الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في مواجهة إقتصاد السوق

سلامة كيلة

2004 / 12 / 27
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لاشك في أن الدور الإقتصادي للدولة، المتمثّل في الإستثمار المباشر عبر شركات " القطاع العام "، و كذلك عبر التخطيط و ضبط حركة التجارة، قد تعرّض للتشكيك بعد الأزمات العميقة التي بات يعيشها الإقتصاد السوري، و بعد النهب الذي تعرّضت له مؤسسات " القطاع العام "، و الفساد الذي كان يربك وضع الشركات الحكومية و يحمّلها أعباء كبيرة.
و لاشك في أن " القطاع العام " كان بمثابة القاعدة الإقتصادية للإستبداد السياسي، و حيث أن هدف الإستبداد هو تسهيل و تغطية النهب الذي كان يعانيه هذا القطاع. و لقد أدى نهب الدولة إلى تحقيق التمايز الطبقي الواسع خلال العقود الأربعة المنصرمة، حيث أفضى إلى تحقُّق تراكم رأسمالي هائل لدى فئة قليلة هي التي تمسك بزمام السلطة. و بالتالي أفضى إلى إفقار كل الطبقات الشعبية، و وضع جزء هام منها تحت خط الفقر، و ضخّم من الفئات التي باتت دون عمل. و من ثَمّ أوجد وضعاً إقتصادياً و مجتمعياً صعباً و يتّجه نحو الإنفجار. و بات في حاجة إلى حلول جدّية.
لكن نلحظ بأن سياسة النهب هذه باتت تتحوّل إلى سياسة لإلغاء " القطاع العام " و تدميره، و الإفادة من العثرات و المشكلات و أيضاً الأزمة التي يعانيها، و التي كان النهب و سوء التخطيط و عدم الكفاءة سبباً أساسياً في نشوئها، من أجل التخلّي عن هذا القطاع الذي يعيل مئات آلاف الأسر و يشكّل القاعدة المحرّكة لمجمل العملية الإقتصادية، لمصلحة مافيات تحتكر الإقتصاد من أجل أن تكون سيّدة إقتصاد السوق، بعد أن نهبت المليارات و أصبحت هي الأكثر ثراءً، تحت حماية السلطة و بدعمها، و أن تصبح هي المتحكّمة بالعملية الإقتصادية و بنمط من التكوين الإقتصادي يقوم على أساس المتاجرة، دون إعتبار للإستثمار الحقيقي في القطاعات المنتجة الذي ثبت أن الرأسمال الخاص يهرب من التوظيف فيه. و بالتالي دون إعتبار لأهمية و ضرورة الدور الإستثماري للدولة الذي أصبح حاسماً في كل طموح لبناء قوى منتجة و تطوير الإقتصاد الوطني، و أصبح خياراً حاكماً لتحقيق تطوّر المجتمع في كل المجالات.
و أيضاً دون إعتبار لمئات الآلاف من العمال و العاملين الذين سوف يُلقى بهم في البطالة، و دون إعتبار للتخلّي عن ضمان التعليم و الضمان الإجتماعي و الصحّي، و عن دعم الفئات الشعبية، و ضبط العلاقة بين الأجور و الأسعار، و حماية الإقتصاد من المنافسة الخطرة التي تفرضها الشركات الإحتكارية الإمبريالية. و عن التحكّم العام بعملية التطوّر الإقتصادي من أجل بناء إقتصاد حديث و منتج.
و بالتالي حلّ أزمة " القطاع العام " بطريقة تنهي كل إيجابياته، و تعيد المجتمع إلى وضع تابع في إطار العلاقات الإقتصادية العالمية، و تعرّضه للنهب الشامل ليس من قِبل المافيات المحلية فقط، بل و أيضاً من قِبل المافيات العالمية في إطار مشاركة بين المافيات تحقيقاً لمصالح كلّ منها. الأمر الذي يقود حتماً إلى تفاقم الإفقار الذي تعانيه الطبقات الشعبية، و تصاعد البطالة و التهميش، و حتى الجوع.
و إذا كان من الضروري كشف النهب الذي تعرّض و يتعرّض له " القطاع العام "، و كشف المشكلات التي يعانيها نتيجة النهب و سوء التخطيط و تحكّم الكادرات غير الكفوءة. و أيضاً كشف أساس الإستبداد الذي يستوطن في مصالح الفئات الحاكمة في تحقيق النهب. فإن الخيار لا يكون في تصفية هذا القطاع، و لا في إنهاء الدور الإقتصادي للدولة، خصوصاً و أن سياسات العولمة المتوحّشة و فرض الليبرالية الجديدة كخيار مطلق، في عالم أصبحت الشركات الإحتكارية أضخم من الدول، تجعل الإمكانات المحلية أصغر من أن تواجه منافسة شرسة، و إحتكار محقَّق، و مصالح إمبريالية لا تهدف سوى إلى النهب من أجل تحقيق الربح الأعلى. و هي في كل ذلك لا تلحظ مصالح الشعوب المخلّفة و لا مصالح الفقراء، كما لا تولي أية أهمية لتطوّر تلك الشعوب و لا إلى تحسين أوضاعها.
الحلّ ليس في الخصخصة، و لا في إقتصاد السوق، و لا أيضاً في سيطرة المافيات على الإقتصاد، و هو ليس في إعادة البرجوازية القديمة التي لم تفكّر منذ البدء بتطوّر المجتمع، لهذا حرصت على تحقيق الأرباح و ليس على تطوير الصناعة و الزراعة، و لعبت دور الوسيط ( الكومبرادور ) بين الشركات الإحتكارية و السوق المحلّي.
و أيضاً ليس الحلّ في " الدفاع المستميت " عن " القطاع العام " في وضعه الراهن، فقد بات يحتاج إلى مراجعة شاملة على ضوء مشكلاته التي منها سوء الإنتاج و المنتج، و منها الخسائر التي يواجهها، و أيضاً التقادم. و كذلك يجب مراجعة طبيعة الدور الإقتصادي للدولة من زاوية المهام التي حاولت القيام بها، و سيطرتها المطلقة تقريباً على مجمل العملية الإقتصادية، من أجل تحديد الدور الضروري لنشاطها الإقتصادي، و من ثَمّ فتح المجال للنشاط الخاص في إطار السياسة العامة الهادفة إلى تطوير القوى المنتجة و ضبط حركة التجارة و الإستثمار بما يحقِّق ذلك. و بالتالي إعادة بناء دور الدولة الإقتصادي على أسس صحيحة تأخذ بعين الإعتبار الربحية و الدور الإجتماعي و الضرورة، بما يسمح بتحقيق التطوّر و تطوير الوضع المعيشي و الصحي و التعليمي لكل الطبقات الشعبية. و في أطار رقابة ضرورية للمجتمع عبر بناء نظام ديمقراطي.
الخيار هنا إذن، بين تعميم النهب و الإنتكاس في مجال الدور التطويري للدولة، و بين تعميق الدور التطويري للدولة لكن بعد أن تصاغ في تكوين ديمقراطي يسمح بالرقابة على نشاطها الإستثماري كما على كل نشاطها. و بغضّ النظر عن كل ما تعممه الآلة الأيديولوجية حول حتمية إقتصاد السوق و أيضاً ضرورته، و كونه الحلّ الوحيد في ظلّ الوضع القائم في " القطاع العام " و في " عصر العولمة "، فإن الأساس هنا هو أن هذا الحلّ لا يخدم سوى أقلية هي ذاتها التي نهبت الإقتصاد و أوصلت هذا القطاع إلى الوضع المزري الذي يشهده. و التخلّص من بقايا خدماته لمجمل المجتمع، الأمر الذي يقود إلى تعميق الإنقسام الطبقي عبر إفقار كل الطبقات الأخرى.
لهذا فإن الميل الراهن نحو إقتصاد السوق، الذي بات يُعلن بوضوح من قِبل وزراء و مسئولين، يفرض ربط الديمقراطي بالإجتماعي و رؤية ما هو مجتمعي، و التأكيد بأن أساس الإستبداد هو المصلحة في تحقيق النهب، و أنهما معاً قادا إلى الوضع المزري الراهن، في وضع باتت فيه سوريا " الهدف التالي "، و إن بطرق تختلف عما حدث في العراق. و الإشكالية هنا تتمثّل في أن مأساة الوضع السياسي و الوضع الإقتصادي طالت إمكانات مواجهة الخطر الأميركي الراهن. الأمر الذي بات يفرض مواجهة مشكلات و أخطار متعدِّدة في الوقت ذاته.
لكن تسارع الميل نحو فرض إقتصاد السوق يفرض العمل لتشكيل حركة إحتجاج شعبية، من أجل وقف ذاك الميل، و في سياق جدّي يقود إلى تجاوز " القطاع العام " لمشكلاته، و أن لا يعود حِكراً لفئة في ظلّ سلطة مستبدّة، و أن يعود له دوره التنموي الإجتماعي في ظلّ دولة ديمقراطية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مبيعات سيارات تسلا الكهربائية في تراجع مستمر • فرانس 24


.. نتنياهو ينفي معلومات حول إنهاء الحرب قبل تحقيق أهدافها




.. رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: نتمسك بتدمير البنية التحتية لحم


.. شركة تبغ متهمة بـ-التلاعب بالعلم- لجذب غير المدخنين




.. أخبار الصباح | طلب عاجل من ماكرون لنتنياهو.. وبايدن يبرر سوء