الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمل وراء القضبان

علاء كعيد حسب
شاعر و كاتب صحفي

2011 / 12 / 25
الادب والفن


في الليل. وراء قضبان النافذة المطلة على الخارج، و التي تعلونا بأمتار، هناك أصوات افتقدناها نحن المعتقلين. زمزمة الرعد، نهيق الحمار، زغاريد النساء في المناسبات و ضجيج الشوارع. بينما مللنا أخرى كنباح الكلاب وصراخ حراس السجن، أصوات المصابين بدنف ما. و أنافت الملل قطرات يبصقها الصنبور الصدئ بوثيرة متتابعة في المرحاض المتمركز على الركن الأيسر للزنزانة، ذو الباب الخشبي الأحمر الذي صارت رائحته النتنة ميزة يعرف بها. المكان الوحيد الذي تجد فيه نفسك بينما أنت "مضفدع" تعصر أمعائك من طعام المعتقل المر، تفكر في المناخ النقي العذب و الطعام اللذيذ المتنوع و الحرية التي لن يمنعك منها أحد، و تحلم بكثير من التأثر، بالمرأة التي تسكنك.

الزنزانة المقسمة إلى ثلاثة صفوف، كل صف من عشرة معتقلين يقيمون في مساحة لا تتعدى خمس أمتار مربعة، تلتصق فيها الأجسام بعضها ببعض، وتفوح منها رائحة العرق. أغلب الوجوه ميتة المعالم. الصورة من الشبرين اللذين يحتوياني مثيرة جدا. الزنزانة كمقطع من مقبرة مهبوشة، الموت ممزوج بالحياة، و الحرية طيف يجوب العقول و المكان. فالمستقبل مبهم غامض، غد مقرر بأجل، حكم بجرة قلم مستبد. الإفراج سراب على ذاكرة المعتقلين اللذين مازال الأمل بداخلهم يفرض الانتظار. وهم لذلك مستمرون من داخل القضبان التي ينبعث منها الحقد، ندب الصرخة الأولى، شرارات الجنون، و نحيب الفراق غير المرغوب.

ربما تولدت هذه الرؤى، بعد أن عاد إلى وعيه بينما نلتف حول جسده المنهك. و هو يدقق في الوجوه التي تطل عليه، ممددا على أرض الزنزانة الباردة، رغم البطانيات التي تكسوها.
حملق في الوجوه المتسائلة التي رسمت تعابير مختلفة من شخص لأخر. فتح فمه الذي مازالت الجلطة التي أحدثتها الكدمات واضحة على شفتيه، و استنشق غصبا بعض الهواء المتعفن من تلك الزنزانة، بينما أحد المعتقلين يمسح بمنديل العرق عن جبينه. في محاولة للنشر الطمأنينة والأمان، في روح "عمار".
و سأله:
هل أنت بخير ؟
نظر إليه "عمار" و قال بصوت خافت بالكاد يسمع :
لابد من تأدية فريضة المبدأ في المعتقل. ثم تنفس بعمق كأنما يستجمع قواه و أتم بصوت مرتفع، ارتد بين الجدران:
لكنهم يجهلون أنهم بهذا يستنسخون داخلنا آلاف المتمردين الثوار.
تعالت الصيحات و التهليل. كان مشهدا مألوفا و اعتياديا، لكنهم في كل مرة يتفاعلون مع الحادث الذي عايشوه مرارا. كل واحد منهم ذاق ما ذاق "عمار" دون أن يظهر ألمه أو انهزامه و استسلامه. و تجده بعد حصة التعذيب يضحك و يمازح رفاقه، في انتظار شخص أخر تحل عليه لعنة مزاج الجلاد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب