الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رَغَد في الغابة المجنونة قصة للأطفال

خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)

2011 / 12 / 25
الادب والفن


أًمامَ الجبلِ الكَبيْرْ، كانَ هناكَ بيتٌ صغيرْ تعيشُ فيهِ رَغَدْ مع أمِّها، في صباحِ أَحَدِ الأيّامِ، أفاقَتْ رَغَدْ من نومِها، أمُّها ما زالتْ نائمة، كانَ كلُّ شيءٍ في البيتِ ساكِناً، ولا يوجدُ صوتٌ سوى أصواتِ العصافير التي كانتْ تغنّي مسرورةً بالصّباحِ الجديد.

اليومُ هو يومُ إجازةٍ في روضتِها، وهي تستغربُ لماذا تستيقظ مبكراً أكثر من العادة في أيام الإجازات، فحاولت أن ترجعَ إلى النومِ، لكنّها لم تتمكّن من ذلك، فخرجتْ من المنزل وراحت تنظُرُ إلى الجبلِ والعصافيرِ والأشجارْ، مشَتْ ببطءٍ باتجاه الجبل، ولأوَّلِ مرَّةٍ في حياتِها تصلُ إلى الصخرتين في بدايةِ الجبلْ.

كانت هناكَ فتحةٌ بينَ الصخرتين، لم تكنْ هذه الفتحة تُرى من بعيد، ولكنّها حينَ اقتربَتْ من الجبل ظهرت الفتحة بوضوح، كانت الفتحة صغيرة لكنها كافية لأن تدخل رَغَدُ بجسمِها الصغير، لكنّها لم تكنْ تتوقَّعُ المفاجأةَ التي تختبئُ وراء الصخرتين.

بمجرَّدِ أن دخلتْ رَغَدُ من الفتحةِ، أنفتحَ العالمُ أمامَها، فوجدَتْ نفسَها في ما يشبِهُ الغابةَ، واسعةٌ وجميلةٌ وغريبة في نفس الوقت، لم يكن فيها شيءٌ يشبِهُ الغابات التي في القصص، ولا تلك التي تراها في التلفزيون.

كانَ هناكَ نهرٌ صغيرٌ يمرٌّ من وسطِ هذه الغابة، ولونُهُ برتقاليٌّ وليس أزرق مثلَ لونِ الأنهارِ، وكانت هناكَ مجموعة من القرودِ لها أجنحةٌ وتطيرُ على الأشجار، وحتى الثمار في الغابة كانت غريبة، أسماكٌ بكلِّ الألوانِ تنبتُ على أشجارٍ زرقاء، وبرتقالٌ أبيضْ يتدلّى من عناقيدَ في أعلى نخلةٍ طويلة، فكانَ طبيعياً أن تسكُنَ الطُّيورُ في جِرارٍ من الفخّار، أما لعبةُ التِنِس بين الحمارِ ووحيدِ القرنِ فقدْ كانت فعلاً عجيبة وكلُّ واحدٍ منهم يمسِكُ ذئباً في يدِهِ ويلعبونَ بالقنفذِ بينما وقفتْ زرافةٌ كشبكةٍ بينهما.

لم تشعر رَغَدْ بالخوفِ، بل بالإثارة، وراحت تمشي في الغابة والقرودُ تطيرُ حولَها، والفراشاتُ تسبحُ سعيدةً في النهرِ البرتقاليّْ، أما الأسودُ فكانت تستمتعُ بأكل الأعشابِ الطريَّةِ البنيَّةِ اللونِ التي نبتت في الرملِ الأخضرْ، والغربانُ الذهبيةُ اللون تحرثُ قطعةَ أرضٍ صغيرةٍ على ظهور مجموعة من القطط ليزرعوها بالأحذية لأنَّ الشتاءَ قادمٌ وسوفَ تشعرُ الحيواناتُ بالغيظِ عندما يشتدُّ الصقيع، وعليهم أن يلبسوا الأحذية كي لا يتعاركوا فيما بينهم.

قالت لها سمكة بنفسجيَّةٌ تدلَّتْ من غصنِ شجرةٍ يغني أغنية خرقاء: لماذا أنتِ طويلةٌ هكذا بشكلٍ مُزعِج؟ إنني بحاجة إلى ألف قلمٍ كي أصير في مثل طولِكْ [بالطبعِ أنتم تعرفون أن الوقتَ يُحسَبٌ بالأقلامِ والأوراق في هذه الغابة، فالسمكةُ عُمرُها ثلاثةُ أقلامٍ وصفحتين]، وقبلَ أن تفتحَ رَغَدْ فمَها لتسأل السمكة، هبطتْ على كتفِها سلحفاة بعشرة ألوان وقالت: ههههه، لا تملكين جناحين، ولا يوجد لك أنياب ولا حراشف، فكيف بقيتِ على قيد الحياة حتى الآن ولم يأكلكِ العصفورُ المفترس؟

صارت الأسئلةُ تدورُ في رأسِ رَغَدْ، لكن من هو الذي سيجيبُها عنها؟ فلا يوجد أحد هنا يبدو أنه يأخذ الأمور بجدية، بينما هي تفكِّرُ أحسَّت بشيءٍ يلمسُ قدمَها فنظرت إلى الأرض، كان هناك فيل أصفَر بخطوط حمراء يتمسَّحُ في قدمِها، فحمَلَتْه وعادتْ تمشي في الغابة، فقال الفيل وهو يمسح خرطومَهُ بورقة جرجيرٍ ناشفة: أعذريني فقد أصابني الرشحُ منذ القلم الماضي ولم يغادرني حتى الآن، أخطأتُ حين تحممتُ بالجبن الأبيض ولم أضف إليه العسل، وعندما خرجتُ من الحمام، هبَّتْ ريحُ زيتِ السُّمْسُمْ، فأصابني الرشحُ كما ترين، لا تخافي إنه لن ينتقلَ إليكِ، فورقة الجرجير هذه تمنعه من السفر.

صارت الغابةُ تتّسعُ أكثرَ وأكثرْ، شاهدت رَغَدْ سنجاباً يبيعُ البوظة بينما وقفتْ مجموعة من النمور لتشتري منه وكل واحد يمسك مبلغاً من الدّودِ في يدِهِ، وحاولت أن تواسي دبّاً يلفُّ رأسَهُ بأفعى كبيرة كي يتخلَّصَ من الصُّداعِ في إصبَعِ قدمِه، أما الثعالبُ فكانت هاربةً وهي مرعوبة بينما تلحق بها مجموعة من الصيصان.

كان الجوُّ غريباً، كلّما كانت رَغَدْ تمشي خطوةً كانَ يتغيَّرُ بشكلٍ واضح، ثلج، مطر، حرارة شديدة، عواصف، نسيم، وكان الفيلُ يعطسُ بشكلٍ غريبٍ ويُخرِجُ من جيبِهِ ورقات جرجير جديدة كلما تفتَّتَتْ واحدة منها، ومن بعيدٍ شاهدَتْ رَغَد طائرَ الحسّون الجميل، لكنَّه بالطبعِ كانَ ملوّناً بالأخضرِ والأسودِ والأزرق، وبالطبعِ هربتْ كل الحيوانات إلى مخابئها لأن الحسون كان المفترس الأقوى في الغابة ولا يوجد حيوان يستطيع أن يقف في وجهه، حتى الفيل أخفى رأسَه في جيبِ رَغَدْ.

جلسَتْ رَغَد على حافة النهر، ومدّتْ رجليها في الماء الذي تراجع إلى الوراء كأنه يخاف من قدميها، فقفزت فراشة من الماء وقالت بصوت يشبه صهيلَ الحصان: بنتٌ ليس لها إسم، يهربُ منها الماء، بنتٌ تحملُ فيلاً، لا تأكلُ إفطارَها في الموعد، هيا نضحك، ها ها ها، هيا نبكي وااء وااء.

ضحِكتْ رغَدْ من طريقةِ الفراشةِ في الكلامْ وقالت: فراشةٌ مجنونة، عيونُها مثل الخرز، وصوتُها كصوت التفاح، ولونُها ليس له مفتاح.

فجأة تجمَّعتْ كلُّ الفراشاتِ وصرنَ يضحكنَ واقتربَ الماء من قدمي رَغَدْ وصار يلمسهما ويرجع كأنه يلاعبها الغميضة.

في الحقيقة أن رَغَدْ فهمت أن الغابة لا يوجد فيها شيء طبيعي، فقررت أن تتعامل مع الغابة مثل طريقة الغابة في الحياة، فصارت تقول أشياء لا يربطها ببعضها شيء، وهذا في الغابة يصير شيئاً طبيعياً، خصوصاً أن غزالةً بمخالبَ خشبية جلست بجوارِها وصارت تنسجُ بلوزةً من الماء لإبنِها الذي ستنجبهُ بعدَ ورقتين.

قامت رَغَدْ ووقفت تحت الشجرة، وقطفتْ شمساً وبضعة غيمات من الغصن المجاور لها، وربطتها مثل الأساور حولَ مِعصمِها، وصارت تهزُّ يدَها فتخرخش الغيمات حين تصطدم بالشمس، وراحت تغني: غاب الفأر إلعب يا قط، فاجتمعت حولها كل الغابة، حتى الشجرات البعيدات خلعن جذورهن وأتين يركضن وشكَّلنَ دائرة حولَها وصارتْ تغني والغابةُ تردِّدُ من ورائها.

وعندما كانت رَغَدْ عائدة إلى البيت، كانت تسمعُ الصّوتَ واضحاً والغابة كلها تغني: غاب الفأرُ إلعب يا قط.

20ـ 12ـ 2011








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي


.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من




.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري


.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب




.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس