الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراع حول تدخل الدولة (الدولة الشمولية)

محمود الفرعوني

2011 / 12 / 17
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


الكاتب/ محمود الفرعوني وكيل مؤسسي الحزب المصري الليبرالي
الصراع حول تدخل الدولة
مصر كانت دائما دولة النظام أكثر منها دولة المجتمع.يلعب فيها الحاكم دوراً أكبر مما ينبغي ويلعب الشعب دوراً أقل مما يجب .لذلك درب المصري نفسه على المساهمة من خلف ستار في كل الأمور العامة. من خلال صيغة المساهمة هزة اتفق الجميع أن يقف خلف الحاكم والكاهن والكاتب,
الكاهن يضع على لسان الحاكم فقه العدل والمساواة والكاتب يستلهم أفكار الناس الذين نشأ بينهم حتى وإن فارقهم وانفصل عنهم. بيروقراطية الكاتب وفقه العدل والمساواة في كل مرحلة هي دائماً منجزات المطبخ الشعبي وهو ما عبر عنه الميثاق بقوله "إن الشعب المعلم صانع الحضارة راح يلقن طلائعه أسرار أماله الكبرى".
هذا الثالوث المقدس,الحاكم والكاهن والكاتب,هو الأهم في تاريخنا القديم والحديث معاً,وهو في ظني أكثر خطورة من الثالوث الذي وضعه جمال حمدان في كتابه الشهير"شخصية مصر" النيل والشمس والفرعون.الثالوث الأول يحتاج إلى الدولة شأنه شأن ثالوث حمدان لكنه يمتاز عنه بخلق عناصر تساعد على بقائها وتقاوم انهيارها هو الكاتب ويكون النيل أهم اهتماماته وليست كلها,الدولة والفرعون وجهان لعملة واحدة فلا فرعون بدون دولة,ولا دولة في خيال المصريين بدون فرعون.
الثالوث الحاكم للحياة في دولة مركزية تقوم على العدل والمساواة في غياب شبه كامل للحريات الفردية أو حتى للفرد هي الصيغة الحضارية التي أبتدعها المصريون وسعوا دائماً لتسويقها كنموذج مختلف عن كافة الحضارات.
المصريون حتى اليوم لا يرغبون سوى في هذا النمط من الحياة ويحنون دوماً إليه والمعركة الدائرة اليوم حول دور الدولة وحدود تدخلها في حياة الناس واحدة من تجليات هزة الحالة المزمنة والفاسدة.
ثورة 19 كانت الخروج الواضح على هزة الصيغة وربما الوحيد وبسببها تم تقليص سيطرة الثالوث الحاكم بعد أن صار الملك نظرياً يملك ولا يحكم وتخلى الكاهن والكاتب عن دوريهما قسراً لصالح كبار ملاك الأرض والرأسمالية المصرية الوليدة. للآسف لم تدرك هزة النخبة أبداً طبيعة المرحلة وأنها مطالبة بإحداث تغيير نوعي في تراث ومزاج المصريين رغم أنها, أي النخبة, كانت الأفضل في تاريخ مصر المعاصر. صحيح أن المهمة كانت صعبة وهي السباحة ضد التاريخ الممتد طولاً وعرضاً وعمقا لكن الإشارات والاستجابات كانت مشجعة وواعدة ,فقط لم توجد القيادات القادرة على استشراف المستقبل وعرقل نموها ارتباطات عاطفية دينية رجعية ذات أصول ريفية.
ظلت الأصوات القليلة التي تقف مع المستقبل تغرد خارج السرب حتى تقطعت أنفاسها وصممت لصالح أصوات كثيرة تلح على العودة إلى الماضي والجذور وكل هزة المعاني الضارة,لعب الوفد حزب الأغلبية دوراً سلبياً فهو لا يرى من الأعداء سوى الاحتلال فقط رغم أن تجاوز هذا الاحتلال كان ممكناً بالتحديث والتنوير وإنجاز دستور23 الليبرالي إلى حد كبير خير دليل على ذلك,ونذكر هنا إن غاندي أدرك ما لم يدركه سعد ففاز أبناء غاندي وخسر أبناء سعد. كان فشل الوفد في قيادة المرحلة نحو تجزر الليبرالية والتنوير والدولة المدنية يضخ دماء جديدة في عروق الثالوث المقدس ويعطيه الحياة,وعادت الرغبة تشتعل مرة أخرى من اجل عودة الحاكم والكاتب والكاهن والدولة المركزية القابضة على كل شيء.كانت هناك نخبة جديدة تتخلق معظمها من مثقفي الريف المعادين للحريات الفردية والمرتبطين بالفكر السلفي للإخوان المسلمين ودليلنا ارتباط عدد كبير من ضباط يوليو بالشيخ حسن البنا.
