الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في أوراق ضائعة

محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)

2011 / 12 / 23
الادب والفن



لو قُدّر لتل الزعتر أن يفتح ملفاته يوماً, ويزيل قشرة الصدأ والقيح عن جراحاته ويروي حكاية ابنائه , ممن كتبوا تاريخ المخيم الاسطورة بدم الوريد , وأقاموا من اجسادهم متاريس تحمي نساء المخيم واطفاله الحفاة العراة بين الجثث المحروقة واجساد محاربين لا يملكون هوية الا بطاقة العودة لم توقّع بعد .
بين الرحيلين ليس اكثر من عقد من السنوات اثقلها الهمّ,وأصابها بالتخمّة الوجع والموت والحصار . عشر سنوات تفصل بين حرب المخيمات وسقوط تل الزعتر عام 1976 تلك المجزرة التي نفذّها خدمة للعدو الصهيوني فرسان العروبة وأبطالها . تلك احداث تراجيدية صنعت ابطالا اسطوريين يعجز عنهم الوصف , وتقصر الصفات . كانت في العقد الثالث من العمر , رمحا من رماح بني مازن الانسانة والمرأة المولودة في سحماتا في الجليل الفلسطيني عام 1945 نعمات محمود قدورة ,كانت فتاة يافعة حين سقط زوجها أحمد في تل الزعتر شهيدا , في العقد الرابع وفي نهايته من العمر الذي توزعت سنواته كحبات الذرة على ارض , وزوايا المخيم واوحاله ودروبه حين خسرت في مخيم شاتيلا ولدها عصمت , امرأة تمتلك شجاعة كل الرجال فلم تنكسر شوكتها يوما ولم تنهزم .
كانت هي الحفّار والدفّان والقارئ على شاهدة القبور . والمنتفعون من نكبتنا يساومون خلف الابواب المغلقة على بيع بقايا الوطن الذي لا يعني بالنسبة لهم شيئا ما دامت قصورهم عامرة تظل وكنوزهم لم تمسّ واعضاؤهم سليمة معافاة لم يُصبها التشّوهُ تحافظ على جماليتها وخلقتها الربانية , حيث السماء انطبقت على الارض تسحق الفلسطيني المشرّد بلا هوية وطن وتدق عظمه حدّ النخاع .
كان سقوط مخيم تل الزعتر في 12 آب 1976 علامة فارقة في حياة سكان المخيم وفي حياتها بشكل خاص . ان حصاراً لمخيمٍ سكانه عزّل من كل شيئ الا إيمانهم بأحقيتهم في العيش أفرز بطولات تصّنف في باب الخرافةِ اذا ما قورنت وقيست بآلة القمع والموت , فقطعُ مياه الشرب عن اهل المخيم الذي دفع ثلاثة آلاف من ابنائه شهداء , بسبب الموقف الانساني دفع نعمات لأن تتحدى القناصة الذين وجدوا فرصة اصطياد ضحاياهم في اولئك الذين طلبوا السقاية , فالموت عطشاً في أرض فجرّ الله فيها كل العيون والانهار أمر يرفض المرء تصديقه , ولكي لا تتكرر مأساة الحسين بن علي الموت عطشاً تدرّعت نعمات المرأة والانسانة التي تخشاها حتى قيادات الثورة الفلسطينية واصحاب المسؤولية في الدولة المعروضة في مزادات الثوار , بالموت وغامرت بحياتها من أجل سقاية أُناس محاصرون بالموت عطشاً, فكانت تتسلل ليلاً الى حنفيةً الماء المصيدة وعيون القناصة ترصد وتترصد القادم الى الماء كي تزخّه بالرصاص وحيث قتل عندها العشرات وجرح المئات , في ظاهرة تدخل في باب التحدي وتسقي العطاش . فكانت بذلك انموذجا يستحق التقدير والاعجاب والاقتداء .
ما كنت أولي هذه الانسانة هذا القدر من الاهتمام لو لم أجد فيها تفردا في المواقف وصلابة فاقت ادعاءات كل الأمعات والمزاودين في الحانات الليلية , وجبروت منحها قوة التحدي , لكنه جبروت اصطدم بوحشية ابطال القومية , لكنها ظلت قامة لم تتردد في خياراتها يوما ولم تتراجع وذلك نابع من ثقتها بأن الغد قادم لا بدّ.
تحية وفاء لك منّا نعمات .
...وفي حضرة نعمات الانسانة , لا أنسى ابا الطيب المتنبي في قولته : مَنْ يَهُنْ يَسهَلُ الهوانُ عليه
ما لِجُرْحٍ بميْتٍ إيلامُ
محمود كلّم - بودابست








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب


.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في