منها:
- إن دول الخليج العربي بثرواتها الضخمة ما زالت عاجزة عن تحقيق بنية اقتصادية قائمة على الإنتاج حيث معظم الاستثمارات تتركز في الاستثمار العقاري وبعض الصناعات المتخصصة خاصة الصناعات النفطية ، وعليه فإن دول الخليج ما زالت سوقا رائجة للصناعات الأوروبية والأمريكية والأسيوية ، وما زال اقتصاد هذه الدول اقتصاد استهلاكي بكل جوانبه.
- الطوق التي فرضته دول الخليج العربي على نفسها خاصة تجاه الشعوب العربية الأخرى ، وسمحت لنفسها بالانفتاح أكثر على غير العرب خصوصا الدول الأسيوية ، حيث تبدو إعداد العمالة الوافدة من الدول الأسيوية أكثر بكثير من العمالة العربية الوافدة .
- خروج رؤوس الأموال العربية الخليجية بعيدا المنظومة العربية لتستثمر في دول أوروبا وأمريكا .
- باستثناء المال فلا يوجد منابع ثقافية أو تاريخية فجميع حواضر هذه الدول هي حواضر نفطية وليست لها جذور ضاربة في التاريخ كدمشق والقاهرة مثلا .
لذلك إذا ما أرادت دول الخليج احتلال مكان الصدارة السياسية والثقافية والاقتصادية للعالم العربي فعليها إعادة النظر في سياساتها وعلاقاتها مع الدول العربية شعوبا وحكومات ، وعليها أن تفتح بواباتها للمواطنين العرب ، وان توجه استثماراتها في الأرض العربية من اجل رفع مستوى معيشة العربي وتضييق الفجوة الاقتصادية بين الأغنياء والفقراء في الدول العربية.
ما نرغب في قوله هنا إننا لسنا ضد دول الخليج بالمطلق فدول الخليج تظل عربية بأرضها وسكانها ومواردها وبكل مكوناتها ، ولكن نتمنى على دول الخليج إن تضع المصلحة العربية العليا عند اتخاذ قراراتها وان كانت تحت سقف الجامعة العربية ، وان لا تتسارع في طلب التدخلات الأجنبية ، لان الاستعمار سوف يوجه اللطمات إلى الجميع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحركة الطلابية العالمية تتضامن مع فلسطين … الأبعاد و التداع


.. كيف تتطور أعين العناكب؟ | المستقبل الآن




.. تحدي الثقة بين محمود ماهر وجلال عمارة ?? | Trust Me


.. اليوم العالمي لحرية الصحافة: الصحافيون في غزة على خط النار




.. التقرير السنوي لحرية الصحافة: منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريق