الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الساسة يزرعون الأشواك وأكثرية الشعب تدمى..

عزيز الحاج

2011 / 12 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


كان بلا اختيار متعمد مني تحديد موعد الأحد من كل أسبوع للحديث مع شقيقتي، لطيفة الحاج، في بغداد. كنا نتداول في وضع أحدنا الآخر، ونتبادل الأنباء. كانت دائمة الشكوى من انقطاع الكهرباء، الذي يتسبب في الأذى، حرا وبردا، وفي المعنويات أيضا.

لكن الموعد الأسبوعي انقطع فجأة منذ تسعة أيام بعد أو وقعت لطيفة ضحية جلطة ضربت الرأس، وشلتها نصفيا، وأعاقتها عن الكلام.
عندما أنظر من بعيد لأوضاع شعبنا في العراق، تنتابني مشاعر وخواطر متضاربة: ما بين حزن عميق، وغضب عاصف، ومرارة اليأس من انفراج قريب. وعندما يخطب الساسة العراقيون ويصرحون، ويحاول هذا أو ذاك إلقاء المسئولية على الغير، مرة على أميركا، ومرة على ما تركه نظام صدام من خراب ثقافي واجتماعي وسياسي، ومرة على تخلف المجتمع العراقي، وأخرى على تكالب دول المنطقة، فإن ذكر كل هذه الأسباب مبرر ومشروع، ولكن لماذا يتناسون، وخصوصا من في أيديهم عتلات السلطة منذ سنوات، العامل الحاسم في وصول العراق لهذه الحالة من رخص القتل، وانعدام الخدمات، وانتشار الفساد، وشيوع الهوس الفرعي على حساب المبدأ الوطني العام والمشترك؟؟

إن وصولنا لهذا الجحيم لم يكن قدرا محتما لولا دور ثقافة وسياسات العنف والانتقام، وهوس السلطة والامتيازات، وميول إزاحة الأخر والسعي لاحتكار الساحة.
إن كل من عمل في الحياة السياسية، منذ العهد الملكي وصاعدا لليوم، يتحمل جزءا، مهما كان مقداره، من المسئولية عن أوضاع اليوم. وكما كتبت مرارا وتكرارا، فأنا من بين هؤلاء الساسة " المتقاعدين"، ممن لم يكن يرضيهم أي إنجاز، ولو كان محدودا، وأية خطوة إيجابية جزئية، تتخذها هذه الحكومة أو تلك، طالبين أن يتحقق كل ما نطلب مرة واحدة، ورافضين المرونة في السياسة، وقاعدة المرحلية وما لا ينال كله لا يترك ما يتيسر منه. وكنا نرفع راية الديمقراطية ولا نمارسها فعلا، سواء في الوسط أو اليسار، أو تحت شعارات الوحدة والعروبة. ومنا من كانوا يروجون لمنهج العنف باسم الكفاح المسلح والثورة. أما حكام اليوم، فقد ضربوا الرقم القياسي في السياسات المهلكة، المفرقة للصف، وغير المكترثة بالمواطن، وحيث سباق المناصب والثروات، والسماح بالتدخل الإقليمي واعتداءات دول في الجوار، بالقصف المدفعي ونهب المياه. سابقا، كان معظم الساسة الوطنيين يتبعون أهدافا وطنية وديمقراطية يؤمنون بها، وقد يضحي كثيرون منهم من أجلها دون طمع في منصب أو جاه. ولكن أوضاع السياسة اليوم هي العكس تماما- وا أسفاه.

لقد تحول اسم الشهيد الحسين إلى وسيلة تجارة ومزايدة باسم الطائفة، وأداة لتعطيل دوائر الدولة ومؤسسات التعليم. ولست مقتنعا بأن الحسين، لو كان حيا، كان سيرضى بما يجري باسمه من مزايدات ومتاجرة، بينما خدمات الناس منهارة وأموال الشعب تنهب جهارا- علما بأنني لم نر أحدا من المتاجرين، ساسة أو من كبار رجال الدين، من يخرج للشارع لاطما او شاجا رأسه بقامة!!! ولعل كتابا لمؤلف سني كطه حسين او العقاد، أبلغ في فهم شهادة الحسين وتمجيد ذكراه، من جميع مراسيم اللطم والتطبير.

لقد جعل تخبط الحكام وتقوقعهم الضيق، وصراعات الساسة، والتدخل الخارجي، مضافا لعواقب الخراب الاجتماعي والفكري الموروث من عهد صدام؛ أقول إن ذلك كله جعل من كل عراقية وعراقي مشروع شهيد، إما بالمفخفخات والكواتم، وإما مرضا بلا تطبيب ناجع، وإما فقرا أويأسا من الحياة. وكم أبكتني تلك المرأة المسيحية التي وجدت نفسها في تركيا بعد أن أعطت للوسطاء كل ما تملك لنقلها لبلد غربي، وحين ضاقت بها الحال وخشيت من الانزلاق الأخلاقي مع بناتها، صبت على نفسها البنزين لتنتحر لولا بكاء وتوسل البنات. وتلك المرأة البغدادية، التي كانت قد دفعت مبلغا ضخما لشراء بيت قرب المنطقة الخضراء، ثم قيل لها بعد سنوات إن البيت قد بيع لأحد المسئولين، وعليها أن تخرج. هي الأخرى صبت النفط على نفسها وأشعلت عود ثقاب لولا أن تداركوها وأنقذوها. وأما أحوال المهاجرين المسيحيين اليوم، فهي تتحدث عن مأساة هذه الشريحة من العراقيين من سكان العراق الأصليين، والذين لحقت " اللعنة" بمن بقي منهم في العراق حتى لدهوك وزاخو.

إنني لأشعر بالحزن لعجزي اليوم عن سماع صوت شقيقتي، وأشعر بعقدة الخطيئة لأنني على قيد الحياة والأحباء يرحلون الواحد بعد الآخر. ولعل آخرين مثلي من عراقيين المغتربات يشعرون بالحسرة والألم وهم في الدول الغربية، التي تعنى بهم وتحتضنهم، بينما يعرفون أن أهلهم وأصدقاءهم في العراق يعانون الأهوال. وخلافا لناكري جميل الديمقراطيات الغربية من بين المهاجرين واللاجئين العرب والمسلمين، فإنني أشعر بالامتنان للفرنسيين، الذين لولاهم لما بلغت أرذل العمر لعناية الأطباء مع أنني لم أشتغل لهم يوما، بل اشتغلت للدولة العراقية منذ 1947. ولكنها الديمقراطية وحقوق الإنسان وحماية اللاجئين والمهاجرين. وما أكثر من يتحدثون عن الديمقراطية العراقية والربيع العربي بعدا عن الواقع، وانسياقا وراء الأوهام!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا الوطن حر و لا الشعب سعيد
جاسم الزيرجاوي-مهندس أستشاري ( 2011 / 12 / 21 - 18:34 )
السلامة الى لطيفة الحاج
إن كل من عمل في الحياة السياسية، منذ العهد الملكي وصاعدا لليوم، يتحمل جزءا، مهما كان مقداره، من المسئولية عن أوضاع اليوم.
واولهم حشع
أنني لم أشتغل لهم يوما، بل اشتغلت للدولة العراقية منذ 1947
لا
انت أشتغلت من اجل
وطن حرا و شعب سعيد ولم تشتعل للدولة
لكن
لا
الوطن حر
ولا
الشعب
سعيد
العمر المديد
لابو اليسار العراقي
الجديد


2 - تحيات
عبد الرضا حمد جاسم ( 2011 / 12 / 21 - 19:07 )
من المرحوم نعمان ثابت رشيد/ابوسعد


3 - مواكب الحسين
مالوم ابو رغيف ( 2011 / 12 / 21 - 19:25 )
سلامات للسيدة لطيفة الحاج ولك الاحترام
كانت زيارات الحسين رمزا لتحدي السلطات، كانت اشبه المسيرات السياسية ترفع الناس فيها شعاراتها وتنادي بمطلابها وتصرح بانتقاداتها للسلطة. كانت روحها ثورية، وان كانت ليس بالضرورة ذات وعي سياسي إلا انها كانت تعبر عن وعي مطلبي
اليوم اصبحت المواكب الحسينية جزء من التملقات السياسية، فالسلطة نفسها هي راعية المواكب وهي التي تصرف ملايين الدولارات على اطعامها ومنامها والعناية بالزوار. المواكب تابعة لاحزاب وشخصيات وكبار قادة السلطة . اليوم المواكب الحسينية تعبر عن حالة الجهل والامية. فالناس وبدلا من ان تطالب السلطة بتوفير الخدمات وتحسين مستويات المعيشة، اصبحت تطالب الحسين، وبالطبع ستفهم ان الحسين سيلبي جميع مطالبها ان هي داومت وواظبت على المشي في هذه مواكب تغييب العقل.
اشعر ان جميع الاحزاب العراقية غير ناضجة مرحليا، فهي احزاب ماوضوية وليست احزاب مستقبلية، انها منبثقة من الماضي ومثقلة فيه. فلا حزب يتحدث عن مستقبل وتطور مثل التطور الاوربي، ليس من حيث البناء والاعمار، بل من حيث الثقافة الاجتماعية والسياسية والمعيشية، فحتى لكوخ سيكون جميلا عندما يكون نظيفا


4 - كنت على حق ايها الرفيق العزيز
صلاح الساير ( 2011 / 12 / 21 - 21:06 )
رفيقى عزيز الحاج المحترم
ان الكفاح المسلح فى الفترات التى تنهار بها الانظمة والحكومات يتطلب تنفيذة بشكل سريع وبعقل مدبر وجرئ وفى عام السقوط النظام البعثى الفاشي لو كان هناك رجال شيوعيين يحملون السلاح للدفاع عن موسسات ومصارف وتنظيم الناس والسيطرة على المعامل والمزارع ولكنهم اكتفوا بكتابة الشعارات على الجدران فقط لكانت احوال العراق افضل واقع الحزب الشيوعي متقدم واقامة الندوات الواسعة ووضع الخطط والبرامج للتحالفات المستقبلية وفى بداية السقوط كانت هناك الاف من اليساريين فى المقرات وتنتظر الاوامر من قيادات الحزب ولكن بدون اية فائدة والان تفرق القوم وتغلبت الفرص الشخصية على المبادئ السامية ...وعلينا البناء من جديد وسط ازدحام ورؤيا دينية متخلفة وصعبة وتطوير سبل الاعلام اليساري ومنفتح على الانجازات الجديدة للعلوم الانسانية...وهذا خطأ واضح يضاف الى الاخطاء السابقة ولم يستغل بشكل واقعي0000
شكرا ومتمنيا لك الصحة والعمر المديد والشفاء العاجل للاخت الكريمة ومع التقدير

اخر الافلام

.. فخر المطعم اليوناني.. هذه أسرار لفة الجيرو ! | يوروماكس


.. السليمانية.. قتلى ومصابين في الهجوم على حقل كورمور الغازي




.. طالب يؤدي الصلاة مكبل اليدين في كاليفورنيا


.. غارات إسرائيلية شمال وشرق مخيم النصيرات




.. نائب بالكونغرس ينضم للحراك الطلابي المؤيد لغزة