الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول المصالحة بين اليسار و الاسلام السياسي في المغرب

يوسف نكادي

2011 / 12 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


يعرف المهتمون بالتاريخ أن المغرب الأقصى كان آخر مجال جغرافي في اليابس الممتد من مكة و المدينة حتى سواحل المحيط الأطلسي اعتنق أهله الإسلام. و انتقلوا بعد بضع سنين من مرحلة متلقين للدين الجديد إلى مرحلة فاعلين في نشره، و ذلك حين ركبوا البحر تحت إمرة قائد من بني جلدتهم لنشر الإسلام في شبه جزيرة ايبيريا.
و ها هم اليوم مغاربة المغرب الأقصى، حفدة أبطال ذلك الفعل الخالد، يخرجون إلى العالم بعد مضي قرون على معانقتهم للإسلام بمشروع جديد يتمثل في ممارسة السلطة التنفيذية على أساس تحالف بين قوى اليسار و الإسلام السياسي.
بدأت ملامح هذا المشروع ترتسم في الأفق حين أعلن الأمين العام لحزب العدالة و التنمية، الذي تبوأ حزبه الطليعة في انتخابات 25 نونبر التشريعية، عن نيته في التحالف مع أحزاب الكتلة الوطنية لتشكيل الحكومة المرتقبة. و كان من الممكن أن يتحالف حزبه مع أحزاب أخرى للحصول على أغلبية مريحة في مجلس النواب. و لكن رئيس الحكومة المكلف ارتأى أن يتحالف مع أحزاب تتوفر على تجربة في التدبير. و ربما ارتأى أن تكون أحزابا من طينة هذا الوطن، لها توجه واضح و تاريخ حافل. و كأنه أراد أن تكون حكومته "عدالية – تعادلية – اشتراكية " دون أن يفصح عن ذلك.
و بمجرد أن تناقلت و سائل الإعلام هذا النبأ حضرني ذلك البيت من قصيدة شهيرة لأحمد شوقي أبدعت سيدة الطرب العربي أم كلثوم في ترديده :
الاشتراكيون أنت إمامهم لولا دعاوي القوم و الغلواء
كانت التجربة ستكون فريدة من نوعها و غير مسبوقة في العالم العربي لو اكتملت بانخراط جميع قوى اليسار في هذا المشروع. و أعني هنا بالذات حزب الاتحاد الاشتراكي، باعتباره أقوى و أكبر أحزاب اليسار. و لكن لجنته المركزية فوتت هذه الفرصة التاريخية وارتأت تطليق السلطة التنفيذية و التخندق في موقع المعارضة بدعوى القيام بنوع من المكاشفة و مراجعة الذات. و كان حريا بأعضائها أن يتساءلوا عما إذا كان التموقع في المعارضة سيتيح لهم بالفعل إمكانية استعادة مساحات ضاعت من حزبهم؟ و نسائلهم، من نفس المنطلق، لماذا لم يخسر حزب الاستقلال الكثير رغم أنه يمارس السلطتين التنفيذية و التشريعية من موقع الأغلبية منذ سنوات طويلة. ألم يكن من الممكن تلبية النداء و الاستجابة لتحديات اللحظة و البحث في نفس الآن عن أسباب التراجع؟
و على كل، فقد ارتأى مكون آخر من مكونات اليسار الانخراط في التجربة، رغم أن هذا الانخراط جاء اثر عملية ولادة عسيرة تميزت اللحظة التي استغرقتها باختلاط التكبير و التهليل بالسب و الشتم و التراشق بالكراسي. و هذا أمر طبيعي لأن الولادة لا تتم أبدا بدون مخاض و آلام حتى و إن كان البدن سليما.
و أعتقد أن الأعضاء ، من حزب التقدم و الاشتراكية، الذين اختاروا الانضمام إلى التحالف كانوا محقين فيما ذهبوا إليه لأنهم ارتقوا إلى مستوى اللحظة التاريخية التي يمر بها المغرب و محيطه العربي و الدولي . فعلى المستوى الداخلي يبدو أن أسباب الحراك الداخلي لا زالت قائمة تقتضي المعالجة، و المشاريع الكبرى تتطلب المتابعة، و الدستور المصادق عليه مؤخرا ينتظر من يسهر على أجرأة سليمة لمقتضياته الجديدة. و على المستوى الخارجي، لا زالت رياح التغيير تهب في بعض أقطار الوطن العربي دون اتجاه محدد. و قد تزيد من حدتها المؤشرات الدالة على أن الظرفية الاقتصادية و العلاقات الدولية لن تكون على أحسن ما يرام خلال السنوات القليلة المقبلة.
كما أعتقد أيضا أن الأعضاء الذين حبذوا هذا الاختيار كانوا منسجمين مع المتغيرات الراهنة التي تقتضي من اليسار مراجعة مواقفه، و ذلك بتبني البراغماتية و التخلي عن الايديولوجيا التي لم يعد لها موقع في زمن يقوم على الفعل و الانخراط و المبادرة.
و فضلا عما استعرضناه من معطيات، فلا شك أن في هذا التحالف منفعة للجميع.
فحزب العدالة و التنمية سيكسب حليفا يشهد الجميع بعمق جذوره الضاربة في تاريخ المغرب، و يشهد الجميع بدوام ارتباطه بهموم أهل هذا البلد، و بنزاهة و تجرد أعضائه، الذين أسهموا في خدمة المغرب من موقعهم في مؤسسات تنفيذية أو تشريعية وراكموا بذلك تجربة لأنفسهم و للحزب الذي سيضعها رهن إشارة الأغلبية الحكومية التي ستحكم خلال السنوات المقبلة.
و سيحقق حزب التقدم و الاشتراكية بدوره مكسبا آنيا يتمثل في الاستمرارية في حكم البلاد منذ سنوات دون قطيعة كانت من الممكن أن تحدث لو مالت كفة المعارضين للتجربة. و سيكسب، من دون شك على المدى القريب متعاطفين سينخرطون في صفوفه، أو على الأقل سيصوتون لصالح مرشحيه في الانتخابات التي ستجرى قريبا. و من المحتمل أن يصوت لصالح هؤلاء المرشحين بعض من الناخبين الذين صوتوا لصالح حزب العدالة و التنمية في الانتخابات التشريعية من باب الاعتراف بالجميل. و لعل أهم مكسب سيجنيه حزب التقدم و الاشتراكية على المدى البعيد، من وراء تحالفه مع حزب العدالة و التنمية، هو انتفاء الفكرة التي يحملها عدد من المغاربة عن هذا الحزب و مفادها أنه حزب ملحد، أو أنه حزب يتبنى إيديولوجية تتعارض مع الدين. و إن كانت هذه الفكرة تنطوي على كثير من المغالاة و اﻹفتراء، لأن أعضاء هذا الحزب مغاربة يتعاملون مع مغاربة مسلمين. و يزاولون نشاطهم السياسي في بلد يتبنى دستورا يقر في الجملة الأولى من نصه بأن" المملكة المغربية دولة إسلامية..." بل لا بأس من التذكير في هذا المقام بأن أحد الكتابين العامين لفرع من فروع الحزب في مدينة مغربية كان في نهاية الثمانينات و مطلع التسعينيات رجلا يشغل وظيفة عدل قضائي.
نأمل أن ينتهي المشروع بأن يصبح في يوم ما تجربة ناجحة تلهم شعوب العالم في بقاع أخرى من الدنيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بات اجتياح رفح وشيكا؟ | الأخبار


.. عائلات غزية تغادر شرق رفح بعد تلقي أوامر إسرائيلية بالإخلاء




.. إخلاء رفح بدأ.. كيف ستكون نتيجة هذا القرار على المدنيين الفل


.. عودة التصعيد.. غارات جوية وقصف مدفعي إسرائيلي على مناطق في ج




.. القوات الإسرائيلية تقتحم عددا من المناطق في الخليل وطولكرم|