الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا لا تنفجر الشمس ولا تنهار؟

هشام غصيب

2011 / 12 / 17
الطب , والعلوم


لماذا لا تنفجر الشمس ولا تنهار؟ أي، لماذا تستقر الشمس من دون انهيار ولا انفجار لمليارات السنين، ذلك الاستقرار الذي لولاه لما كان الوقت كافيا لنشوء الحياة، والحياة العاقلة تحديداً، على سطح الأرض؟ ويقودنا هذا السؤال إلى السؤال الإجرائي الآتي: كيف نتعامل مع كتلة غازية ضخمة من الهيدروجين والهيليوم تتكثف ثم تنهار ثم تستقر لفترة طويلة لكي تعود إلى الانهيار بعد ذلك، تحت تأثير جاذبيتها الذاتية؟



لقد نجحت فيزياء القرن العشرين أيما نجاح في معالجة ظاهرة الشمس وغيرها من النظم النجمية، تلك الظاهرة الكونية التي طالما أرقت العقول وسحرت القلوب. إذ توصل العلم الحديث إلى تحديد مصادر النجوم (مادتها الخام)، ومصادر طاقتها الهائلة، وآليات تكونها واستقرارها وديمومتها وانهيارها ومواتها، ومآلها، وآليات انتقال الطاقة فيها، وأطياف كتلها الممكنة. بذلك أوصلنا العلم الحديث إلى فهم دقيق وعميق وكامل تقريبا لظاهرة النجوم، باستثناء بعض التفصيلات، محققا انتصاراً للعقل البشري قلّ نظيره في التاريخ. فهذه الظاهرة التي حيرت أعتى العقول على مدار التاريخ ومنذ نشوء الإنسان على الأرض، وجدت أخيراً حلها المقنع في فيزياء القرن العشرين. إنه لانتصار عظيم للعقل البشري يؤكد قيمة العلم وقيمة الإنسان وقدراته الخلاقة العاتية.



هناك العديد من الدلائل الجيولوجية والفلكية التي تدل على أن الشمس لم تتغير بصورة بنيوية ملموسة لمليارات السنين وأنها سوف تظل كذلك لمليارات السنين القادمة. وأساس هذا الاستقرار المكين، وفق فيزياء القرن العشرين، هو التوازن بين قوتين: قوة الانهيار الجاذبي التي تدفع مادة الشمس صوب مركزها، وقوة ضغط الغاز التي تدفعها بعيداً عن المركز. فإذا تدبرنا وحدة كتلة من مادة الشمس على بعد معين من مركزها، وجدنا أن قوة الجاذبية المؤثرة عليها صوب المركز تتناسب طرديا مع الكتلة المحتواة ضمن الغشاء الكروي عند هذا البعد، وعكسيا مع مربع هذا البعد. إذ سبق وبين نيوتن أن جسيماً مزروعاً داخل كرة من المادة لا يتأثر بالحلقات الكروية للمادة الواقعة فوقه، وإنما فقط بتلك الواقعة تحته، والتي تؤثر عليه وكأنها جميعاً مركزة في المركز.



أما قوة ضغط الغاز، فهي في المحصلة تؤثر على الكتل المكونة للشمس صوب الخارج وتعتمد على انحدار الضغط، أي معدلّ تغيره مع البعد عن المركز. وهناك ثلاثة مصادر لهذه القوة. هناك أولاً الحرارة التي تزيد سرع الجزيئات المكونة لمادة الشمس، ومن ثم ضغط الغاز المكون منها. وتنتج هذه الحرارة بصورة أساسية من التفاعلات النووية في قلب الشمس، كما أسلفنا في مقالات سابقة. وتنبع نسبة صغيرة منها من تحول طاقة الوضع الجاذبي لمادة الشمس إلى طاقة حرارية بفعل انهيارها الجاذبي.

أما المصدر الثاني لقوة ضغط الغاز فهو الإلكترونات، أو الغاز الإلكتروني. فالإلكترونات لها خاصية موجية بالإضافة إلى خاصيتها الجسيمية. فإذا وصل متوسط المسافة بين إلكترون وآخر، بفعل ارتفاع كثافة المادة، حداً قريبا من طول الموجة الإلكترونية، أخذ الغاز الإلكتروني يؤثر بضغط كبير يقاوم الانهيار الجاذبي للمادة، وازداد هذا الضغط بازدياد كثافة المادة من دون ارتفاع في درجة الحرارة. وهذا الضغط الإلكتروني هو المسؤول عن استقرار نمط من النجوم العالية الكثافة المسماة الأقزام البيضاء، وهي الحالة التي سوف تؤول إليها شمسنا بعد ما ينوف على خمسة مليارات عام. وهو مسؤول أيضا عن استقرار ما يسمى الأقزام البنية التي تقل كتلها عن ثمانية بالمائة من كتلة الشمس، والتي عجزت عن التحول إلى نجوم ساطعة بفعل الاحتراق النووي.



أما المصدر الثالث لقوة الضغط، فهو النيوترونات أو الغاز النيوتروني. فهذا الغاز أيضا يبدأ يؤثر بضغط هائل معاكس للانهيار الجاذبي إذا وصل متوسط المسافة بين النيوترونات حداً قريبا من طول موجة النيوترون. وهو يزداد بازدياد كثافة المادة. وهو الضغط المسؤول عما يسمى النجوم النيوترونية الهائلة الكثافة والتي تتبدى أحيانا على صورة نوابض Pulsars تبث أمواجاً راديوية بانتظام مذهل.



وإذا تساوت قوة الانهيار الجاذبي لكل حلقة من حلقات النجم مع قوة ضغط الغاز، استقر النجم وظل مستقراً ما ظلت القوتان متساويتين، أي ما ظل مصدر قوة ضغط الغاز فاعلاً. فالنجم يظل مستقراً وساطعاً ما ظل التفاعل النووي في قلبه قائماً يزود جزيئات الغاز بالطاقة الحرارية. كذلك، فإن القزم الأبيض يظل مستقراً لمليارات مليارات السنين بفعل التوازن المستديم بين القوتين، ولأن قوة الانهيار الجاذبي لا تكون قادرة على التغلب على ضغط الإلكترونات. وكذلك الحال مع النجم الإلكتروني الذي تعجز قوة الانهيار فيه عن التغلب على ضغط النيوترونات.



لكن العالم الهندي تشاندراسيكار بين عام 1930 أنه إذا زادت كتلة قلب النجم عن حد معين، يعجز ضغط الإلكترونات والنيوترونات عن التغلب على قوة الانهيار الجاذبي، ومن ثم يستمر هذا القلب بالانهيار الجاذبي، فلا يستقر أبداً، وإنما تستمر المادة بالانهيار حتى تتحول إلى نقطة منفردة Singularity، مخلفة وراءها كرة من المجال الجاذبي الهائل،، وهي الحالة التي أخذت تعرف بالثقب الأسود منذ عام 1968.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الخوف
Almousawi A. S ( 2011 / 12 / 17 - 20:01 )
شكرا على الأطمئنان على بقاء الشمس
غير ان هناك من يخاف على الارض بما يسمى الاعاصير الشمسية
لك اياما سعيدة


2 - دكتور هشام من البسيط إلى المعقد
باسل ( 2011 / 12 / 19 - 02:27 )
كما عودنا دكتور هشام يطرح الاسئلة البسيطة ليصل بنا للمعقد ، من روعة العلم أنه يستنقط ما تعودنا عليه وما اصبح بديهيأ،
إن العلم هو ازالة البداهة من العالم ، انه خصم الحس العام ، لعل روعة هذه المقال تأتي أيضا من موضوع سابق طرحه الدكتور هشام هو السؤال -البديهي-
لماذا الليل مظلم
أو ما يسمى بمفارقة اولبرز

تحية لك دكتور على الطرح العلمي المبسط ، الحقيقة أن الطرح المبسط يأتي من عمق الاطلاع حيث يخرج المخزون منضبطا ومحكما.

تبدو الشمس و كأنها موضوع لا يحتاج نقاش ولكن العلم لا يهدأ ويطرح كل شيء موضوع تساؤل واستقصاء ليتقدم للأمام


3 - عندما تموت شمسنا
ربيع مارديني ( 2011 / 12 / 21 - 10:04 )
عندما تنهار شمسنا فان كواكب مجموعتنا الشمسية بما فيهم ارضنا ، سوف تقترب من الشمس لتدمج بعدها في كيانه!! --وتموت الحياة العاقلة وغير العاقلة وتموت الثقافة والعلم مع الانسان ولتبدأ الحياة من جديد في مكان اّخر من هذا الكون وعلى كوكب قريب من نجم ما ليبدأ الكائن الحي بالتطور والتعلم من جديد ولربما يصل الى فهم سبب الوجود على هذه الحياة و تفسير ماهيتها أو لا يصل الى ذلك ! -- الظاهر ان عمر الانسان الحالي ليس كافيا ليبني افكاره وعلمه لأنه يموت قبل تحقيق هذا الهدف ! ولا بد من ايجاد السبل البديلة لثقافة الانسان تكون اسرع وأشمل.
ولكن اذا استطاع الانسان نقل حمولة عقول عدة علماء من ارضنا قبل اندثارها الى كوكب اّخر فان الامور يمكن ان تتغير الى الاحسن!!!.؟

اخر الافلام

.. طلاب معهد العلوم السياسية بباريس ينددون بالحرب الإسرائيلية ع


.. بعد تشخيص إصابته بالسرطان.. قصر باكنغهام: الملك تشارلز يعود




.. ازدحام شديد للحصول على مياه الشرب في مخيم للنازحين غرب دير ا


.. مش مصدقين التكنولوجيا هتودينا فين..خالد أبو بكر عن مشروعات ش




.. في تشيلي.. صحراء أتاكاما مكب نفايات للملابس العالمية!! • فرا