الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أي انتخابات عراقية نحتاج...؟

محسن صابط الجيلاوي

2004 / 12 / 26
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


قريبا جدا سنذهب إلى الانتخابات، تجربة جديدة على شعب عاش مقموعا كل هذا الزمن الطويل، شعب مورس ضد جسده وعقله كل ذلك الظلم والشراسة والتدمير لجعله هامشيا غير مؤثر في صياغة حاضرة ومستقبله...اليوم تغيرت المعادلات، والواقع الجديد هو نتاج عملية مؤلمة دُفع إليها شعب العراق عنوة من حاكم أهوج لم يقرأ التاريخ والمعادلات السياسية المركبة وخصوصية عالم تحكمه أقطاب عملاقة عليها مهام دولية في حفظ الأمن والسلام الدولي..وسواء أخطأت هذه القوى أم أصابت لكن الثابت أن العالم يحتاج إلى سياسة تأخذ بنظر الاعتبار مصالح الجميع وعلى ضوئها يستطيع أي شعب أن يمارس دوره في صياغة نظام دولي متوازن وعادل إلى حد ما، وهذا ما تسعى له سائر شعوب الأرض كل وفق إمكانياته وقدراته...لقد دُفع شعب العراق ليعيش الاحتلال، وهذا الواقع وبكل المعايير عملية مؤلمة رغم أنها حملت ذلك التغيير الذي كان يرنوا له الشعب منذ زمن طويل الا وهو إزاحة الدكتاتورية..إن عجز الطبقة (المعارضة) عن إزاحة الدكتاتورية تركت فراغا هائلا لم تستطع أي حركة أو قوة سياسية إملائه وبالتالي هناك شحوب فاقع في الشارع السياسي، فالناس فوجئت بهذا الكم الهائل من السياسيين المدربين جيدا على فئة من الناس كانت غائبة عن العراق قسرا..لقد استطاع النظام بالدوغما والقمع الشديد تقطيع أوصال أي عمل معارض منظم، وبالتالي عاشت كثير من الحركات ذلك المنفى الطويل دون أن تمد لها رجلا داخل الوطن، إن عقل الناس لم يكن مهيئا لاستقبال هذا التنوع السياسي والإعلامي ( رغم صحته ) بحكم ذلك الضياع والتوجس عن أداء السياسة نفسها وهذا ما سعت الدكتاتورية لزرعه في عقل وروح الإنسان العراقي، مما أدى إلى غياب ديناميكية سياسية قابلة للتغيير قادرة لنقل الناس إلى رحاب التفكير بواقعهم بشكل معمق وبالتالي تنظيمهم لكي يساهموا بفعالية في صياغة واقع سياسي جديد...
لقد خرجت الكثير من الشعوب من الدكتاتوريات إلى الديمقراطية على إيقاع جماهيري، وفي مدة زمنية استطاع هذا الإيقاع تدريب طبقة سياسية تؤمن بالديمقراطية، والأهم في ذلك نقل الفئة الشابة إلى رحاب السياسة وبالتالي كان التغيير مضمون أكثر في إنجاح عملية تاريخية جديدة، وهذا ما أعطى للديمقراطيات القادمة بعدا اجتماعيا هائلا دخل في كامل مفاصل الحياة...هذا ما شهدناه في بلغاريا حيث بحر من الأعلام الديمقراطية الزرقاء عام 1990 وكذلك في جكوسلوفاكيا وهنغاريا وألمانيا..لهذا ولدت ديمقراطيات نضجت بسرعة كبيرة، أما اللعب على المفاهيم بدون تغييرات جوهرية فقد أتت بديمقراطيات ناقصة وفاسدة كما في روسيا...في البلدان الأولى أستوعب التغيير الأحزاب الحاكمة والمعارضة، فقد سعى الجميع على تأكيد ماهو وطني وصالح يخدم شعوبهم، وبالتالي استطاعوا تجنب تلك المصادمات الاجتماعية المحتملة آنذاك في حال عدم وضع مصالح الشعب والوطن فوق كل شيء...
في عراق اليوم ماثلة كل تلك التجارب، فالخارطة السياسية رخوة، والشارع السياسي ضعيف في الإتيان بطيف سياسي ديمقراطي ترفعه الناس ليعبر عن طموحاتها، هنا الديمقراطية تبدو قادمة من فوق، تُلَبس بالقوة، بعوامل خارجة عن إرادة السياسي العراقي الغير ديمقراطي أصلا، هي انحناءة أمام ريح الأقوى( العامل الدولي – الاحتلال )، وبهذا الذي يتعاطى معها لا يمارسها على جسده وفكره، أما هنا فقط ديمقراطية ( الكارت ) بدونها لا مكان لك.، فلا دستور حقيقي ينظم هذه العملية، ولا تمحيص بالقوى القادمة إلى صناديق الاقتراح على أنها قوى تنسجم دساتيرها ديمقراطيا مع دستور يحفظ تلك الثوابت التي ستسير عليها الأمّة، نحن أمام عملية فضفاضة يشوبها الكثير من الغموض والالتباس، البعض يقول أنها خطوة في الاتجاه الصحيح، وأنا مع ذلك، لكنها خطوة غير صلدة وتعديل مساراتها الناقصة سيتطلب جهدا وتضحيات على صعيد بناء العراق وترسيخ وحدته...أننا نحتاج إلى ديمقراطية تأتي من تلك التجاذبات الاجتماعية الضرورية لكي نحرز نسيج مادته وفكره يقوم على تلك المبادئ نفسها...
هناك ثلاث حالات ماثلات بقوة عشية الانتخابات:-
- أحزاب سياسية شائخة غير ديمقراطية أصلا، بقيادات ( تاريخية – عمادها القائد الضرورة)، أحزاب تماهت مع الدكتاتور الكبير فكرا وسلوكا يلتف حولها رهط من المثقفين والكتبة الحاضرين للمديح الرخيص مقابل فتات وعطايا ورشاوى و...
- أحزاب ضد الحداثة والتقدم وضد الديمقراطية وأنظمتها الداخلية وسائر برامجها السياسية تؤكد ذلك لكنها تدخل اللعبة ليس بالمؤمن بها ولكن لعبة فرضها العامل الدولي وترى في ذلك الطريق الوحيد للوصول إلى السلطة في الظرف الحالي وهي بشكل أساس القوى الدينية التي استغلت تعب الإنسان العراقي مما مهد لها الطريق في إشاعة تسييس الدين واستخدامه لأغراض سياسية وكذلك بعض من قوى اليسار التقليدي الراديكالي....
- - قوى عشائرية وأيدلوجية وطائفية وقومية، فقط وجودها بهذا الشكل يتعارض مع دستور أي أمّة ديمقراطية....

الجميع أعلاه له برامج محددة لا تناقش مستقبل الوطن بل تضع مصالح ضيقة جدا فوق أي قضية وطنية عليا – هناك غياب واضح في السعي لتكوين أمّة عراقية قوية – بل إن البعض يرى في عراق ضعيف فرصة لتحقيق أغراض قومية أو طائفية أو عشائرية أو دينية وحتى شخصية....! هناك اختلاف في الشكل وتطابق في المضمون، فالمنطلقات واحدة هي العبث بمصائر الناس والمجتمع، تلك هي عبثية التاريخ الذي دخل فيه العراق بغفلة من شعبة ومن إرثه الحضاري الطويل...!

هناك تكالب أعمى على نهش هذا الجسد المريض أصلا لجعله مستكينا لواقعه المر إلى ماشاء الله...!
سندخل الانتخابات بهذه الإشكاليات وسنخرج بإشكاليات أكبر..لكن قد تكون حسنات هذه الانتخابات تحريك الراكد، لتحريك الأغلبية الصامتة، لتحريك الروح الشابة..لتتدخل لإنقاذ الأمة، وذلك عبر برامج عمل عراقية ملموسة وفعالة وبدون وجود دماء جديدة وأفكار سياسية جديدة سيدخل العراق إلى نفق مظلم قد يطول كثيرا...!
هناك حقيقتان يحتاجاهما مستقبل العراق:-
- برنامج يستنهض الوطن – ينادي بأمة عراقية موحدة مبنية على قوة ذلك التنوع القائم....
- برنامج يحترم الإنسان كقيمة عليا وعلى مواطنة قائمة على المساواة والمنافسة في خدمة المجتمع بغض النظر عن القومية أو الدين أو الطائفة...، عندما يحترمنا هذا الوطن كبشر سنشعر بالاعتزاز بالانتماء إليه وسنسعى إلى رفعته دون النظر إلى تفاصيلنا الأخرى التي سنحافظ عليها لأنها ستشكل هوية قابلة للحياة والازدهار والتفاعل...تلك هي القواعد التي بُنيت عليها الأمم المزدهرة في عالم اليوم.
على القوى المؤمنة بذلك أن ترفع رأسها عاليا، أن تنظم نفسها وان تكون أكثر فعالية في فضح ذلك السائد من هذا الخراب السياسي المُقيت، والمعركة الكبرى التي يواجهها شعب العراق هي معركة أفكار وهوية، بين ذلك الذي ينتمي لعالم اليوم وبين ذلك المتخلف والظلامي...!

سنذهب للانتخابات على أنها تمرين أولي لفضح المزيف واستخلاص العبر نحو انتخابات حقيقة قادمة بلا ريب...!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حريق في صفد اندلع مجددا بعد إخماده أمس إثر قصف من جنوب لبنان


.. حجاج بيت الله الحرام يتوافدون إلى صعيد عرفات لأداء ركن الحج




.. حلف النيتو يعلن أنه سيتولى دورا أكبر في تنسيق إمدادات الأسلح


.. اعتصام أمام البرلمان السويدي للمطالبة بإيقاف تصدير السلاح لإ




.. أكثر من مليوني حاج يقفون على صعيد عرفات لأداء ركن الحج الأعظ