الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإعجاز الثوري في الثورة التونسية: اقتصاد في الزمن، وواقعية في التنفيذ.

عبدالحق فيكري الكوش

2011 / 12 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


الثورة التونسية، ملهمة الثورات العربية، وأول رقصة عربية تحدث على إيقاعات الماضي وترانيم المستقبل، تبعث الشعب التونسي كالفينيق من رماد الصدمة السياسية العارضة والبيات غير المستساغ في عش الديكتاتورية، الذي نجم عن حالة إحباط جيل عربي من مرحلة ما بعد الاستقلال بفعل الحرب الباردة وبسبب الفراغ السياسي، وحالة الارتباك الناتجة عن هته الفترة، التي راعى فيها جيل هته الفترة مصلحة الوطن العليا، لكن هذا التنازل المجاني أفضى إلى حالة انزلاق، والى احتكار السلطة من طرف عصابات منظمة، إذ كان من يستيقظ مبكرا يمكنه أن يحكم ويمارس الحكم. لقد هدمت الثورة التونسية فجأة معاقل الخوف في مفاصل الكائن العربي ككل، وحررته من عقدة التردد المزمنة، لقد أعادت للأشجار خضرتها، وللماء نقائه، وللشوارع أسمائها، وللنجوم بهائها، وللإنسان عزيمته وإرادته وثقته في النفس.... وكانت القطرة الأولى للمطر الناعم الذي بلل الجسد العربي، تأتي من تونس أبي القاسم الشابي. فمن هته الدولة التي تبدو على الخريطة صغيرة، حدثت المعجزة، لكن الإنسان التونسي كان دوما أطول من خريطة بلده، فالتونسيون كانوا دوما أشبه بالخلية التي تتجدد من خلالها أنسجة الجسد العربي، ولنا في مظاهرات الدار البيضاء وما تلاها من مجازر بفعل اغتيل النقابي فرحات حشاد، دليل على أن تونس هي القلب النابض للعروبة، أولم تحتضن مقرات منظمة التحرير الفلسطينية في وقت اقفل الكثيرون خيامهم، وتحملت تونس بشجاعة استقبال قادة منظمة التحرير.
هي بداية لمسلسل عربي جديد، وخارطة عربية أخرى ستفصَّل على المقاس العربي، كان للمقص التونسي شرف افتتاحها، ويجب شكر الشعب التونسي بحرارة على هذا الانجاز، الثورة والمرور إلى مرحلة الانجاز وفق سقف معقول من الأحلام والتطلعات، حتى لا تكون الثورة مجرد حالة كلامية، وظاهرة عابرة، ولنا ثقة كبيرة في التونسي شعبا وحكومة ورئيسا في قدرته في إحداث نقلة نوعية في العمل العربي والتفكير العربي وفي الوصول بتونس إلى مرفأ الأمان، وكل شيء ممكن، فتونس تتوفر على نخبة وعلى شعب مؤهل يستوعب التحديات، له دراية في الدفع بمسلسل الانتقال الديمقراطي في كل العالم العربي، فقط كثير من الصبر والتضامن والهدوء والحكمة، فطريق بناء دولة ديمقراطية، يحتاج إلى جهود الجميع والى تنازلات والى توافقات، فلا يوجد مشروع نهائية، فتونس مستمرة في الزمن، بل وعلى الممسكين الجدد بدواليب صناعة القرار السياسي إلى انتهاز الفرص، وقراءة الواقع العالمي بتؤدة، لتمرير مشروع تونس الحديثة وتنفيذه. نعم تغيرت تونس ومن المستحيل عودة الممارسات البالية من جديد، لقد شيعت تونس النظام السابق على طريقتها، واقتصدت في الوقت مثلما اقتصدت في الأخطاء والتجاوزات وهذين عاملين مهمين يعبدان الطريق لتمر تونس بهدوء إلى ناديها المعتاد، نادي الأمم العريقة المعتزة بماضيها والواثقة من قدراتها في بناء مستقبل أفضل لأبنائها...
