الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأديب باسم عبدو: في

رياض خليل

2011 / 12 / 23
الادب والفن


الأديب باسم عبدو في مشاهد راقصة .. رافضة للتثاؤب
رياض خليل قاص وشاعر مناصفة . إنه توأمي الإبداع . له مجموعتان قصصيتان ، وديوانان من الشعر .
" الكرنفال" ديوان جديد ، قصائد ملونة ، تطل علينا بطباعة أنيقة ، ودلائل تفور حسا إنسانيا . وبين " الجريمة " القصيدة الأولى ، وبين " الانتصار" مئة وأربعين صفحة من الحجم المتوسط .
فماهي الجريمة ؟ هل هي رصاصة تقتل مغتصبا ؟ أم هي البوح الداخلي الحميم ، وتلك الهمسات الشفيفة الصادقة ، وهذا الصدق في التعبير عن مكنونات الروح ؟
" الجريمة " كلمة صادقة .. همسة تركب نسمة ، تطير وتحلق ، فيحدث الأنين والوشوشات والخوف ، وتكبر الهمسة ، تتوالد أسرابا من الطيور ، تشق نهارا مظلما ، تتحول إلى شهب . تحرق الفضاء والأسوار والحصون ، تتجذر الهمسات . تبرعم وتزهر وتثمر . / تتخطى الحدود / ترتقي جبلا / تتجاوز سهلا / كان صوتي يطير/ يعرش / يزهر / يثمر/ يتجذر / ص11
تطوق الهمسة . تعتقل . تسيل دماؤها . ولكن هذا الوجع هو بشارة الآتي . فإذا غاب الصوت .. يظل الصدى راسخا فوق جدران القلب ، ووراء بوابات الذاكرة ، يدفع الكلمات لتبديد الصمت القاتل .
يحذر الشاعر الاتكاليين واللاهثين وراء الغيبية والتعاويذ ، الذين يعملون كل مابوسعهم للتعويض عن همومهم وصعوبات الحياة ومآسيها وشقاوتها الجاثمة كصخرة صلبة ، تشبه الطلقة الخلبية ، التي لاتملك إلا صوتها . إنها حياة كل مافيها مشوه . لكن الشاعر لايغيّب الأمل ويبعثره ، فالإشراقات في قصيدة " وردة الشمس " تبسط خيوطها بالرغم من العيون الراصدة ، والآذان التي تصيخ السمع من وراء الجدران ، حتى يكاد الناس يتحسسون نبضاتهم المتقافزة في مخادع النوم ، خوفا من خفافيش الليل .
هؤلاء الناس يرتدون أكفان الموت وهم أحياء . جلودهم معادن باردة في الشتاء ، وحارة في الصيف ، فالبرودة ينبغي أن تكون دافعا للبحث عن الدفء والحرارة ، ينبغي أن تحث الرؤوس الفارغة للتفتيش عن أماكن وملاجئ تتلاءم مع الفصول / أيها الميتون بثوب الحياة / لكأني بأجسادكم وأحاسيسكم معدنية / ليس في رأسكم غير ذاكرة كهربائية / ليس في صدركم خفقات فؤاد ودم / ص31
الأمل القادم .. البشائر الزاحفة ، تحملها إشراقة الشمس . تطل بها على العالم من خلف الجبال الشاهقة / يا وردة الشمس / ياحلما كالجبال / خلف جرح وجوع / آية ويسوع / ص36 . التشاؤم أم عدم القدرة على إيجاد الحلول ، لفكفكة خيوط النسيج المعتم ، فالأمير يتوج وسط هتافات وأعراس وتسبيح باسمه ، ويضيع صوته الرافض وسط الصخب والصراخ ، ويعتلي العرش بالقوة . ويملك الصولجان الذهبي . ويرى المقصلة ، ورأسا يتدحرج . يتلبسه هذا المشهد . إنه رأسه ، والجثة جثته ، ويتحول إلى شخص غير قادر على امتلاك القوة ، فيسلم أمرة لحاشية من السماسرة ، وهذا مشهد مقلوب الصورة ، ومرعب : من قصيدة : " الأمير " / إنه مشهدي / ذلك الرأس رأسي / وجهه ذات وجهي / صعقت / ارتجفت / وعدت / وحدقت / هذا أنا / أعدموني أمام الجميع / وقد أصدروا الأمر باسمي / إنني أشهد الآن أني القتيل / ورأسي هو المتدحرج / ص 52
يتوغل الشاعر بعد هذه الشفافية ، وهذا التلوين في العمق الوطني ، إنه ينقلنا من المشاهد الاجتماعية ، واللوحات التي تزدحم فوقها مراصد الألم والظلم والأمثل .. ينقلنا إلى مشهد آخر ، نتلمس خريطة الوطن ، بمائه وسمائه وجباله ، وهذه السكين تنغرس في القلب . وهاهم الأعداء ينبشون طيات القلوب ، ويفلّون ذرات التراب ، لكنهم لن يطالوا الجذور الممتدة عميقا عميقا .
يحمل الشاعر فوق كتفيه توقا للمقاومة ، لأن العشق المجبول بالكرامة ، وعزة النفس ، تحمله هذه الطيور ، وتدفئه الشمس الخلاقة ، وهذه الأرض المزروعة زيتونا .
القوة في هذا الوطن ، وفي أبنائه الذين يحمون سماءه وحدوده ، يتربصون للأعداء الذين مهما حقدوا وعملوا .. لايستطيعون فتح ثغرات في جسده .
قصيدة " لم أكن أتألم " أو هنتها المباشرة ، رغم رمزيتها أحيانا ، التي تحتمي بفئ الصخور ، فتطل على المعتدين ، تحمل لهم الهزيمة والموت . وأثقلت القصيدة بكلمات مستهلكة : / لا أزال أقاوم / أتحدّى جحافلهم بالحجارة / ص60 – وتحمل بعض الصور تناقضات تمزّق الشفافية التي جاءت رقيقة في القصائد الأولى ، فهل يمكن في العصر الحالي تحدّي الجحافل بالحجارة ؟ ص 60 – وهل تتمسك الجذور بالرمال ؟ ص 63 –
ونأتي إلى القصيدة التي تحمل عنوان الديوان " الكرنفال " ، ترصد الكرنفال حياة الناس وحركتهم ، وتباين مواقفهم . يحمل الشاعر في هذه القصيدة ناظورا ،ويدوره في كل الاتجاهات والدروب والمعابر . تتمازج في تموجات القصيدة الألوان الخافتة والفاقعة والزاهية والزائفة مع بعضها . ويظهر اللون الحقيقي بعد هذا الحصار والتنكر له ، ولاتستطيع الأيدي العابثة بالخراب أن تطمس لونه ، فيأتي اليوم الذي تتمزق فيه كل أقنعة الرياء والدسيسة ، وتتكشف صور المرائين والانتهازيين على حقيقتها : / أتوهّج / أذرو رمادي / فتحترق الأقنعة / ثم تنكشف اللعبة الممتعة / ثم يأخذ من كان صاحب حق حقوقه / ص75 –
الشاعر رياض خليل يبوح بالصور الدفينة المخمّرة ، الناهضة من قلب الحياة ، يلونها بأحاسيسه الصادقة ، وقلمه الشغوف بالمخاطرة ، فتترنح روحه ، تتألق ، وتتقافز متنقلة في خفايا الزوايا المعتمة ، تبحث عن بصيص ضوء يبدد الغبار ، وينثر ورود الحب ، ويزرع الأمل .
ويعود الشاعر بعد " الأمير " إلى الملك ، في قصيدة " المرآة " بادئا كما في الحكايات الجدات : / في قديم الزمان / كان ملك وكان / ملك يتحدى الزمان / ص79 – يتدرج بهدوء من قصر الملك ، يهبط برشاقة ، بعيدا عن الضجيج ، إلى البيوت الواطئة ، وأحياء الفقراء واليتامى ، يبحث عن بائس فقير ، يفتش عن أمه ، وعن أبيه ، وعن قبلة ، عن عرق أخضر يسر به ، يلون بؤسه .
استطاع الشاعر وبقوة أن يشدنا معه في هذه القصيدة ، ويحرك مشاعرنا الجامدة من أمكنتها ، عبر شريط من المشاهد العميقة ، والصور الجميلة ، عندما يرى رجلا ينكش في الرمل ، فيجد مرآة مهشمة ، تعكس صورته الحقيقية ، فيصاب بالرعب والهلع حين يحدق فيها ، ويستنكر هذا التحول المفاجئ ، من آدمي إلى حيوان ! لقد فقد هذا الإنسان إنسانيته : / داخل الرمل ثمة صورة / تتوضح / تبدو ملامحها / ثم يرفعها / وينفض عنها الغبار / ويمسحها / ويحدق / مرآة ؟؟ ! / يهلع / ثمة وجه كريه بمرآته ! / ويحدّق مستنكرا وجهه / ص 87 –
وتعيد إلى الذاكرة قصيدة " البحر " مغامرة " همنغواي " ، وبحر " حنّا مينة " ، وأهوار " حيدر حيدر ، ورياح اللبش البحرية عند وديع اسمندر .
لا يكتفي رياض خليل بالوقوف على الشاطئ ، وغرف بعض الجمال من البحر ! نراه يغامر ويغوص إلى الأعماق . ينزل إلى القيعان المظلمة . إنها رحلة شائكة ، ينتج عنها قصيدة مشوقة رطبة : / أغوص / أغامر في رحلة القاع / أعبث / ألهو مع السمك / الكائنات / النباتات /أغزو تفاصيله / أتصيّد لؤلؤة / ص 95 –
بعد هذه المغامرة ، وهذا الاقتحام والمخاطرة ، ينقلنا الشاعر مشيا على الأقدام ، إلى خشبة المسرح ، لمشاهدة مسرحية جديدة .. إلى قصيدة : " الغريق " . وفوق خشبة المسرح يؤدي الناس أدوارهم المختلفة .. هذا هو مسرح الحياة ! وهذه الحياة مسرحية معقدة !! وتضيع الأدوار أحيانا ، وتزول الحدود ، وتصبح ملامح الوجوه : / وأنا أتقلّب / أرثي ضياعي / أتساءل / أبحث / أكتشف المسألة / فتساورني خيبتي /ص101 _
ويرصد الشاعر في قصائد : ( الوحش ، النار ، المحارب ، الانتصار ، ) أحلام الناس ، وصور حياتهم .
فصورة الوحش تتراءى في الصحو والنوم ، وتظهر بشكل مرعب ومخيف .. إنه الوحش ، وما أقبح أن يتحول بعض الناس إلى وحوش كاسرة .. وآفات مميتة ، قاتلة ، عندما يتخلون عن إنسانيتهم . يقول الشاعر مشرّعا آماله : / ثم ينطلق الطيف عبر الشظايا / ص112 –
وفي مقطع آخر : / ودخلت البراري والغابة المشرعة / ورأيت الفراش .. العصافير .. والزهر / ص 114 – إنها النار تتأجج وتتلظى هنا في قصيدة : " النار " . محاكاة لطيفة بين النار والجنة ، عبر امتحان صعب ، ولكنه جميل ، وجميل جدا :" / أتخطى امتحان الجحيم الجميل الرهيب / ص 119 –
وبين ألسنة النيران المتلظية ، ماتزال جذوة محشوة في خميرة بركان يستعد للثوران ، يخرج من جسد كاد أن يفقد رمقه الأخير .. الحبيبة هي الخميرة التي تحول المعجبين إلى خبز مقمر يبعث الأمل والتألق : / إنّ أوان الولادة آت / وإني سأطبع فوق جبينك قبلة / وفي رملك الذهبي سأنبت نخلة / وعلى شفتيك لسوف أكون ابتسامة / ص 124 –
وماتزال المعركة حامية الوطيس في هذا الكرنفال ، والشاعر يبحث عن رمح الانتصار . يستمد مفرداته من السماء والأرض والنجوم والبرق والرعد ، كلها تحمل دلالات تبدد الوحشة ، وتهزم الخوف من النفوس الظامئة للحب والحياة : / من خلاياي / من نزف جرحي / ثم أبدأ طقس مقاومتي الضارية / بذرة سوف أنغرس الآن في التربة الظامئة / ثم أهطل غيثا / وأروي غليلا / أتوهج شمسا / فتدفئها / وتضيء / تتغلغل في الأرض / ص128 –
لابد أن ترتوي الأرض العطشى ، ويتحول النزف إلى غيث وخير وخصب ، ويعود الشاعر إلى الظلمة ، وهذا الصراع المحتدم وسط الآلام ، إلى المعارك وألسنة ا للهب في آخر القصائد : " الانتصار " .
كل شيء تطفئه العتمة وتمتصه ، فتحبل ، وينتفخ بطنها ، هل هذه بداية تولد في النهاية إشراقة أم ماذا ؟ هل هو الشروق ؟ ومن سينتصر ؟ من سيمتشق سلاح الحب ؟ السلاح الوحيد الذي يحقق الانتصار هو سلاح المقاومة والصمود والصبر : / أقاوم / أنهض / أصنع من خيبتي وهزيمة حلمي ومعركتي وحطامي سلاحا وقوة / ص 141 –
يتبدد عجاج المعارك من هذا الوميض اللامع ، من هذا الوجع المغسول بالدماء ، ويتم الانتصار : / هي الحرب ترسم في وجعي بسمة / وتشق طريقا إلى اللحظات المضيئة / ص 143 –
" الكرنفال " الديوان الثاني بعد بوابة الضوء – إنها قصائد مقاتلة ، سلاحها الإنسان القادر ، وليس الإنسان المتخفي خلف ستارة الخوف والجبن ، الذي يستطيع مواجهة العتمة ، وضباب هذا الزمن وسمومه ، إنها رؤى وأحلام .. آلام .. ولحظات انتصار .
لقد حمل الشاعر الهم الإنساني ، وهنا يكون التألق من خلال رصد المكنونات المكتنزة ، التي تحتضنها الروح ، ومتابعة البحث بجد عن نوافذ لخروج الضوء الخافت من العتمة إلى الرحاب الواسعة ، لممارسة الطقوس البشرية والإنسانية بحرية دون خوف ، حياة ينتصر فيها الحب على البغيضة ، والأمل على الانكسار والتألم ، فيتبدد الخوف ، ويذبل الوجع ؟
ومهما تبدلت الأمكنة ، يظل المكان الوحيد يحمل قدسية الإنسان الصامد ، الذي يواجه قوى الظلام ، ويظل الكرنفال مهموما .. مشغولا .. متولعا .. ممسكا بهذا الضوء النابت إشعاعا فوق الأرض ، وتحت قبة السماء ، يخرق الغيوم ، ويوزع آخر منه على قصائد الشاعر رياض خليل المتألق في قصائده وشعره ، كما يتألق في قصصه ، وهمه الوحيد الناس .. كل الناس البسطاء . يكره الظلام والاغتراب والاستغلال ، ويحمل معولا لهدم كل ماليس له جدوى ، يشعل الهشيم ، ليظل الربيع يملأ صفحات الديوان بالألوان والخضرة والبراعم المتفتحة ، أو التي ستتفتح ، تحملها الشمس ، ولكن في الوقت المناسب .
العدد ( 153- 154 ) 1995 من مجلة دراسات اشتراكية - الصفحا ت من (188- 194 )








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة أخيرة - الزمالك كان في زنقة وربنا سترها مع جوميز.. النا


.. المراجعة النهائية لطلاب الثانوية العامة خلاصة منهج اللغة الإ




.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت