الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة الجنسية من أجل حرية الإنسان

محمد مقصيدي

2011 / 12 / 21
حقوق الانسان


في انتظار الربيع الجنسي : الحرية الجنسية الآن

أحد شعارات ثورة مايو 1968 , كان يقول : فلتحيوا حياتكم الجنسية بامتلاء ودون عراقيل . لم يكن هذا المبدأ خارج المخاض الإنساني الذي قاد إلى الحاضر , بل قد أبرز بوضوح أحد الدعامات الجوهرية للتحرر من بؤس التاريخ والمؤسسات . يمكننا أن نقول أنه الشعار الاكثر راديكالية من شعارات إسقاط الملكيات . إذ , سوف لن يفاجئنا الفيلسوف ميشيل فوكو بعد سنوات من هذه النقطة التاريخية , بمؤلفه الشهير " تاريخ الجنس " , وطبعا , إن هذا الكتاب لا يترجم قطعة زمنية محدودة , بل إنه مرآة للهوية الفكرية والذاتية لسيرة فوكو منذ تاريخ ولادته 1926 , وهو في الوقت ذاته , تشريح للسلوكات والممارسات الجنسية التي يفوق عمرها عمر الإنسان نفسه . لقد طرح هذا الواقف في القرن العشرين وجها لوجه أمام الوجودية السارترية , سؤاله العميق : لماذا يشكل السلوك الجنسي , والمتع المتعلقة به , موضوع إنشغال أخلاقي ؟؟ ... يمكنني أن أتساءل أيضا : لماذا أصبح وسيستمر الجنس والسلوك الجنسي من أخطر الإهتمامات الأخلاقية والثقافية , إلى درجة أنه يتفوق في أحايين كثيرة على طابوهات تستمد جذورها من الميتافيزقا والسلطة كمسألة الإله مثلا

ربما لأن الجنس هو الطريق الوحيد للوصول إلى نقطة التماس مع الأبدية , وكما يقول الشاعر المكسيكي أوكثافيو باز في كتابه " القوس والقيتارة " أن الإنسان نصف ضائع , ويبحث عن وحدته عبر التجربة الشعرية والتجربة الغرامية ", وكلاهما حالتان غير قابلتين لحاسة اللمس إلا عبر السلوك الجنسي , باعتبار العلاقة اللامرئية القائمة بين التجربة الغرامية والممارسة الجنسية , حيث تشكل هذه الأخيرة رغبة الإكتشاف اللانهائي للآخر , والذي هي رغبة إكتشاف الذات في نهاية المطاف . كما أن اللغة الجسدية تضاهي وتفوق اللغة الأبجدية , وهكذا تكون الممارسة الجنسية تمتلك إمكانيات أكثر من الكلمات لطرق التجربة الشعرية والسفر داخلها

من البديهي , أن الإسلام والأديان بصفة عامة , بما فيها الديانات القديمة , ربطت الجنس بالخطيئة , وعملت على تسييجه بسلاسل من القوانين والعقوبات . عموما , فهي تعتبر الجنس وسيلة وليس غاية في حد ذاته " رغم التكييف الذكوري الذي لا يتسع الأمر هنا لتفصيله " . هكذا , فإنجاب الأبناء هو الهدف الأساسي من الجنس في التصور الديني . أيضا هي تفرض الممارسة الجنسية في إطار مؤسسة الزواج . الغريب , أن البعض لا زال يدافع عن المؤسسة الزوجية من المرجعيات الدينية الصدئة بحجة الوقاية من الأمراض وعدم إختلاط الأنساب , رغم هشاشة هذا المنطق , لأنه هنالك ما نسميه ب " د . ن . آي " الذي يكشف عن الأبوة , وهنالك ما يسمى بثقافة الوقاية من الأمراض الجنسية التي هي قادرة على الحماية

إن هذه الأديان حقيقة , هي لم تفعل سوى تكريس لمنظومات فكرية تأسست قبلها . سيكون من السذاجة , أن نعتبر أن الأديان هي من دفنت الممارسة الجنسية في مقابر الطابو . لقد عرف موضوع " الجنس " الكثير من المد والجزر إلى أن وصل إلى الميثولوجيات والأديان بالطريقة التي وصلنا به الآن . حيث تسطو على مخيلتنا الآن , حتمية صورة الإنسان البدائي بخرقة تغطي ما تحت السرة . ولا أحد منا يتجرأ على القول : لماذا لم تكن اليد عورة في حين أن النهد كذلك ؟ وها نحن نشاهد قبائل عديدة من إفريقيا ومن الشعوب التي لم يلمسها سم المؤسسات السائدة , حيث نهود كل نسائها عارية . للتوضيح فقط , لا علاقة بين موضوع العري الجسدي الكامل , وموضوع الحرية الجنسية الذي نسلط عليه القليل من الضوء هنا