كان فكر النخبة الجديدة التي تتخلق رافضاً للدولة التعددية ومبشراً بالدولة المندمجة في النظام وعلى رأسها المستبد العادل,هذا الرجل الذي راح الجميع ينادي عليه ويكرز باسمه وهو ما كان ذات صباح وعندها صاح فينا من يقول"مبارك الأتي باسم العسكر" كان هناك 35 ألفا من الموظفين البيروقراطيين يقفون خلف عبد الناصر الفرعون الأخير ويومها تبخر حزب الوفد ولم نجد له أثراً شأنه في ذلك شأن حزب مصر العربي الاشتراكي عندما هجرة السادات عام 79. كانت البيروقراطية المصرية التي قادت عملية الرجوع للوراء عن طريق زراعها العسكري تؤكد على أمر واحد هو حتمية الحل القديم والعودة إلى الثالوث المقدس والى الدولة الأم دولة الحاكم والكاتب والكاهن.
وقبل أن نغادر هذه النقطة لنا ملاحظتان:الأولى تتعلق بالغياب النسبي لدور الكاهن لحساب الدور المتعاظم لدور الكاتب البيروقراطي في دولة عبد الناصر وجوابنا أن الشعب المصري سرعان ما عوض هذا الغياب بصعود الحركات الاحتجاجية الإسلامية وفي القلب منها صعود سيد قطب وخطابه المتشدد وربما كان هذا التشدد هو الرد على هذا الغياب الأمر الذي يؤكد رغبة المصريين الدائمة في وجود هذا الثالوث المقدس.
الملاحظة الثانية أن خروج المصريين خلف نعش عبد الناصر معبرين عن لوعة الفراق كانت في حقيقة الأمر تعبيراً عن لوعة اليقين بأن الدولة الأم قد ذهبت إلى غير عودة وأنه لا يوجد في الأفق الفرعون الذي يمكنه اعتلاء الكرسي الذي بات شاغراً.
وفي ظني أن السادات دفع حياته ثمناً لمحاولة كانت في بدايتها لتقليص دور الدولة لصالح اقتصاد السوق وهناك ما يؤكد هذا الظن فثمة أطراف في قلب النظام كانت على علم أو بعض العلم بمؤامرة الاغتيال ولم تتحرك لإفسادها.
بصعود مبارك للسلطة عاد الأمل قوياً لصالح الدولة الأم المسئولة عن كافة كل شيء في حياة المواطنين.وحدث الاستقطاب بين متمسك بهذه الدولة ومن يرغب في تقليصها من خلال الخلاص من القطاع العام أولاً ثم تقليل ملايين الموظفين ثانياُ وأخيراً خصخصة الخدمات..لكن القوى السياسية المصرية من يسار وأخوان وقوميين ومعهم أكثر أبناء الشعب المصري يرتجفون خوفاً من اليوم الذي تصبح فيه الدولة شيئاً أخر غير بابا أو ماما.
الخلاص من دولة بابا وماما,دولة الثالوث المقدس والبيروقراطية هو الطريق الوحيد لخروج مصر إلى النهار لكن النخبة المصرية التي لا تدرك هذه الحقيقة مستمرة في إعادة إنتاج حلقات من التاريخ صارت عائقاً أمامنا للحاق بالمستقبل بعيداً عن الخصوصية وهذا الكلام الفضفاض الذي لا يعني شيئا ذا بال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا لتفريق المحتجين| الأخبار


.. مؤشرات على اقتراب قيام الجيش الإسرائيلي بعملية برية في رفح




.. واشنطن تتهم الجيش الروسي باستخدام -سلاح كيميائي- ضد القوات ا


.. واشنطن.. روسيا استخدمت -سلاحا كيميائيا- ضد القوات الأوكرانية




.. بعد نحو 7 أشهر من الحرب.. ماذا يحدث في غزة؟| #الظهيرة