الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اخوان مصر وصدمة المتوقع

اسماعيل محمود الفقعاوي

2011 / 12 / 25
مواضيع وابحاث سياسية



إن فوز الاخوان المسلمون الكاسح في الانتخابات البرلمانية المصرية الأخيرة كان له عند التحليل اسباب كثيرة سأذكر منها اثنين فقط. 1. نظام الحكم الساداتي والمباركي من بعده. 2. سكولوجية الخلاص لدى الشعب المضطهد والمقموع والمهزوم.
1. نظام الحكم الساداتي والمباركي من بعده:
لم يكن السادات ليحلم في يوم من الأيام ان يختاره الرئيس الخالد جمال عبد الناصر نائباً له كونه مشهور عنه عمالته للألمان ويقال عمالة مزدوجة للبريطانيين ايضاً ابان الحرب العالمية الثانية. ومشهور بجبنه إذ ليلة ثورة يوليو امضى ليلتها في دور السينما كي اذا ما فشلت الثورة، يؤكد بانه لم يكن من ضمن رجالها والدليل انه كان في قاعات العرض السينمائي فينجو من الإعدام بالرصاص. ومع ذلك، ولأسباب معروفة لدي المحلليين امثال محمد حسنين هيكل وكمال الدين حسين اختاره عبد الناصر نائباً له، أنا لا اتذكرها الآن.

عندما جاء السادات إلى الحكم لم يكن مقنعاً لزملائه في قيادة الثورة وفي الاتحاد الاشتراكي وفي الحزب الطليعي وربما غير ذلك. وراحوا ينهالوا عليه نقداً ومعاندة في كل ما كان يحاول فعله لثبيت سلطته وحكمه، فما كان منه إلا أن قلب لهم ظهر المجن وراح يدخلهم السجون، وتطلب ذلك منه اخراج سجناء الإخوان من السجون المصرية وسمح لمن كان منهم قد غادر مصر هرباً أو نفياً أو كراهية في البقاء تحت حكم ناصر أو سعياً وراء العمل في السعودية ودول الخليج والآردن وغيرها من الدول الغربية والغربية بالعودة إلى مصر. لقد اقام الإخوان تحالفاً معه ولكن على طريقتهم؛ 10% من الإخلاص للتحالف و 90% عملاً سرياً لأجندتهم حتى تحين اللحظة المناسبة لينقضوا على حليفهم. لقد سمح لهم بهذه العودة إلى مصر كي يقفوا معه جبهة في وجه اليسار المصري القومي والاشتراكي والشيوعي. فقاموا بمحاربة هذا الفريق الأخير على اتم وجه. فحملوا الجنازير والعصي والمطاوي والسيوف وهاجموا معاقل اليسار وخاصة في الجامعات. وقام السادات باعتقال قيادات اليسار وزجهم في السجون. وبرضى نظام السادات استقدم الإخوان الأموال من الدول العربية الرجعية مثل السعودية وقطر ودول الخليج وكذلك من أموال الصدقة والزكاة التي كانت تقدم لها لإنفاقها، فبنوا المساجد وافتتحوا المكتبات ودور الطباعة والنشر وبنوا العيادات واربعين مستشفىً تعالج المصريين مسلمين ومسيحيين على حد سواء وبسعر اقل من المستشفيات الخاصة واكثر قليلاً من المستشفيات الحكومية وكانوا يعالجون الفقراء مجاناً. وافتتحوا دور رياض الأطفال، والمدارس الخاصة. وبهمة ونشاط راحوا ينشرون افكارهم عبر الخطب الدينية. فكان الشعب المصري وعلى مدى العقود الأربعة من حكم السادات ومبارك يحس بوجودهم وحضورهم.

لقد كان النظام المصري البائد في نفس الوقت الذي كان يبدي فيه حذره من الإخوان خاصة بعد موقفهم الرافض لاتفاقية السلام مع اسرائيل ومن الارتباط الخياني بين النظام وامريكا وتخليه عن الأمة العربية وقضاياها، كان راضٍ عن النشاط الدعوي والاجتماعي والتخويفي للإخوان. فلم يكن النظام معنياً بالمطلق بمحاولة القضاء عليهم أو تحجيمهم؛ ففي المجال الدعوي لم يكن الإخوان من دعاة الثورة الشعبية على ولي الأمر أو السلطان وفي نفس المجال كان لهم دور غيبوي تصبيري للجماهير بأن عندما يحين فرج الله سيزول الظلم وكل مظلوم سيأخذ مظلمته إن لم يكن في الدنيا فبأحسن منها في الآخرة. وفي المجال الاجتماعي كان يعرف النظام ان الأعمال الخيرية التي يقوم بها الإخوان وهي حقيقة لا يمارى فيها تخفف أعباء تنفيذ واقامة المشاريع التي تستوعب جيوش البطالة أو توفير الخدمات للناس، فكان الإخوان يقومون بربع هذه المهمة على الأقل. اما في المجال السياسي فقد كان نظام مبارك وبالتحديد مبارك – الذي كان ينوي التوريث وكانت طبقته من رجال الأعمال والمال تنهب مصر وتكدسها في البنوك الغربية والأمريكية – يرسل رسائل إلى الأمريكيين بأن يعملوا كل ما في طاقتهم وجهدهم لحمايته وإلا البديل سيكون حكم الإخوان الكارهين لأمريكا ولإسرائيل لإتفاقية كامب ديفيد طبعاً كما كانوا ينظرون ويكتبون ويجادلون ويعظون على المنابر. حقاً، لقد كانت هذه السياسة الأخيرة فعالة لدى الأمريكيين ولفترة طويلة.