لقد تأرجحت كثيرا الممارسة الجنسية قبل أن تتم مأسستها بأشكال متعددة ومتباينة منذ الإنسان البدائي العاقل , مرورا بالميثولوجيات والأديان والقرون الوسطى , إلى عصرنا الراهن . نذكر هنا للإستئناس مثلا , الدعارة المقدسة , إذ تذهب النساء إلى المعابد من أجل ممارسة الجنس مع الغرباء كطقس تعبدي للآلهة , والجنس الجماعي كشكل من أشكال التصوف والتوحد الإلاهي , كما كانت تفعل فرقة الحشاشين الإسلامية وبعض طوائف القرون الوسطى بأوربا تحت ضوء القمر , والجنس الذي يتم بين البنات الصغيرات والشيوخ وهو ما أقرته بعض الأديان كالإسلام مثلا



ربما كان لظهور الملكية في المجتمعات البدائية الدور الرئيسي في الوصول بالجنس إلى ما وصل إليه الآن , فالرغبة العارمة في الحفاظ على الملكية تستدعي التقييد القانوني والأخلاقي لرابطة الزواج كرابطة ملكية . ولوطأة المجتمع الذكوري , أصبحت المرأة في موقع المفعول به أي المملوك, والذكر في مقام الفاعل أي المالك .. وهذا ما لا زلنا كمجتمعات إسلامية نحافظ عليه في موروثنا الشعبي " إذ يفتخر الرجل بالممارسات الجنسية خارج مؤسسة الزواج , بينما تتعرض المرأة للعار والقتل إن قامت بنفس الفعل " . لكن , المثير للدهشة , أنه حتى الممارسة الجنسية في إطار الزواج تعرضت لقمع رهيب

هذا , لا يعني أن العلاقة الإنسانية مع الممارسة الجنسية كانت متطابقة في سيرورتها , بل ثمة اختلافات كثيرة . حيث كما ذكرنا سابقا مسألة الجنس المقدس , وما وصلنا من الثقافات القديمة , كالتغني بالإيروتيكا كما فعلت الإله إنانا في الميثولوجية السومرية حينما قالت : " أما من أجلي , من أجل فرجي , من أجلي , الرابية المكومة عاليا , لي , أنا العذراء , فمن يحرثه لي , فرجي الأرض المروية من أجلي , لي أنا الملكة , من يضع الثور هناك " , إننا نلاحظ هنا أيضا , أن الإيروتيكا تتوحد مع الإنتاج والخصب . الجنس الذي تكون الأعضاء التناسلية فيه هي أعضاء من أجل التناسل فقط , الفرج الأرض المروية القادرة على الولادة. اللذة والشهوة لا مكان لهما . هذه الجرأة اللغوية لا تغير في طبيعة الممارسة الجنسية

إن التحرر من كماشة المؤسسات والإفلات من التدجين التاريخي الذي مارسه الإنسان ضد نفسه , إن الذهاب إلى القرن الواحد والعشرين متخففين من جرائم الوعي والحضارة , إن الوصول إلى الإنسان الجديد بعد الموت المدوي للإنسان في القرن العشرين , لا يمكن أن يكون بدون نضال حقيقي أكثر شراسة من النضالات من أجل إسقاط الديكتاتوريات السياسية , إنه النضال من أجل الحرية الجنسية بكل ما تحمله الكلمة من معنى

ينبغي إعادة الإعتبار للممارسة الجنسية كوطن لللذة وللإنسان ذاته , فلنتحرر من زيف القيود الأخلاقية الموضوعة على سيقاننا , بعدما بدأت تنهار أسطورة مؤسسة الزواج . لنتعامل مع الجنس كغاية وليس كوسيلة , إنه خلاصة الحب البشري . وإنني أحترم رجلا وامرأة يعبران عن حبهما بالجنس في ليلة عابرة , أكثر من احترامي لشخص يتلو الدعاء كل الليل . أحب إمرأة تمارس الجنس مع صديقتها , أكثر من حبي لراهبتين أمضتا خمسين عاما في معبد . وشخص يستمني في الشارع العام هو كالشخص الذي يصلي في الشارع العام تماما . فليمارس كل واحد حياته الجنسية كما يريد , ما دام لا يتخطى القوانين الإنسانية , وما دام كل منا يفهم جيدا معنى الإنسان ويحترمه على هذا الأساس . وحده الحب والإنسان القانونان الأخلاقيان الأبديان

البعض سينعتني بالفضائحي , آخرون سيروجون رغبتي في تحويل المرأة إلى سلعة " ولاحظ يا صديقي القارئ هنا , استحضارهم للمرأة وتغييبهم للرجل لجهلهم " . آخرون يقولون أنها مقدمات للإنحلال الإجتماعي وجرائم الإغتصاب , تذكر صديقي أنهم في بعض الدول الإسلامية يقولون أن سياقة المرأة للسيارة ستؤدي إلى الإنحلال الإجتماعي وجرائم الإغتصاب . كل ذلك هو مجرد قصور نظري وتخلف فكري ونبذ للحرية وخوف منها , لا داعي للخجل من الجنس , حان الوقت ليرتفع الشعار الحرية الجنسية الآن








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيرة إسرائيلية توثق عمليات اعتقال وتنكيل بفلسطينيين في مدين


.. لحظة استهداف الاحتلال الإسرائيلي خيام النازحين في رفح بقطاع




.. مبادرة لمحاربة الحشرات بين خيام النازحين في رفح


.. تونس.. معارضون يطالبون باطلاق سراح المعتقلين السياسيين




.. منظمات حقوقية في الجزاي?ر تتهم السلطات بالتضييق على الصحفيين