الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام الاستعماري يسبق النظام الرأسمالي -2-3

أنور نجم الدين

2011 / 12 / 15
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


وهكذا، فما قام به ستالين للتأكيد على ما زعمه لينين حول العصر الحديث، ليس سوى تشويه مقصود للتاريخ؛ فالنظام الرأسمالي لا ينشأ إلا بوصفه نظامًا عالميًّا، والخلفية التاريخية لهذا النظام هي النظام الاستعماري.

إن قصة نشوء مجتمع رأسمالي، تبدأ من قصة التراكم البدائي، وهذا التراكم لا ينشأ إلا بمساهمة الدول الاستعمارية كلها، فالنظام الاستعماري هو إذًا الرافعة الأساسية لتكوين نظام رأسمالي سطحه العالم لا هذا البلد أو ذاك، والثورة الصناعية ذاتها وراءها نظام استعماري متطور جدًّا، وهذه الثورة حدثت استجابةً لحاجيات السوق الكونية التي أوجدها الاستعمار بصورة مسبقة، فالاحتكارات والحروب التجارية، هي التي أوجدت أرضية جديدة للاحتكارات الصناعية الحديثة، أما حروبهم فهي لا تزال حروبًا تجارية، يعني حروبًا تنافسية من أجل اتساع الأسواق.
كان الازدياد في طلب المنتجات الصناعية، هو الذي أحدث ثورة في الصناعة، يعني في إحلال الصناعة الكبرى محل المانيفاكتورة، أي محل البخار والآلة بالذات. فلم يكن النهوض الكبير ممكنًا في المانيفاكتورة، دون اتساع العلاقات بين الأمم، واكتشاف أمريكا، والطريق البحري إلى الهند. ونتيجةً لاستعمار أراضٍ واسعة في آسيا وأمريكا وإفريقيا وأستراليا، بدأت المنافسة التي فَجَّرَتْ الصِّراعات التجارية، والاحتكارات الاستعمارية بين هذه الأمم. وكما يقول ماركس فالصراع بين المتنافسين كان يجري ويتقرر مآله في آخر المطاف بواسطة الحروب لا سيما الحروب البحرية. وكان من نصيب إنجلترا -وقد كانت أقوى دولة بحرية في العالم - التفوق في التجارة والمانيفاكتورة (انظر: كارل ماركس، الأيديولوجية الألمانية والبيان الشيوعي ورأس المال).

ولنرَ الآن كيف يدرس ماركس تاريخ النظام الرأسمالي الذي لم يكن موجودًا قبل وجود النظام الاستعماري، وهل طريقته مناقضة لطريقة ستالين وهو -مثله مثل لينين- يدعي أن عصر الاستعمار يعود إلى القرن العشرين؟ القرن الذي يقلب فيه الماركسيون الروس التاريخ كله، فتأويل التاريخ أصبح حرفة يعيش عليها إمبراطوريو الروس الجدد.
__________________________________________________________________________________

رأس المال، نقد الاقتصاد السياسي، كارل ماركس – ترجمة محمد العيتاني

"ان تاريخ حكم الهولنديين الاستعماري –ولقد كانت هولندة في القرن السابع عشر، الأمة الرأسمالية من المرتبة الأولى- يعرض على أنظارنا لوحة من الاغتيالات، والخيانات، والفساد، والسفالة، لن يكون لها مثيل أبدًا.
وليس هناك أكثر تمييزًا ودلالة من اسلوبهم في اختطاف الاولاد من جزر (السيليب)، وذلك لضمان الحصول على أرقاء لجاوة. لقد كانت لديهم مجموعة منظمة من العملاء المدربين تدريبًا خاصًا على هذا النوع الجديد من الاختطاف. وكان العملاء الرئيسيون لهذه التجارة هم الخاطف، والوسيط، والبائع، أما البائعون الرئيسيون فكانوا هم الامراء من سكان البلاد الأصليين ..
ومن أجل الاستيلاء على مالقا، عمد الهولنديون إلى اغراء الحاكم البرتغالي وإفساده. فأدخلهم هذا إلى المدينة عام 1641. وسرعان ما اقتحموا منزله واغتالوه، (زاهدين) هكذا .. في ان يدفعوا له مبلغ 21875 ل. استر، وهو ثمن خيانته .. وما ألطفها من تجارة! ان الشركة الانجليزية للهند الشرقية حصلت فضلا عن السلطة السياسية، على الاحتكار الحصري لتجارة الشاي والتجارة الصينية عامة، وكذلك على احتكار نقل البضائع من أوروبة إلى آسية، ومن آسية إلى أوروبة .. ان احتكارات الملح والافيون، والتنبل، ومواد غذائية أخرى، كانت مناجم للثروة لا تنضب. إن مستخدمي الشركة، الذين كانوا يعينون الاسعار بأنفسهم، ويسلخون جلد الهندي المسكين، وفق هواهم. وكانت الحكومة العامة تشترك في هذه التجارة الخاصة. وكان المقربون اليها يحصلون على عطاءات بحيث أنهم، وقد أصبحوا بوساطتها أقوى من أهل السيمياء، كانوا يصنعون الذهب من لا شيء. ان ثروات ضخمة كانت تنبت في اربع وعشرين ساعة وكأنها الفطر. وكان التراكم الأولي يتم دون أن يجري تسليف فلس واحد. وتعج محاكمة (وارن هاستنغس) بأمثلة من هذا النوع. ونذكر واحدًا منها فقط.
فقد حصل شخص اسمه سوليفان على عقد من أجل ارسالية من الافيون، في فترة سفره في مهمة رسمية، إلى ناحية نائية جدًا من النواحي المنتجة للافيون. وتخلى سوليفان عن العقد الذي في حوزته لقاء 40000 ل. استر. لاحد الاشخاص واسمه (بن)؛ وهذا، بدوره، باع العقد لقاء 60000 ل. استر.
والمشتري الآخر، وهو منفذ العقد، يصرح بعد هذا بأنه جنى ارباحًا هائلة" (ص 1119، 1120، 1121).

