الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة المصرية والرقص على السلم

محمود يوسف بكير

2011 / 12 / 15
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


للأسف الشديد توقفت الثورة المصرية في منتصف الطريق ولا أحد يعرف على وجه اليقين محطتها النهائية. فور نجاح الثورة التي شملت كل أطياف الشعب المصري توقع الكثيرون أن تتجه مصر نحو الحداثة ونعني بهذا أن تصبح دولة مدنية ديمقراطية تعتنق نظام يحترم الحريات ويتسامح مع الآخر ويقوم على التعددية ودولة القانون والمؤسسات والشفافية وحرية الرأي واحترام حقوق الإنسان ويقر مبدأ المواطنة وليس الدين كأساس لمنح الحقوق والواجبات، ولكن المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية الأخيرة أوضحت بجلاء وبشكل لا يحتمل الكثير من الجدل رغبة عارمة لدى أغلبية المصريين (أكثر من 60 %) في اعتناق نموذج الدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية.

ومن ثم فإن فرصة الأحزاب الليبرالية في تأمين غالبية برلمانية أصبحت منعدمة والمنافسة الآن محتدمة بين تيارين إسلاميين الإخوان المسلمين (حزب الحرية والعدالة) والسلفيين (حزب النور) ومن ثم فإن مصر تتجه لأن تكون دولة دينية لأول مرة في تاريخها. ولكنها بالتأكيد سوف تكون دولة معتدلة بافتراض أن الإخوان يتمتعون بفرصة أفضل من السلفيين (40% مقابل 20% في المرحلة الأولى) في الفوز بالأغلبية.

ولكن ماذا بعد حصول الأحزاب الإسلامية على الأغلبية البرلمانية؟ هل سيقبل المجلس العسكري بهذه النتيجة ويتنازل عن الحكم طواعية لصالحهم؟ أعتقد إن العسكري لا يمكن أن يقبل بهذا دون ضمانات وتفاهمات معينة مع التيارات الإسلامية ومن أهم هذه الضمانات إبقاء نظام الحكم رئاسيا لخلق نوع من التوازن يضمن مصالح المجلس العسكري ويحد من نفوذ وصلاحيات الإخوان المسلمين في إدارة شؤون الدولة. أما الضمانة الأخرى التي يصر العسكري عليها فهي موافقة الإسلاميين على عدم التدخل في شئون المجلس العسكري ومن أهمها مزايا بعض أعضاءه وعدم النبش في ماضيهم واستقلالية ميزانية الجيش واستثماراته عن ميزانية الدولة وأخذ مشورة المجلس العسكري في بعض ملفات السياسة الخارجية لمصر مثل العلاقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل وملف قطاع غزة.

والسؤال هل ستقبل حكومة الإخوان بتقديم هذه التنازلات للمجلس العسكري؟ وهي تنازلات ترقى إلى مرتبة أن يعمل المجلس العسكري كدولة داخل الدولة ودون أي مرجعية أو محاسبة وهو ما يتنافى مع مبدأ الدولة المدنية ومفهوم الحوكمة في الدولة الحديثة.

اعتقد أن الإخوان سيقبلون بتقديم هذه التنازلات لأن البديل سيكون صداماً مروعاً ما بين العسكري وبين الحركة وهو صدام سيكون ثمنه فادحاً للجميع خاصة المجلس العسكري الذي لم يدرك بعد حقيقة أن هناك ثورة وأنه يتعنت مع شعب ثائر ينشد الخلاص، كما انه لم يدرك بعد أن هناك ميولا متزايدة نحو الإخوان المسلمين بين غالبية الشعب وحتى داخل الجيش نفسه خاصة بين الجنود والقيادات الوسطى التي تعاني من الفاقة في صمت شأنها شأن بقية الشعب المصري.

التاريخ يقول أنه حتى تستكمل الثورات بنجاح وتحقق أهدافها فإن الشعوب لابد أن تدفع ثمناً باهظاً للتخلص من كل بقايا النظام القديم وبناء النظام الجديد على قواعد ثابتة ونظيفة وعلينا أن نقر بأن المجلس العسكري وليس الجيش كان ولا يزال هو القلب النابض للنظام القديم ومن ثم فإن حديث أن العسكري يحمي الثورة هو نوع من العبث و التهريج وبالنتيجة فإن مشوار الثورة والتضحيات في مصر لازال طويلا.

ورغم قناعاتي بأن نموذج الدولة الدينية ليس هو النموذج الأفضل لمصر في هذه المرحلة الدقيقة في تاريخها لأنه نموذج استبدادي بطبيعته بالإضافة إلى ما قد يجلبه لمصر من مصاعب وتعقيدات لأوضاعها الاقتصادية المقلقة. وعلينا هنا أن نقر -على الأقل من الناحية الاقتصادية البحتة- أن مصر بحاجة إلى مدخولات السياحة والاستثمارات الأجنبية وإلى بقاء ثروات رجال الأعمال داخل مصر حتى تستعيد عافيتها الاقتصادية وتحقق معدلات نمو عالية تمكنها من حل مشكلة البطالة المرتفعة ورفع مستويات المعيشة بين أبناءها والحد من انتشار الفقر والمرض وانهيار التعليم وكافة الخدمات.

البعض يكابر بعنجهية ودون دراية اقتصادية بأن مصر يمكنها النهوض بمفردها وأنها لا تحتاج إلى الخارج وهذا الكلام لا تدعمه الحقائق على الأرض فمصر دولة فقيرة في الموارد وذات كثافة سكانية عالية جداً وعانت أثناء فترة الطاغية مبارك من عمليات نهب منظم وسوء إدارة وفساد وهدر لمواردها المحدودة وهي بحاجة الآن إلى الدعم والعون الخارجي وليس في هذا عيب فأوربا نفسها لم يكن لها أن تنهض بعد الحرب العالمية الثانية لولا خطة مارشال والدعم الأمريكي الضخم.

والخلاصة أننا نتقدم بالتهاني مقدماً للإخوان المسلمين على تقدمهم الكاسح والله يعينهم في معركتهم القادمة مع العسكري ونؤكد على أهمية احترام إرادة الشعب المصري في اختيار من يحكمه طالما أنه مستعد لتحمل تبعات اختياره، والواجب وحب مصر يحتمان علينا جميعا أن ندعم ونساند أي حكومة ينتخبها أغلبية الشعب.

وكل ما نتمناه علي قيادات الإخوان أن يستلهموا نموذجاً دينياً للحكم ينفتح على الجميع ويحترم حقوق الأقليات والمرآة وحرية الاعتقاد والرأي الآخر ويسمح بتداول السلطة وأن يرسل إشارات صحيحة للعالم الخارجي بما يساعد الاقتصاد المصري على التعافي وعودة الاستثمارات الأجنبية وانتعاش قطاع السياحة الذي يعمل به 3 مليون مواطن مصري وبقاء أموال رجال الأعمال المصريين في الداخل فهذا من شأنه التخفيف عن المواطن المصري الذي عانى كثيراً ولم يقم بثورته إلا من أجل الخلاص من الفقر واسترداد كرامته وكبرياءه واحترام العالم له.


محمود يوسف بكير
مستشار اقتصادي مصري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تموجات الثورة
محمد البدري ( 2011 / 12 / 16 - 07:29 )
يعتقد الدكتور مهدي بندق ان الصدام بين العسكر والاسلاميين بتعدد فصائلهم حتمي للحيازة علي الكعكة الاقتصادية. فمصر كما لا تقبل التجزئة علي الارض لا تقبل التجزئة ايضا في المجالات الاخري. وتاريخها يؤكد تلك النظرية. فتقسيم الكعكة معناه ازدواجية السلطة وهو امر مستحيل بشكل عام لاي وطن وليس فقط بسبب الخصوصية الحضارية لمصر. المشكلة إذن تكمن في أن العسكر لا يريدون التحول الي طبقة اجتماعية تسمح لباقي الطبقات بالنفاذ بهم وبها وبالوطن برمته الي دولة مدنية ذات حقوق قانونية شأنها شأن الدولة الحديثة. لكنهم آثروا الفكرة المملوكية التي ورثوها من نظام العسكرة حتي بعد انشاْ دولة محمد علي والتي انتجت ثورة عرابي . نحن إذن امام ارث ثقيل علي الثورة ان تغسله ولا اعتقد ان غسيله ممكن في 18 يوما هو زمن الثورة أو عشرة أشهر هي زمن ولاية المماليك بكافية لمثل هذا التحول. تحياتي وتقديري العميق لهذه المقالة الثرية.


2 - مشكلة السياحة
ناديه احمد ( 2011 / 12 / 17 - 15:27 )
مشكلة السياحة ليست فقط العاملين فى السياحه ولكن هناك مصانع واعمال مرتبطه بالسياحة وهى لا تقل عن مليونين اخرين , اى ان هناك حوالى خمسه مليون عامل مهددين وهؤلاء الخمسه مليون يعولون اسره مكونه على الاقل من فردين او اكثر . كما ان هناك استثمارات ومنشأت سياحيه تقدر بمليارات الجنيهات بالاضافه الى قروض شركات السياحه التى سوف تتوقف عن السداد مما سوف يهدد البنوك بالانهيار . والرابح الوحيد هنا سوف يكون اسرائيل بالطبع .ايضا اعتقد ان الاخوان سوف تقبل فى البدايه بمشاركة المجلس العسكرى وتقديم تنازلات له ولكن سوف ينقلبون على المجلس العسكرى فى اسرع وقت , وسوف يجدون الالاف الحجج لنقض اتفاقاتهم وعهودهم مع المجلس , اما السيطره على الجيش نفسه فسوف تكون اسهل خطوة . ولكن السؤال الخطير هل سيكون هناك انقسام فى الجيش أو صعود قادة اقل خبرة واكثر ولاء .

اخر الافلام

.. تحذير دولي من كارثة إنسانية في مدينة الفاشر في السودان


.. أوكرانيا تنفذ أكبر هجوم بالمسيرات على مناطق روسية مختلفة




.. -نحن ممتنون لكم-.. سيناتور أسترالي يعلن دعم احتجاج الطلاب نص


.. ما قواعد المعركة التي رسخها الناطق باسم القسام في خطابه الأخ




.. صور أقمار صناعية تظهر تمهيد طرق إمداد لوجستي إسرائيلية لمعبر