الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطية في العراق ضلالة وهذر

فرات المحسن

2011 / 12 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


في كلمة ألقاها رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي في مؤتمر الاتحاد العام للصحفيين العرب الذي عقد في بغداد قبل أيام قال " أن العراق يعيش اليوم ربيع الحرية والديمقراطية والتعددية وقد سبق الربيع العربي في هذا الشأن ". لا اعتراض على مثل هذا التصريح الذي يماثل الكثير مما يصدر عن قادة العملية السياسية في العراق ولكن من الضروري الاحتكام إلى الواقع لمقاربة صحة مثل هذا الإدعاء من عدمه
بعد مضي تسع سنوات من تجربة حكومة الشركاء الأعداء وتحت ضغوط وشروط قوات الاحتلال و الإرهاب العالمي يتم بناء دولة العراق الحديثة بمسمى ديمقراطية اتحادية ومازال الكثير من المؤثرات الإقليمية والداخلية تتنازع كي يتلائم النموذج مع شروط أجندتها، لذا تبقى الآراء متباينة جذريا حول النموذج الأسلم لهياكل الدولة العراقية وموقعها الدولي مستقبلا.
الأسئلة التي تثار عن النموذج المطروح وشروط وطريقة الأداء وهل أن الإدعاء اليوم بديمقراطية الدولة العراقية يتواءم وحقيقة المعايير الدولية للديمقراطية؟ يبدو أن مثل هذا البحث وفي خضم الأحداث ومجريات العملية السياسية الجارية، أحجية عصية على الحل لا يمكن الوصول معها إلى نتائج واضحة المعالم أو أطر عقلانية لتوصيف الوقائع.
هل حقيقة أن العراق يعيش اليوم ربيع الحرية والديمقراطية والتعددية مثلما يقول السيد المالكي؟ عند هذا الطرح يتبادر إلى الذهن الكثير من الأسئلة البحثية في محاولة لمقاربة المشهد بجميع تجلياته، فمثلا هل أن مواطني العراق يتمتعون بنوع من المساواة. هل أن معايير الديمقراطية تمارس داخل مؤسسات الدولة، ما مدى الديمقراطية التي تمارسها الدولة اتجاه حركات المجتمع المدني وبالذات الأحزاب منها، ما هي وقائع الممارسات الديمقراطية في الوسط الحزبي، وفي مقدمة كل هذه الأسئلة يطرح التساؤل عن طبيعة المؤسسات الكافلة للعملية السياسية والمعنية بضبط إيقاع الأحداث وارتباطها بالهدف الرئيسي وهو بناء دولة القانون الديمقراطية، وهناك أيضا أسئلة كثيرة بالغة التعقيد لا تجد لها أجوبة وافية وشافية بل تذهب بعيدا لخلق عالم من اليأس والفوضى المقلقة حول مستقبل العملية السياسية في العراق، وما فتأت الكثير من المسائل القانونية والإدارية عالقة من جانب وغامضة من جانب أخر وتحوي الكثير من الثغرات وتحتاج لإعادة قراءة وترتيب عقلانيين، والكثير من مؤسسات السلطة تستغل مثل هذه الثغرات لتدير العملية السياسية والشأن العام والحكومي وحتى معالجة الأحداث الكبرى بالسرية والتمويه والتغليس ووفق طرق المحاصصة وغلق الملفات بالتراضي أو تشكيل لجان تحقيق دون نتائج. ولحد الساعة لا يعرف المواطن عن أغلب الأحداث غير نتف من أخبار تتداولها وسائل الإعلام بشكل متواتر ومشوش.
