الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جحافل الظلام تغزو التحرير

نادية الشربيني

2011 / 12 / 22
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


خرجت جحافل الظلام تغزو التحرير باسم استعادة هيبة وزارة يرأسها شيخ مسن قادم من زمن رديء غارق في ماء آسن تفوح منه ومن وزارته روائح سنوات قحط أتى الجراد البشري فيها على خير الوطن. ما زالت مصر تذود عن حلمها بالحرية، وما زالت قلة من أبنائها الأنقياء يصرون على الدفاع عن الحلم وإن كلفهم ذلك حياتهم أو امتعاض الأغلبية التي عادت إلى جحور الخوف والجبن طالبة حماية الجلاد مرة أخرى. برصاصهم المحرم دنسوا التحرير، وبأحذيتهم الثقيلة داسوا صدور نساء مصر. والتفوا كالضباع حول المنادين بالحرية للجميع، بمن فيهم آلات القتل البشرية تلك التي سقطت في بئر الخيانة والخسة. ولم يكتفوا بوضع قوتهم الغاشمة في خدمة مشيرهم، بل وشموا أول حرف من اسمه على رأس واحدة من حرائر مصر، التي خرجت مشوهة الرأس لكن مرفوعة القامة تفضح الخسة والنذالة، تفضح مخطط عبادة الصنم الذي يسير على قدم وساق، بعد أن وقّع الكثيرون بالفعل صك عبوديتهم لتلك الوثنية العسكرية، ينتظرون أن يمد سادتهم إليهم يدهم بصحفة طعام مغموسة بالذل، ونقطة ماء ممزوجة بدم الأحرار.

لم تكتف جحافل الظلام بعصاها الغليظة، بل أضافت إليها بعدا ساديا قميئا، مستخدمين سلاح البذاءات، التي يبدو أنه بات ضمن تدريباتهم العسكرية. وعربدت جحافل الظلام في ميدان الحرية كي تغتال ثورة قامت لاستعادة وطن يسكنه من رضوا طويلا أن يُعلم على أجسادهم بعصا الأمن الغليظة حتى صاروا مشوهي الروح. إلا أن حماة الثورة، أبوا إلا أن يصمدوا في وجه قوة أمنية تكونت عبر سنوات الرعب وتحولت إلى أداة قمع وقتل، وجيش تحول، في غفلة منا، من جيش وطني إلى جيش من "الزومبي" مستعدين لأي شيء مهما كان حقيرا خدمة لصنمهم. وهؤلاء الضباط، الذين أقسموا على افتداء الوطن بأرواحهم، اختبأوا في الظلام داخل أروقة مجلس الشعب، جاعلين من مقر ممثلي الشعب وكرا للتعذيب. حيث كل ما يقع تحت لمستهم الملعونة يتحول إلى وكر مظلم، تحول هؤلاء الضباط الذين تلقوا أرفع تدريب عسكري، إلى قبضايات يهددون بالاغتصاب والتعذيب، تحولوا إلى مرتكبي رذيلة ووضعوا شرفهم العسكري تحت أقدامهم. من قال إن في دولة الهمج يمكن التعويل على جيش وطني؟ من قال إن شرف وطننا في جيش يسحل نساءنا ويقتل أطفالنا ويعذب شيوخنا ويدوس أجسادنا بمدرعاته؟ جيشنا هناك في دفاتر التاريخ حيث كان، أما ما مر على مصر من ويلات تخريب وإفساد وتجريف للعقول والضمائر، فقد أصاب الجيش منه الكثير. وقد أتت ضربات الفجر الجبانة دليلا صارخا على أننا إزاء كتائب مرتزقة. وهتاف المتظاهرين بالجامعة المنددين بجرائم المجلس العسكري ضد معتصمي مجلس الوزراء "يا طنطاوي جيت تدمر، بكرة نشيلك زي معمر" ما هو إلا دليل صارخ أن الأنين قد وصل إلى الحد الأقصى. ما الذي دعا الثوار إلى استعادة مصير القذافي؟ إنه العنف الذي لا يهدف فقط إلى إحداث ضرر جسدي، بل يسعى إلى كسر الروح وقتل الكرامة وتشويه النفس الإنسانية. إن صورة الجنود بزيهم الدال على أنهم حماة الوطن وهم يجرون امرأة فاقدة الوعي ويعرونها وينهالون عليها ضربا وركلا وسحلا، ليست إلا دليلا على منهج بذيء اعتادته كل الأنظمة الفاشية القمعية الدكتاتورية لقتل روح التمرد والحرية في نفوس من تحكمهم، فلا تقوم لهم قائمة. إن أحداث العنف لم تكن فتنة ولا مؤامرة ولا دسائس خفية أو معلنة، بل هي خطوة أخرى تضاف إلى خطوات سبقتها لوأد الثورة المصرية ودفنها تحت ركام عال كومه خلفاء مبارك من الترويع والتجويع والإيلام. إنهم يقضون على حلم مصر، وهم منطلقون في طريق الغي يعلمون أن لا أحد سيوقفهم سوى الثوار. فالساسة قد انشغلوا بالكراسي التي تلوح في الأفق، والجماهير، التي لا تحدث تغييرا مصيريا، قد انضمت لصفوف القطيع وتتحرك مع اتجاه اليد التي تحكم.

إن حرق المجمع العلمي، الذي لم يكن يعرف بوجوده السواد الأعظم من الشعب المغيب أصلا في متاهات التجهيل المتعمد بتاريخه وشأنه بين تاريخ الأمم، كان حدثا في سلسلة متكررة من حوادث حرق ونهب مبان هامة، ليس أقلها محاولة حرق ونهب المتحف المصري في الأيام الأولى للثورة المصرية. كان الحرق والتدمير جزءا من أسلوب أعداء الثورة، تشويها للثوار واستهتارا بقيمة هذه المباني واستباحة لثروات مصر التي لم تكن أبدا، منذ بداية عهد العسكر، لأبنائها. في أحداث العنف الصادمة التي وشمت بوشم #OccupyCabinet على تويتر، كانت بنات مصر هدفا "للنازيين الجدد" حيث طالب واحد منهم، على مرآى ومسمع من العالم، بإلقاء ثوار التحرير في أفران غاز هتلر، مميطا بذلك اللثام عن جزء آخر قبيح في وجه السلطة الحالية، التي تستعد لاستقبال طاغية جديد لا يختلف كثيرا عن أي طاغية ماض أو حاضر، بل قد يعتمد التكرار الممل له منهجا ويستعير أجواء قمعية عفا عليها الزمن، وربما يعيد سيرة الطاغية الأسبق الذي يقضي سنوات تقاعده مرفها منعما في منتجع طبي. وهذه هي العدالة التي تنتظرنا إن سرنا في ركاب مجلسه العسكري الذي أقسم له يمين الولاء وحافظ على القسم، وذبح الوطن من الوريد إلى الوريد، وقدم جزءا من الأضحية لمن أنكروا الشهداء وصموا الآذان عن الحقوق طمعا في نصر أيدولوجي أو إخلاصا لفكرة تآمرية تسيطر عليهم. وباتوا في ظلمة قلوبهم يقسمون غنائم حروبهم الوهمية ويبلعون كل إهانة طمعا وجشعا في سلطة ستأتيهم على جثث الشهداء وأنات الجرحى ودموع الأمهات وصراخ الأطفال.

لا تندهشوا إن تعامل جنود الجيش بوحشية مع إخوتهم في الوطن، فهذه شيمة أهل الباطل. لا تحزنوا إن انتهكوا حرمات المواطن، فمن لا يؤمن بالحرية يجوز له أن يفعل ما شاء. لا تأملوا أن يعودوا خير أجناد الأرض وأسيادهم يسوسون البشر كالأنعام أو أقل. أما المنادين، من أصحاب النوايا الطيبة ومن غيرهم، بفتح تحقيقات وإعمال سيف العدالة في رقاب المخطئين، إنما هم يفتحون بابا خلفيا للهروب لكل ظالم معتد. فكل ما يتم وسيتم وهذا الحكم الجائر جاثم على صدر مصر هو محض هراء ومضيعة كبيرة من عمر مصر والأهم أنه موت بطئ للثورة التي بات دفنها وشيكا إن لم ننفذ من هذا المنحدر الخطر الذي يجذبنا إليه مجلس عسكر المخلوع. هذا المجلس الذي يلوذ بالاستخفاف بالعقول هربا من المساءلة، ويظن أن مؤتمراته الصحفية المثيرة للشفقة، والتي لا فائدة ترجى منها اللهم إلا جعل لواءاتها مادة للسخرية، هي باب مشروع للعب بعقول شعب أدركوا، بحنكتهم في ظل نظام فاسد فاجر يوشك أن يكون سابقا، أنه قابل للخداع بشكل حقيقي أو افتراضي. فبعد اعتقاد الناس، إن خوفا أو طمعا، أن المجلس يمكن أن يكون شريك حكم بشروط الثورة أو على الأقل بشروط توافقية، إذا به يلاعب جميع القوى ويضعها في مواجهة حتمية بين شهواتها السياسية وبين مصلحة الوطن، مع علمه أنها ستغلب أطماعها الخاصة على المصلحة العامة. وإذا به يمارس ضغوطا لا إنسانية ضد المواطنين العاديين من قطع للأرزاق وتكريس للظلم والفوضى اليومية. وآخر ما في جعبته كان إطلاق جحافل الظلام إلى التحرير كي يطفئوا نور الأمل.

لذلك بقي المعتصمون أمام مبنى رئاسة الوزراء، بقيوا رغم أنهم قلة، رغم أن الدعم لهم صار شحيحا، بل ومشروطا. بقيوا رغم أن الخيانة صارت عنوانا رئيسيا لكل موقف، بقيوا لأنهم مؤمنون. ولن تكون أول ولا آخر مرة يرشون عليهم زخات الشتائم ولا زخات الرصاص. ولن تكون أول ولا آخر مرة يتبرأ من يريد أن يتبرأ من فقراء الوطن ومشرديه، فقد ماتت الإنسانية من قلوبنا، وصرنا نرى أجسادا تنتهك حرمتها، فنصيب الضحية من لاذع لساننا، ورؤوسا تنفجر إلى دماء وأشلاء على الأرض، فندوس عليها بأقدامنا. صرنا ميتي الضمير، خوفا على لقمة عيش بطعم الذل. أما أحرار التحرير في كل مكان بمصر وخارج مصر، والمؤمنون بحق المصريين في وطن معافى سليم من أدران القمع والظلم والفساد، فهؤلاء هم حماة الوطن الحقيقيين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمود ماهر يخسر التحدي ويقبل بالعقاب ????


.. لا توجد مناطق آمنة في قطاع غزة.. نزوح جديد للنازحين إلى رفح




.. ندى غندور: أوروبا الفينيقية تمثل لبنان في بينالي البندقية


.. إسرائيل تقصف شرق رفح وتغلق معبري رفح وكرم أبو سالم




.. أسعار خيالية لحضور مباراة سان جيرمان ودورتموند في حديقة الأم