لقد وجد الشعب المصري البسيط والفقير وكثير الأمية في اغلبيته العون المادي في الإخوان، اعانات مادية ومنح اطعمة للمحتاجين وعلاج وتعليم افضل من العلاج والتعليم الحكوميان. لقد وجد الفرد المصري البسيط كرامته وكبرياءه بما لاقاه من الإخوان من احترام وتقدير وتواضع وتراحم ومودة في معاملتهم واستقبالهم له. ووجد المصر راحة وطمأنينة بأنه مجازىً عند الله بسبب تحمله الظلم والقهر الواقعان عليه. لذا كان من المفهوم والمبرر أن لا ينتمي ويحب غالبية الشعب المصري الإخوان وفقط، بل ويشعرون بأن في الانتماء لهم عمل نضالي سياسي ضمن برنامج الإخوان ضد سلطة مبارك وربما السادات من قبله ويشعرون بوجود وتحقق ذواتهم بهذا الانتماء حيث بدأ الكثير ان يكون له صوت فيما يجري ولو ضمن الإطار الغيبي الديني والتبشير والتنذير ومن خلال الاحساس بأنه لم يعد سلبياً بل ايجابياً بين جماعته من الأخوان وفي حيه وشارعه.

بالمقابل، كانت الأحزاب والتجمعات اليسارية القومية والاشتراكية والشيوعية والليبرالية محط القمع العسكري والمخابراتي والإعلامي الجاد من قبل النظام (مثال ذلك حزب العمل الاشتراكي)، والقمع الإرهابي والتكفيري والإعلامي المكثف واليومي من قبل الإخوان. فاعتقلت شخصيات من قياداته وافراده وحجمت صحفه التي كانت محدودة العدد من قبل وحرم من استقدام الأموال من مؤازريه... الخ. ومن ثم كان دوره الخدماتي والإعلامي بين الجماهير ولها ضعيفاً غير محسوس تقريباً وانحصرت هذه الاحزاب والتجمعات في مقار احزابها الصغيرة.

2. سيكولوجية الخلاص لدى الشعب المضهد والمقموع والمهزوم:
إن ردود فعل المضطهد والمقموع والمهزوم اتجاه ما يقع عليه من جور وفقدان الأمل كثيرة لا تحصى. لكن طبيعة رد الفعل تختلف بحسب كمية المضطهد المقموع. فإذا كان فرداً قد يكون رد فعله نقاش غاضب، أو حمل السلاح في وجه مضطهده، أو قد يكتئب وينحسر في سجن ذاتي متجنباً الانخراط في الحياة ومع الناس، أو يلجأ إلى الله ويكرس نفسه للعبادة، أو قد ينتحر جسدياً. أما بالنسبة للشعب المضطهد والمقموع فستبرز منه قله تتميز بالوعي المعرفي والسياسي والعلمي تتصدى للنظام ثورياً بالكلمة التوعوية الجادة المعتمد على قوى الإنسان في التحرر والانعتاق وتعمل على توجيه الناس إلى الثورة والتمرد على الحاكم ونظامة وستمارس اساليب المواجهة المواجهة. اما بقية الشعب المضطهد فسوف تميل إلى اللجوء إلى المخلص المطلق "الله" ، "الرب" وإلى ممارسة الطقوس كي يقبل الرب ادعيتها من أجل الخلاص ويأتي بفرجه بالقضاء على نظام الظلم بإصابته بما يبيده. هذه الأغلبية أو البقية ستكون مهيأةً للانتماء لمن سيمثل ويدعو إلى هذه القوة. إن حال هذه الجماهير يقول إن لم استطع نيل العدل والحق في الأرض سأناله في الآخرة. لقد عشنا نحن هذه الحالة بعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية عام 1982 من بيروت حيث تأكد لدى الشعب الفلسطيني في داخل فلسطين التاريخية ان غزو يونيو الإسرائيلي ذاك العام للبنان لم يكن بأي حال من الأحوال انتصاراً للمنظمة بسبب صمودها ثلاثة وثمانين يوماً في وجه حصار بيروت بل كان هزيمة ماحقة. ومع أن الإخوان هنا ومنذ العام 1976 كانوا يحاولون حشد الجماهير لهم في وجه منظمة التحرير العلمانية على بحسبهم إلا انهم فشلوا في ذلك إلا في العام 1982 عندما التجأت الجماهير الفلسطينية المكتئبة اكتئاباً جماعياً بعد هزيمة بيروت إلى الله وإلى الإخوان سعياً وراء ايجاد الأمل والسلوى والعزاء. هكذا بالضبط كان الحال مع غالبية الشعب المصري، فقد التجأ إلى الله والمسجد وكتب التراث الإسلامي القديمة والتحاليل الإخوانية الجديدة وإلى الإخوان سعياً وراء الأمل والسلوى والعزاء.

لذا كان من السهل على كل محلل سياسي أو اجتماعي عربي أو اجنبي ملاحظة الفوز القادم الكاسح في اية انتخابات تحصل بنزاهة في مصر سواء قبل ثورة 25 يناير أو بعدها. وبسهولة كان المتوقع وفاز الإخوان بهذه النتيجة الهائلة.

ومع صحة هذا امتوقع المبرر وغير المستغرب، كان تصرف الأخوان قبل الانتخابات مباشرة مرتبكاً مضطرباً. وبعد الفوز كان ايضاً مرتبكاً ومشوشاً ومضطرباً وتوازن الحركة مختلاً. قبل الانتخابات على عجلة من الوقت قام الإخوان بتشكيل حزب سياسي باسم العدالة والحرية. ودون دراسة معمقة لأقلمة مقولاتهم الدينية والسياسية ما قبل الثورة مع الشعارات أو المبادئ التي قام عليها حزب العدالة والحرية. لقد كان هذا التحول المتعجل طمأنة شرائح المجتمع المصري بأنهم سيكونون توأماً لحزب العدالة والتنمية التركي مما يضمن الاصلاح السياسي والاجتماعي والعلمي والحضاري. وفي ذات الوقت هذا التحول كان يهدف إلى ارسال رسالة تطمين لأمريكا والغرب على أن نهج الحزب لن وليس هو نهج ومبادئ حركة الإخوان التي دابت على التصريح بعدائها لإمريكا والغرب. خرج الشعب المصري يوم 20 نوفمبر 2011 مطالباً باستمرار الثورة للتخلص من ادارة العسكر لمصر، تخلى الإخوان عن الشعب ولم يخرج متأملاً بأن تُجرى الانتخابات في موعدها بعد ايام قليلة للحفاظ على توقع انتصاره خوفاً من حدوث اضطرابات شديدة تؤجل اجراء الانتخابات وخوفاً من زيادة الوعي الثوري الحقيقي لدى الجماهير المصرية التي لا زالت حتى ذاك الوقت بسيطة، ان الاخوان يعلمون بصحة الحقيقة القائلة بقدر ما نعطي الثورة، الثورة تعطينا. الإخوان كانوا يقسمون بأغلط الأيمان بخيانية اتفاقية كامب ديفيد وضرورة الغائها، وفجأة راحوا يعلنون بالتزامهم بالاتفاقيات التي ابرمها النظام السابق. الإخوان وقفوا إلى جانب المجلس العسكري في قمع مظاهرات التحرير في اواسط نوفمبر على الأقل لو بالصمت وعدم النزول مع الثائرين والآن يكتشفون أن المجلس العسكري سيظل في حكم مصر من وراء الستار كما كان في عهد مبارك برغم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. للأسف كثير من اعلامي ومشايخ الإخوان راحوا يشهرون بثوار التحرير خاصة تعري الطبيبة المصرية على يد عسكر المجلس المركزي وراحوا يسخرون ويستهزءون من الثوار ومطالبهم.

واخيراً، هل سيستيقظ ويفيق الإخوان لينتهوا من مرحلة الدهشة من المتوقع؟ أم هل سيلجأوون إلى قمع واضطهاد الشعب المصري فيما لو اكتشف قصورهم عن ادارة مصر كما يرى ارتباكهم الآن؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة بعد الحرب.. قوات عربية أم دولية؟ | المسائية


.. سلطات كاليدونيا الجديدة تقرّ بتحسّن الوضع الأمني.. ولكن؟




.. الجيش الإسرائيلي ماض في حربه.. وموت يومي يدفعه الفلسطينيون ف


.. ما هو الاكسوزوم، وكيف يستعمل في علاج الأمراض ومحاربة الشيخوخ




.. جنوب أفريقيا ترافع أمام محكمة العدل الدولية لوقف الهجوم الإس