الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورات المنطقة بين التحرر وهواجس الشعوب من الانقضاض الامبريالي

محمد بودواهي

2011 / 12 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


إن التحديات التي تواجهها الثورات التي حصلت في مناطقنا كبيرة جدا والقوة التي تستهدفها هي القوة الامبريالية المهيمنة على العالم سياسيا واقتصاديا وعسكريا ، والأخطر من ذلك ان هذه القوى تعمل على النفاذ إلى عمق الشعوب من خلال الثقافة الليبرالية وقيمها الفردانية والاستهلاكية وسياساتها العدوانية المتوحشة ، وتجعل من ذلك أرضية لتنفيذ مشروعها السياسي - الاقتصادي والعسكري . هناك مخاوف جدية على مصير الثورات لأن هناك نقاط ضعف تعاني منها كل المكونات الشعبية في المنطقة وخاصة ما يتعلق منها بالمستوى التنظيمي والسياسي ، حيث انه هناك حاجة ماسة لخلق صيغ تنظيمية جديدة تضم كافة القوى الاجتماعية والسياسية التي تختلف جوهريا مع الأنظمة القائمة في المنطقة من جهة أولى ، ومع المشروع السياسي الاقتصادي الامبريالي من جهة أخرى ، اي تنظيم مجتمع ديمقراطي متحرر مستقل الإرادة وقادر على تمثيل تطلعات الشعوب في الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية . ان انعدام هكدا صيغة تنظيمية وهكدا توجه سياسي يجعل من بعض الصيغ السياسية والتنظيمية الأخرى والتي لم تكن لها فعالية تذكر في المشهد السياسي المجتمعي سابقا ، ان تقدم نفسها على أنها البديل ، الأمر الذي سيجعل الغرب يحقق السيطرة من خلالها على مسار الثورة واهدافها بسهولة .

ان شعوب منطقتنا قررت أ لا تعيش في الإطار الذي ترسمه مصالح الأنظمة العميلة التابعة وأسيادها الإمبرياليين ، وترسم بدلا عنها إطارات تحقق لها العيش بكرامة وحرية . وقد تم تحقيق الكثير من المكاسب والأهداف التي كانت تعد حتى الأمس القريب ضرب من الخيال . وإذا تتبعنا الجرائم والممارسات العدوانية واللاإنسانية لأجهزة البوليس والمخابرات للأنظمة الموجودة في المنطقة بعين الاعتبار، سنجد ان ما تقوم به جماهير الشعوب هي عبارة عن ملاحم بطولية من التضحيات والشجاعة ، لأن كل من ينزل إلى الساحات والميادين والشوارع للمطالبة بحقوقه المشروعة يدرك تماما بأنه ينزل إلى مواجهة عدو شرس لا يتردد لحظة في استخدام - وبإفراط شديد -جميع أنواع الأسلحة و الذخيرة الحية ، بجسده الخالي من كل مظاهر القوة التقنية والمادية وحتى الدفاعية منها ، رغم أنه يدرك تمام الإدراك بان الموت والاعتقال والتعذيب من اقرب الاحتمالات التي قد تحدث ومع ذلك لا يتردد في المساهمة في هذه الأحداث التاريخية الهامة التي غيرت وما تزال تغير المعايير والمقاييس التي كانت تتحكم في نظرتنا إلى القيم الإنسانية ، ورغم انه قد مضت على الأحداث عدة شهور وأعداد الشهداء والجرحى والمعتقلين في تزايد مستمر ، إلا ان ذلك لم يثن من همة الجماهير وإصرارها على تحقيق هذا التغيير مهما كان الثمن .

في هذا المجال لا بد من التوقف أولا على طريقة تعامل الغرب مع ما يحدث في المنطقة. وان التعرف على أساليبه مهم وضروري لمعرفة مصادر الخطر الذي يهدد العملية الثورية في المنطقة. رغم ان النظام القائم عجز عن التصدي للجماهير ورغم أن كل يوم يمر وتظهر فيه بشكل أوضح عدم جدوى الوسائل التقليدية للأنظمة وخاصة منها العسكرية في قمع الجماهير المطالبة بالتغيير الديمقراطي، إلا أن ذلك لا ينفي وجود أخطار على الثورة ومحاولات لتغيير مسارها وتوجيهها إلى المجرى الذي يخدم مصالح وأجندات قوى أخرى وخاصة القوة الغربية. هذه الأخطار يتم التعبير عنها في المصطلح الراهن بمحاولات سرقة الثورة. بالفعل هناك من يريد سرقة الثورة، والغرب بزعامة الولايات المتحدة هو أكثر القوى المتربصة والتي تحاول انتهاز أي فرصة لتنفيذ عملية السرقة هذه.

لقد أدركت الولايات المتحدة بعد المصاعب التي واجهتها في العراق وافعانستان ، ان إعادة رسم خارطة المنطقة سوف لن تتم بسهولة وفي الفترة الزمنية التي تريدها . الأمر الذي أدى بها إلى الاستمرار في تنفيذ مخططها بالاعتماد على الأنظمة الموجودة في شمال افريقيا والشرق الأوسط مع العمل على تكييفها مع الدور الجديد المطلوب منها لهذا المخطط وتدجين الأنظمة الأخرى من خلال الضغط وفرض العزلة . وبالتوازي مع ذلك ، العمل على تحضير البدائل التي قد تحل يوما ما محل ما هو موجود من الأنظمة . ان البديل بالنسبة للولايات المتحدة هو المعارضة التي لا تملك بُعد جماهيري سياسي واجتماعي جدي ولا تهدف إلى إيجاد حلول ديمقراطية عادلة للمشاكل ونظام يحقق العدالة الاجتماعية ، بل هي المعارضة التي تسعى إلى امتلاك السلطة وتحقيق الامتيازات الخاصة

في هذا الإطار فان موقف الغرب الذي ظهر لاحقا على شكل توجيه انتقادات إلى الأنظمة ونصائح بالتنحي عن السلطة وقبول مطالب الجماهير لم يكن موقفا مبدئيا ومساندة نزيهة للشعوب ، بقدر ما كان محاولة لاحتواء الأزمة والسيطرة على الأحداث وتوجيهها نحو الأهداف والغايات التي يريدها هو. إنه يبدل جهود جبارة للتأثير على ما يجري ، وإنزال سقف تطلعات الثائرين والمحتجين إلى المستوى الذي يتلاءم مع مخططاته الهيمنية في المنطقة . يحاول من خلال كل تحركاته ومساعيه ان يجعل الجماهيرالثائرة ترضى بتغيرات نسبية وسطحية لا تتعامل مع جوهر القضايا ، بقدر تعاملها مع الجوانب الشكلية فقط . يحاول إقناع الناس بان التغيير الذي يهدفون اليه يحصل بمجرد تنحي رئيس ما عن سدة الحكم كما حصل في تونس ومصر وليبيا أو بمجرد ان تقوم حكومة ما بتقديم التنازلات الشكلية كما حصل في المغرب والأردن وبلدان الخليج . تعمل على تنظيم فئات وتنظيمات متعاونة معه وتقديمها على انها البديل الديمقراطي عن الأنظمة السابقة . وبذلك يحاول ان يجعل منها صمام الأمان لعدم خروج الأحداث عن السيطرة ويمنع ظهور نظم بديلة تقود العملية نحو الاستقلال الحقيقي الذي تخشاه الولايات المتحدة والغرب أكثر من اي شيء آخر..

في هذا الإطار نرى بان الولايات المتحدة والغرب قلقون بشان ما يحدث ، لأنهم يخافون من ان يؤدي الفراغ الذي من الممكن أن يتركه سقوط الأنظمة إلى صعود القوى التحررية على المسرح السياسي وتوجيه الجماهير إلى الأهداف التي تتناسب مع تطلعاتها وآمالها بغض النظر عن ما تحاول القوى الخارجية فرضه من أجندات . ولإزالة هذه المخاوف وضمان ان تسير الأمور في الطريق الذي يخدم مشاريعهم في المنطقة ، يعملون على إضعاف القوى التي تخوض نضالا مستقلا والتي تمتنع عن الدوران في فلك السياسة الأمريكية والغربية الإمبريالية ، من خلال ممارسة الضغط عليها وشل تأثيرها وتغيير أولوياتها والتشهير بها لعزلها وتجريدها من المساندة الجماهيرية . ويقومون بذلك مستخدمين ثقلهم الدولي وما يتمتعون به من قوة مادية وسياسية وإعلامية ضخمة . الهدف من كل ذلك هو تجريد جماهير الشعوب وحرمانها من القوة الطليعية القادرة على استثمار الطاقة الثورية الموجودة في مشاريع تحررية ديمقراطية تضمن للشعوب العيش بكرامة وحرية واستخدام مواردها الوطنية بما يخدم أمنها ونموها وازدهارها ماديا ومعنويا ، وبما يخدم مصالحها الاقتصادية آنيا واستراتيجيا ...

هل ستنجح الجهود التي تبذلها القوى الإمبريالية والقوى المحلية المختلفة العميلة لها لإجهاض الثورات في الوصول إلى غاياتها ؟.

رغم كل شيء فإن هذه الثورات افتتحت مرحلة تاريخية جديدة في حياة المنطقة . مرحلة كل شيء فيها يختلف عن السابق ، وأن كل من يريد أن يتعامل مع المنطقة ، سواء كان من اللاعبين الدوليين او من اللاعبين الإقليميين ، يجب أن يأخذوا هذا التغيير بعين الاعتبار. يجب أن تدرك الولايات المتحدة والغرب أن عصر حكومات الدمى - والتي أظهرت الحركات الإسلاموية التي استولت على المشهد السياسي وعلى الحكم في المنطقة على استعدادها للسير فيه - قد ولى ، ويجب أن يدرك المناضلين بأنهم حققوا وما يزالون يحققون انتصارات ويسجلون ملاحم عظيمة ، ولكنهم ما يزالون بعيدين عن الوصول إلى أهدافهم النهائية ، وبالتالي فأنهم مكلفون أكثر من أي وقت مضى بالقيام بمزيد من التضحية ورفع مستويات النضال والتسلح بالحذر والحيطة إزاء الألاعيب التي تستهدف ما حققوه من مكاسب بدماء الشهداء .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Ynewsarab19E


.. وسط توتر بين موسكو وواشنطن.. قوات روسية وأميركية في قاعدة وا




.. أنفاق الحوثي تتوسع .. وتهديدات الجماعة تصل إلى البحر المتوسط


.. نشرة إيجاز - جماعة أنصار الله تعلن بدء مرحلة رابعة من التصعي




.. وقفة طلابية بجامعة صفاقس في تونس تندد بجرائم الاحتلال على غز