الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف نفسر الأحداث المحبطة الجارية الآن في العراق؟

كامل كاظم العضاض

2011 / 12 / 22
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


منذ عودة السيد المالكي، رئيس الوزراء، من رحلته الى واشنطن في 12 من الشهر الجاري، (كانون أول،2011)، جرت في بغداد أحداث متتالية، جاءت أخبارها كمطارق إنثالت على رؤوسنا دفعة واحدة. وإذ نحن ألفنا أخبار الإنفجارات والدمارات، بما فيها تلك التي جرت هذه المرة في المنطقة الخضراء وبجوار مجلس النواب، ولكن إصدار مذكرة قضائية للقبض على نائب رئيس الجمهورية، السيد طارق الهاشمي، بتهمة الإرهاب أثار في بعضنا العجب العجاب! وناهيك عن قضية إقالة السيد صالح المطلق من منصبه كنائب ثاني لرئيس الوزراء. لكن هل من تفسير مقبول لهذه الأحداث؟ ولنركز على موضوع الهاشمي، فقضية المطلق يمكن تفسيرها بصورة أيسر. ولابد في البداية أن نفهم كيف يجب أن نفسر هذه الحوادث، لاسيما قضية الهاشمي؟ فالمعلومات الواردة من كل الأطراف ناقصة، والإنحيازات لهذا الطرف أو ذاك جاهزة، وثمة خفايا واسئلة عديدة يمكن أن تُطرح، وقد تعطي تفاسير متناقضة. في هذه الحالة لابد من إنتهاج المنهج المنطقي الإستقرائي، ولابد من طرح الأسئلة الكاشفة من بعض الزوايا، ولابد من تحليل الموضوع ضمن السياقات المنطقية، هذا إذا كنا نريد الإقتراب من التصور الأرجح، واضعين إنحيازاتنا الخاصة خارج الإطار، إن كنا موضوعيين وأصحاب قضية، وليس بمشّهرين، تتحرك اقلامهم على خف الطبول.

معلوم للمتابع مقدار فداحة التطورات في العراق، منذ سقوط النظام الإستبدادي السابق في عام 2003، وحتى الآن، ومعلوم لدى المتابع مقدار تشوّه العملية السياسية التي قامت على أسس طائفية وتحاصصية وأثنية، ومعلوم أيضا مقدار تفشي الفساد والتزوير وعدم الكفاءة، ومعلوم كذلك مقدار الدمارات والخسائر الفادحة والتضحيات الجسام التي قدمها أبناء شعبنا العراقي، بمئات الألآف من الشهداء الأبرياء والمصابين والمعوقين، ناهيك عن تردي الحياة ، وتصاعد خط الفقر والبطالة، وما الى ذلك من مآسي. وهذه تجدها في صور موثقة على الأشرطة ووفقا لتقارير ودراسات دولية، وليست محلية فقط. بل وحتى ورد الكثير من جوانبها على ألسنة المسؤولين أنفسهم. نخلص من ذلك الى أنه ليس هناك طرف من أطراف الحكومة، ( وهي حكومة المالكي، أساسا، والتي هي الآن في دورتها الثانية بعد مضي أكثر من ست سنوات على تشكيلها برئاسته)، بل وحتى مجلس النواب، يمكن أن ينكر مسؤوليته المباشرة أو غير المباشرة عن حصيلة ما صنعت أياديهم في إدارة هذا البلد أو تمثيله. ويسمع الناس بإجراءات وسياسات وتحقيقات لمعالجة الأوضاع، ولكنها ما فتئت تتردى، بإستثناء بعض التحسن الملموس في إبطاء مسيرة الموت الإرهابي وليس إنهائها. كيف تُنهى إذا ثًبُتَ حقا بأن اعضاء في قلب الحكومة هم من يمارسون الإرهاب؟ كيف يتحسن إذا كانت بعض القوى المشاركة في العملية السياسية هي ذاتها تملك مليشات جاهزة لإرتكاب ما تشاء من الجرائم والإغتيالات؟ عندها يمكن القول، حسبما ما يقول أخواننا المصريون؛ "مافيش حد أحسن من حد"! هذا على صعيد التعميم، أما على صعيد التشخيص، فالإنصاف والموضوعية توجب أن تدرس كل قضية على حدة، اي بحد ذاتها. إذ قد لا تخلوا الحكومة ومجلس النواب من بعض المخلصين وحسني النية، ممن يبدون وكانهم يحاولون تحسين الأوضاع أو تخفيفها، ظاهريا بالقول، وربما بالعمل بالنسبة لبعضهم. لا بل ويمكن القول أن المالكي شخصيا قد يبدو نظيفا ومخلصا، ونراه في بعض المواقف يشكو إحباطه، على الرغم من عزمه على إنهاء الأوضاع الشاذة، فقد شكى بمرارة من المحاصصة التي قيدت يديه، وشكى من الفساد، ونادى بحكومة أغلبية ليتحرر من قيود المحاصصات، ولينهض بإعمار البلاد. ولكن ماذا يفعل المرء حينما يسمع عن فساد نجلة وإمتلاكه لفندق في سورية يكلف ملايين الدولارات، وماذا يفعل حين يسمع عن تستره على فساد وزير تجارته السيد السوداني، ماذا يفعل وهو يسمع عن تعسف وربما فساد بعض مستشاريه. هنا نجد أن القضية أضحت ذات بعد تخصيصي، وهنا لابد من أدلة وبراهين، فمن يملكها؟ كلنا نسمع فيها ولكن لم نقرأ عن أدلتها. وبالمقابل، يمكن سحب هذ القول على قضية الهاشمي ايضا. اين البراهين، نعم أما أن تكون هناك براهين وأما لا تكون هناك قضية أساسا. وحينما تعوزك البراهين الدامغة، فما عليك إلا بالقياس على أساس الحصيلة أو النتائج؛ لماذا إذن هناك فساد؟ ولماذا هناك عشرات القضايا التي رفعتها هيئة النزاهة عن الفساد؟ ولماذا يموت الناس إرهابا وإفقارا وتشريدا، لماذا؟ من المسؤول؟ حينما يكون الشخص في موقع المسؤولية الأول يصبح مسؤولا، حتى لو لم يقارف هو بنفسه الفساد والإرهاب، فعلى قول سيدنا الخليفة عمر بن الخطاب؛ " والله لو ضاعت عنزة في وادي من وديان اليمن، لحسبت نفسي مسؤولا عنها!" ذلك هو الموقف المتسامي من تحمل المسؤولية. وحينما يعجز المسؤول الأول عن حل المعضلات ناهيك عن تحقيق العدل عليه أن يصارح الناس ويتنحى لغيره، أي لمن هو أقدر واكثر إستعدادا لذلك.
نعود لقضية السيد الهاشمي، فهو ضابط سابق ومتقاعد منذ عهد النظام السابق، دخل ثم تزعم الحزب الإسلامي العراقي، (حزب اخوان مسلمين عراقي). وحينما دخل هذا الحزب في صراع طائفي بعد سقوط النظام السابق، دارت رحى معارك، طالت الناس وبعض المؤسسات، على أساس مذهبي مقيت. ولابد في هذه الحالة أن يجد الحزب من يموله، لاسيما وأن دولا طائفية تحيط بالعراق، ولابد في هذه الحالة أن يجهز نفسه بالعتاد والرجال الذين قد توكل لهم مهمات إرهابية، مهما كانت التبريرات؛ دفاعا عن النفس، دفاعا عن الطائفة، حفظا للمذهب، حفظا للحق في المشاركة في الحكم؛ المبررات جاهزة دائما، ولكن ما يفوت الفئوي وضيق الأفق هو شيئان؛ الأول هو رد الفعل الذي سيقود لحرب أهلية طائفية ودمار لا تنجو منه الطائفة المدافع عنها، والثاني، حينما يتلقى حزب صغير أموال كبيرة من السعودية، مثلا، أو غيرها، فهو ينفذ أجندتها، شاء أم أبى. وهذه دول لا تمنح المال لسواد العيون أو لترقية العراق، بل هي تريد إضعاف دولة قد يتسيدها مذهب شيعي مرتبط بإيران، وهذه الأخيرة تعتبر عدو لدود على صعيدين، الأول جيوسياسي، يتعلق بالنفوذ والمصالح والجغرافية، والثاني هو محاولة لمنع صعود دولة ذات مذهب معادي ومنبوذ من وجهة النظر الوهابية، إذ ربما تشكل هذه الدولة مع إيران طوقا إستراتيجيا لخنق الدولة الوهابية في السعودية وفي معظم دول الخليج المرتبطة بها. هنا يتفوق حساب الطائفة على حساب الوطنية العراقية. في هذه الحالة، وكان السيد الهاشمي قد تبؤ منصب أمين عام الحزب خلفا للسيد محسن عبد الحميد، لابد أن تكون للرجل صلة ببعض تنظيمات حزبه المليشياوية، ولابد أن تكون قد مرت بعض الأعمال الإرهابية، سمها ما تشاء، دفاعية، هجومية، من أمامه وبعلمة. ولكنه حين تبؤ منصب نائب رئيس الجمهورية، دفعة واحدة، واضحت لديه موارد غزيرة، لابد في هذه الحالة ان يستخدمها، حتى ولو ناى بنفسه عن منصب أمين عام الحزب الأسلامي. وليس هو الوحيد، فجميع المسؤولين والنواب أصبحت لديهم أموال وجيوش من الحمايات الشخصية، فليس من المستبعد إستخدامها عند الضرورة. وعلى ذلك حين تشعر دولة راعية للحزب أن المالكي أصبح نافذا ومتفاهما مع الأمريكان، فلابد من عمل ما لإحباطه وإفشاله محليا، والتفجيرات الإرهابية اصبحت سلاحا شائعا في العراق. ومن هنا جاء التحرك على المنطقة الخضراء وعلى مجلس النواب. ومن هنا يأتي حسلب البينات والأدلة. فالهاشمى بعد مواجهته فر الى السليمانية وأربيل، ثم رد على شهادات أدلى بها ثلاثة من أفراد حماياته، مدعيا عدم صحتها، كما رفض مواجهة القضاء العراقي إلا بضمانات وفي إقليم كردستان بعد توجيه التهم إليه، فقد صرح أمام الإعلام من السليمانية، بأنها شهادات مفبركة وغير صحيحة. مدعيا بأن جهة الإختصاص لمحاكمته هي محكمة فدرالية وليس لجنة قضائية حماسية، مستندا الى المادة 93 من الدستور. والثغرات في رد الهاشمي هذا، نوجزها بالآتي؛ أولا، لاتنص المادة 93 بالدستور على تمتع نائب رئيس جمهورية بذلك، انما هو يفسرها كذلك. وثانيا، طعن بشهادات ثلاثة من أفراد حرسه الخاص دونما دليل، لاسيما وان أحدهما أشار الى عمليات محاولات إغتيال وتفجير كلفها بها الهاشمي مقابل مبلغ ثلاثة آلاف دولار، فإذا كانت لديه إثباتات بالنفي فليقدمها الى محكمة اللجنة القضائية المختصة. وثالثا، انه تحسب للأمر فهرب الى إقليم كردستان ورفض مواجهة محاكمة في بغداد، إذ طالب بمحكمة دستورية إتحادية في كردستان، في الوقت الذي من حق القضاء إستجلاب أي متهم للمحاكمة في مقرها في بغداد، أينما كان مكان تواجد المتهم. يبدو واضحا أنه هروب وتملص ومحاولة لطلب حماية من سلطة إقليم، وهي ليست دولة أخرى بل جزأ من الدولة العراقية.
في ضؤ المعطيات أعلاه، وفي الوقت الذي تشير الى قوة وجسامة القضية التي أُتهم فيها الهاشمي، نبين الآتي؛ أن المجال الوحيد أمام الهاشمي هو الرضوخ لمحكمة اللجنة القضائية، وهنا يمكن الإثبات فيما إذا كانت الشهادات والقرائن والشبهات السابقة صحيحة أم لا؟ والإستقراء المنطقي يشير الى ميل كفة التهمة الى الرجحان. فإما أن تكون هناك براهين أو لاتكون، والمؤشرات تعزز صحة الإتهامات. والغريب أن أمثال الهاشمي لا يقدرون الدرك المنحدر الذي ينحدرون به، ليس فقط على المستوى الشخصي، وإنما في قيادة البلاد، فهم في قمة السلطة ويتاملون بهذه الأدوات التهشيمية للبلاد انهم بذلك يديرون صراع مصالح لمصلحة طائفتهم، أو حزبهم، ولا يعلمون، او ربما يعرفون بانهم يخدمون مصالح دول تريد تقسيم العراق وتفتيته، فمصالحهم الشخصية تعميهم حتى لو تدمرت البلاد ونزل حظ شعبها الى الحضيض.
لعل قصة الهاشمي التي برزت للعلن الآن هي نموذج لقصص خفية أخرى كثيرة، ولكن المحاصصة الطائفية والسياسية تخفيها وتغلفها. ولكن ربما، عند فرض مصالحة معينة، تكنسها تحت السجاد فتخفيها. وإذا كانت القصة الآن مكشوفة، فعامل الجدية الآن يقع على المالكي وحكومته، فإما أن يسير بها الى النهاية، فتزداد مصداقيته ومصداقية القضاء، اما أن يكنسها تحت السجادة ويتصالح حولها، حفظا على كرسي الحكم والمصالح المرتبطة به، فيتبخر ما بقي من صدقية في القول والعمل. ولعل الشعب سيتوعى ولو بثمن باهظ وسيقول كلمته في الإنتخابات العامة القادمة، فمن مصلحة البلاد إن لم تكن من مصلحة المالكي أن تُجرى إنتخابات قادمة قبل موعدها بكثير جدا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون: أنجزنا 50% من الرصيف البحري قبالة ساحل غزة


.. ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟




.. المقاومة الفلسطينية تصعد من استهدافها لمحور نتساريم الفاصل ب


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل لاتفاق وعلى حماس قبول ال




.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تهدم منزلا في الخليل