الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تركيا وفرنسا وجهان لعملة واحدة.

الطيب آيت حمودة

2011 / 12 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


اشتد الخصام بين خصمين كانا أيام زمان على قدر كبير من الندية والصداقة ، تبادلا الود والمجاملات وحسن التعامل منذ أيام فرنسوا الأول و سليمان القانوني ، حيث منح السلطان الأخير امتيازات واسعة للفرنسيين في صيد مرجان (القالة ) الجزائرية ، ووقفت بحرية بربروسا (خير الدين بربروس) يدا قوية في مساعدة فرنسا ضد خصومها التقليديين الأنجليز ، ساءت تلك العلائق بتعاظم الأسطول العثماني، و ظهور بوادر الحرب الكونية الأولى بانضمام الدولة العثمانية لدول المحور إلى جانب ألمانيا ، وفرنسا الى الحلفاء ، فتحول الود إلى خصومة والسلم إلى حرب بالسيف والقلم .
الدول التوسعية قديمُها وحديثها ورثت إرثا تاريخيا يُطاردها وينغص علائقها في حلها وترحالها ، فهي مكبلة بقيود اقترفها الأجداد لكي يدفعها الأحفاد تقسيطا واستهجانا .
في الحقيقة أنا أنظر للدولتين نظرة واحدة ، كلاهما اعتمد التوسع على الأقوام الأخرى ، فالعثمانيون المسلمون وإن أظهروا حلما ولينا في تعاملهم مع أهل الملة المنضوين تحت سلطتهم ، إلا أنهم ارتكبوا كثيرا من الحماقات أشار إليها المؤرخ العربي والإسلامي والغربي خاصة ما تعلق منه بالإسترقاق ، ونفسه يقال عن الفرنسيين الذين أظهروا تلونا عجيبا في تطبيق مباديء الثورة الفرنسية خارج ديارها ، منذ طلائع التوسع النابليوني في أوروبا والهجمة الشرسة لها تجاه شمال افريقيا خلال استدمارها للجزائر خلال القرن التاسع عشر والعشرين (1830 / 1962 ).

كلا الدولتين بنا استراتجيته على التهويل السياسي لكسب مزيد من الأنصار ، ف(حزب العدالة والتنمية )بقيادة أردوغان همه هو استجلاب مزيد من التأييد العربي الإسلامي لاسترجاع مكانتهم المفقودة سابقا بفعل لون العلمانية الذي انتهجوه منذ عهد كمال أتا تورك ، وفرنسا بقيادة ( اليمين ) برئيسها ساركوزي ساعية إلى تبيان وجها الإنساني تجاه المظلومين لكسب أصوات جديدة في الإنتخابات الرئاسية الوشيكة ،فالصراع بين الدولتين افتراضي أملته حاجات سياسية داخلية لا تحتاج إلى هذا التسنج الكبير في إفساد ذات البين بينهما ,
فما الضرر من تجريم الإستعمار ومعه تجريم الإبادة الجماعية مادام ذلك لا يلزم أحدا خارج فرنسا ؟ .


°°°°جرائم العثمانيين حقائق قائمة :

لايمكن لعاقل أن ينكر جرائم الدولة العثمانية المنظمة ضد الأرمن ،فالمؤرخون أشاروا إليها باقتضاب في ظل تعتيم رسمي عثماني ،هذه الإبادة التي بدأت منذ أواخر القرن التاسع عشر (18941895/) بتهجير قبائل الأكراد المسلمة إلى مناطق الأرمن للتضييق عليهم نفسيا وضريبيا بدفعها مضاعفة ، وتمرد الأرمن على الضرائب الجائرة كان الدافع الأساس للأتراك بالتدخل عسكريا ، فتعاون الكرد والترك على قتل وقتال الأرمن بدون تمييز ؟ ، مثلما وقع في مجزرة ( طرابزون).تلاه اعتقال النخب الثقافية الأرمنية بتجميعهم في اسطنبول تم نفيهم إلى مناطق مجهولة ،وتصفية العديد منهم عند انطلاق شرارة الحرب العالمية الأولى 1915 حيث قتل ما يقارب الستين ألف من الجنود الأرمن النظاميين لديها ، وما تلاها من تهجير قسري لقبائلهم باتجاه صحاري الدول العربية خاصة سوريا ، وما رافقها من اعتدا ء ونهب وقتل واختطاف أثناء المسيرة الكبرى . ولعب حزب الترقي دور الفاعل الأساس في قتلهم وتهجيرهم وإبادتهم ، فكان وزير الداخلية ( طلعت باشا) يصدر أوامر سرية لقواته وتنظيماته بعدم الإبقاء على أرمني واحد على قيد الحياة ، وهذا نصٌ لبرقية وجهها طلعت باشا لقواته وأركانه : تحت رقم 1181 في 16/9/1915 يقول نصها:
"لقد أبلغتم من قبل أنه تقرر نهائياً حسب أوامر الجمعية (يقصد جمعية الاتحاد والترقي) إبادة الأرمن الذين يعيشون في تركيا والذين يقفون ضد هذا القرار لا يسعهم البقاء في وظائفهم. ومهما تكن الإجراءات التي ستتخذ شديدة وقاسية، ينبغي وضع نهاية للأرمن.. لا تلقوا بالاً بأي صورة للعمر والوجدان والرجال والنساء.. طلعت باشا" !.
ولعل في هذا التقتيل الممنهج للأرمن هو ما أوصل التعداد إلى نفس تعداد شهداء الجزائر أيام الإستعمار الفرنسي ، ( مليون ونصف ) .

°°°جرائم فرنسا في الجزائر بدموية تفوق النازية والتركية.

كيف يجرأ ساسة فرنسا التشدق بحقوق الإنسان وجمعيتهم الوطنية هي التي اعتمدت ( قانون تمجيد الإستعمار )في أفريل 2005 رغم بشاعة ما اقترفه أسلافهم ضد الشعب الجزائري طيلة 132 من الإستدمار ، كيف لها أن تكيل بمكيالين تجرمُ تركيا وتنسى نفسها ؟، وكيف للمجلس الشعبي الوطني الجزائري التخلي عن مشروع قانون مضاد لتجريم الإستعمار الفرنسي ؟ كيف لفرنسا أن تنسى جرائمها في أحداث 8ماي 1945 ، وتجاربها النووية بجعل الجزائريين كجرذان للتجربة ، آثارها لازالت قائمة لحد الآن .
أنا أرى بأن الدول الإستعمارية منافقة في تعاملها مع ارثها الإستعماري ، فهي جادة في ابراز وجهها المليح دون القبيح ، محاولة منها في منع المستعمرات السابقة على المطالبة بالتعويضات والإعتذار على ما بدر من أسلافها الإستعماريين ، قد يستغرب الإنسان من حدة الرد التركي على قانون معاقبة الناكرين لنكبة الأرمن ، فالإبادة لم تقع في عهد الجمهورية التركية بقدر ما وقعت في عهد الخلافة العثمانية 1815 ، لكن بإيعاز من القوميين الأتراك ( الإتحاد والترقي ) الذين تولوا السلطة بعد إلغاء الخلافة رسميا في 1924، ورغم المسؤولية الأخلاقية والإنسانية للأتراك فإن الجمهورية التركية الحالية قادرة التنصل من المسؤولية باعتبارها وقعت في عهد سابق ، ونفسه قاله ساركوزي بأنه غير مسؤول أفعال الأسلاف ، والغريب في أمر الشقاق أن أردوغان يهدد بالعقوبات السياسية والتجارية ضد فرنسا ، وساركوزي يرد بأن القرار بيد مؤسسة تشريعية ستصدر قانونها بناء على اقتناع أخلاقي وإنساني ، هل هذا يعني أن العلمانيين أكثر حرصا على البعدين الأخلاقي والإنساني من الأتراك المسلمين ؟

مجمل القول أن تركيا وفرنسا الحاليتان هماعملتان بوجه واحد ، ورثتا هواجس استعمارية ليس فيما بينها فحسب ، بل بينها وبين مواطنيها وبين الشعوب المستعمرة ، فالضغائن قائمة ، والتاريخ هو أحد العوائق المولد للاحتقانات فيما بين الدول ، والأطماع التوسعية كانت وراءها دوافع دينية وعنصرية أنتجت كوارث إنسانية وإبادات جماعية ، تجريمها حاليا يساعد على إحياء ضمائر الأمم ويدفعها إلى عدم تكرار مثيلها مستقبلا .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السنوار ونتنياهو يعيقان سياسات بايدن الخارجية قبيل مناظرة ان


.. خامنئي يضع قيودا على تصريحات مرشحي الرئاسة




.. يقودها سموتريتش.. خطط إسرائيلية للسيطرة الدائمة على الضفة ال


.. قوات الاحتلال تنسحب من حي الجابريات في جنين بعد مواجهات مسلح




.. المدير العام للصحة في محافظة غزة يعلن توقف محطة الأوكسجين ال