هو مستقبل مختلف ينتظر تونس والتونسيين عامة وأعناق العرب متطلعة حولهم لتعلم الحكم الديمقراطي، لقد فتحت تونس مدرسة الحداثة والديمقراطية وحسن تدبير الاختلاف، وبناء عليه فالعرب مدعوون إلى هته المدرسة، وخلع نعالهم حياء، في حضرة معلم هده سجون القبح الديكتاتوري، وتونس اليوم هي المعلم والأستاذ والمايسترو.
هو مستقبل آخر تهيأ للتونسيين، له طعم خاص ومطبوع بالكبرياء العربي، وهي تونس اليوم تقود عربة فيها ثلاثمائة مليون عربي بأحلامهم وآلامهم، بقلقهم واختلافهم، برغباتهم وتطلعاتهم المقبولة والمشروعة، ولا يوجد شيء بالمجان أثناء بناء الدولة، فثمن انجاز الانتقال الديمقراطي له كلفته، لكن في جميع الأحوال فتونس المستقبل غير تونس التي كانت عبارة عن سفينة مليئة بالقراصنة، يقودها ربان حول قمرة القيادة إلى مقصلة وصالة حلاقة، وجعل من بلده غابة ومستوطنة للخوف والتردد ..
لقد حدثت القطيعة مع الماضي العربي الغارق في البؤس، من خلال مشروع تونس الثوري، والأجيال العربية القديمة اتهمت بالعجز، وكاد هته الأجيال تمرر هذا العجز للأجيال القادمة، ليتحول إلى مرض مزمن يلازم الكائن العربي، لكن الحقيقة أن الإنسان العربي، عاش لحظة صدمة تاريخية طويلة وبيات سياسي وحضاري وتاريخي طويل... وحجم المؤامرات الأجنبية المتوالية نالت من جميع الشعوب، وجميع الطغاة العرب كانت لهم تزكية صهيون-أمريكية، لحكم شعوبهم، لكن العالم العربي ومن خلاله تونس كانت حاضرة في القرار السياسي العالمي، والدليل أن تونس حافظت على وجودها ردحا من الزمن، رغم استسلامها للإمبراطورية العثمانية.
لا يمكن اعتبارها ظاهرة سياسية عابرة، هته الثورة، هي مشروع شعب وحلم أمة، وهي تلغي المقولة التي تقول: "العرب مجرد حالة كلامية".
القراءة الأولية تمنحنا التفاؤل، فقد أحرقت تونس المراحل بسرعة، لطي صفحة مؤلمة، من تاريخها الحديث، ويمكن القول أن روح البوعزيزي ستبقى أبدية، وذكرى لا يمكن محوها من المستقبل التونسي الجديد.
هي تونس اليوم تستثمر في العمق التاريخي، في ظل عوامل مشجعة، جوار مختلف، رسمته الثورة التونسية أيضا، وواقع عربي جديد، يجب الاعتراف بأن الشعب التونسي هو من صنعه.
فهنيئا للتونسيين بثورتهم، في انتظار بلورة المشروع التونسي الديمقراطي إلى حقيقة، مشروع نهضوي طموح وواقعي وقابل للتنفيذ وخال من الطوباوية المفرطة، وهذا من السهل انجازه، بشعب موحد، وحكومة فعالة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية للكاتب
أحمد التاوتي ( 2011 / 12 / 15 - 09:04 )
أحييكم على هذه السمفونية العربية الناهدة الى آفاق تغمرنا جميعا في طور حداثي جديد. و ألف ترحم على الروح البوعزيزية الخالدة


2 - يستاهل
نور الحرية ( 2011 / 12 / 15 - 09:23 )
انه شعب ابو القاسم الشابي فعلا الشعب العربي الذي لم يصوت للسلفيين المجرمين بل صوت للاسلاميين المعتدلين الى حد ما وللعلمانيين التنويريين مناصفة ..شعب يريد ان يحيا بكرامة وحرية وكان شعارهم بعد شعارهم الكبير الشعب يريد اسقاط النظام والذي اصبح ايقونة الثورات العربية خبز وماء وبن علي لا

اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -