الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسَفتان . . .

ييلماز جاويد
(Yelimaz Jawid)

2011 / 12 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


ما يقارب التسع سنوات من الإحتلال ، وضجيج مستمر من جميع الجهات السياسية في الساحة العراقية بالدعوى للديمقراطية ، تظهر الحقيقة المرّة أن لا واحدة من القوى السياسية المسيطرة تؤمن فعلاً بها . مع قرب ( مغادرة ) آخر جندي أمريكي الأرض العراقية تفجّرت الخلافات بين الكتل المتصارعة إنفجاراً يهدد العراق حاضراً ومستقبلاً .

فلسفتان تتحكمان في رسم سياسة وممارسات الطرفين المتصارعين ، نظرية المؤامرة ( الشاطر المالكي ) ونظرية العنف ( الأرعن علاوي ) .

صورة المسرح السياسي يتجاذبها قطبان ، إذا توافقا حيناً يشعر الناس بإستقرار نسبي ، لا جرائم قتل وإغتيال ، ولا مفخخات . وينصرف كل طرف إلى جني أموال الشعب العامة والخاصة بإستغلال مناصبهم أو تهريب ما يسهل تهريبه من منتجات العراق وخاصة النفط والآثار . و لا يغيب عن بال أي طرف التهيؤ لمجابهة الطرف الآخر في حال إنتهاء فترة الهدنة المتوافق عليها . وما أن يغيب التوافق حتى يباشر أحدهما بالعمل ضد الآخر بصورة مباشرة أو غير مباشرة .

بعد ظهور نتائج الإنتخابات العامة وفوز القائمة العراقية بالعدد الأكبر من مقاعد مجلس النواب ، تحرّك المالكي بمؤامرته في توحيد كتلته مع كتل أخرى لتشكيل كتلة أكبر في مجلس النواب لتكون المؤهلة لتشكيل الوزارة . لم يكن بإلإمكان تمريرهذه المؤامرة ، لمخالفتها للدستور أولاً ما لم يكن المالكي ، بمؤامرة مسبقة ، قد ملأ يده أن المحكمة العليا ستصدر قرارها بما يشتهي هو . فالمحكمة العليا رغم ما يقال عن إستقلاليتها فإنها في الحقيقة والواقع ألعوبة بيد المالكي ، ومجرد قراءة ما أصدرته من قرارات لحد الآن يثبت أن لا قرار صدر عنها يتعارض مع ما يريده .

في خضمّ مؤامرة المالكي وبعد نجاحها الذي أدى إلى تشكيل حكومة يزيد عدد الوزراء فيها على الأربعين ، إحتفظ المالكي بالوزارات الأمنية الرئيسة لنفسه ، بدعوى عدم التوافق على تسمية الأشخاص لتولي مناصب وزير الدفاع ووزير الداخلية والأمن الوطني . نتذكر كيف صدرت تصريحات التهديد بالويل والثبور عن قادة الكتلة الأخرى ، وكيف بدأ مسلسل التفجيرات والمفخخات والجرائم التي حصدت من أرواح العراقيين الأبرياء وأموالهم الكثير. كل ذلك بقصد الضغط على الطرف الآخر لجلبه ( للتفاهم والتوافق ) بل للتواطؤ على إيقاف القتال وتهدئة الأوضاع بينهما ، إذ أبتدعت ( بدعة مجلس السياسات الإستراتيجية ) التي فصّلت على مقاسات ( أياد علاوي ) . ولم تكن هذه الصفقة من المالكي سوى محاولة لكسب الوقت للإلتفاف على الإتفاقية ونسفها فيما بعد بحجة عدم دستوريتها ( ولو أن الجميع كان يعرف بعدم دستوريتها إبتداءً ) . وهكذا تبعت ذلك موجة أخرى من العنف والأعمال الإرهابية والتفجيرات وكانت الضحايا أيضاً من أبناء الشعب الأبرياء .

ثمان سنوات قضيناها على هذا المنوال من الصراعات طرفٌ يحوك المؤامرات للتفرّد بالسلطة لطائفته ( أو بالأحرى لحاشيته ) وطرف يصارعه للحصول على أكبر حصة من ( الكعكة ) إن لم ينل كلها .

الإنفجار الأخير ، المتمثل بإصدار أمر الإعتقال بحق طارق الهاشمي ( نائب رئيس الجمهورية ) من قبل إحدى المحاكم بتهمة الإرهاب ، ومرافقة ذلك طلب المالكي من مجلس النواب بسحب الثقة من صالح المطلك ( نائب رئيس الوزراء ) ، إنما حدث ، ويا للعجب ، عندما كان المالكي في زيارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، ووقع على إتفاقيات عديدة ، تصبّ في مصلحة الشعب العراقي ، كما جاء في التصريح الصحفي الذي أدلى به ( نعم في مصلحة الشعب العراقي ، وليس كما يجب أن يكون لمصلحة شعبَي البلدين ) . ومن الصدف العجيبة أيضاً أن تقوم القوات الأمنية بإعتقال عدد من أفراد حماية طارق الهاشمي وتستحصل منهم الإعترافات التي تدينه ، وتصدر المحكمة أمرها بإعتقاله في اليوم التالي لمقابلة المالكي لأوباما . وهل يُعقل أن تقوم القوات الأمنية ، وهي أجهزة تابعة لوزارة الداخلية ، بهكذا عمل دون موافقة أو إشارة من الوزير المسؤول ، الذي هو المالكي ؟ ومن الأعراف السائدة أنه في حالة غياب رئيس الوزراء أو الوزير ، لسفره خارج القطر، يكون نائبه صاحب الصلاحية في ممارستها. فهل يعقل أن نائب رئيس الوزراء ( الذي هو صالح المطلك ) قد أعطى الضوء الأخضر للقوات الأمنية للقيام بما قامت به ؟

نعود ونسأل ما إذا كانت القضية الأخيرة قد تفجّرت لتنامي ظروف إنفجارها ، وبالأخص بفعل قرب مغادرة المحتل ، أم أنها فجّرت عن عمد وبتوقيت مقصود ؟ يقع المحلل في حيرة لتشخيص الجهة التي ستستفيد من هذا التفجير في هذا الوقت بالذات . المالكي بدأ بإشعال القضية ، فهل أن نظامه من القوة ليواجه الوضع السيئ المتوقع بعد هذا القرار ؟ المعروف ان القوات المسلحة بعد هذه السنوات من الجرّ والعرّ لم تبلغ حد الكمال في الإنضباط العسكري الذي يضمن سلوكها في الإطار الذي يريده المالكي من المهنية . إن القوات المسلحة متكونة من أفراد وجماعات تدين بالولاء إلى جهات متعددة . والوضع الإقتصادي المتدهور والأمن المفقود الذي يعاني منه الشعب طيلة السنوات السابقة لا يشجع جماهير الشعب أن تقف مدافعة عن حكومة المالكي . إن مجلسي الوزراء والنواب سيكونان في حل لا يمكنهما ممارسة أي عمل يمنع الكارثة . إذن ، فالسؤال الكبير لماذا فجّر المالكي القضية في هذا الوقت ؟ الجواب المنطقي لهذا السؤال ( أنه قام بوظيفته تلبية لأمرمن رئيسه ) وأن رئيسه أمر بذلك لغرضٍ في نفس يعقوب . إن ما ينتظر العراق من أهوال جديدة هي لكسب الرأي العام العراقي لجانب ضرورة وجود قوات أمريكية ونفوذ أمريكي في العراق .

لقد كانت ردود فعل الطرف الآخرشديدة في العنف في الأيام التالية لإستصدار قرار المحكمة بإعتقال طارق الهاشمي . ( فلينتبه القارئ أني أقو ل الطرف الآخر و لا أقول جماعة القائمة العراقية أو جماعة علاوي ، إذ لا زلت شخصياً مؤمنا أن للقائمة العراقية دوراً إيجابياً يجب أن تقوم به ) . أحد عشر سيارة مفخخة تنفجر في بغداد فقط في يوم واحد تاركة ما يقارب السبعين شهيداً من أبناء الشعب الأبرياء ومئات من الجرحى . والجرائم تترى ، والوساطات على أعلى المستويات تعمل لتنزيل المالكي عن بغلته وجره إلى حلبة التواطؤات ولفلفة الموضوع . فما الذي يمكن أن يقوم به هذا الطرف إن نأى المالكي وأصرّ ؟ هل لهذا الطرف القوة أو الطاقة الكافية لحسم الموضوع إن إقتضى الأمر ؟ إن توازنات القوى الداخلية ، التي وصفناها ، أعلاه ، بالنسبة للقوات المسلحة وجماهير الشعب لا تخدم هذا الطرف مثلما لا تخدم جماعة المالكي . القوى الإقليمية المختلفة في إسنادها لهذا الطرف أو ذاك غير موثوق بها في حسم القضية لصالح أحدهما . موقف الولايات المتحدة بعد إنسحاب قواتها غير واضح المعالم حتى الآن . إذ كم وعدت الولايات المتحدة رؤساءٍ وملوكاً ثم حنثت بوعدها . فإن كان المالكي قد حصل على وعدٍ بتأييده من أوباما في زيارته الأخيرة فذلك لا يعني أن علاوي لم يحصل على وعد مماثل من الولايات المتحدة من خلال السعودية .

هذا الفتق الكبير الذي فتقه المالكي على نفسه سيسير في واحد من إتجاهين : أسوأهما إن أصرّ على موقفه إذ يؤدي إلى حرب أهلية ، يتقسم العراق وتتدخل القوى الإقليمية والدولية وتحارب بعضها البعض على ساحة الأرض العراقية . ولا تؤدي إلى منفعة أية جهة بل تترك العراق خراباً لا يمكن إعماره لأجيال عديدة قادمة . أما الخيار الثاني فهو الجلوس إلى طاولة الحوار الوطني ووضع الحد الأدنى للنقاط التي يمكن الإتفاق عليها ؛ إبتداءً من إستقالة وزارة المالكي وحل مجلس النواب وتشكيل وزارة من التقنوقراط المستقلين تكون مسؤليتها سن قانون للأحزاب وقانون الإنتخابات وإجراء إنتخابات عامة لمجلس نواب يتفق جميع الأطراف على إحترام نتائجها . ويتم تشكيل وزارة جديدة على أساس الأكثرية في مجلس النواب بعيداً عن المحاصصة المشؤومة التي ساقت العراق إلى هذا الحال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصعيد إسرائيلي ضد حزب الله.. هل نشهد غزة جديدة في بيروت؟ | #


.. الرئيس التنفيذي لدائرة الحلول منخفضة الكربون في -أدنوك-: نست




.. المتحدثة باسم البيت الأبيض: الإدارة الأمريكية تشعر بالقلق إز


.. رصد لأبرز ردود الغعل الإسرائيلية على اغتيال القيادي في حزب ا




.. وزير الخارجية اللبناني يتهم إسرائيل بـ-الإرهاب- بعد انفجارات