"لقد سبب النظام الاستعماري انطلاقًا عظيمًا في الملاحة والتجارة. وقد ولد الشركات التجارية، التي جهزتها الحكومات بالاحتكارات والامتيازات التي تخدم بمثابة عوامل قوية لتمركز الرساميل. وكان يؤمن اسواقًا لتصريف منتوجات المصانع الناشئة، التي تضاعفت سهولة التراكم عندها، بفضل احتكار السوق ..
(ص 1122، 1123).

"ان هولندة، وهي الرائدة الحقيقية للنظام الاستعماري، كانت قد بلغت أوج عظمتها عام 1648. وكانت تحتكر وحدها تقريبًا ملكية تجارة الهند الشرقية والمواصلات بين جنوبي غربي أوروبة وشمالها الشرقي. وكانت مصائد الأسماك عندها، وبحريتها، ومانيفاكتوراتها تتفوق على ما تملكه البلدان الأخرى، منها. وربما كانت رساميل الجمهورية أعظم من جميع رساميل باقي بلدان أوروبة بمجملها.
ان التفوق الصناعي، في أيامنا، يقضي التفوق التجاري، أما في العهد المانيفاكتوري، بالمعنى الدقيق للكلمة، فالتفوق التجاري هو الذي يمنح التفوق الصناعي. ومن هنا كان الدور المتفوق الرجح الذي قام به النظام الاستعماري حينئذ" (ص 1123).
ان نظام القرض العام، يعني الديون العامة، الذي وضعت البندقية وجنوة، في العصور الوسطى، اولى ركائزه، اجتاح أوروبا بصورة نهائية، خلال العهد المانيفاكتوري. ان النظام الاستعماري، مع تجارته البحرية وحروبه التجارية، التي تخدمه بمثابة دفيئة حارة، نشأ باديء الأمر في هولندة. إن القرض العام، وبعبارة أخرى تخلي الدولة عن سلطتها لسواها، سواء أكانت استبدادية أم دستورية أم جمهورية، يَسِم العهد الرأسمالي بطابعه. والجزء الوحيد من الثروة القومية المزعومة الذي يدخل فعلا في التملك الجماعي للشعوب الحديثة المعاصرة، إنما هو ذينها العام.
.. القرض العام، هذا هو شعار الايمان الذي يؤمن به الراسمال .. إن القرض العام يعمل بوصفه عاملا من أقوى عوامل التراكم الأولي" (ص 1124).
"ولكن بصرف النظر عن طبقة اصحاب الدخل الخاملين التي خُلِقَتْ على هذا النحو، وبصرف النظر عن الثروة، سريعة التكون، التي جناها الماليون الوسطاء بين الحكومة والأمة – وكذلك بصرف النظر عن ثروة الجباة، والتجار، والصناعيين الخصوصيين، الذين يؤدي لهم جزء عظيم من كل قرض يُعقد، الخدمة نفسها التي يؤديها رأسمال هابط من السماء – أقول: بصرف النظر عن كل هذا، فالدَيْن العام قد دفع الشركات المساهمة دفعة كبرى، كما دفع التجارة بالاوراق القابلة للتبادل، وتلك تجارة من كل نوع ولون، وكما دفع عمليات المضاربة والمقامرة التجارية، والمتاجرة بالاوراق المالية، وبالاجمال فإنه دَفَع دفعة كبرى إلى الأمام، حركات البورصة، والسلطة الحديثة للمصارف.
إن البنوك الكبرى، منذ نشأتها، وهي المتسترة بالعناوين القومية، لم تكن سوى شركات من المضاربين الخصوصيين الذين يجلسون إلى جانب الحكومات، وباستطاعتهم، بفضل الامتيازات التي كانوا يحصلون عليها، أن يُقْرضوا الحكومة أموال الجمهور. لذلك فتراكم الدين العام ليس له ميزان معصوم عن الخطأ، إلا الارتفاع التدريجي لأسهم هذه البنوك، التي يرجع تاريخ نموها التام إلى تأسيس بنك انجلترة في عام 1694. ولقد بدأ هذا البنك يُقرض الحكومة كل رأسماله النقدي بفائدة 8%؛ وفي الوقت نفسه، كان مرخصًا له، من قِبَل البرلمان، بأن يسك العملة، من الرأسمال نفسه، وذلك باقراضه للجمهور في شكل أوراق التبادل، وبتسليفها لشراء بضائع، وباستخدامها في شراء المعادن الثمينة" (ص 1125).

"ومع الديون العامة، وُلِد نظام للقرض العالمي غالبًا ما يخفي أحد منابع التراكم الأولي عند هذا الشعب أو ذاك. وهكذا، مثلا، تشكل عمليات الاغتصاب والعنف، في البندقية، إحدى قواعد غنى هولندة بالرأسمال، التي كانت البندقية الآخذة في الانهيار تُقرضها مبالغ ضخمة؛ وهولندة، التي انحطت حوالي القرن السابع عشر، عن تفوقها الصناعي والتجاري، وجدت نفسها مضطرة إلى استثمار رساميل هائلة باقراضها في خارج البلاد، ومن عام 1701 إلى عام 1776، لانجلترة خصوصًا، وهي عدوتها المنتصرة. وهذه هي اليوم، حال انجلترة والولايات المتحدة. وكثير من الرساميل التي تظهر إلى الوجود، اليوم، في الولايات المتحدة، دونما وثيقة ميلاد، ليست سوى دماء الاطفال العاملين في المصانع، التي جُمِعَتْ أمس في انجلترة" (ص 1126).

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جهد لا يثمن
فؤاد محمد ( 2011 / 12 / 15 - 08:59 )
الرفيق العزيز انور تحية
شكرا جزيلا على هذا الجهد التنويري اتمنى ان تستمر في هذا الابداع في كشف الحقائق وازالة التشوهات والتحريفات والتخريفات
اعانقكم


2 - العزيز الرفيق فؤاد
انور نجم الدين ( 2011 / 12 / 15 - 10:09 )

نعيش في عصرًا لا بد أن يكشف لنا الجوهر الخالص للتيار الذي قام بتشويه كل فقرة من فقرات التاريخ والثورة، وهو التيار البلشقي، التيار الذي ساهم أكثر من غيره في سحق الحركة الأممية. هل ممكن اعطاء دليل واحد مثلا على تضامن البلاشفة مع الحركات البروليتارية في العالم طيلة تاريخ حكمهم السياسي؟
كلا، بالطبع، بل ونجد آلاف الامثلة في التاريخ حول قمع الحركات البروليتارية في روسيا وأكرانيا وكرونشتاد من قبل دولة البلاشفة، دولة الجيش الاحمر قائده تروتسكي، والتشيكا، الاستخبارات الروسية، مؤسسها لينين.
تحياتي


3 - العزيز الرفيق فؤاد
انور نجم الدين ( 2011 / 12 / 15 - 10:11 )

نعيش في عصرًا لا بد أن يكشف لنا الجوهر الخالص للتيار الذي قام بتشويه كل فقرة من فقرات التاريخ والثورة، وهو التيار البلشقي، التيار الذي ساهم أكثر من غيره في سحق الحركة الأممية. هل ممكن اعطاء دليل واحد مثلا على تضامن البلاشفة مع الحركات البروليتارية في العالم طيلة تاريخ حكمهم السياسي؟
كلا، بالطبع، بل ونجد آلاف الامثلة في التاريخ حول قمع الحركات البروليتارية في روسيا وأكرانيا وكرونشتاد من قبل دولة البلاشفة، دولة الجيش الاحمر قائده تروتسكي، والتشيكا، الاستخبارات الروسية، مؤسسها لينين.
تحياتي

اخر الافلام

.. Human Rights - To Your Left: Palestine | عن حقوق الإنسان - ع


.. لمحات من نضالات الطبقة العاملة مع امين عام اتحاد نقابات العم




.. كلمات ادريس الراضي وخديجة الهلالي وعبد الإله بن عبد السلام.


.. الشرطة الأمريكية تعتدي على متظاهرين داعمين لغزة أمام متحف جا




.. الشرطة الأميركية تواجه المتظاهرين بدراجات هوائية