الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صرخة في البرية !

محمد ناجي
(Muhammed Naji)

2011 / 12 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


(( الظالم والمعين له والساكت عنه شركاء ثلاثة ))
علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب

يحفل التراث العربي والاسلامي ، الذي لا يزال يحتفظ بحضور يفرض نفسه ، وبرز مؤخرا في مايسمى (الربيع العربي) ، بالكثير من الافكار والدعوات والمواقف التي تدعو لإحترام الانسان وحريته وكرامته ، ولمواجهة الظلم والطغيان والاستبداد ، غير إن الحكام والسلاطين وأعوانهم والمستفيدون منهم كانت ، ولا تزال ، لهم الغلبة في التعتيم على هذه الافكار وطمسها وإشاعة ثقافة ترسخ الإستبداد ، وتخدم الطغاة ومصالحهم الخاصة والضيقة .
لقد ترسخت ثقافة الاستبداد ، وأستقرت عميقا في الروح والعقلية الفردية والجمعية العربية ، حتى لم يعد منها خلاص ، قبل أن يتغيّر فهمنا ووعينا لأبعادها ، وأولها أن ندرك بأنها لا تزول بمجرد زوال الطاغية ، مهما كان موقعه ، صغر أو كبر . فالطاغية يخلق له حاشية مقربة منه ، تضم أدباء وفنانين ومثقفين ورجال دين ، يتكفلون بإشاعة وترويج كل ما يزيّن صورته ، ويطيل أمد بقاءه على رأس السلطة . وهؤلاء فضلاً عن إشاعتهم وتسويغهم وتسويقهم لثقافة الطغيان ، فإنهم سرعان مايغيرون ولاءهم – بعد نهاية الطاغية بأي شكل ، ولأي سبب – ويلتحقون بخدمة السلطة الجديدة . وهكذا تستمر عملية إعادة إنتاج الاستبداد ، بمسميات وأنماط جديدة/قديمة ، وتكون مظاهر الحركة والتغيير شكلية ، وليس اكثر من مراوحة في المكان ، حتى بعد زوال الطاغية ، الفرد . وهذا مثلا ما حدث ويحدث في العراق (الديمقراطي) !
لذا فمن اكثر المهام الملقاة على عاتق المثقفين العرب – منذ زمن بعيد - هو القيام بمراجعة حقيقية وشاملة وتمحيص لكل الموروث العربي الاسلامي ، وفق رؤية تعتمد الانسان وحريته وكرامته محوراً لها . وللأسف فهذا ما تخلفوا وعجزوا عن القيام به ، سوى قلة منهم ، على سبيل المثال لا الحصر الطهطاوي ، محمد عبدة ، الكواكبي ، جمال بدوي ، علي الوردي ، إمام عبد الفتاح ، وجيه كوثراني ، سيد القمني ، لهم مؤلفات هامة ، إلا انها غير مؤثرة على النهج العام والأغلبية ، من مختلف الملل والنحل ، التي نشأت وترعرعت في أحضان الطغاة ونهج وثقافة الاستبداد ، على مر العصور ، ولا تزال تطبل وتزمر لرموزها ومفاهيمها القديمة والجديدة .
وإذا عدنا للمقولة التي كتبتها في بداية المقال ، متعمداً ، فهي تعود إلى القرن الأول للهجرة ، وهي تلخص الحالة ببساطة ووضوح منذ ذاك التاريخ ، وقبله ، ولغاية اليوم . والجدير بالذكر إن قائلها (علي بن الحسين) لم يتفرد بها ، بل قبله وبعده الكثير على نهج الحرية والعدالة الانسانية . ولكن ما يهمني هنا هو التأكيد على ماورد فيها من مسؤولية أعوان الظالم – الخليفة - الطاغية – المستبد – الدكتاتور ، المسؤول الحكومي والحزبي ، فهم يشتركون معه في الجرم والمسؤولية ، وإن تعلقوا بأستار الكعبة !
وفي مجتمعات أبتليت بالإستبداد لا يعد مثيرا للإستغراب أن يندر ، اليوم ، وجود من يخاطب عقول الناس وليس عواطفهم ، حتى بين رجال الدين الموالين لآل البيت ، فيتحدث عن مآثرهم الانسانية ومنها (عهد الأشتر) و(رسالة الحقوق) ، بله الالتزام بها وإتباعها ، أو أن يذكر موقف (علي بن الحسين) من أحد تلاميذه المقربين (محمد بن شهاب الزهري) ، حين إرتبط ببلاط الخليفة عبد الملك بن مروان - وهذا بيت القصيد – ورسالته له ، والتي ورد في بعض منها :
(( أوليس بدعائه إياك ــ حين دعاك ــ جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم ، وجسراً يعبرون عليه إلى بلاياهم ، وسلماً إلى ضلالتهم داعياً إلى غيّهم سالكاً سبيلهم ، يدخلون بك الشك على العلماء ، ويقتادون بك قلوب الجهال إليهم .... فلم يبلغ أخص وزرائهم ولا أقوى أعوانهم إلاّ دون ما بلغت من إصلاح فسادهم ....))
هذا الموقف – التزلف إلى الحاكم ، المسؤول ، صاحب السلطة على أي مستوى ، والترويج له مع مايرافقه أحيانا من تعظيم في الخطاب يصل حد التقديس - هو أحد مظاهر نهج وثقافة الاستبداد الأكثر ضرراً .
وكما هو بالأمس نجده اليوم ممارسة مألوفة ومقبولة إجتماعيا وثقافيا ، تصل حد التستر والتماهي والاحتضان لمن تلوّث به ، في أكثر من مكان ، وعلى أكثر من مستوى ، فهل هناك من يسمع ويدين ، أو أن يرتدع ويتوقف وربما يراجع نفسه ويعتذر ، لتبدأ الامور في الحركة بالتقدم بـ(الغضب العربي) إلى الأمام ، نحو (الربيع العربي) بدلا من المراوحة في المكان ، أم هي صرخة أخرى في البرية ، ولا حياة لمن تنادي ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حجاج بيت الله الحرام يواصلون رمي الجمرات وسط تحذيرات من ارتف


.. حملة انتخابية خاطفة في فرنسا.. وأقصى اليمين في موقع قوة




.. استمرار جهود وحملات الإعمار في الموصل بعد 7 سنوات من القضاء


.. هوكشتاين في إسرائيل لتجنب زيادة التصعيد مع لبنان




.. أطفال غزة يحتفلون بثاني أيام العيد مستذكرين شهداءهم