الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعمار السردي في رواية -حجاب العروس-

ميثم سلمان
كاتب

(Maitham Salman)

2011 / 12 / 22
الادب والفن


الرواية ليست فقط حكاية تقال، بل أيضا كيف تقال! حيث كيفية سرد الحكاية لا يقل أهمية عن الحكاية نفسها، ويتضافر هذان العنصران مع عناصر أخرى لإنتاج الرواية. لذا يكون مبررا الانشغال بابتكار هياكل جديدة لسفح مجرى الحكاية على أديم الرواية بشرط أن لا يغدوا هوسا يبتلع هم الحكاية وعناصرها الأخرى.
في آخر رواية للمرحوم محمد الحمراني "حجاب العروس" حقق فيها موازنة متقنة بين قوة الحكاية وابتكار معمار خاص لهيكل النص. تتوزع الرواية على ستة وعشرين فصلا. تسري في أربعة خطوط سردية:
الخط الأول
البطل/ ضمير الأنا/ مطر(نور)/ الماضي البعيد/ السنين الأخيرة للاحتلال العثماني لغاية إنهاءه بغزو بريطاني/ مدينة العمارة/ الفصول (من 1 إلى5، 11-14، 22-25).
الخط الثاني
الشخصية الرئيسية الثانية/ ضمير الهو/ رمضان/ نفس الزمان/ مدينة العمارة، مدينة النجف/ الفصول (من 6 إلى 10، 15-16، 18-20).
الخط الثالث
المؤلف/ معلومات تقريرية عامة عن مدينة العمارة/ الفصل (17).
الخط الرابع
الراوي، المؤلف/ ضمير الأنا/ الماضي القريب/ السنين الأخيرة للنظام القمعي البعثي مرورا بالغزو الأمريكي الذي أسقطه ولغاية عدة سنين تبعته/ الفصل (21).
الفصل (26) هو الخاتمة، تتحقق فيه ذروة الصراع حيث يلتقي لأول مرة البطل مع الشخصية الرئيسية الثانية ليكون فصلا مشتركا بين الأخوين الخصمين، محوري الصراع: مطر- رمضان.
الخط الأول والثاني يسريان في تواز ولا يلتقيان إلا في نهاية الرواية. جريان يعرقله الفصل (17) الذي يبدو منعزلا تماما عن مجرى الرواية كتقرير صحفي قائما بذاته. يظهر الكاتب في الفصل (21) على مسرح الرواية وبعد أكثر من ثلاث أرباعها ليقول بأن الشخصيات التي عشت مع أزمتها وتعاطفت مع قسم منها وكرهت قسما آخر ما هي إلا شخصيات ورقية من بنات أفكاري. جرجر القارئ خلال ذاك القسم الكبير من الرواية إلى عوالم الأهوار والثقافة المندائية ولغتها، ليضطر القارئ بعدها إلى إعادة بناء الحكاية في ذهنه وفق خريطة جديدة تأخذ بعين الاعتبار المكونات السردية (الهندسية) المضافة.
بفضل هذا الفصل يغدو من السهولة ترحيل أحداث الماضي إلى الحاضر، وكأن الراوي/المؤلف هو رمز للعراقي المضطهد على مر العصور. حيث بروز المشتركات بقوة بين شخصية مطر والراوي، وما يعانيانه من ويلات الاحتلال: "رجعت لأكتب حكاية عنها، حكاية عن الاحتلال الأول والذي لا يختلف كثيرا عن الاحتلال الحالي وكأن الأزمنة تتناسخ، سرقة للنفط، مشاريع مزيفة، انتشار الأمراض، قتل للزراعة، تشجيع المليشيات على حروب في شوارع بغداد والقتل على الهوية..." ص (50).
كما أنه يطرح رؤيته النقدية عن القصة خلال حوار بين المؤلف وحبيبته، بالإمكان سحبها على الرواية ذاتها: "...قصصك كأنها كارتون يتحرك، لم تعد اللغة المطلسمة هي السائدة في ما تكتب ولا يرغب أبطالك بأن يصبحوا رموزا في السياسة أو الثقافة أنهم أبناء الشوارع الخلفية والحياة الفقيرة، يبحثون عن هوياتهم، وعن الجمال..." ص (46).
البناء السردي المتميز للنص يكمن في توزيع الفصول، حيث بالإمكان ترتيبها بأشكال مختلفة دون أن تختل الحكاية. ففصول الخط الأول، مثلا, يمكن وضعها جميعها في بداية الرواية وبعدها فصل المؤلف ويليه فصل المعلومات ومن ثم فصول الخط الثاني فالخاتمة. أو يكون ترتيب الفصول على النحو التالي: فصل من الخط الثاني يليه فصل من الخط الأول وهكذا، ثم الخط الثالث, فالخط الرابع، وبعده الخاتمة. بالإمكان ترتيب الفصول بعدة أشكال أخرى.
"حجاب العروس" هي الرواية الرابعة للكاتب الشاب الذي وافاه الأجل في عز عطائه الإبداعي عن عمر ناهز الخامسة والثلاثين. رواية قصيرة وممتعة عن حياة رجل من المعدان في أهوار مدينة العمارة منذ لحظة تحوله إلى صابئي على يد شيخ الصابئة الذي رباه بعد إنقاذ حياته. تعالج هاجس التعايش السلمي داخل الوطن، والصراعات المذهبية والطبقية والسياسية التي تتناوب على نهش جسد البلاد. نتعلم منها الكثير عن عادات أبناء الأهوار وطقوس الطائفة الصابئية.
العيش مع الآخر المختلف بلا نسف ولا مصادرة في الوطن الواحد، وتخطي الفروقات المذهبية والقومية للوصول إلى البعد الإنساني الشامل تكاد تكون رسالة النص الرئيسية، مقترحاً أن أهم عاملين فاعلين في زعزعة هذه اللحمة هما التطرف الديني ومضاعفات الاحتلال: " المستعمر دائما يرمي بنا إلى الموت" ص(44). فيقول في نفس الصفحة عن حي الدورة البغدادي حيث عاش الراوي قبل سقوط الدكتاتورية: "...يوجد فيه مجتمع متشابك، مسلمون من الشيعة والسنة وكلدانيون وآشوريون وأرمن وأكراد وصباح كل يوم يستمع أهالي الحي إلى أجراس الكنائس وأصوات مؤذني الحسينيات والمساجد، ويذهبون إلى الأسواق من دون أن يختلف أحدهم مع الآخر...". ويقول مطر بعد زيارته مدينة العمارة: "شاهدت منارة جامع السامرائي العالية وصليب كنيسة أم الأحزان ومدرسة اليهود" ص (59). ونقرأ في فصل المعلومات العامة عن تأسيس مدينة العمارة: "...أفتتح له دكانا صغيرا قرب المعسكر، وأصبح دكان اعماره الأكثر شهرة في هذا المكان، وبنيت مساجد سنية وشيعية وكنيسة ومعبد لليهود ومندى للصابئة. العثمانيون اندهشوا لجمال هذا المكان فطردوا أصحاب بساتين النخيل القدامى، وأعطوها إلى أصدقاء لهم..." ص(36).
من الثيمات البارزة في هذه الرواية هي الحب، رغم أن الراوي/المؤلف لا يقر بذلك: "كنت أريد أن أكتب رواية حب بدلا عن هذه الرواية" ص (49). الحب الذي يعبر الحدود الدينية والقومية والوطنية، مؤكدا ولع النص بالتعايش الإنساني وتجاوز الفروقات. فرمضان العراقي الشيعي عشق أولا بنت شيخه اللبناني وبعدها بنت الوالي التركي، وأخوه مطر عشق بنت الكردي، والراوي عشق فتاة مسيحية.
ملاحظة:
أتبعت الترقيم الموجود في النسخة الالكترونية التي حصلت عليها عن طريق مجموعة "أنفي يطلق الروايات"، وهي صفحة في الفيسبوك أنشأها الروائي أحمد سعداوي استذكارا للمرحوم الحمراني، والعنوان تحوير لإحدى رواياته: "أنفي يطلق الفراشات". منذ إنشاء هذه الصفحة تم وضع روابط لتحميل الكثير من الروايات العراقية والمرتجمة, فضلا عن نقاشات مهمة ومثيرة لروائيين ومثقفين عراقيين وعرب عن الرواية وإشكالاتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا