الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مات المشروع قبل الميلاد.

محمود الرشيدي

2011 / 12 / 18
الادب والفن


قبل تسعة أشهر، وبفرحة لا مثيل لها ،كان قد استقبل بشارة الطبيب .بعد انتظار طويل تُوج باستسلامهما لليأس بسبب حظهما هو وزوجته من الإنجاب ،لسنين خلت،تناهز الأربعة عشرة .وكانت دهرا .
لكن الأطول منها ،هي تلك الساعات من الإنتظارذهابا وإيابا ،في ممر الجناح الخاص بالولادة .
الممرالذي تتقابل على جانبيه عدة أبواب، منها الواسع بدفتين ومنها الأقل إتساعا بدفة واحدة ، يبدو له طويلا كلما سمع أزيز باب قاعة التوليد يفتح ، وتخرج منه إحدى المسؤولات، ولا يتمكن من اللحاق بها ليسألها عن حالة زوجته ، والجديد عن وضعها . وقد ألزمه تحقيق هذا الهدف المثول ، والبقاء بجانب الباب مباشرة ، ليضمن تفقد زوجته ،ولومن بعيد .

أثناء هذه اللحظات بالذات ، أدرك أن لهفته عليها لاتقاوم ،وأن مكانتها الحقيقية ومقدار حبه لها يكاد يكون بوزن وصلابة وسمك هذه الأسوار، وكل الحواجزالتي تمنعه وتحجبها عنه .
في هذه اللحظات العصيبة فقط ، أدرك أن هناك من يوبخه ويؤنبه من داخله على بخل مشاعره وبرودتها طيلة حياتهما ، وعن عدم إظهار مودته وحبه لها... أحس بالفعل أن هذه الجدران ، التي تعزل عنه من يتلهف ويتوق لرؤيتها ؛ هي أو مثلها التي كانت تسيج أوتمنع فيما مضى ما كان يجب أن ينثره من عبق فياح برقيق الكلمات ، ونسيم المعاني التي تؤسس للمحبة والمودة .
فهو من كان دائما يحس بأنها تغديه الأمل في تحقيق الألفة والسعادة ، وتلوّح له في كل الأحوال بأنها جزء منه أو نصفه ، إن لم يكن هو:هي ، أوهي:هو .
لا يعرف لماذا كان يكبت مكنوناته لها ، وما الذي يحُول بينه وبين الإفصاح عن حبه لها ، ولا يريد أن يفكرأو يشغل باله بذلك ؛ ربما لأنه يخاف أن يجد بسهولة ، مبرراته في تراثه ، أوفي ذكوريته ، أو في ضعف الأنثى الذي يتغدى ويتقوى بعواطفها ، وربما في القوامة ، أو في العقل....
إنه متيقن تماما ، أنها كانت تُعزه طيلة حياتهما معا ، وكانت تنتظر منه بين الآونة والأخرى كلمات كعربون على حبه ، أوعشقه ،أو إعجابه بها ، خصوصا وأنها كانت تتفانى من جهتها في زيادة صبيب هيامها وتعلقها به بوحا ، وسلوكا ، لعلها تحرك تفاعله .
طال انتظارها ، رغم أنها كانت تستشعرأن في أعماقه طيبوبة متحجرة ، وأنها بدورها كانت تحس بدفء خاص يغمرها : هو مصدر إشعاعه .
اقتنع أخيرا أنه سيغير أسلوب معاملته ناحيتها ، وحسم نهائيا ،وأقسم على تعرية كل مدخراته وكنوزه من العواطف ، وإظهار شغفه بها ، عبر قنوات الكلمات ، وعبر أطيب العبارات ، وأن لا يبخل عليها أبدا في الإعتراف لها بما يجيش في قلبه ، ولأول مرة بدأ يخطط لمشوع يتحدي فيه نقصه ، ويفكك عقدته ، سوف يديب كل الحواجز والموانع سوف يضخ كل حميميته وحبه في عروقها بالكلمة والعبارة...
وما قطع التفكير في تخطيطه سوى أزيزالباب واندفاع الممرضة مهرولة ، ومُحاولةُ لحاقه بها بخطى سريعة ليسألها عن حبيبته/زوجته ، ودون أن تنظر إليه بشرته بمولود ذكر. قالت إنه جميل يشبه أمه .
توقف وهو رافع كفيه الى السماء ، يحمد الله ويثني عليه ، عندما تنبه أن جوابها ليس من طينة سؤاله ،فعاود بوتيرة أسرع اللحاق بها ، كما أعاد نفس السؤال عن حبيبته ، وسمع الجواب :"الله يعوض محبتها بالصبر"
تسمر في مكانه وتيبّس ...لقد مات المشروع قبل الميلاد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاكرين القصيدة دى من فيلم عسكر في المعسكر؟ سليمان عيد حكال


.. حديث السوشال | 1.6 مليون شخص.. مادونا تحيي أضخم حفل في مسيرت




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص


.. صباح العربية | في مصر: إيرادات خيالية في السينما خلال يوم..




.. لم أعتزل والفوازير حياتي.. -صباح العربية- يلتقي الفنانة المص