الزعم بأن خروج المحتل يمثل نهاية لمرحلة يمكن تجاوزها ومقدمة لتعميق نهج الديمقراطية وتشديد قبضة السلطة وسيطرتها على الملف الأمني بكافة تشعباته وقدرتها على تبني سياسات اقتصادية اجتماعية ناجحة، في ظني أن مثل هذا الزعم فيه الشيء الكثير من المبالغة لا بل الاستخفاف بالوقائع أن كان ذلك في الوقوف عند اللحظة الراهنة أو النظر نحو مستقبل بناء الدولة العراقية الحديثة. ولكون القضايا والمواقف التي تواجه عملية البناء شائكة وبالغة الصعوبة فهي تتطلب العديد من الاشتراطات كي تتمكن الدولة العراقية السير نحو عملية البناء الصحيح كبلد ديمقراطي بعيدا عن التنميق والتزويق المخادع.
تبدو الخلافات الشخصية وانعدام الثقة بين أطراف القوى السياسية التي تسيطر على مقاليد السلطة واحدة من الإشكالات والعقد الكبيرة ومثلها العمليات الإرهابية وما يماثلهما من عمليات نهب واسعة لموارد الدولة وفساد إداري مستشري كل ذلك وغيره يمثل العقبات الكأداء في وجه الانتقال نحو خيارات أفضل لبناء دولة عراقية حديثة تتمتع بهياكل مؤسسات قانونية ديمقراطية، وهذا الشيء يخضع في المقدمة للإرادة الحقيقية والجدية ونزوع حقيقي لدى قوى سياسية تتبنى مشروع الخيار الوطني الديمقراطي كمنهج ليس فقط للإدارة وإنما كسلوك عام. ففي رحم العملية السياسية اليوم مسائل بالغة التعقيد والأهمية تم أفراغ محتواها بل وبشكل متعمد تم إقصائها بعيدا لتستخدم بدلا منها خيارات سياسية يتعذر معها حماية الأفكار والمحاولات الديمقراطية حتى في جوانبها البسيطة.
الديمقراطية في العراق تعد ظاهرة حديثة بكل تجلياتها ولم يظهر منها غير الجوانب الهامشية التي لا تمثل الجوهر الحقيقي للديمقراطية، فما نشاهده من مظاهر وظواهر لا تمثل قطعا صورة من صور الحريات المدنية أو السلوك الديمقراطي، ومثل هذا النموذج المشوه نجده في الكثير من الدول التي تقدم نفسها كنموذج للديمقراطية ولكن طبيعة مؤسساتها السياسية والإدارية شبيهة بمؤسسات دولة العراق، تكشف عن هزال وهشاشة وتضليل وخراب وغالبا ما يضحى بالقيم الإنسانية والقوانين والحريات لصالح مصالح شخصية وفئوية وحزبية.
إن كان الاحتلال الأمريكي قد مثل نتيجة حتمية لسياسات صدام حسين المتهورة فأن العراق وبذات الأسباب قد أرتهن تحت طائلة الفصل السابع من قرارات الأمم المتحدة والذي يعد التحدي الأكبر لا بل الأهم لوضع العراق السياسي والاقتصادي وموقعه بين الأمم بعد انسحاب الأمريكان، فالقرار يضع العراق وشعبه مرتهن لجملة إجراءات كابحة على مستويات عديدة، لذا فأن خروج القوات الأمريكية لا يشكل نهاية المطاف مع بقاء العراق خاضع لبنود الفصل السابع من القرارات الأممية. ولكن مثل هذا الأمر لا يمنع السلطات أو الكتل والأحزاب المشاركة في العملية السياسية أو يعيق سعيها لبناء دولة ديمقراطية حديثة أن كانت هناك رغبات حقيقية ونوايا حسنة ومشاعر وطنية. فاستحقاقات الداخل تمثل الاختبار الحقيقي لجدية كل هؤلاء ونواياهم في موضوعة بناء الدولة الديمقراطية العصرية. ولكن دائما المسائل العملية لاتبنى بالتمنيات والرطانة السياسية بقدر ما تحتاج إلى فهم صائب لموضوعة الديمقراطية والأيمان بضرورتها والإقرار بصوابها كطريق للحكم وتنفيذ شروطها الموضوعية.
أن أريد شرعنة الحياة السياسية في العراق وفق النموذج الديمقراطي فآليات عمل النظام ومؤسساته السلطوية يجب أن تخضع لمعايير ذات طبيعة محددة وأن تتوفر هناك مؤسسات تكفل مثل ذلك التوجه، وحتى عمليات فرض القانون وتطبيقه ومحاربة الفساد الإداري من الموجب أن تتماثل طبيعة حلولها مع تلك المعايير الديمقراطية ولن تكون تلك الإجراءات بكليتها صالحة أن لم تكن ديمقراطية ليس فقط في محاولات إنهاء الخلافات والصراعات بمختلف تلاوينها وإنما أيضا اعتبار الديمقراطية وسيلة للقضاء على المصالح الشخصية السياسية منها والاقتصادية والفئوية.
الإدعاء بالسلوك الديمقراطي لا يشفع لهياكل ومؤسسات السلطة في العراق فهناك الكثير من القصور ليس في مستوى الوعي بطبيعة الديمقراطية وإنما تخلو تشكيلة السلطات الثلاث من تشريعات وقواعد تعد ركائز أساسية وضامنة للسير وفق النموذج الديمقراطية، وتختفي في خضم الصراع السياسي بين الفرقاء تشريعات أساسية ممهدة لا بل هي من صلب البناء الديمقراطي ، فلحد الآن تفتقر الدولة لقوانين عديدة منها قانون لمفوضية انتخابات مستقلة بشكل حقيقي وليس كما عليه الحال ومثلها باقي المفوضيات من مثل النزاهة وحقوق الإنسان. وتتخاصم الكتل الحاكمة حول برنامج يضع نموذج متوازن لقانون الإحصاء السكاني وتخلو العملية الانتخابية ليس فقط من تعداد حقيقي للسكان وإنما أيضا قانون ثابت للعملية الانتخابية يأخذ في الحسبان الخيارات المثلى للناخب وحقيقة التركيبة السكانية للعراق وهو واحد من شروط أنجاح العملية الانتخابية. في ذات الوقت يحاذر أغلب قادة السلطة من وضع قانون مجلس الخدمة الذي يقيد الأحزاب السلطوية في مسألة السيطرة على التعيينات والوظائف في مؤسسات ودوائر الدولة مثلما يحرص هؤلاء أيضا على نبذ أي محاولة لوضع قانون ديوان للرقابة المالية. ومثل تلك الهياكل والتشريعات تعد من الشروط الموجب توفرها في دولة تسعى لتكون سنن القوانين رافع رئيسي لشرعية السلطة. ولا يقتصر الحال على اختفاء وتغييب تلك الهياكل والتشريعات بل تحرص الأحزاب المشاركة في إدارة السلطة على أن تسير العملية السياسية وفق منطق الأهواء والرغبات وحصر الصلاحيات وتمرير القوانين من خلال رؤساء الكتل أو الرجال الأقوياء فيها مع طمس أصوات وتكميم أفواه باقي أعضاء مجلس النواب، فعملية التصويت في البرلمان مازالت تخضع لإجراءات العد برفع الأيادي رغم أن برلمانات بلدان فقيرة اعتمدت التصويت الالكتروني تحاشيا للخطأ ولكن في العراق تصر الكتل وقادتها على ارتهان أعضاء قوائمهم في ذات دائرة الكتلة ومنعهم من قول ما يخالف ذلك، لذا لن يرى التصويت الالكتروني النور ما بقى تقاسم السلطة وفق طرق المحاصصة والتوافق على إغلاق وحصر دائرة القرار بيد رؤساء الكتل وقادتها، وليت أن الأمر في البرلمان يقتصر على ذلك ولكنه يذهب بعيدا ليقف رؤساء الكتل البرلمانية وتوابعهم موقفا مخزيا من سن قانون تنظيم عمل الأحزاب في العراق.
أن مثل هذا الكم من المخالفات يجعل نموذج الدولة في العراق لا يخرج عن طبيعة التهريج السياسي بمسمى الديمقراطية والذي يسمح بأن يطلق على مثل هذا النموذج الفريد من نوعه بين البلدان ببلد ديمقراطية الهذر واللغو ليس إلا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علقوا في الهواء رأسا على عقب.. شاهد ما حدث لعشرات ركاب لعبة


.. هنية: رد حماس يتوافق مع مبادئ مقترح بايدن للتهدئة




.. صلاة عيد الأضحى في المستشفى الميداني الإماراتي في #رفح بمشار


.. مسؤولون أميركيون: الولايات المتحدة نفذت ضربة جوية استهدفت زع




.. الغارديان: نتنياهو يخوض حربا على جبهتين ولا توجد نهاية في ال