الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متعة أدب الرحلة في -من القلعة إلى جنوة- للكاتب المغربي شكيب عبد الحميد.

مصطفى لغتيري

2011 / 12 / 20
الادب والفن




لأدب الرحلة مكانة متميزة في الآداب العالمية ، فبحكم تموقعه في مرتبة البين بين ، و أقصد بها النهل من كتابة "الروبرتاج الصحفي" ، و الاتشاح بجمالية الكتابة الأدبية بمجازاتها و استعراراتها و إيقاعها الفني الذي يميز النثر الجميل عموما ، تلقى نصوص الرحلة قبولا حسنا لدى القارئ ، كما أنها ككتابة تحاول حكي الواقع بلسان الأديب الذي عاش التجربة ، تجربة الرحلة ، و تفاعل معها ، فيجتهد لينقلها إلينا من وجهة نظره الخاصة، من خلال عينه الدقيقة و أسلوبه الرشيق ، هذا فضلا عن الكم الهائل من المعلومات ، التي يظفر بها القارئ بعد انتهائه من قراءة نص الرحلة.

و إذا كان هذا الأدب نادرا ، و لا تتعاطى معه الأقلام المغربية و العربية إلا على استحياء ، فإن هناك نصوصا لامعة وشمت الذاكرة الثقافية المغربية و العربية كرحلة ابن بطوطة و و رحلة فارس الشدياق ، و أنا اقرأ كتاب الأديب شكيب عبد الحميد " من القلعة إلى جنوة" هيمنت علي الذهن ذكرى جميلة لرحلة أخرى كنت قد قرأتها ذات زمن بعيد ، و هي بقلم الأديب أنيس منصور ، فكانت المتعة مضاعة متعة اكتشاف رحلة شكيب و متعة استرجاع رحلة أنيس.

إن قراءة رحلة "من القلعة إلى جنوة " لهي بحق رحلة أدبية شيقة ، تشعر القارئ و كأنه يرافق الكاتب في رحلته ، يلمس دقائق مشاعره و أحلامه و أحباطاته ، و لا يملك – في نهاية المطاف- سوى أن يفتتن بتساؤلاته ، و منها تساؤله هذا حين يقول "هل أستطيع الآن و أنا أكتب هذه السطور أن أقبض على كل اللحظات ..ما زلت أتذكر و يأخذني الحنين إلى تلك الأماكن و تشتعل الرغبة في الأحشاء و تطفر عيوني بالدمع و الشوق و تنقلب الذكرى بكاء و أغدو طفلا يتيما".

في هذه الرحلة الجميلة يتنقل بنا الكاتب في أماكن عدة انطلاقا من حي القلعة في مدينة الجديدة ،حين شارك الأديب الشاب في مسابقة للقصة القصيرة، نظمتها مدينة جنوة في إيطاليا ، فيشاركنا الكاتب في أحاسيسه و هو ينتظر الجواب، و كيف تلقاه، و اتساع فرحته بفوزه لتشمل أقاربه و أصدقاءه ، و مرورا بمدينة الدار البيضاء التي سيحصل فيها بعد مشقة و عنت على تأشيرة السفر نحو إيطاليا ،و انتهاء بجنوة المدينة الإيطالية المنظمة للمسابقة .. هناك حيث سيلتقي بأدباء من جنسيات مختلفة من مالطا و تونس و مصر و فلسطين و سوريا و تركيا... و كانت ريبكا المالطية أول من وضعه الحظ في طريق أديبنا الرحالة ، فانتسجت بينه و بينها علاقة صداقة متينة.

في هذه الرحلة يجد القارئ نفسه على موعد مع جولة ثقافية جميلة ، ترصد مظاهر الجمال في مدينة جنوة من خلال بناياتها و تماثليها و نسائها الممشوقات القوام .

و مادام الكاتب عربيا فلا غرو أن يحضر الهم القومي في الرحلة ، الذي فجرته مشاركة كاتب إسرائيلي في المسابقة و حضوره ضمن الفائزين ، فكان ذلك كفيلا بتفجير الصراع العربي الإسرائلي في مكان لا يتوقع المرء أن يكون ساحة لهذا الصراع ، فقد حتم حضور الإسرائلي على المشاركين العرب اتخاذ موقف ضد التطبيع الثقافي.

في خضم الرحلة لا يجد عبد الحميد بدا من المقارنة بين الأمكنة ، إنها مقارنة تفرض نفسها نظرا للبون الشاسع بين الهنا و الهناك يقول الكاتب " إن المدن الحضارية لها نفس السمات ، نحن لم تصدمنا حضارة العمران هنا ، بل صدمتنا الحداثة و السكينة . الأزقة نظيفة بل آية في النظافة عكسنا نحن ، نغوص في القذارة ، لا وجود للذباب و القطط و الكلاب الضالة.

كنت سائرا مع جماعة و ألحظ البلاط و اسفلت الشوارع ، فلم أجد أثرا للأوساخ و النفايات و تذكرت حي القلعة الذي أسكنه ، إنه مليء بما يزكم الأنوف ، قاذورات ، ذباب ، روائح كريهة ، مزابل بين المساكن ، البول و الغائط جنب الحيطان ، أطفال عرايا يتدلى مخاطهم من أنوفهم أينما حللت و ارتحلت" ص18.

كانت الرحلة كالحلم الجميل ، الذي سرعان ما ينتهي و يترك في النفس حسرة في نفس الكاتب ، خاصة بعد أن تمددت خيوط المودة و الألف بينه و بين الأدباء الحاضرين لحفل التتويج الأدبي " أمسكت بالدموع في مقلتي، قمت لأودعهم و أصعد لأنام. فما إن تعانقنا حتى انفجرت بالبكاء ، و بكى الجميع معي ..تركتهم قبلتهم و قلت لهم :

-أحبكم جميعا ، و مشيت أقبض و جهي بين راحتي و أنا أجهش بالبكاء"

تنتهي الرحلة و لا تنتهي متعتها ، تترسخ في الذهن و القلب ، و هذا ربما ما دفعني لقراءتها مرارا، و في كل قراءة تتجدد متعتي ، وتؤكد لي أن السفر حقا محرك قوي لفعل الكتابة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في


.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد




.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي




.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض