الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شتاء عراقي قاس ومضطرب

محمد محبوب

2011 / 12 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


وأخيرا وبعد تسعة أعوام رحل اليانكي من العراق، رحل حتى دون وداع ، لا أحتفالات رسمية ولا شعبية ، كان يأمل الأميركيون بسماع كلمة شكر، المدينة العراقية الوحيدة التي ودعتهم على طريقتها الخاصة هي الفلوجة حيث أحرقت الأعلام الأميركية في مظاهرة أحتفالية شارك بها بضعة آلاف، رحل الغرباء وبقي أهل البلاد ليستقبلوا شتاءا قاسيا تلوح في أفقه الكثير من الغيوم السوداء الداكنة ، ولكن هذه المرة حاسري الرؤوس دون مظلة أمريكية ، ليستقبلوا شتاءا صاخبا بدأ بأعصار الأقاليم وهناك تكهنات عن هبوب رياح التقسيم


المالكي في زيارته لواشنطن وضع باقة ورد عند نصب لقتلى الجيش الأميركي في حرب العراق ، وربما قال شكرا  لأوباما ولكن بعيدا عن كاميرات التلفزيون ، لعله كان التعبير الرسمي العراقي الوحيد والخجول في وداع مرحلة أشكالية من تاريخ العراق ، حرب لم يكن للحزب الديمقراطي ولا لحزب الدعوة الأسلامي قرار فيها ، كلا الحزبين ورثا متابعة هذه الحرب وجني حصادها المر

الحزب الديمقراطي والرئيس أوباما كانوا حريصين على وضع اللمسات الأخيرة على سيناريو الأنسحاب الذي ولدواع وطنية ينبغي أن يبدو مشرفا ، لكنهم في الواقع محاصرون بذل الهزيمة ، اليوم يحاول الديمقراطيون في أميركا الحفاظ على صورة الشرف الأميركي الذي لطخه الجمهوريون في مغامرة عسكرية غير محسوبة بصورة كافية ، ولكن سرعان ما تبدأ الأرقام تداولاتها وتنط الحقائق ، ويتسائل الأميركي هل كان ماكان ، يستحق الذي كان


حزب الدعوة الذي كان سادس ستة فصائل بارزة في المعارضة حينذاك أظهر تململا في قبول قرار الحرب على العراق وأخرج أعضاءه وأنصاره في المنافي الكثير من المظاهرات الأحتجاجية ضد الحرب ، لكنه صار الحاصد الأكبر في جني ثمار التغيير الذي أحدثته الحرب في العراق ، بأستثناء أشهر يتيمات تولى فيها أياد علاوي رئاسة الحكومة ، ظل حزب الدعوة المتربع الوحيد على عرش الرئاسة طيلة السنوات الماضية ، الأمر الذي مكنه من بناء قاعدة متينة له في الدولة وشعبية هي الأوفر حظا في الشارع


الأميريكيون ديمقراطيون وجمهوريون يعيشون اليوم تحت هاجس ثقيل من الشعور ليس بالخطأ ، انما بالخطيئة لأتخاذهم قرار حرب كلفتهم غاليا أكثر 4500 قتيل و 60 ألف معاق و 800 مليار دولار دون أن يستقبلهم أو يودعهم بالورود عراقي واحد من عرب العراق  بما في ذلك المستفيدين من الواقع الجديد الذي صنعته حرب الأميركان ضد صدام ، أولئك الذين تحولوا من شحاذين في مدن الغرب الباردة الى زعماء بارزين وحائزي أموال كبار


لعل أهم الدروس التي تعلمها الأميركيون في العراق ، أن لايتحالفوا بحرب ثانية مع الشيعة ، لا في البحرين ولا في أي مكان أخر ، والعلاقة مع حزب الدعوة والمالكي وأن بدت تحالفا مقبولا سعى الطرف الأميركي مكرها الى التظاهر بالرضا عنها ، لكنها في الحقيقة أشبه بشعرة معاوية وليس تحالفا حقيقيا ، الأمريكيون ظلوا لتسعة سنوات يغوصون في أوحال أرض ترفض أن تكون موطأ قدم لهم ، في وقت يسحبون قواتهم الى دول الجوار مثل الكويت والأردن حيث يشعرون هناك أنهم في أرض صديقة ومتينة

خلال التسع سنوات الماضية طالما واجه الاميركيون اتهامات باثارة الفتنة الطائفية في العراق وهو امر لم يثبت بالدليل القاطع ، تماما مثلما يُتهمون اليوم بالتحريض على تشكيل أقليم سني ، والواقع أن الأميركيون لايفرضون حلولا على الأخرين ، أنهم يقدمون تصوراتهم لسيناريوهات محتملة ويدفعون من خلف الكواليس بالأتجاه الذي يريدون ، بايدن وهو اليوم يحكم الولايات المتحدة من خلف دمية تدعى أوباما وهو صاحب مشروع تقسيم العراق الى ثلاث دويلات ، أعطى ضوءا أخضرا لزعماء سنة العراق في مقدمتهم النجيفي للمضي قدما بأتجاه تشكيل أقليم سني ، وهو ما يعني من الناحية الواقعية تحقيق رؤيته لخارطة العراق المستقبلية ، الأقليم الكردي واقع موجود ، فأذا ما تحقق الأقليم السني فأن الأقليم الشيعي نتيجة حتمية لهذه اللعبة


نوري المالكي يواجه اليوم شتاءا قاسيا ومضطربا ، العواصف والخطوب تحدق به من كل صوب ، صحيح أنه نجح أو ساعدته معطيات كثيرة في الصمود والأستمرار ، دعمته حتى الآن مراكز نفوذ متصارعة فيما بينها ، دعمته أميركا وأيران ومرجعية النجف والتيار الصدري رغم أن كل هذه الأطراف تعلن تحفظها أحيانا على بعض سياسات حكومته ، التحدي الأكبر اليوم أمام المالكي هو التمرد السني السياسي الذي بدأت بوادره من خلال أعلان تشكيل الأقاليم


الولايات المتحدة وتركيا والسعودية وقطر ورجال أعمال ومال عرب وعراقيون ، هي أطراف تقف اليوم معا أو فرادى خارج أطار الصورة من أجل تشكيل أقليم سني في العراق ، وهو مشروع لازال المالكي يواجهه بصلابة مستخدما كل الأوراق المتاحة لديه ، المشكلة أن مطلب دعاة الأقليم دستوري وأعتراض المالكي سيتسي وهو ما يجعل الموقف معقدا 

ومع أنطلاق أصوات الداعين الى الأقلمة ، فُتحت أبواب جهنم على ملفات الحدود والثروات والمناطق المتنازع عليها ، ولعل التوتر الحاصل اليوم بين الأنبار وكربلاء يقدم مثالا مما سوف يحصل وآخر تطوراته قيام حكومة الأنبار المحلية بأيقاف تجهيز معمل سمنت كريلاء بالمواد الأولية التي تقع مقالعها في أراضي أنبارية ! ورد حكومة كربلاء بأيقاف تزويد معامل الأنبار بالحصى والحجر والجلمود من مقالع كربلائية 


أذا ما أخذنا بأكثر التحليلات تفاؤلا من تلك التي تقدمها مراكز أبحاث عالمية حكومية وغير حكومية فأن العراق يستقبل شتاءا سياسيا قاسيا ومضطربا وسوف تواجه حكومة المالكي عواصف شديدة ، ربما لا تستطيع الصمود أمامها ، و بأنتظار الربيع القادم كان الله في عون العراقيين
.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يهدد.. سنجتاح رفح بغض النظر عن اتفاق التهدئة | #رادا


.. دلالات استهداف القسام لجرافة عسكرية إسرائيلية في بيت حانون ف




.. من هو -ساكلانان- الذي نفذ عملية طعن بالقدس؟


.. أخبار الساعة | غياب الضمانات يعرقل -هدنة غزة-.. والجوع يخيم




.. مستوطنون إسرائيليون يعترضون شاحنات المساعدات القادمة من الأر